ردك على هذا الموضوع

 

الصراع الاجتماعي والتغيير السلمي

أساليبه ومراحله ونماذجه

علي الشمري

مقدمة..

مع بدء الخليقة حفل التاريخ الإنساني بظاهرة التنافس والصراع من أجل العيش والبقاء وبسط النفوذ والسيطرة، وبرزت إرادتا الخير والشر أو الحق والباطل كجهتين أو قوتين متضادتين ومتخاصمتين عبر مواجهة مفتوحة على مر العصور والأجيال المتعاقبة.

ومنذ الأيام الأولى لبدء مسيرة الحياة الدنيوية سجل العنف هدفه الأول في ساحة الصراع، عندما تخاصم الأخوان هابيل وقابيل ابنا النبي آدم أبي البشر (ع)، حيث قتل قابيل أخاه هابيل، لتكون هذه الجريمة الفعلة الشنعاء الأولى في سجل بني البشر، وتغدو نموذجاً للسلوك الخاطئ الذي انتهجه رعيل المغامرين المتطلعين نحو نزعات التسلط والهيمنة واستعباد الآخرين من بني جنسهم، حيث جبهة الشر والباطل التي زرعت على طول التاريخ بذور الفتنة والقمع والاقتتال، محدثة الفواجع والكوارث التي دمرت الكثير من المجتمعات الإنسانية وحضاراتها، بفعل ما خلفته وراءها من أرقام رهيبة من الضحايا الأبرياء، وصور في غاية المعاناة والمأساوية.

ومراحل التاريخ السياسي الإنساني المتعاقبة شهدت بروز أفكار واتجاهات استبدادية وشوفينية، وأنظمة ديكتاتورية، خاضت ضد الشعوب وأمم الأرض صراعات غير شريفة وغير عادلة، استخدمت فيها كل وسائل وأسلحة التعسف والقسوة والقمع اللامحدود، في محاولة منها لقتل روح إرادة الخير، والنيل من الحق والعدل والحرية، وكان من نتيجة ذلك نمو الصراع التاريخي الطويل والمتواصل إلى اليوم، بكل ما أسفر عنه من حروب وأزمات وإضرابات وحوادث وعصيان وتمرد، اتسعت دائرتها وشدتها لتصل إلى مستوى الثورات المسلحة التي قامت على أمل أن تنتزع الشعوب المقهورة حقوقها من مغتصبيها.

ومع تطور الفكر الإنساني، وشيوع سبل التصدي والمواجهة السلمية في ساحات الصراع القائمة في مناطق العالم المختلفة، وحيث بؤر الأزمات الساخنة والمتفجرة على الصعد والمستويات الداخلية والخارجية، راحت مظاهر اللاعنف تبرز كسبل وحلول بديلة من أجل إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي، بعيداً عن توجهات العنف والإرهاب، وعاش العالم واقعاً ملموساً من أنماط الصراع السلمي الذي نجح في الكثير من المناطق والدول في تحقيق أغراضه وأهدافه المنشودة، ولعل تجربة (المهاتما غاندي) وثورته السلمية في الهند مثال حي لذلك، حتى غدا تقبل فكرة اللاعنف أمراً محسوساً، نالت مقولاته اهتماماً ملحوظاً في الأوساط الأكثر اختلافاً، وصار سبيلاً أخلاقياً باتجاه تحقيق مطالب العدالة الاجتماعية.

 

الحرية والسلطة

من المعروف أن التلاعب بالحرية في المجتمعات الحديثة لا يقل خطورة في نهاية الأمر عن عملية الإكراه والقمع نفسها، فمن المعروف تماماً أن مجموعة من الناس داخل كل مجتمع تتحكم من خلال سيطرتها على الثروة أو على النظام التعليمي أو على وسائل الإعلام، بخيارات الناس وطرق تفكيرهم واستهلاكهم.

وفي أحيان كثيرة يكون المحرومون من المال والسلطة في وضع يحال فيه بينهم وبين معرفة الخيارات المتوفرة أمامهم وبأن من الممكن والمستحسن تحقيق بعض هذه الخيارات، من هنا لابد من تأمين المجتمع ضد الفقر والمرض، ومن إشراك المواطن في صنع مستقبله السياسي حتى تكتمل الحرية وتخرج من إطارها النظري البحت، أي بمعنى آخر أن الحرية الإيجابية لا تتجسد إلا من خلال ديمقراطية اجتماعية وسياسية متقدمة.

كل هذا يؤكد الترابط بين الحرية والسلطة أو الحرية والقوة، فعندما ينشأ صراع بين أفراد ومجموعات لامتلاك وسائل وشروط العمل أو التحكم بها، فإن ذلك يعني الصراع من أجل التحكم بالخيارات المتاحة، وبالتالي بالحرية ذاتها، وينتج عن ذلك أن الناس عندما يكونون غير متساوين في القوة أو السلطة فإنهم في معظم الأحيان يكونون غير متساوين في احترام الناس لحريتهم.

ولما كان النشاط السياسي والمشاركة في الحكم هما من الأنشطة البالغة الأهمية والتي يعيرها الكثير من الناس اهتماماً عظيماً، فإن هذا الحق في ممارسة هذا النشاط والدخول في صلبه هو أحد الحريات الأساسية التي يتشبث بها هؤلاء الناس تشبثاً قوياً، سعياً إلى تحقيق الديمقراطية التي تعني انبثاق النظام السياسي الذي يشارك من خلاله كل أعضاء المجتمع الراشدين في صنع القرارات المتعلقة بالمصالح العامة المشتركة.

الإنسان المعاصر لم يعد يرفع شعار الحرية مجرداً دون أن يضيف إليه ما يوضحه ويفسره، لذلك نراه ينادي بحرية الوطن السياسية التي تعني الاستقلال وحق تقرير المصير ورفض التبعية، كما ينادي بالحرية الاجتماعية التي تعني في ذهنه رفض الاستغلال والفقر والمرض، وهكذا إلى ما لا نهاية.

 

الثورة الاجتماعية

هي عبارة عن تغيّر نوعي في الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية للمجتمع، عبر انهيار النظام الاستبدادي والمتخلف، وصعود نظام اجتماعي جديد أكثر تقدماً مكانه، عن طريق تفجر الصراع وحسمه سلمياً لصالح التقدم. وللثورة الاجتماعية أبعادها الشاملة المتكاملة، التي تنعكس على مختلف نواحي النشاط والعلاقات بين البشر، بدءاً من علاقات الإنتاج والتمركز الاجتماعي والمؤسسات الاجتماعية، وانتهاءً بالمقاييس الجمالية للمجتمع؛ إذ تحرر الثورة الاجتماعية قوى الإنتاج من عدم التطابق مع علاقات الإنتاج، كما تفسح في المجال للتقدم في الميادين السياسية، وفي العلاقات الاجتماعية وتنتزع السلطة من يد طبقات رجعية وظالمة، وتحل محلها قوى أكثر نزاهة وعدلاً.

ويلعب الوعي والتنظيم السياسي والقيم الفكرية والثقافية دوراً هاماً في عملية التغيير المطلوب، وفي تعرية النظام القديم وفضحه، والتنويه بأهمية النضال الإيجابي، وبضرورة الانتقال من مرحلة القول أو الشعور بأفلاسه، إلى العمل من أجل هدمه وبناء النظام الاجتماعي الجديد.

وتعتبر الأحداث الكبرى في التاريخ بمثابة ثورات اجتماعية؛ فالثورة ضد الإقطاع والثورة ضد الاستعمار أمثلة بارزة على الثورة الاجتماعية، التي تطلق العنان للتحرر، لكي تنتج وتبدع ما هو أكثر تقدماً في السياق التاريخي للمجتمع الإنساني(1).

الصراع السلمي يمثل أحد أساليب الثورة الاجتماعية، وهو صراع تدافع حضاري بنّاء يحقق الإصلاح ويدفع إلى الارتقاء والتقدم وحب المعرفة.. وتلك المعاني أودعها الله تعالى في طبع الإنسان ويسّرها له، وهذه تنير سبيل الشعوب نحو حياة أفضل تتأمن فيها مظاهر السعادة والكرامة الإنسانية، وبأساليب سلمية حضارية، بعيداً عن أساليب الإكراه والقسوة والعنف.

 

مراحل عملية التغيير السلمي

1) تحليل الوضع:

من الضروري أن يتخذ القرار بالتحرك انطلاقاً من إحاطة كاملة بالوضع الظالم الذي يراد تعريته وفضح ممارسات السلطة أو الجهة المتسببة في حدوث الظلم، ومن ثم تبني الأساليب المعقولة لمحاربته وإنهاءه، وإذا ما قصر المسؤولون عن العمل اللاعنفي في معرفة الوقائع، فهذا سيسيء إلى الحركة المعارضة بشكل خطير، ولربما يسبب الإخفاق في تحقيق الأغراض الإيجابية المنشودة.

فمن المهم تحليل بنية النظام الظالم المهيمن في العلاقات بين مختلف الأطراف لتحديد الجهة التي تمتلك صناعة القرار، كما يجب التعرف جيداً إلى القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتحكمة بالوضع، والمواقف العملية للقوى الراهنة والتبريرات النظرية التي تتسلح بها.

2) اختيار الهدف:

على ضوء تحليل الوضع، يتم اختيار الهدف المنشود - وهو خطوة أساسية يتعلق بها نجاح الحركة أو فشلها - وانتهاج سبيل يؤمن على الأقل بتعايش سلمي بين الطرفين، ومن الضروري أن تكون مطالب الحركة اللاعنفية واقعية وقابلة لأن يتفهمها الخصم، ومن الملائم تحديد المطالب التي يرجى الوصول إليها بشكل حاسم، وأيضاً التفريق بين ما هو مرتجى وبين ما هو ممكن. واستراتيجية اللاعنف ليست استراتيجية تنازلات متبادلة، وفي النضال اللاعنفي، كما يشدد الزعيم الهندي غاندي (الأدنى هو أيضاً الأقصى، وبما أن الأدنى لا يمكن اختزاله، فلا مجال للتراجع، إذن الحركة الوحيدة الممكنة هي التقدم) (2).

3) المفاوضات أولاً:

قبل نقل الخلافات إلى الساحة العامة يجب الدخول في أبكر وقت ممكن، في علاقة مباشرة مع الخصم، وذلك على سبيل السعي قدر الإمكان إلى حل النزاع دون اللجوء إلى اختبار القوى. ويجب تجنب كل موقف يعبر عن الحقد أو الاحتقار حيال الخصم، لأن كل موقف عنصري لا يمكنه إلا أن يزيد النزاع عنفاً، ويعزز الحواجز بين المتنازعين، ويجعل بالتالي كل حل أكثر صعوبة.

4) دعوة الرأي العام.

عند فشل المفاوضات، يجب عندئذٍ بذل الجهود لفضح الظلم في الساحة العامة من خلال كل وسائل الإعلام المتوفرة لدى الحركة سعياً للوصول إلى أقصى حد من العلانية بالمعنى التقني للكلمة، أي الوصول إلى الشعب وإعلامه بحجج الحركة وأهدافها.

وفي سبيل دعم هذه الأطروحات، يجب تنظيم تظاهرات، وهذه يجب أن تكون على تماس مباشر مع الشعب، لإعلامه وجعله يتفاعل مع أطروحات المتظاهرين، إذ إن قوة تأثير الكلمة تنبع من صحتها وليس من عنفها.

إن التظاهرات الشعبية وسيلة أساسية للتعبير والتواصل، ووحده التصرف الهادئ والمنتظم للمتظاهرين يعطي التظاهرة طابعاً يتسم بالنبل والكرامة، مما يزيد في قوة تأثيرها. ويفترض بالتظاهرات الشعبية أن تكون أولاً وقبل كل شيء وسائل إقناع تظهر صوابية القضية المدافع عنها وتشكل في الأساس وسائل للضغط.

ولابد من ذكر بعض الأساليب التي تتبعها التظاهرة الشعبية:

أ) البيانات: إن تبني شخصيات مختلفة للموقف الشعبي من خلال بيان يسلّم إلى الصحافة، يمكن أن يشكل دعماً لا يستهان به لهذا المطلب أو ذاك.

ب) العرائض: إن تنظيم العريضة يقوم على جمع أكبر عدد ممكن من التواقيع في أسفل البيان الذي يفضح الظلم ويطالب بالحل الملائم له.

ويشار هنا إلى أن أول عملين سياسيين للزعيم الهندي المهاتما غاندي اقتصرا بالتحديد على كتابة عريضتين وتسليمهما إلى الجهات المختصة، عندما وافق في عام 1894م بناءً على طلب أبناء بلاده المقيمين في أفريقيا الجنوبية، إرجاء عودته إلى الهند، لكي يقود النضال ضد العنصرية وسياسة التمييز والاضطهاد العنصري التي كانت تتبعها حكومة الأقلية البيضاء (الإنكليزية).

ج) مظاهرة لساعات: يجري الكلام عن مظاهرة لساعات حين يؤلف المتظاهرون موكباً يجتازون به المدينة سيراً على الأقدام متنقلين من مكان إلى آخر حاملين رايات وشعارات لإعلام المتفرجين وعامة الشارع الشعبي بأسباب التظاهرة وأهدافها، وقد يقف وراء تلك المظاهرة أفراد أو حركة حزبية معينة أو جهة نقابية.

د) المسيرة: هي اجتياز المتظاهرين مسافات طويلة من مدينة إلى أخرى عبر بلد أو عدة بلدان، الهدف منها إشعار الطبقات الشعبية في المناطق المجتازة بالظلم المنوي التشهير به.

ويمكن أن تتخذ المسيرة هدفاً محدداً يتمثل في لفت انتباه الشعب إلى عمل سيجري في نهاية المسيرة، وهذا ما حصل في (مسيرة الملح) الشهيرة التي قام بها غاندي لتهيئة الشعب الهندي لتحدي القانون الذي كانت الحكومة ترغم بموجبه كل مواطن هندي على دفع ضريبة عالية لدى شرائه الملح.

هـ) الإضراب المحدود عن الطعام:

وهذا يتم لبضعة أيام حيث يمتنع المتطوعون للقيام بالإضراب عن تناول الطعام لفترة تتراوح بين ثلاثة أيام وعشرين يوماً، أو أحياناً يعلن عن كونه إضرابا مفتوحاً يهدف إلى فضح علني للظلم والاستبداد وتوعية الرأي العام، إنه عمل يعبر عن المعارضة، ولكن لا يمكن له بحد ذاته أن يدعي إلغاء الظلم تماماً.

ويفترض إثر هذه الأعمال تقديم اقتراحات محددة من جديد للخصم بغية حل النزاع عبر إعادة طرح التفاوض، ويمكن أن يكون الضغط الذي يمارسه الرأي العام قوياً جدا بحيث يرغم الخصم على عدم الاستمرار في مواجهة قد لا تكون لصالحه.

5) توجيه إنذار أخير:

إن الإنذار الأخير هو أيضاً دعوة الرأي العام للتحرك باتجاه العمل المباشر؛ لذا من الواجب نشر نص الإنذار الأخير ودفعه إلى الصحافة والحركات والشخصيات القادرة على التعاون مع هؤلاء الذين اتخذوا القرار بالعمل المباشر.

وفي معرض سرده للنضال الذي قاده في أفريقيا الجنوبية، يشرح غاندي مطولاً الظروف التي أحاطت بالإنذار الأخير الذي وجهه إلى حكومة الجنرال سموت عام 1908م، بشأن إلغائها القانون الخاص بالملوّنين، الذي اعتبر مهيناً لكرامة الهنود، على أن رفض الحكومة تغيير موقفها، اضطر المعترضين الذين قادهم غاندي إلى تنفيذ المهمة وألقوا بأكثر من ألف شهادة قيد في النار، وفي النهاية، وبعد عدة أحداث أخرى، ألغي القانون الخاص بالملونين.

 

أساليب ووسائل التغيير السلمي

- المقاومة: هناك نوعان من المقاومة؛ مقاومة للطغيان والاضطهاد، ومقاومة من أجل التغيير.

النوع الأول يعني الحق الذي يتمتع به الأفراد أو الجماعات، والذي يتيح لهؤلاء أن يتصدوا لكل التصرفات غير القانونية والجائرة التي تصدر عمن هم في موقع المسؤولية، وقد أقر العديد من العقائد والمذاهب السياسية مثل هذا الحق، ومثال ذلك إعلان الحقوق الصادر في فرنسا في تموز/يوليو 1793م.

وعلى مستوى الممارسة، تكون المقاومة إما سلبية فاعلة، وإما عنيفة ضارية.

والمقاومة بوجهها السلبي الفاعل لا تستهدف سوى العمل غير القانوني والجائر، في حين أن المقاومة العنيفة تسعى لقلب النظام الحاكم القائم لأسباب ودواع معينة، وغالباً ما تكون بسبب سياساته الدكتاتورية وسلوكه الاستبدادي والقمعي.

وفي فرنسا يحتل حق مقاومة الطغيان والاضطهاد مركز الصدارة في الدستور، وذلك بموجب ما صدر في 16 كانون الثاني/يناير 1982م.

وأما النوع الآخر من المقاومة والذي يستهدف التغيير بكافة وجوهه، فهو تلك المقاومة السلبية أو المعارضة الإرادية وغير الإرادية التي تعتمدها جماعة من الناس أو بعض المؤسسات بغية إقرار تغيير شامل يتناول الأفكار والسلوك وقواعد التنظيم(3).

- العصيان:

وهو حركة مقاومة ضد دولة أو سلطة صاحبة سيادة على أرض العصيان المدني أو أفراده. وللعصيان أشكال متعددة فمنها العصيان المدني والمسلح والعسكري وعصيان العصابات، حيث يحصل العصيان في إقليم أو في القوات المسلحة أو في المصانع والبواخر. والعصيان حالة من المقاومة السلبية تتمثل بالامتناع عن القيام بالأعمال والمهمات أو عدم السماح للسلطات بممارسة دورها ومهماتها كالجباية والأمن والإدارة.. وذلك بهدف الحصول على بعض المطالب أو المكاسب من خلال هذه الطريقة السلبية. والعصيان بذلك أرفع درجة من الإضراب وأدنى من الثورة في سلم التحركات الاجتماعية ضد أوضاع سائدة.

ويشمل التعبير أحياناً وصف حالات التمرد أو الهجوم على المسؤولين في مؤسسات غير عسكرية كما هو الحال بالنسبة للسفن التجارية ولانتفاضة العبيد في دول يكرس قانونها الاعتراف بالعبودية.

وتنظر السلطات إلى العصيان على أنه عمل خطير للغاية يستحق العقوبات القاسية لما يشكله من تهديد لسلامة المؤسسات وللسفن التي تعتمد في مسيرها على الطاعة المطلقة لربانها.

- العصيان المدني:

هو عمل أو سلسلة أعمال يكون القيام بها عمداً وعلى سبيل التحدي للسلطات المدنية من أجل الوصول إلى هدف معلن، وهو شكل من أشكال المقاومة السلبية التي لا تصل إلى حد العنف أو التمرد، ولا تقتصر على تظاهرات متفرقة ومعزولة يقوم بها الأفراد أو الجماعات، ومن أساليبها الامتناع عن دفع الضرائب أو قيام الملونين بإحراق جوازات السفر احتجاجاً على سياسة التمييز العنصري، كما حصل في جنوب أفريقيا، أو الامتناع عن الالتحاق بالجيش، أو حملة صيام ومقاطعة شاملة (غاندي في الهند).

- الإضراب:

الإضراب هو توقف العمل في منشأة أو شركة ونحوهما، بسبب امتناع العمال عن القيام بأعمالهم كلياً أو جزئياً لفترة مؤقتة أو مفتوحة. ويستخدم العمال الإضراب وسيلة لإجابة مطالبهم بالضغط على أصحاب العمل أو بالضغط على السلطات بما سيسببه الإضراب من مشاكل لجمهور الشعب، وقد تنزع بعض طوائف العمال إلى الإضراب تعاطفاً مع طوائف عمالية أخرى ويعرف هذا بالإضراب التضامني؛ فالإضراب قد يقتصر على عمال مؤسسة معينة أو يمتد فيشمل جميع طوائف العمال، ومثاله الإضراب الشامل الذي شل الحياة البريطانية ما بين 3-12 مايو 1926م مما دعا البرلمان البريطاني إلى إصدار قرار باعتبار الإضراب مؤامرة إجرامية ضد سلامة الدولة.

ارتبط تاريخ الإضراب بالانقلاب الصناعي في دول أوروبا وأمريكا، ومن أقدم الإضرابات الكبرى إضراب عمال الحرير والصلب في الولايات المتحدة عام 1892م الذي راح ضحيته 18 من العمال ورجال الأمن، وقد بلغ عدد الإضرابات في الولايات المتحدة بين عامي 1935-1939 ما مجموعه (1892) إضراباً اشترك فيه مليون و130 ألف عامل، وعدد أيام العمل المعطلة بلغت 17 مليون يوم عمل، وبلغ عدد الإضرابات إبان الحرب (1941-1945) 14371 إضراباً اشترك فيه 6.7 مليون عامل أضربوا مدة 36 مليون يوم عمل، وبلغ عدد الإضرابات في عام (1956م) 3825 إضراباً اشترك فيه 1.9 مليون عامل انقطعوا عن أعمالهم مدى 33 مليون يوم عمل.

- الإضراب عن الطعام:

هو أن يرفض سجين سياسي أو غير سياسي الطعام ويكون ذلك عادة احتجاجاً على الحكم الصادر بحقه أو ضد ظروف السجن. وهذه الوسيلة قديمة بدأ استخدامها في غضون القرن العشرين وهناك أمثلة على استخدام هذا الأسلوب، منها إقدام المتظاهرات في سبيل منح المرأة حق الانتخاب في إنكلترا على الإضراب عن الطعام (1913-1918م)، ومنذ عام 1912م استخدم المواطنون الإيرلنديون وسيلة الإضراب عن الطعام في سبيل الحصول على الاستقلال.

وفيما بين عامي 1917-1919م استخدم الإضراب عن الطعام في أمريكا من جانب المطالبات بحق الانتخاب، والممتنعين عن الاشتراك في الحرب بسبب عقائدهم الدينية ممن كانوا معتقلين بالسجون، وفي الهند صام غاندي عدة مرات احتجاجاً على المستعمر البريطاني.

- المقاطعة:

تعني المقاطعة الرفض أو التحريض على رفض التعامل التجاري أو الاجتماعي مع مجموعات معتدية أو أفراد. والمقاطعة الاقتصادية وسيلة تلجأ إليها دولة أو أكثر أو مواطنوها بقصد خلق متاعب اقتصادية لدولة معينة، وتأخذ طريقة الضغط شكل تحطيم التجارة الخارجية للدولة المستهدفة، وتعطيل علاقاتها المالية، وفي أغلب الأحيان يكون فرض هذه المقاطعة عملاً سياسياً يستهدف التأثير على ممارسات أو سياسات الدولة المعتدية. وتكون الأسلحة الاقتصادية هي القوة الضاغطة، والقاعدة في اعتبار المقاطعة ناجحة، هي أن تحقق الغايات المطلوبة من قبل منفذيها، وتعتبر العقوبات الاقتصادية ناجحة حين تؤثر أو تسبب أضراراً اقتصادية.

وترجع بدايات استعمال المقاطعة إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الاستعمار البريطاني وفي حرب الاستقلال، والمقاطعة العربية لإسرائيل هي أحد أهم الأسلحة التي اضطر العرب إلى إشهارها منذ عشرات السنين ضد الحركة الصهيونية في بداية غزوها الاستيطاني، وما زالت مستمرة، ذلك لأنها تعتبر وسيلة ترمي إلى إحباط خطط الصهيونية العالمية للسيطرة الاقتصادية على أسواق العالم العربي والإسلامي، وبالتالي إنقاذ الصناعات العربية الناشئة من خطر الصناعات الإسرائيلية، وتجميد اقتصاديات إسرائيل ودفعها نحو التدهور.

أما المقاطعة من الناحية القانونية، فهي عقوبة تفرضها دول أو مجموعة من الدول على دولة أخرى ارتكبت عملاً غير شرعي، أو هي تدبير تأديبي أو زجري من دولة ضد أخرى ارتكبت ضدها عملاً منافياً للحق الدولي.

وفي هاتين الحالتين تكون المقاطعة عملاً مشروعاً يقره القانون الدولي. والغاية من المقاطعة تتراوح بين الضغط حتى حصول النتيجة، أو الحصار حتى سقوط وانهيار الحكم المستهدف أو تأديبه، ومن جراء ذلك قد تنحصر المقاطعة في بعض الميادين، كمنع التصدير إلى الدولة المعتدية أو منع الاستيراد منها أو الإتجار معها، وقد تذهب إلى إحكام الخناق الاقتصادي إحكاماً قاتلاً(4).

- الحصار السلمي:

هو تدبير اقتصادي أحياناً، وتدخلي أحياناً أخرى، تقدم عليه دولة أو مجموعة دول ضد دولة أو مجموعة دول أخرى لإجبارها على الوفاء بالتزام معين أو للضغط عليها وحملها على الرضوخ لبعض الشروط الاقتصادية أو السياسية. وذلك بإقامة حصار حول ميناء أو جملة منشآت تجارية أو صناعية تابعة لها، دون اللجوء إلى العمليات العسكرية المباشرة ودون إعلان الحرب عليها.

والحصار السلمي كإجراء اقتصاصي كان يخضع لقواعد، منها مثلاً: إيقاف خرق أحكام القانون الدولي، وتوجيه إخطار رسمي قبل اللجوء إليه، مثال ذلك الحصار الذي فرضته أساطيل إنكلترا وألمانيا على شواطئ فنزويلا عام 1902م لإجبار هذه الدولة على الوفاء بتعهداتها المالية. والحصار السلمي كإجراء تدخلي، كان يتم أحياناً باسم (المبادئ الإنسانية العليا) كالحصار الذي وجه ضد اليونان عام 1827م.

ومنذ عام 1945 منع ميثاق الأمم المتحدة اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أية دولة أو استقلالها السياسي، ولا يخرج الحصار عن كونه أداة قوة؛ لذلك لا يمكن اللجوء إليه إلا في الحالة التي يسمح بها ميثاق الأمم المتحدة(5).

- الهجرة:

الهجرة وسيلة للمقاومة ووسيلة لدفع عجلة الإصلاح، وإذا ما تحدثنا عن الصراع السياسي والديني والاجتماعي، فلابد لنا من التطرق إلى موضوع الهجرة، لأنها إحدى الوسائل والخيارات للتعامل بين أطراف الصراع وإدارة دفته فيما بينها.

والهجرة السياسية أو الدينية هي في جوهرها ترك الوطن إلى بلد آخر حين ينتفي الانتماء ويضعف الرحم أو ينتفي، أو حين يشتد الاضطهاد والعدوان والصراع بما يفوق طاقة الدعاة والمضطهدين. وهذه الهجرة تختلف عن الهجرة السياحية أو الاقتصادية التي تتم لأسباب معاشية وحياتية يسعى إليها الفرد ويقدرها وفق رؤيته ومصلحته. وفي ذلك يقول رسول الله (ص): (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، والهجرة السياسية والدينية قد تتم على أساس فردي وفراراً وهرباً من الاضطهاد الذي لا يستطيع الفرد المستضعف تحمله والصبر عليه. وهذه الهجرة هي هجرة فرار، وهي أيضاً مطلوبة إسلامياً لمن كان مستضعفاً لا رحم يحميه وينتصر له وليس له حيلة وقدرة على المقاومة، ولا يطيق الصبر واحتمال الأذى البالغ والبغي الساحق، ويخشى بذلك الفتنة في الدين والعقيدة والتفريط والبغي في الحريات والكرامة الإنسانية. يقول الله جل جلاله: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) (6).

هذا النوع من الهجرة وإن كان فراراً بالنفس، فإنه قد يصبح مطلوباً إسلامياً حماية للدين والنفس والكرامة الإنسانية، وليس تفريطاً في الحقوق وانصرافاً عن الإصلاح ومقاومة الطغيان، وقد تكون الهجرة هجرة ترقب، وتعتبر الهجرة في هذه الحالة وسيلة من وسائل مقاومة المضطهدين لمضطهديهم من الطغاة والظلمة؛ وذلك بالخروج من دائرة سطوة سلطتهم دفعاً للعسف ودرءاً للخسائر وترقباً للأحوال والعودة إلى البلاد في ظروف أفضل لرفع الظلم وانتصار الحق. وهذا النوع من الهجرة هو أقرب إلى حالة اللجوء السياسي في الوقت الحاضر، ومن ذلك هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة والمدينة خلال مرحلة اضطهاد قريش للمسلمين الذين رأى جلّ قيادات المشركين وجمهور عامتهم أنهم (المسلمين) ودعوتهم يمثلون خطراً على مصالحهم وتراثهم مما أضعف رحم كثير منهم وأدى إلى ألوان عنيفة من الاضطهاد لهم.

دروس من تاريخ الحركات السلمية

فإذا انتقلنا من العرض النقدي والنفسي والفلسفي النظري إلى الجانب الواقعي العملي، وإذا نظرنا إلى تجارب دعوات الإصلاح والتغيير الكبرى التي كتب لها النجاح في الماضي أو الحاضر، نجد العديد من الأمثلة مما يوضح هذا المفهوم بشكل عملي.

فدعاة النصرانية الذين رفعوا شعار الدعوة ضد كل ما كان يمثله الفساد والاستبداد الروماني، نهجوا الوسائل السلمية وأصروا على الدعوة إلى الإصلاح سلماً، وتصدى لهم النظام الروماني بغياً وعدواناً بالأذى والتعذيب والقتل، ولكن هؤلاء الدعاة المصلحين قابلوا ذلك بالصبر والاحتساب وعدم اللجوء إلى الرد بالعنف في المقاومة، وكان ذلك منهم مبدءاً والتزاماً وليس أمر خيار وسياسة في إدارة الصراع مع النظام الوثني الروماني الفاسد؛ ولذلك كان لابد أن ينهار ذلك النظام الروماني أمام دعوة الإصلاح وأن يفقد عناصر بقائه ودعائمه لينهار بكل مقوماته وأن تنتصر الدعوة النصرانية الإصلاحية وأن تبقى ذكريات تلك التجربة الإنسانية عزيزة على النفوس حية في ذاكرة التاريخ.

وبالأسلوب نفسه في عدم الرد على العنف بالعنف نجد أن الرسول الأكرم (ص) يصر في مكة وداخل الحرم المكي على الجهر بالدعوة الإصلاحية الإسلامية ضد فساد النظام القرشي وتعسفه واستبداده وفساد عقائده، وقد أدى ذلك، رغم جسامة التضحيات وفظاعة التعديات، إلى تخفيف شراسة عدوان النظام القرشي ضد المسلمين، والى مناصرة بني هاشم من قبل عدد من القيادات المكية لهم، بل ساعد دأبهم ومنهجهم ذلك على استقطاب عدد من الرجال القادرين من خيرة رجال المجتمع المكي؛ مما أدى إلى خلخلة قواعد النظام القرشي وتصدع بنائه وهدم سنده الأدبي، مما كان له فيما بعد أكبر الأثر في انهيار هذا النظام والقضاء عليه بعد أن قيض الله للمسلمين داراً للهجرة والنصرة في المدينة.

وفي التاريخ المعاصر أن الحركة الإسلامية الإصلاحية التركية المعاصرة واحدة من الحركات الإسلامية التي التزمت وسائل العمل المدنية السلمية، دون أن تحيد عنها، أداةً للدعوة إلى الإصلاح، ولم تلجأ إلى العنف ولم تجز لأحد من أتباعها استخدامه لتحقيق الإصلاح رغم ما تعرض له الحزب ورجاله في مراحل متعاقبة من صنوف الأذى ومن الضغوط المتلاحقة والتعويق من قبل الطغمة السياسية العلمانية الحاكمة مما أوجد بشكل متعاظم تأييداً أكبر للحركة الإسلامية السياسية(7).

 

من صور الصراع السلمي (اللاعنفي)

في عام 1966 قرر سيزار شافيز تنظيم مسيرة من ديلانو، الحي العام للعمال الزراعيين، إلى ساكرفنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا، انطلقت المسيرة في 17 آذار، وكان على المتظاهرين اجتياز الأربعمئة كيلو متر التي تفصلهم عن ساكرفنتو في غضون خمسة وعشرين يوماً، أي في اليوم الذي يصادف أحد الفصح في 10 نيسان. كان هدف شافيز من هذه المسيرة تعميم النضال المنظم حتى يتم الاعتراف بحقوق العمال الزراعيين، والضغط على السلطات العامة لكي تتحمل مسؤولياتها في النزاع الجاري.

وفي عام 1971م نظم القائد الإسباني اللاعنفي غنزالو آرياس وعدد من أبناء بلاده (مسيرة إلى السجن) من جنيف إلى مدريد وذلك دعماً لموقف جوزيه بونزا المعارض للخدمة العسكرية والمسجون في فالنسيا آنذاك، وللضغط على الحكومة من أجل إعطائه وضعاً شرعيا له ولرفاقه من معارضي الخدمة العسكرية الإسبانيين، وتوقفت المسيرة التي كانت تضم أيضاً متظاهرين من عدة دول عند حدود بورغ مدام حيث تم إيقاف الأسبان وإبعاد المتظاهرين الآخرين إلى فرنسا. لكن الصحافة تناولت الحدث على نطاق واسع، وبلغت المسيرة هدفها وهو إعلام الرأي العام عن وضع معارضي الخدمة العسكرية.

وحصلت ثلاث مسيرات ميزت نضال مزارعي اللارزاك ضد توسيع معسكر حربي، والذي كان يتطلب نزوح أكثر من مائة عائلة من المزارعين، في البرية. نقل المزارعون سبعين تراكتوراً إلى روديز وهي على مسافة أربعة وثمانين كيلو مترا من لارزاك، ولدى وصول التراكتورات أقيمت تظاهرة ضمّت 30 ألف شخص وهذه كانت مرحلة مهمة أولى من تعميم نضال المزارعين، وكان يعقد اجتماع يضم كل المناضلين والمتعاطفين مع المزارعين، لكن التراكتورات أوقفت في أورليان بأمر من المحافظ، فقرر المزارعون عندئذٍ متابعة طريقهم سيراً على الأقدام وانضمت إليهم على الفور تراكتورات مزارعي لواريه الذين تصدوا لحظر المحافظ، وعند بداية الغسق، صعد مزارعو اللارزاك في باص للمشاركة في مختلف التظاهرات المقررة في باريس. وفي 8 تشرين الثاني 1987 انطلقت مسيرة أخرى إلى باريس، لكن المزارعين تركوا هذه المرة تراكتوراتهم في أمكنتها وتوجهوا سيراً على الأقدام إلى العاصمة ودخلوها في 2 كانون الأول، وقد جرى استقبال الثمانية عشر متظاهراً الذين عبروا على أقدامهم السبعمائة وعشرة كيلومترات في أورليان، من قبل أربعين ألف شخص رافقوهم حتى بوابة إيطاليا، وأتاحت هذه المسيرة تقديم الدعم الهائل الذي لقيه مواطنو اللارزاك في جميع أنحاء فرنسا، وفي اليوم التالي استقبل رئيس مجلس الدفاع بناءً على طلب من رئيس الجمهورية وفداً من المزارعين، وأبدى تفهمه للوضع.

 

الهوامش:

(1) الموسوعة السياسية: ج1 ص875.

(2) المهاتما غاندي أثناء العمل: غاندي ص314.

(3) موسوعة السياسة: ج6 ص288.

(4) الموسوعة السياسية: ج6 ص286 -187.

(5) الموسوعة السياسية: ج2 ص547-548.

(6) النساء: 97-98.

(7) د. عبد الحميد أحمد أبو سليمان: العنف وإدارة الصراع السياسي.

 

المصادر:

(1) الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي(قدس سره): فقه السياسة، فقه الاجتماع.

(2) الدكتور عبد الحميد أحمد أبو سليمان: العنف وإدارة الصراع السياسي.

(3) الدكتور عبد الوهاب الكيالي: الموسوعة السياسية.

(4) الإمام الشيرازي(قدس سره): اللاعنف في الإسلام.

(5) جان ماري مولر: استراتيجية العمل اللاعنفي.

ردك على هذا الموضوع

إتصــلوا بـنـــا

الأعــداد السابقــة

العــدديـن 67 - 68

الصفحة الرئيسية