ردك على هذا الموضوع

 

( كلمة النبأ )

لماذا العنف واللاعنف الآن..؟!!

أسرة التحرير

الأحداث والتطورات الأخيرة على الساحة العالمية أبرزت بشكل واضح إشكالاً أساسيا تمثل بعدم وجود رؤية واضحة للكثير من القضايا، التي بقيت عالقة بنتائجها على سطح الحدث وتطوراته. لقد أدى تشوش الرؤية وعدم وجود تحديد واضح لها إلى ظهور اجتهادات كثيرة يغلب عليها السطحية وعدم الخبروية أو استغلال هذا الظرف خدمةً لمصالح سياسية ودينية معينة.. بروز هذه الاجتهادات المختلفة والمضطربة، وغياب الآراء الخبروية والمطلعة، يؤدي بالضرورة إلى مزيد من التوتر في مشاهد منفعلة تغلي بالمشاعر المكبوتة بسبب أجواء الاضطهاد والظلم والحرمان.

هذا الغياب في الرؤية، بالإضافة إلى الفوران الحماسي والانفعالي، يجعل الساحة تسير في اتجاه جبري محتوم نحو صدام يفرضه منطق واحد تحركه مشاعر متوترة حيث لا يوجد هناك متسع لاختيار طريق أو حتى الكلام عن طريق جديد.

لا يمكن الحوار في هذه الظروف؛ فمنطق الثأر قد سيطر على كل الأمور بحيث أصبحت محاولات فتح حوار لمناقشة هذه القضية من المحالات، إن لم تكن جنوناً، فالتيار العام قد تملكته الأحاسيس والعواطف بحيث صارت مناقشة قضية العنف أمراً متعذراً، وكأن الكلام فيها قد أصبح كفراً، وأن لا علاج للظلم إلا بالعنف المطلق!!.

ولكن تداعيات أحداث سبتمبر تفرض علينا أن نناقش الكثير من القضايا، التي يراها الكثير وكأنها من المسلّمات، عبر الحوار العقلاني المنفتح الذي يهدف للوصول إلى أفضل السبل لحماية مصالح المسلمين والدفاع عن قضايا الإسلام الأصيلة.

هذا العدد من مجلة النبأ هو محاولة لقراءة مشاهد العنف المتوترة قراءة نظرية تسبر آراء الفكر المختلفة، في محاولة لدراسة هذا المفهوم، والوصول لأبعاده ودوافعه وآثاره وقدرته على تحقيق المصالح العامة للمسلمين؛ إذ إن تحليل هذا المفهوم يمكن أن يوصلنا لرؤى جيدة وجديدة تكشف لنا أبعاد الحدث المستمر في الكثير من مناطقنا. وبالوصول إلى أعماق مفهوم العنف وتداعياته يمكن أن نتخذ الموقف السليم الذي يمليه علينا العقل المجرد من العواطف الانفعالية والأحكام المسبقة.

قد يكون اللاعنف مفهوماً صعباً هضمه وقبوله لدى الكثيرين وهم يعتبرونه مصداقاً للاستسلام والذل، في حين أن العنف والعنف المسلح في رأيهم هو أفضل وأول وآخر حل لمواجهة الظلم والعدوان والثأر من الأعداء الدائمين. ولكن السؤال الملح هو: لماذا لم يحقق العنف أهدافه رغم قدم عهده؟ ألا يستدعي هذا الأمر أن نفكر في الجانب الآخر من القضية، ونقرأ اللاعنف قليلاً، ونتأمّل في منهجيته وجوهره؟

كيف يمكن أن نحكم على اللاعنف دون أن نقرأه بعمق ودقة ونفهم استراتيجيته النضالية وأهدافه البعيدة المدى وآلياته في المقاومة، وحينئذٍ قد يكون اللاعنف هو أقوى من العنف في مقاومته وجهاده..؟ هذا الأمر يحتاج منا إلتفاتة إلى الاتجاه الآخر، والاستماع - ولو قليلاً - إلى ما يقوله الرأي المخالف..

لذلك لم يكن هدفنا مهاجمة العنف والإغماض عنه في هذه البحوث، بقدر ما هي محاولات فكرية تناقش وتحاور من أجل تسليط الضوء على ذلك الجانب الآخر من القضية الذي قد يكون قد اختفى عن أنظار الكثيرين، وليس هناك ضير من الاستماع إلى الرأي الآخر خصوصا إذا احتملنا أن هذا الرأي قد يعطي حلولاً وبدائل جديدة ومفيدة تقلل من حجم الخسائر وتزيد من المكاسب، وقد تكون أسرع وأقدر على تحقيق الأهداف والغايات.

ولعل من المفيد جداً، الاستفادة من حالة النقد الذاتي، ومراجعة  أنفسنا قليلاً، من أجل تقييم مواقفنا ودراسة سلوكياتنا وتحليل أولوياتنا، بشرط أن لا يدخل في البين حالات الإرهاب الداخلي والعنف ضد الرأي الآخر الذي يحاول أن يطرح رأياً بديلاً لما تسالم عليه الكثيرون.

أن نخضع لصعوبات النقد الداخلي، ومحاسبة الذات، والتخلي عن كبرياء الذات، وترك هامش للخطأ والصواب، أفضل من أن نخسر الكثير من الأرواح والأنفس والأوطان والمعنويات، ثم تأخذنا الاحباطات فتسيطر على نفوسنا باليأس، ونستسلم للعدو استسلاماً مطلقاً. وهنا يصبح من الضروري التوقف عن الخطاب الحماسي الثوري المنطلق بسرعة فائقة نحو الصدام، والتحول إلى الحوار العقلاني الداخلي بروية تتيح سبر مختلف الاحتمالات والوجوه.

هذا الحوار ينطلق نحو التشكيك بمنهجية العنف، وهل أنها تؤدي إلى الغاية المطلوبة..؟ وفتح الحوار في مسألة اللاعنف كبديل محتمل مع بدائل أخرى..؟

حاولنا في هذا العدد فتح حوار حول موضوع العنف واللاعنف دون أن نغلق الباب على هذا الحوار، بل هو دعوة مفتوحة لمناقشة القضية، ونحن مستعدون لقبول الردود والنقد ونشرها في الأعداد المقبلة للمجلة.

قد يمكن أن نتعرض إلى النقد الشديد بسبب محاولة الدخول في هذا البحث في هذا الوقت، حيث يعتقد البعض أن الظروف غير مناسبة وأن الأعداء سوف يستغلون هذا الأمر، ولكن وظيفة المثقف والإنسان المؤمن هي أن يعطي رأيه بشجاعة في ظرف حساس يتطلب أن تكون هناك رؤية واضحة ليس فيها التباس وغموض.

حاولنا في هذا العدد أيضاً أن نخرج بمجموعة من البحوث والدراسات المنهجية، بحيث تكون متكاملة نسبياً عند عرضها على القارئ؛ لذلك لم ننشر بحوثاً ومقالات لم يستوعبها العدد؛ نظراً لكثافتها وسوف ننشرها مستقبلاً.

ردك على هذا الموضوع

إتصــلوا بـنـــا

الأعــداد السابقــة

العــدديـن 67 - 68

الصفحة الرئيسية