ردك على هذا الموضوع

 

حركة النهضة والإصلاح.. اللاعنف طريقاً

مرتضى معاش

عندما ابتدأت الحركة الإسلامية المعاصرة مسيرتها في القرنين الأخيرين فإنها قد ورثت إرثاً ثقيلاً من التخلف والاستبداد والأزمات من الدولة العثمانية. هذا الإرث كان له دور كبير في صياغة مشروع الحركة التغييرية المعاصرة؛ فقد كانت الارهاصات الحاضرة توجب ضرورة التحول نحو المدنية الحديثة واللحاق بركب الحضارة الإنسانية المتوثبة بالنهضة الصناعية والاقتصادية الكبيرة.

وقد تحدد مسار الحركة الإسلامية والوطنية الناشئة باتجاه أساسي واحد وهو محاربة الاستعمار، ونيل الاستقلال، كما كانت الشعارات مرفوعة آنذاك ولحد الآن. هذا المسار المتشبع بإرثه الثقيل، حول الهموم المتراكمة نحو عدو واحد هو الاستعمار، وطريق واحد هو الحرب والقتال؛ لذلك كانت لغة الحرب، والثورة المسلحة، والمواجهة الدامية ضد العدو الكافر، هي اللغة الوحيدة السائدة التي طغت على كافة الاتجاهات الفكرية

والعقلانية الأخرى. ولاشك أن المقاومة حق مشروع للدفاع عن الدين والوطن والنفس، ولكن المواجهة الحقيقية والنهضة السليمة هي التي تنطلق من عناصر الداخل، وبناء التكوين الحضاري الذاتي؛ فالمعركة التي تنتصر هي معركة المعرفة والوعي والتي تعتمد أساساً على إدراك جوهر وعمق التخلف الداخلي، وبالتالي إزالة عناصر الخمول والجهل والتفكك من النفس والفرد أولاً، ومن المجتمع ثانياً.

ولا نغفل بالطبع عن أن هناك اتجاهات نهضوية برزت تدعو إلى عملية معالجة النقص الداخلي، واجتثاث جذور الأزمة من الذات ابتداءً، فدعت إلى الحرية ومحاربة استبداد الحكومات، والديمقراطية والدستورية، ولكنها واجهت بعض الفشل في عدم نموها وتطورها كمشروع نهضوي وإصلاحي؛ وذلك لعدة أسباب منها أن بعض هذه الأفكار لم يقدم مشروعاً متكاملاً يتلائم مع أسس العقيدة الإسلامية، وبالتالي سعى إلى اقتباس أفكار النهضة الغربية، وتقديمها حلاً أساسياً لأزمة التخلف؛ فجوبهت هذه الحداثوية بثورة عارمة من الدعاة المتشددين الذين يسيطرون على الشارع الشعبي، حتى استحالت المواجهة مع الحداثة حرباً لازال يذكيها البعض؛ من أجل ضرب كل الأفكار التنويرية المتجددة.

قد يكون اقتباس فكر النهضة الغربية، ومحاولة تطبيق مفرداته حرفياً، هو أحد الأسباب التي أدت إلى عرقلة مشروع النهضة الإسلامية المعاصرة، ودخول هذا المشروع في معارك جانبية ألهته عن معركة تطوير وإصلاح وتجديد البناء الداخلي. وهنا لا نريد الخوض في تفاصيل واشكاليات النهضة المعاصرة، بقدر ما نريد التركيز على نقطة أساسية مهمة جداً في بنية هذه النهضة وتوجهاتها، هذه النقطة تبدأ بتساؤل محدد وواضح: هل إن مشروع النهضة والإصلاح، هو حركة حياة وبناء وتطوير، أم أنه مشروع موت وهدم وحرب..؟!

قد يقول البعض إنها حركة تحرير تهدف بشكل ضروري إلى عملية تحرير شرعي للأرض من الاحتلال الاستعماري الغاصب. إذن ماذا بعد التحرير؟ هل هناك مشروع لما بعد التحرير، أم أن الخطاب الثوري سوف يستمر دون أن يتوجه إلى عمليات الإصلاح الداخلي حيث التغافل عنها سيؤدي إلى خسارة هذه المكتسبات؟.

وإذا كانت الثورة المسلحة تهدف إلى التحرر من الاستعمار، فلماذا تحولت بعض الجماعات وبعض البلدان من بعد التحرير إلى وضع أسوأ من وضع ما قبل التحرير (الجزائر مثلاً)؟ أليس هذا يدعونا لاستخدام النقد الذاتي، ومراجعة أفكارنا، ومناقشة المسيرة، وبالتالي وضع الأولويات الشاملة لحركة الإصلاح والبناء؟.

قد يكون الهدم أسهل، وقد يكون الموت أكثر سهولة، ولكن الأصعب هو البناء والأكثر صعوبة هو الحياة؛ أليس الدين هو مشروع حياة، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/24)؟ فالإسلام رسالة قائمة على الدعوة للحياة والاستجابة لهذه الدعوة.

وعندما ينمو الوعي الحضاري بشكل سليم، فإنه يتجه نحو بناء الحياة على أسس هذه الحضارة التي أماتها التخلف؛ فالحياة تبدأ من نهوض العقل، والشعور بالحرية، والتعايش مع الآخر، والتعاون معه، بل الاتحاد معه عبر احترامه واحترام حقوقه وحريته، وفتح آفاق جديدة للحوار معه، ومجابهة الاستبداد المميت والذي يبدأ من استبداد النفس، وطغيان الذات الموروث من أنماط الاستكبار والتشدد والتطرف والعنف.

لا يمكن إلا أن نستمد ملامح المشروع النهضوي والإصلاحي من القرآن؛ فهذا الكتاب الحي الذي ينبض بالحياة والاستمرارية، يعتبر المرجعية التي يستوحي منها المسلمون قيمهم وأفكارهم، ولكن بشرط أن نقرأه بشكل شمولي قائم على معرفة حقيقية، وخبرة علمية، وتدبر عقلي لآفاقه وأعماقه، وليس قراءة قشرية تتوقف عند حروفه ونصوصه؛ فكم من قارئ سطحي أخذ النصوص وترك المعاني ليأول ويفسّر بحسب فهمه المحدود؛ ليستخرج فتاوى وأحكاماً قاطعة تستبيح حياة الآخرين وأعراضهم وحقوقهم. والخوارج وقبيلهم أدلُّ دليل على ذلك.

 

أهداف ووسائل مشروع النهضة

هل يمكن أن يكون العنف وسيلة من وسائل المشروع النهضوي الإسلامي؟!.

هذا السؤال يقودنا إلى قراءة ذاتية للمشروع الحضاري النهضوي، من خلال آيات القرآن الحكيم، لمعرفة مدى انسجام العنف مع هذا المشروع، وصدقية استخدامه على صعيد السنن الكونية التاريخية، وفاعليته كعنصر سليم في الحركة الحضارية، يكمل المركب العضوي الشامل لبناء كيان الأمة، وكذلك ناجزيته على الصعيد التشريعي والقانوني والعقلي، وصلاحيته على الصعيد الحركي والتغييري...

يهدف المشروع النهضوي الذي بعث لأجله الأنبياء والرسل (ع) بشكل أولي إلى إرشاد الإنسان للوصول إلى حريته الداخلية، عبر التخلص من العبودية الذاتية التي تقوده نحو الاستعباد والظلم والحرص والطمع والطغيان، والوصول عبر ذلك إلى الحرية الخارجية، والنهوض من نوم الغافلين المترهلين بقيود الطغيان السياسي والدكتاتورية التي هي متسلطة بالقمع والقتل، باستخدام وسائل استباحة الإنسانية بالخوف والطمع والفساد والسيطرة على الأنفس والتسلط على العقول بالاستبداد الشمولي.

كانت رحلة النبي موسى (ع) جهاد حرية، في مواجهة طغيان فرعون من جهة، وتحرير الإنسان من خوفه وطمعه وجبنه من جهة أخرى.

فالحرية أساس كل حركة إنسانية نبيلة نحو بناء الإنسان، وإثارة دوافع الحياة العميقة في داخله، وتحريك قيم العقل المدفونة في أعماقه، وقد قال الله تعالى:

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157).

فنزع قيود النفس التي تقمع الإنسان داخلياً، وتحريره من أغلال العبودية خارجياً، كان هدف الرسالات السماوية، وهو أساس نهضة الإنسان نحو الحرية؛ إذ لا يمكن أن يهتدي لربه دون أن ينال حريته.

والاختيار هو سنة الإنسان في الحياة؛ فبدون حرية الاختيار تنتفي غايات الإنسان في الحياة والكفاح والسعي نحو البناء والتغيير؛ لذلك كان العقل هو الأساس الذي ينطلق الإنسان منه ليحاور ربّه، وآيات ربّه، ويحاور الآخرين من أجل الوصول إلى الحقيقة، فلا تكون الحقيقة على أسنة الرماح، ولا في تجاويف القنابل المتفجرة، والرصاصات العمياء، بل الحقيقة هي الغاية الأسمى التي يصل إليها الإنسان عبر عقله الحر المتبحر في آفاق الكون ورحاب الحياة.

فتحرير العقل وتحريكه نحو التجديد، وقراءة التغيير، هو من أساسيات حركة النهضة والإصلاح. وقد قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في بيان حكمة إرسال الأنبياء والرسل، كما ورد في إحدى خطب نهج البلاغة:

(وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ واتَّخَذُوا الأنْدَادَ مَعَهُ، واجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ واقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ ووَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ ويُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ ويَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ ويُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ ومِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ ومَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ ولَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ ولا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ ومَضَتِ الدُّهُورُ وسَلَفَتِ الآبَاءُ وخَلَفَتِ الأَبْنَاءُ) (الخطبة1).

والعقل لا يصل إلى مرامه دون أن يكون هناك آخر يريه الجانب الآخر من الحقيقة؛ فيكون له مرآة تحاوره وتبين له أخطاءه، فمع إلغاء هذا الآخر تنتفي حكمة وجود العقل الذي تعتمد آلية تحريكه على وجود مختلف بل آلاف الاحتمالات لقضية واحدة، وبالتالي تسقط قدرته على التفكير والاستنتاج والقدرة على كشف الحقيقة.

إن التعددية الإنسانية والفكرية هي التي تدفع الإنسان نحو استخدام الحرية والعقل، وإثارة كوامن الحياة الطبيعية لدى كل فرد ومجتمع؛ فالإنسان يحيا مع الحرية والعقل ووجود الآخرين.

فمع هذه الأساسيات والغايات تصبح عملية الشورى والديمقراطية هي المنهاج المحوري الذي يعبر عن هذه الغايات؛ فالشورى، كآلية ونظام، تصقل مشروع النهضة وتضعه في أجواء سليمة وسلمية في حركة التنمية الذاتية والاجتماعية.

كما أن الأخوة الإسلامية والإنسانية تعد من خلال هذه الغايات رافداً أساسياً في مد جسور التواصل والانفتاح مع الآخر، على أن ذلك يقوم بدور احتواء الصراع الإنساني دون الوقوع في دوائر التنازع والصدام والحرب؛ فالأخوة تقوم بدور أخلاقي وعاطفي كبير يوجه طاقات البشر في وحدة تلاحمية وتعاون حقيقي وتعايش سلمي.

ويمكن أن نستنج من كل ذلك هذه الملاحظات:

1- إن مشروع النهضة يهدف إلى تحرير الذات والآخر عبر لغة العقل والهداية الذاتية والتنوير الفكري، دون اللجوء إلى عمليات الإكراه التي تناقض فلسفة وغاية المشروع.

2- إن الانفتاح على الآخر والحوار معه، هو الوسيلة الاستراتيجية لتقرير عملية البحث عن الحقيقة.

3- إن غاية المشروع الحضاري المستمد من القرآن الحكيم هي الوصول إلى الآخر من أجل الحوار معه واطلاعه على أساسيات المشروع القرآني والحضاري؛ ويعني ذلك أن مشاريع الانغلاق على الذات ليست أكثر من وسائل توصل إلى تحقيق مصالح ومكاسب محلية ووقتية وإقليمية؛ ذلك أن مشروع النهضة هو مشروع إسلامي عالمي يهدف إلى خطاب منفتح على جميع الأديان والأفكار والمذاهب (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيراً) (سبأ/28).

4- إذا كان المشروع النهضوي عالمياً، كما يستفاد ذلك من القرآن الكريم، فإن حركة هذا المشروع هي فعل جماعي تذوب فيه كل الآلام الشخصية وحالات رد الفعل والانتقام والثأر؛ إذ إن سلامة هذه النهضة تسير في إطار حالة نكران الذات والتضحية بالآلام النفسية والذاتية ونسيان الأحلام الوقتية؛ من أجل تحقيق أهداف النهضة في حركة مارثونية طويلة تحتاج إلى كثير من الصبر والتحمل والصمود والاستقامة والمثابرة والسعي وكظم الغيظ والعفو عن الأعداء والتغافل عن عثرات الآخرين، كما فعل رسول الله(ص) فوصل إلى غاية الرسل والمصلحين.

 

حركة العنف والمشروع النهضوي والإصلاحي

قد تكون كثير من حالات استخدام العنف هي حالات دفاع مشروع، وإن كان ذلك يحتاج إلى دقة متناهية حتى لا تتم استباحة حقوق الآخرين. ولكن ننوي هنا نقد حركة العنف باعتبار علاقته بالمشروع النهضوي؛ فقد تكون حالات استخدام العنف فردية، ولا تعرف نفسها بأنها منتمية إلى الإسلام، أو تهدف إلى نهضة الأمة وإصلاح الواقع الموجود، حينئذ يكون الأمر شيئاً آخر يندرج في بحث الشرعية والقانونية، ولكن عندما يندرج العنف في هذا التعريف العام ويتلبس بهذا المشروع فإن الأمر يحتاج إلى نقاش موضوعي يهدف، بتجرد عن الانفعالات الثورية والأيديولوجية، إلى الوصول لمعرفة التأثير الإيجابي أو السلبي لحركة العنف في المشروع النهضوي.

 

العنف.. الشرعية والالتزام بالحدود

إذا كان هناك ارتباط وثيق بين عنف الجماعات ومشروع النهضة والتغيير، فإن موضوع العنف لابد أن يندرج تحت منهجية المصالح والمفاسد أو المقاصد الشرعية، وهل أنه يحقق غايات وأهداف الشريعة والقانون، التي تهدف إلى تحقيق العدالة والقيم العقلية والأخلاقية أم أنه لا يحققها بل يضر بها؟. ولو تنازلنا وسلمنا جدلاً بثبوت أصل المشروعية هنا؛ لليأس من تأثير الدعوة السلمية بالحسنى، فإن استعمال العنف لا يجوز أيضاً من جهة العلم، بعد التأثير في الوصول إلى المقصد، وهو أسلمة المجتمع والنظام بأسلوب العنف، مضافاً إلى غلبة الظن أو العلم باستلزام استعمال العنف لوقوع الفتنة والهرج والمرج واختلال النظام؛ فيكون محرما من هذه الجهة أيضاً(1).

وعلى فرض أن حركة العنف تحاول تحقيق العدالة ورد الاعتداء، ولكن غايات مشروع النهضة أكبر من تحقيق العدالة الآنية، بل بالنظر إلى المستقبل البعيد والقريب هو مشروع لبناء التعايش والسلم الإنساني عبر قاعدة العفو والإحسان وإشاعة التسامح وإعطاء تلك الرؤية الإيجابية عن الإسلام؛ مما يحدث تأثيراً كبيراً في الرأي العام العالمي والإنساني حول مثالية هذا المشروع وإنسانيته، كما فعل ذلك رسول الله (ص) مع قريش بعد فتح مكة، وعفا عنهم بالكلمة المعروفة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). إذ إن العفو والتسامح في هذه المرحلة أولى وأكثر تحقيقاً للمقاصد والغايات من تطبيق العدالة الآنية، كما قال الله تعالى في كتابه الحكيم: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/34)، (وأن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/237) ،(وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/40).

نعم يمكن أن يكون استخدام العنف للدفاع عن النفس أمام العدو، ولكن مشكلة العنف أنه يتجاوز في أكثر حالاته مقولات الدفاع عن النفس والمقاومة المشروعة إلى أساليب غير مشروعة لا يقبلها منطق الدفاع عن النفس؛ فالعنف حالة ثورية انفعالية، يتطور بخاصيته الذاتية، ويتحول إلى تطرف، والتطرف في تمجيد القضية قد أدى بالناس، وفي ظروف تاريخية، إلى ارتكاب أسوأ الفظائع، وهم على قناعة بأنهم على حق(2). والمشكلة أنه لا توجد ضمانات حقيقية لوقف نزيف العنف بل إنه يتجدد ويأخذ أشكالاً مختلفة بعد أن يحقق أهدافه الآنية، وحينئذٍ فإنه يفشل في تحقيق العدالة؛ فالعمل العنفي يطمح على الصعيد النظري لأن يكون الأقل عنفاً بالنسبة إلى الأوضاع القائمة والأهداف المرجوة، ولكنه عملياً وفي أكثر الأحيان يفسح المجال لكل أشكال العنف غير الضرورية.

العنف في خدمة العدالة يفشل دائماً في تحقيق أهدافه ويتنصل من تبريراته لأنه يخلق بدافع من طبيعته نفسها، تناقضات جديدة تنتج بدورها مظالم جديدة أي أشكالاً عنيفة جديدة(3). فهل يمكن أن يقدم دعاة العنف ضمانات على عدم تجاوز استخدام القوة لحدوده وأهدافه..؟ ولكن عدوى العنف لا تتوقف بسهولة، ولا نستطيع التحكم بالعنف، بل هو الذي يدير الدفة(4).

 

القيمة الأخلاقية للعنف والتأثير في الرأي العام

يفترض أن العنف عند الجماعات الداعية للتحرر، يسير في إطار أخلاق عدالة قضيته ومحاربة الظلم وبالتالي كسب الرأي العام الشعبي وتعاطفه العملي.وبالتالي لابد من الحذر الشديد في استخدامه؛ فقد يتجاوز مستخدموه الحدود المرسومة له، إذ أنه يهدف في الدرجة الأولى إلى كسب الرأي العام الشعبي وتعاطفه العملي وتأييده الكامل، ولكن هذا الافتراض كثيراً ما يفشل في تحقيق تلك المعادلة؛ لأن العنف بطبيعته لا يستطيع أن يلتزم بالقواعد المنطقية؛ لأنه يسير في اتجاهات القوة والانفعال؛ فتكون بياناته التخطيطية منحنية حسب الظروف الآنية التي تحرك اتجاهاته.

لذلك يمكن للعنف أن يفقد قيمته الأخلاقية، ويخسر تعاطف الرأي العام، بسبب نتاجات باهظة قد كلفت الناس الكثير من الخسائر، يقول غاندي: (إني ضد العنف؛ لأن الفضائل الظاهرية التي يظن أنها تعود إليه إنما هي مؤقتة، في حين أن آثار الشر الناتج عن هذا العنف تبقى أبداً) (5).

وعندما يفتقد العنف قيمته الأخلاقية والشرعية، عندما يتجاوز الحدود بطبيعته الذاتية، يصبح من السهل في أحيان معينة أن يفقد تأييد الرأي العام، بل أن ينقلب الرأي العام ضده فيؤيد السلطة الحاكمة بحجة إعادة النظام.

لذلك يستهوي بعض الأنظمة الحاكمة، وخصوصاً الاستبدادية منها، أن تقوم الجماعات المعارضة لها باستخدام العنف من أجل قمعها والقضاء عليها. وفي ذلك قال سكرتير الجنرال (سموتس) في جنوب أفريقيا مخاطباً غاندي بعد أن عجز عنه: (أتمنى باستمرار أن تلجأ إلى العنف، كما يفعل المضربون الإنكليز، عندها سأعرف كيف أتخلص منك) (6).

فالعنف يفتقد لمبررات البقاء والصمود بسرعة كبيرة، لأنه يخسر في أحيان كثيرة قواعده الأخلاقية والشرعية والشعبية، فيسهل القضاء عليه. ويذكر (ليدل هارت) الكاتب في القضايا الاستراتيجية حادثة حول هذا الموضوع قائلاً:

(أثناء استجوابي لجنرالات ألمان بعد الحرب العالمية الثانية جمعت انطباعاتهم عن التأثير الذي أحدثته فيهم مختلف أشكال المقاومة التي واجهتم في البلدان المحتلة، فكانت شهاداتهم تقول بأن أشكال المقاومة العنفية لم تكن فعالة ولم تسبب لهم المشاكل إلا في المناطق الصحراوية والجبلية في روسيا أو في البلقان، كانت شهاداتهم تظهر فعالية المقاومة اللاعنفية، وكان يبدو أنهم عجزوا عن الوقوف في وجهها، لقد كانوا خبراء عنف تمرسوا على مواجهة أخصام يستعملون العنف، لذا وجدوا أنفسهم مرتبكين أمام أشكال المقاومة الأخرى، كانوا مرتاحين لرؤيتهم المقاومة تصبح عنيفة، خاصة حين كانت المقاومة اللاعنفية ترافق حرب الغوريلا، عندئذ كان يسهل عليهم القضاء بقمع متوحش يسحق شكلي النضال على حد سواء) (7).

 

العنف كوسيلة هل يحقق الغاية؟

لاشك أن حركات التحرر والنهضة التي ترفع شعارات القيم الأخلاقية والثورية، لابد أن تكون تطبيقاً عملياً لشعاراتها، وإلا فإن الكثير من الحركات قد اندثرت وزالت لأنها ناقضت أهدافها وخطابها. وهنا يبرز هذا السؤال الاستراتيجي وهو: هل يمكن للعنف كوسيلة أن يخدم غايته وأهدافه أم أنه قد يضرها؟ وهل يخدم العنف مشروع النهضة ويستطيع أن يحقق التغيير والإصلاح أم أنه على العكس يؤدي إلى نتائج عكسية؟. الوقائع التي أفرزتها حوادث العنف، وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، جعلت الكثيرين يعتقدون بأن الحركة الإسلامية والنهضوية قد خسرت الكثير من مكاسبها السابقة، بل إنها تحتاج إلى عشرات السنين لكي تسترجع بعض مواضعها السابقة على الساحة العالمية.

فالعنف، كوسيلة مجردة، لا يحمل في ذاته قيماً أخلاقية وإنسانية تخدم غايات إنسانية، واللجوء إليه في بعض حالات الدفاع الفردي والمحلي عن النفس لا يبرر استخدامه جماعياً وعالمياً. وفي حال تجاوز هذه المقولة فإن التبرير يتحول إلى انتهازية تحاول الحصول على أي نتائج خارجية، دون التفكير بالعواقب بشكل عام وشمولي يمتد من الماضي إلى المستقبل.

فالفعالية التي يتوخاها العمل تقوم على إعادة المعنى الحقيقي للإنسان دون أن يكون لهذا المعنى علاقة بأي ذرائعية همها الوحيد الحصول على نتائج ملموسة(8).

وفي ذلك يقول غاندي: (إن كل شيء آخر الأمر يكمن في الوسائل، وقيمة الغاية عندي من قيمة الوسائل، ولا يوجد أي فاصل بين هاتين الفئتين، إنهما أشبه ما تكونان بوجهي العملة نفسها.. إن التجربة أثبتت لي أن الخير الأبقى لا يمكن أن يتأتى من الكذب أو من العنف على الإطلاق) (9).

إن اختيار الوسائل وكيفية استخدامها هما اللذان يحددان الإنجاز الفعلي للغاية.. كتب غاندي يقول: (الوسائل هي كالبذرة، والغاية كالشجرة، إن الغاية موجودة في الوسيلة كما أن الشجرة موجودة في البذرة) (10).

والنقاش ليس فقط في كون العنف لا يقف عند حد أنه لا يخدم الغاية، بل إلى بعد آخر وهو أنه يؤدي إلى الخسائر الكبيرة، وضرب قيم الغاية التي يناضل من أجلها؛ فقد تتحول في بعض الأحيان هذه القيم إلى ضحية عنف الجماعة أو الأفراد، وتستباح هذه الأسس التي قامت عليها الحركة لصالح الوسيلة التي تتحول تدريجياً إلى غاية وقيمة مطلقة. كل هذا فيما الطغيان الأكثر تعسفاً واعتباطية يتحدث عن الكرامة والحرية وتحرير الإنسان لكي يفرض إجراءات ينتج عنها على الصعيد الأخلاقي تجاهل لمبادئ الحرية(11).

فالتحول الكبير الذي يفرضه استخدام العنف على الجماعات، هو التغيير الحاصل في أولوياتها، حيث لا كلام حينئذٍ في (قدسية) العنف المطلقة. ولو كان ذلك على حساب الكثير من الأهداف والمخططات، خصوصاً عندما تدخل اعتبارات أخرى في الميدان تسيطر عليها حالات الثأر والانتقام، وكذلك حالات الانفعال الثوري الصارخ الذي ينفجر نتيجة لانتصارات جزئية أو توتر الجو الشعبي العام وتصاعد تيار الخطاب الحربي والقتالي خصوصا في أوقات الحروب والمعارك الأهلية. وبهذا المنطق فإن (الغاية تبرر الوسيلة) ) ما دام التذرع بالهدف يمنع كل نقد أو جدل بشأن القيمة الأخلاقية لا بشأن الملاءمة التقنية للوسائل المتبعة(12).

والخطأ الفادح في مسيرة العنف هو التحول من كونه تكتيكاً يخدم القضية الهدف في حالات وظروف معينة إلى استراتيجية دائمة تطبق في كل الأوقات والأمكنة دون النظر للمصالح الذاتية المترتبة على ذلك. وهذا ناتج من طبيعة العنف الذاتية كما قلنا سابقا.

يقول الزعيم اليوغسلافي السابق (ميلوفان دجيلاس) في معرض تحليله لأسباب فشل الشيوعية في بلوغ الغايات التي حددتها لنفسها:

(بالطريقة نفسها التي انضممت بها إلى حركة ثورية ومارست وسائلها العنفية وأنا على قناعة في هذا العالم القاسي حيث نعيش، إلا أنني هجرت هذه الوسائل عندما اقتنعت بطابعها الموهوم وبعجزها عن إنجاح ما كان ينبغي تحقيقه والذي يشكل مبررها الوحيد وهو: الأخوة بين البشر وأنسنة الإنسان) (13).

 

العنف بين الهدم والبناء

قد لا يمكن معرفة العنف وماهيته ما لم يمكن التعرف على طبيعته الذاتية والميكانيزم الذي يتشكل وفقه؛ فهو سلوك يتشكل من خلال الطبيعة الداخلية للإنسان، إذ يستوطن في أعماقه اللاشعورية ليصبح تطبعاً سلوكياً يطوف في ظاهر وخارج الإنسان، وقد يتحول حينئذ إلى أيديولوجية نافذة تبرر له سلوكه العنفي هذا. وقد يساعد على ذلك الغرائز النفسية والأجواء التربوية والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها، فيتحول الإحباط الناتج من كل ذلك إلى تراكم مضغوط يمكن أن ينفجر في أي لحظة. يقول (ايريك فروم): (إن العنف والتدمير يمثلان الناتج التلقائي والحتمي للشعور بالإحباط الذي ينشأ عن الصدمة الناتجة عن خذلان الآمال والتطلّعات لسببٍ أو لآخر). والإحباط يشكل سبباً رئيسياً في نشوء العنف عند علماء النفس باعتبار أنه حالة مؤلمة تنزع الذات إلى إبعادها وإلى الخلاص من الضغط الذي ينجم عنها، ويكون العدوان أحياناً السلوك الدفاعي للذات في سعيها وراء الخلاص من ضغط الإحباط. والإحباط حالةٌ من اليأس القاتل الذي يستولي على الإنسان؛ فالعنف سلوك غريزي هدفه تفريغ الطاقة العدوانية الكامنة داخل الإنسان، وإن الإحباط سبب العدوان، وكلما زاد الإحباط زادت حدّة العدوان(14).

فالطاقة المخزونة في أعماق نفس الإنسان هي التي تقوده نحو الانفجار بالشكل العنفي بحسب مستوياته وأشكاله؛ لذلك فإنه يهدف بالدرجة الأولى إلى الهدم وليس البناء، والحال أن مشروع النهضة هو حركة بناء وإحياء وإصلاح، لكن طبيعة العنف في الهدم قد تحول مسار هذه الحركة نحو التدمير كما عبّر (فروم) عن ذلك، وقد أطلق البعض على هذا العنف اسم العنف الهيكلي أو الخفي أو البنياني، وهو ما عبر عنه (بيار بورديو) بالعنف الرمزي أي: عنف خفي مضمر ومستبطن ومغلق ويسعه بالتالي أن يقيم في السلوكات والعلاقات الاجتماعية الأكثر سيولة واتصافاً بالعادية(15).

وعبر عن ذلك ارون غاندي بقوله: (العنف يعني حرفياً أن نستعمل العنف الجسدي بينما نتجاهل العنف اللاجسدي الذي نرتكبه نحن إفرادياً أو جماعياً كل يوم، وهذا العنف اللاجسدي أو العنف السلبي هو الأشد مكراً لأنه يولد الغضب، مما يؤدي إلى عنف جسدي؛ لذلك ما لم نعترف بعنفنا السلبي ونعالجه لن نستطيع أن ننهي العنف الجسدي) (16).

ويمكن أن ننظر إلى العنف باعتبار أن الهدم من الدوافع الذاتية المطلقة فيه، وهو ما قاله علم الاجتماع في ذلك؛ فعرّف العنف الكلي أو البنائي أو الخفي بكونه: مجموعة من الاختلالات والتناقضات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع.. إن وضعية العنف الهيكلي هي التي تؤدي إلى وجود الصراعات الممتدة، وهي صراعات تضرب بجذورها في البناء الاجتماعي والتكويني والثقافي للمجتمعات.. وتتميز باستمرارية حالة من العداء والتوتر الذي قد ينفجر في شكل أزمات حادة وأعمال عنف مسلحة، وفي حالة الصراع الاجتماعي الممتد لا يبدو أن هناك نقطة أو نقاطاً محددة لانتهاء الصراع، ويطلق على العنف الهيكلي العنف الخفي وذلك لأنه عنف كامن(17).

إن العنف، كما نستنتج من الدراسات النفسية والاجتماعية، حركة في اتجاه قطعي حتمي لا رجوع فيه، فهو أشبه شيء بالمتفجرة البالغة القوة فلا يجوز استخدامه إلا بعد تفكير طويل في محاولة للسيطرة على نتائجه؛ فالعنف حالة قصوى من الوجود الاجتماعي، إنه واقع متعدد الجوانب صعب التطويق وأصعب منه السيطرة عليه(18). وقد قال أرسطو في كتابه (الأخلاق): (أن يغضب الإنسان فهذا سهل، ولكن أن تغضب من الشخص المناسب وفي الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب فليس هذا بالأمر السهل).

ومع غض النظر عن دوافع العنف وأسبابه فإن نتائج العنف وممارساته تقود في أحيان كثيرة إلى نتائج هدامة تقضي على فاعلية الحركة وحيويتها؛ إذ إن الممارسة العنفية تعني الدخول في صراعات مميتة وصدامات قاتلة، وتثير عناصر الحقد والانتقام والثأر؛ ذلك أن العنف، بدافع من طبيعته والمنطق الذي يقتضيه، يشجع الحقد حيال الفريق الخصم، وهو يحاول إدانة كل اللذين ينتمون إلى هذا الفريق دون أي تمييز، وإثقالهم بلعنة شاملة لمجرد انتمائهم إليه(19).

وهكذا يتحول العنف إلى دورات متسلسلة لا متناهية من العنف والعنف المضاد، ثم العنف المضاد إلى العنف المضاد، وهكذا تستمر قصة الحرب والقتل وتسيطر لغة القتل والدم والانتقام. وهذا هو جوهر وماهية وطبيعة العنف الهدامة، وقد عبر عن ذلك في تحليل معمق لفلسفة التاريخ وحركة الحروب والعنف والمعارك الدموية (آرنولد توينبي) حيث أجرى دراسات عن دورات العنف والعنف المضاد في التاريخ، وأن ظاهرة الحرب بين الدول كانت تأخذ تسلسلاً متتابعاً من الفعل ورد الفعل بحيث أن كل جولة كانت أشد إيقاعاً من سابقتها، وهذا اللولب المتصاعد من تراكب القوة ومضادها أوصل العالم إلى حافة الانتحار الكامل لكل الأطراف(20).

ويمكن أن نستنتج من زاوية معينة أن خاصية الصدام المطلق للعنف تدفع مستخدميه لأن يتحولوا بالبرمجة الآلية إلى دعاة للموت والانتحار، وهي خاصية هدم لا تحتوي على عناصر المستقبل والحياة، ولكن مشروع النهضة هو مشروع حياة يهدف إلى إنقاذ البشر وهدايتهم عبر الإصلاح الثقافي والأخلاقي والسلوكي، وليس هناك قدرة للعنف على تحقيق كل ذلك.

 

العنف صراع بين القوة والعقل

يختلف الإنسان عن الحيوان بأن الأخير يستمد بقاءه ووجوده من خلال قوته وقدرته على البقاء ومن خلال غرائزه التي تثير خاصية القوة البدنية والسرعة، ولكن الإنسان يستمد بقاءه ووجوده من خلال تعايشه مع الآخرين في رحلة مستمرة من التكامل والتكافل المشترك، تعتمد بصورة أساسية على وجود التفاهم والحوار والنظام؛ فبقاء الحيوان بالقوة والغريزة وبقاء الإنسان بالمعرفة والعقل، والعقل هو الذي يغلب القوة باستمرار، كما انتصر الإنسان بعقله على أقوى الحيوانات، وانتصرت الحضارات المتوجة بالعقل والمعرفة على أقوى الجيوش والأسلحة الحربية، وقد استخلص اقتصادي أمريكي يدعى (ادوارد دينيسون) أن (ثلثي النمو الاقتصادي الأمريكي نتج من تقدم معارف القوة العاملة ورفع مستوى قدراتها من التصنيع إلى صناعة التفكير، فالمجتمع المعلوماتي هو حقيقة اقتصادية وليس تجريداً فكرياً، فمع تقدم المجتمع المعلوماتي أصبح لدينا اقتصاد يعتمد على مورد أساسي ليس متجدداً فحسب بل قابلاً للتجدد الذاتي) (21).

والعنف لا يستمد قوته من كونه عقلانياً بل من كونه انفعاليا يستجمع العواطف والانفعالات ليحرر غضباً داخلياً كامناً يتحول إلى قوة لفظية أو بدنية أو حتى فكرية؛ ذلك أن عدد الأفراد الأكثر ميلاً إلى التأثر بالانفعالية المرتبطة بالأحداث المباشرة، وما يصاحبها من تضحيات وبطولات تجعل القضية التي يعملون من أجلها تكتسب صفة التقديس - أن عدد هؤلاء أكبر من عدد من يتأثرون بصواب الحجة أو قوة المنطق(22).

ويرى (كارل بوبر) في كتابه (اليوتوبيا والعنف): (إنني إنسان عقلاني لأنني أرى في موقف التعقل البديل الوحيد للعنف.. والعقل هو النقيض المباشر لأية وسيلة من وسائل القوة والعنف) (23).

إن حركة المجتمع المتعايش والمتضامن تعتمد في جوهرها على وجود آليات الحوار التي تنسق مع النظام، وتحل الخلاف بشكل هادئ، والعنف على العكس من ذلك فهو نقطة ضعف كبيرة في أي نظام اجتماعي يتخلى عن عقلانيته باتجاه التفكك والصدام. وقد طرح (جون ديوي) قضية تغيير المؤسسات الاجتماعية على أنها قضية صراع بين استعمال العنف أو استعمال الذكاء الإنساني في حل المشكلات. الإصرار على أن استعمال القوة العنيفة هو أمر لا مهرب منه يحد من استعمال الذكاء الإنساني؛ ذلك لأنه حيثما يسود المحتوم يبطل استعمال الذكاء(24).

إن مشروع النهضة والإصلاح هو مشروع يهدف بالدرجة الأولى إلى تنمية العقل الإنساني والارتقاء بالفكر عبر الكلمة النابعة من عقل استدلالي منفتح محاور على جميع الاحتمالات، فكيف يمكن للعنف أن يحقق لهذا المشروع النجاح والحال أن كلمته الأولى والأخيرة هي استخدام القوة المطلق مع غلق باب الحوار، والتشدد في الفكر والانغلاق أمام الآخرين. وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/64).

كما أن هناك تناقضاً جذرياً بين الكلمة (العقل) وبين العنف، وأحدهما يبدأ حيث ينتهي الآخر؛ ففي اللحظة التي يصبح فيها الكلام عنيفاً يكون بالتالي قد استبعد عن دائرة العقل وبالتالي لا يعود كلاماً(25). إن الكلمة هي الحوار حوار، الوجدان مع ذاته أو الحوار الخارجي الذي يقود للتسوية؛ ذلك أن الفعل الصرف هو الفعل الذي لا سند عقلياً له، والفعل الذي يستنفذ ذاته إلى أبعد مدى هو فعل عنف، إنه عنف لا لشيء إلا لأنه يرفض أن يخاطب الإنسان من حيث هو كائن وجدير بالاحترام، وعلى العكس من ذلك فإن ذلك الفكر الذي يزن العقل ويقدره، من البديهي انه نقيض العنف بل وعلاجه(26).

والعنف في هذه الحالة لا يعبر إلا عن ضعف القدرة على الحوار والاستدلال، بل ويعبر عن ضعف البنيان الفكري في قواعده، والعجز عن مواجهة الخصم بالمعرفة والعقل، خصوصا إذا كان في أوساط منغلقة يسيطر عليها جو الاستبداد وتسلط الرأي الواحد، ويمكن مشاهدة ذلك جلياً في الحوارات اليومية التي يعيشها الناس؛ إذ يلجأ بعض الخصوم لرفع أصواتهم أو استعمال أيديهم أو إرهاب محاوريهم. وهناك قصة صينية تعبر عن ذلك، مفادها أنه كان هناك اثنان من الصينيين يتشاجران وسط الزحام بالكلمات، وعندما مرّ أحد الأجانب على هذا المشهد عبر عن دهشته قائلاً: إن الأمر لم يتعد الكلمات، وكان لأحدهما أن يبدأ في ضرب الآخر لحسم الأمر، ولكن جاءته إجابة من صديقه الصيني بالمبدأ الصيني القائل: (إن الذي يضرب أولاً كأنه يعترف بأن أفكاره ضعيفة ولم تصمد أمام أفكار الآخر) (27).

 

العنف.. الإكراه..إلغاء الآخر.. الاستبداد

يستبطن العنف في داخله معنى إكراه الآخرين على فعل شيء، دون إرادتهم، بالقوة، ويستنتج هذا المعنى من خلال ما استنتجه علماء اللغة والنفس والاجتماع من هذه الكلمة، وإذا كان المراد إرجاع حق أو إجبار عدو على التراجع عن اعتدائه، فإن استخدام العنف لإلجاء الآخرين وإجبارهم على إرجاع الحق المشروع، لا يصبح قاعدة عامة تعطي مدلولاً شاملاً، بل هو استثناء محدود، يقرر شرعيته خبراء الشريعة والقانون، وإلا فإن أي إكراه واعتداء يصبح شرعياً وقانونياً، وهذه هي قمة اختلال النظام وفقدان التوازن.

العنف بشكل مجرد عن الاستثناءات هو فعل ضد الحرية بل هو يسلب حرية الآخرين ويشل قدرتهم على الاختيار. وهذا يتنافى مع حكمة الرسالات السماوية التي تهدف إلى تطبيع البشر إنسانيا وأنسنتهم فطرةً وعقلانيةً. وقد خاطب الله تعالى رسوله الكريم (ص) قائلاً: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (ق/45)، فوظيفة الرسالة تذكير الإنسان وإرشاده إلى عقله، دون محاولة السيطرة على حريته؛ ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية/21-22). فالقرآن الكريم هو رسالة حوار وتفاهم مع الآخرين من أجل الكلمة والإقناع، وسلب الحرية نقيض لرسالة القرآن، والعنف والحرية لا يلتقيان في الصعيد الواقعي والعملي لأنهما نقيضان، وإذا كان الحوار سعياً وراء التحكيم وأملاً بالتحكيم، فإن العنف بعكس ذلك؛ إذ يبدأ برفض التحكيم، أي يرفض كل تدخل محتمل، فهو بالتالي تسلط إرادة على أخرى(28).

إن العنف بطبيعته وإن كان يرفع شعارات العدالة والحق إلا أنه في أحيان كثيرة يسير باتجاه معاكس عندما يرى الحق المطلق لنفسه؛ لذلك فكل تيار أو اتجاه أو حركة لا تنضم إليه وتسير وفقه، فهي إما مرتدة وإما كافرة. وهذا هو التفسير التحليلي لأيديولوجية التكفير والتطرف. فالعنف لا يعترف بالآخرين ولا يقبل بالتعددية، وتقوم ممارساته عملياً على إلغاء الآخر، وبالتالي فهو يسير في اتجاه الاستبداد المطلق، وهذا الاستبداد المطلق هو أحد النتائج الخطيرة التي يولدها العنف؛ فالاستبداد والعنف هما من أهم أسباب التخلف والتأزم؛ لأن كل واحد منهما ينتج الآخر، ويولد الآخر، ويوفر الأرضية اللازمة له، حتى أنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض خارجاً وإن كانا ينقسمان في المفهوم.

وقد برهنت الاختبارات التي أجراها علماء الاجتماع على الجماعات الصغيرة أن عدوانية أي جماعة حيال جماعة أخرى تفوق عادة عدوانية فرد ما حيال فرد آخر. وتقول هذه الاختبارات: إن زخم العدوانية يرتبط إلى حد كبير بنمط القيادة، واستطاعت أن تحدد: إن عدوانية أي جماعة مطلقة تخضع لقيادة مطلقة تفوق ثلاثين مرة عدوانية جماعة تخضع لقيادة ديمقراطية(29).

ولقد برهن التاريخ في مواقع كثيرة أن الحركات العنفية التي تصل إلى مواقع السلطة تتحول إلى سلطة استبداد مطلق تستخدم القمع والعنف تجاه الناس أضعاف السلطة السابقة (الثورة الفرنسية والثورة الشيوعية في روسيا.. مثلاً). فالأساليب المستندة إلى العنف والقوة القاهرة في السيطرة على السلطة ستقود حتما إلى الدكتاتورية مرة أخرى والى الحكم الاستبدادي اللادستوري المتسلط والمتحكم بواسطة القهر والإرغام(30).

 

هل يمكن للعنف أن يحقق الوحدة والتعاون؟

إن مشروع النهضة هو مشروع يقوم نجاحه أساساً على الوحدة والتعاون بين مختلف الاتجاهات والتيارات؛ إذ لا يمكن تحقيق التغيير والإصلاح دون وجود جهد جمعي يعتمد على التكامل والتعايش، لكن الطبيعة الداخلية للعنف باعتبار أن الإكراه والاستبداد الأيديولوجي وعدم الاعتراف بالآخرين وبحريتهم يجعل من العنف حالة أقرب لإثارة الصدام والتفكك والاحتراب الداخلي. فالجماعة العنفية تتجه نحو هدف معين يمثل حقها المقدس في السيطرة المطلقة على كل الأمور هذا الأمر سوف يقود إلى حرب أهلية وصراعات داخلية فيما لو كان هذا الحق المطلق تدعيه عدة جماعات، وهذا الحق الذي يتمتع بقدسية لاهوتية تسري في داخل الجماعة نفسها حيث لا يحق لأي فرد أن ينازع ويجادل أو يسأل القيادات خصوصاً القائد الأعلى الذي يتمتع بسلطة أبدية مطلقة تجعله في كثير من الأحيان في مقام ادعاء الألوهية، بمعنى أن الخروج عن إرادته كفر وارتداد يستحق العقاب الصارم.

هذا النمط من الثقافة والتفكير سوف يعجل بالتفكك والتشرذم والانقسام؛ الأمر الذي يقود الأمة حتماً إلى فقدان عناصر الوحدة الاجتماعية وهشاشة بنيتها التحتية القائمة على التكامل والتعاون والتعايش؛ فهناك علاقة طردية بين عدم التكامل والعنف السياسي؛ أي كلما تزايدت أشكال عدم التكامل في المجتمع، تزايد العنف السياسي؛ نظراً لأن الهويات والانقسامات المتعددة داخل المجتمع تتجه إلى التناقض؛ الأمر الذي يولد العنف والتوتر(31).

فطبيعة العنف تتناقض مع الوجود التعددي للآخرين؛ لذلك فإذا لم تسمح تلك الصيغة بتمكين مختلف القوى والتكوينات الاجتماعية من المشاركة في السلطة بشكل سلمي والحصول على نصيب عادل من الثروة، فسينفتح باب التوتر والعنف على مصراعيه، ومن هنا فإن الاتجاه نحو المركزية قد يزيد من حدة الصراعات بين الجماعات المختلفة(32).

هذا بالإضافة إلى أن العنف يقوم بدور خطير يتمثل بتدمير بنية المؤسسة الاجتماعية وتحويلها من عنصر أساسي في استقطاب الأمن والاستقرار واستيعاب الطاقات الاجتماعية وبلورتها بصورة سليمة إلى وجود هش قائم على القلق والفوضوية والهامشية، كما أن انتقال جماعات العنف بالضرورة إلى العمل السري سوف يزيد من حدة الانقسامات، ويجعلها في مواجهة مع المجتمع، خاصة وأن العمل السري سيجعلها في عزلة كبيرة عن القواعد العامة للمجتمع.

 

الاستنتاجات الأساسية لعلاقة العنف بالمشروع النهضوي

أولاً: إن مشروع النهضة مشروع سلمي يهدف إلى إيجاد حركة جمعية عالمية لا تعترف بالحدود الجغرافية والقومية والمحلية والأيديولوجية، بل يعتمد على كونه مشروعاً إنسانياً؛ لذلك لا يستطيع أن ينسجم مع العنف باعتبار أن العنف مشروع ضيق لا يعترف إلا بآفاقه الخاصة وأبعاده المحلية.

ثانياً: إن مشروع النهضة مشروع انفتاح على الآخر والتعايش معه والالتقاء به من أجل تحقيق شراكة إنسانية أعطاها الله سبحانه تعالى للجميع، بالمنافسة المشروعة القائمة على الحقوق المتوازنة والكفاءة والنظام. والعنف لا يعترف بالآخر بل يريد تحطيمه وفرض إرادته عليه.

ثالثاً: إن مشروع النهضة مشروع حوار من أجل وضع الآخرين في طريق التقارب والتفاهم، والعنف يصنع الحواجز والأحقاد ويضع شروط أيديولوجية تقوم على غلق أبواب التفاهم، وتحويل الآخر إلى عدو مطلق.

رابعاً: إن مشروع النهضة مشروع شورى وديمقراطية، يسعى إلى نشر ثقافة التعبير عن الرأي، والمشاركة الشعبية في القرار، وتحويل النظام السياسي إلى مسؤولية مشتركة. والعنف يريد الوصول إلى السلطة بالقوة والسلاح وشحن أجواء النظام الاجتماعي بالتوتر والقلق والخوف، وبالتالي إسقاط كافة خيارات المشاركة الديمقراطية السلمية.

خامساً: إن مشروع النهضة مشروع إصلاحي تغييري يهدف إلى عملية بناء الأسس التحتية للحركة عبر برنامج تثقيفي تربوي يهدف إلى إصلاح النفس والذات، بينما حركة العنف تستبق الزمن، وتتجاوز الحركة الطبيعية للنمو الحضاري والإنساني؛ لذلك فهي غالباً ما تدمر مكتسبات النهضة.

سادساً: أحداث سبتمبر أثبتت لنا أن العنف قادر على حرق الكثير من القواعد الحضارية التي يتحرك وفقها مشروع النهضة، بعد أن أدخل الأمة في معركة استنزافية اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ومعنوياً، وجعلها في موقع الدفاع في معركة هي ليست المعركة الحقيقية بقدر ما هي معركة موهومة قُصد منها تحريف المسيرة الأساسية للنهضة الحضارية.

 

الهوامش:

(1) محمد مهدي شمس الدين، فقه العنف المسلح في الإسلام، صحيفة الحياة اللبنانية العدد 14111

(2) مولر، جان- ماري، استراتيجية العمل اللاعنفي، ص 22، حركة حقوق الناس.

(3) المصدر السابق، ص67.

(4) المصدر السابق، ص218.

(5) غاندي، كل البشر اخوة، ص48، اصدار حركة حقوق الناس.

(6) استراتيجية العمل اللاعنفي، ص256.

(7) ن.م ص279. حرب العصابات: وتعرف كذلك باسم (الغوريللا) قتال يأخذ صورة الحرب تشترك فيه جماعات من الفدائيين ضد جيش نظامي للحكومة القائمة أو لحكومة أجنبية تفرض سيطرتها على الإقليم، وتتألف كل جماعة من عدد محدود من الوطنيين المدربين على القتال واستخدام الأسلحة الصغيرة تحت قيادة رئيس يدير عمليات الهجوم أو الانسحاب أو الاختفاء في مناطق بعيدة عن متناول أيدي القوات النظامية كالغابات والكهوف الجبلية، وتستخدم في قتالها ما قد تستحوزه من أسلحة العدو وتعتمد على تكتيكات خاصة تمليها طبيعة المكان (القاموس السياسي: وضع أحمد عطية الله، دار النهضة العربية - القاهرة ط3/1968).

(8) استراتيجية العمل اللاعنفي،ص 21.

(9) كل البشر اخوة، ص29.

(10) استراتيجية العمل اللاعنفي - م.س - ص 25.

(11) استراتيجية العمل اللاعنفي (م.س) ص 26.

(12) المصدر السابق، ص 23.

(13) المصدر السابق، ص 26، مقتبس من كتاب مجتمع ناقص لشيوعية في طور التفكيك.

(14) مرتضى معاش، العنف وحركة التغيير، مجلة النبأ، العدد(23-24).

(15) حسن الشامي، العنف الرمزي، صحيفة المستقبل اللبنانية، عدد 9-4-2001.

(16) ارون غاندي، اللاعنف في الشرق الاوسط، على طريقة غاندي،صحيفة الحياة اللبنانية، العدد 14133.

(17) د. حسنين توفيق ابراهيم، ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، مركز دراسات الوحدة العربية،ص 44.

(18) فريق من الاختصاصيين، المجتمع والعنف، ترجمة الياس زحلاوي، ص183، اصدار المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.

(19) استراتيجية العمل اللاعنفي،- م.س - ص 262.

(20) د.خالص جلبي، آلية عمل المقاومة اللاعنفية، صحيفة الشرق الاوسط، عدد14-12-2000.

(21) مرتضى معاش، المعلوماتية مواجهة تاريخية جديدة، مجلة النبأ، العدد رقم 50.

(22) عالم الفكر، المجلد الخامس، العدد الثالث، ص169.

(23) تيد هنريش، العنف السياسي، ص49، ترجمة عبد الكريم محفوض - عيسى طنوس.

(24) عالم الفكر، المجلد الخامس، العدد الثالث، ص167 (م.س).

(25) استراتيجية العمل اللاعنفي (م.س)ص 243.

(26) المجتمع والعنف (م.س)، ص144.

(27) مرتضى معاش، آفاق الإصلاح والتجديد.. الحوار طريقاً، مجلة النبأ، العدد58.

(28) المجتمع والعنف(م.س)، ص 144.

(29) المجتمع والعنف (م.س)، ص72.

(30) باقر ياسين، العنف الدموي سلوك محتمل بين فصائل المعارضة، الحياة العدد 876.

(31) ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، (م.س)، ص223.

(32) المصدر السابق 225.

ردك على هذا الموضوع

إتصــلوا بـنـــا

الأعــداد السابقــة

العــدديـن 67 - 68

الصفحة الرئيسية