ردك على هذا الموضوع

 

آراء وأفكار حول العنف واللاعنف

في حوارات مع أصحاب الفكر والقلم

 

طيلة عقود طويلة من القرن المنصرم، لم يكن الحديث عن اللاعنف قوياً وصارخاً وضاجاً بالحياة والأصوات مثلما هو حاصل الآن..

ولم يشكل حملة هذا السلاح قوة ضاغطة سياسياً أو فكرياً طيلة تلك العقود، والتي شهدت أكبر حربين كونيتين في التاريخ الحديث..

نعم، ظهرت عدة نتائج لهذا التطور الحاصل في ميدان العنف البشري والتي مثلته الحروب الماضية خير تمثيل.. فقد شهدت أوربا الكثير من التحولات السياسية في طرائق معالجاتها لأزماتها السياسية والاقتصادية والحدودية، وترسخت قيم الديمقراطية الليبرالية في بلدانها ومؤسساتها، وظهرت حركات اجتماعية عديدة دعت إلى الحب والسلام ولعل أشهرها حركة الهيبيز التي ظهرت في ستينات القرن المنصرم رداً على الحروب والدمار الذي شهدته القارة الأوروبية وأمريكا..

وحتى الهيئات الدولية كانت تطرح مبدأ اللاعنف على استحياء، وكانت في حديثها إذا فطنت إلى فضيلة الكلام دعت إلى نبذ العنف والاعتماد على العقل في حل النزاعات والأزمات السياسية التي تنشب بين البلدان المنضوية تحت  ظل هذه الهيئات..

وبقيت تجربة غاندي في مطلع القرن العشرين هي التجربة اليتيمة والوحيدة التي يعود إليها الجميع كمرجعية نظرية وعملية في آن واحد لمبدأ اللاعنف..

مع اشتداد التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في بلدان عديدة من العالم وما أفرزته هذه التغيرات من نتائج وإيقاعات سريعة لم تستطع أغلب المجتمعات وخصوصاً النامية منها مواكبتها تفجرت حركة العنف من خلال الحركات الفكرية المتطرفة والأحزاب السياسية، التي كانت تعيش أزمة مزدوجة، الأولى محاولة تمسكها بجذورها وهويتها ورفض الحداثة الوافدة إليها، والثانية ممارستها لدوري القامع والمقموع في الوقت نفسه..

هذه الازدواجية حكمت مجمل تحركات هذه الحركات والأحزاب وزادتها حالة الإحباط التي كانت تعيشها مجتمعاتها حين فشلت في الحفاظ على هويتها إلا النزر اليسير، وفشلت أيضاً في التصدي لهذه الحداثة الوافدة أو على الأقل الاستفادة من إيجابياتها.. حتى إذا انتبه الجميع الآن على لوحة الدماء التي تصبغ وجوه حياتنا المعاصرة وانتبه الجميع على ما أحدثته القسوة والقسوة المتبادلة في حياتنا، وثبت فشل العنف كحل وحيد للتغيير، أصبح اللاعنف ضرورة من أجل رسم صورة أكثر إشراقاً لواقعنا المعاصر، ومن أجل تغيير تلك الفسيفساء الدامية..

وأصبح لهذا المبدأ النبيل دعاته ومنظروه في كل مكان وأخذت تتناوله وسائل الإعلام المختلفة، وتنادت للتبشير به الهيئات والمؤسسات الدولية، حتى أصبح يفرض حضوره في كافة الميادين..

من هذا المنطلق ارتأت المجلة أن تفتح صفحاتها للباحثين والمفكرين الإسلاميين للمشاركة في هذا السجال الدائر في الأوساط الثقافية والفكرية، لتغتني من خلال هذه الأوراق المفتوحة بآرائهم وأفكارهم ورؤاهم في تشخيص هذا الوباء، وتلمس السبل الكفيلة للحد منه إن لم يكن القضاء عليه..

الأسماء الواردة في الحوارات مدرجة حسب الترتيب الأبجدي..

 

 

**   ما هو تصوركم لكل من المفاهيم التالية: العنف.. اللاعنف.. الإرهاب؟

** بشير البحراني(1): العنف والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وهما مصطلحان يشيران إلى الأعمال الإجرامية التي تكون سبباً في إيذاء الناس سواء بالضرب أو القتل أو غير ذلك، وإن كان لكل منهما خصوصية يدل عليها بذاته؛ فالعنف كمفهوم يلقي ظلالاً أخف على النفس من مفهوم الإرهاب الحديث، حيث يوحي للنفس أن الرجل العنيف أخف في إجرامه من الرجل الإرهابي.

والحقيقة أنني بحثت في أصول وجذور هذين المصطلحين، فوجدت أن معنى (العنف) لم يكن سوى صورة من الشدة المخالفة للرفق واللطف واللين بحيث لا يعني القتل أو ما شابه وإن رافقه الشتم والضرب، ولكنه تطور مع الزمن فتجاوز أطره الضيقة وصار يدل على ما هو أكبر من ذلك. و(الإرهاب) لم يكن سوى صورة من التخويف وإفزاع الآخرين، ولكنه هو الآخر تطور مع الزمن وصار يدل على أبشع الجرائم في حق الإنسان، وللتفريق فالإرهاب عبارة عن عنف مكثف إلى درجة كبيرة يصل إلى حد القتل والفتك وإحداث المجازر والمذابح.

أما (اللاعنف) فهو مصطلح ظهر للدلالة على مقاومة العنف والإرهاب بكل أشكالهما، وهو كما يعرّفه رائد نظرية اللاعنف الإمام المجاهد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي(قدس سره): (أن يعالج الإنسان الأشياء سواء كان بناءً أو هدماً بكل لين ورفق، حتى لا يتأذى أحد من العلاج، فهو بمثابة المخدر الذي يسلب الحس، حتى يعمل المبضع في نكئ القرحة، وشرح اللحم والجلد)، أي أن يتعاطى الإنسان مع شتى الأمور، مهما كان وقعها، بدرجة عالية من الرفق واللين والتسامح.

** زكي الميلاد(2): العنف هو نمط من السلوك يتصف باستعمال القوة أو الإكراه أو الضغط أو الخشونة في سبيل الوصول إلى غايات وأهداف معينة، وهذا النمط من السلوك قد يمارسه الفرد أو الجماعة أو الدولة، ويمكن أن يصنف إلى تقسيمات عديدة كالعنف السياسي والعنف الفكري والعنف الاجتماعي إلى غير ذلك..

واللاعنف هو أيضاً نمط من السلوك يتصف باستعمال الوسائل السلمية واللاعنفية، أما الإرهاب فهو استعمال القوة المادية بصورة رئيسية ولإظهار هذه القوة وخلق الرهبة في نفسية الطرف الآخر، ويقابل الإرهاب التطرف؛ فالإرهاب مجاله العمل والواقع الخارجي، أما التطرف فمجاله الفكر والواقع الذهني.

** د. ساعد الجابري(3): العنف: يعني تجاوز الحد.

الإرهاب: هو الإرعاب، وهو استخدام التخويف كأسلوب للضغط، وتغيير السياسات والمواقف.

** عباس الشمري(4): على الرغم من هلامية المفاهيم الثلاثة الواردة أعلاه، لأنها أصبحت أدوات يستخدمها من يشاء لخدمة أغراضه الخاصة، فأصبحت مزدوجة المفاهيم؛ فمثلاً العنف الإسرائيلي هو دفاع عن النفس، والدفاع الفلسطيني هو عنف وإرهاب في قاموس الصهيونية، غير أن المفاهيم الحقيقية لهذه الاصطلاحات تبدو بحاجة إلى تعريف دقيق وعند ذلك يمكن إبداء الرأي وإظهار النظر حولها، ومع ذلك فإن العنف إذا كان بمعنى استخدام القوة فهو مطلوب ضد الأعداء المحاربين، قال تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) والرحمة تعني اللاعنف إذا صح التعبير وهو مطلوب أيضا في التعامل فيما بيننا، وكذا بالنسبة إلى لفظة الإرهاب، قال تعالى: (ترهبون به عدو الله وعدوكم).

** علي عبد الرضا(5): العنف هو:

- غلق كل الأبواب و الإبقاء على باب واحدة، اتخاذ أسلوب واحد في مواجهة مشاكل متعددة، الحجر على العقل و جعله لا يفكر إلا في بعد واحد فقط، وسيلة المستعجلين لاقتطاف الثمار قبل أوانها، السير عكس الاتجاه، سيطرة الجهل..

اللاعنف هو:

- إعطاء العقل حرية اختيار الطريق الأمثل، صناعة للذات قبل أن يكون أسلوباً للتحرك، نتائجه آجلة و لكنها متجذرة، منهج الصابرين في جني العواقب الحميدة، الطبخ على نار هادئة،

الإرهاب هو:

- استغلال القدرة لإذلال الآخر المخالف، تكميم الأفواه بحراب القدرة، سيطرة القوة على الأجسام، غصب حقوق الآخرين و الإدّعاء بالمظلومية، استعمال القدرة في إسكات الخصم.

** محمود الموسوي(6): هذه المفاهيم الثلاثة تشكل معادلة معاصرة ،  تكوّن  تحدّ حضاري مهم من التحديات المعاصرة  أمام الفكر الإسلامي ، وأمام المفكرين الإسلاميين ،  إذ أخذت القوى الغربية بكافة أطيافها العنف والإرهاب كإشكالية مهمة لمجابهة الإسلام ، ورفض قيمه ، وهي إشكالية مفتعلة من قبل القوى المهيمنة على العالم ، قامت بأخذ عينّات مريضة من الجسم الإسلامي لتعميمها على الإسلام ككل.

وعند معالجتنا لهذه المعادلة بصورة واضحة وفق الخطاب الإسلامي الأصيل ، فهذا يعني أننا بلا أدنى شك نكون قد تغلبنا على هذا التحدي الحضاري.

** السيد مصطفى السادة(7): لا شك أن الإسلام دين الوسطية ومع ذلك فهو يرفض العنف بصورته السلبية ولكن أحياناً قد يتخذ من العنف وسيلة - وإن كانت في ضمن مجالها الدفاعي - (العنف الدفاعي)، كما أن اللاعنف ركيزة أساسية قام عليها الإسلام. أما مفردة الإرهاب فهي تعرف اليوم بما يسمى مبدأ (كارتر) (الرئيس الأمريكي): (إذا أردت السلم فاستعد للحرب) وهي نظرية دخلت ضمن الأدبيات السياسية للغرب، بما فيه دولة سويسرا التي لم تخض حرباً منذ أكثر من مئتي عام.

هذه المصطلحات أو المفاهيم الثلاثة لها مدلولات لغوية وأخرى عرفية واجتماعية، فمثلاً بالنسبة للعنف واللاعنف قد ورد - في لسان العرب - أن العنف هو الخرق في الأمر وقلة الرفق به وهو ضد الرفق، ولذا يقال للرجل رجل عنيف إذا لم يكن رفيقاً في أمره، ولكن هذه المفاهيم أخذت بعداً آخر في المرحلة الراهنة حيث أصبحت تستخدم كمصطلحات سياسية لها مدلولها السياسي عندما تطلق، وقد يستخدم العنف بدلاً من الإرهاب وبالعكس من باب خلط المفاهيم، وعموماً:

العنف: استثناء من القاعدة والأصل - الذي هو اللاعنف - وعند قراءة النصوص الدينية نجد أنها لا تعطي لهذا المفهوم (العنف) الأصالة، بل بالعكس نجد تنفر الطباع منه، وتؤكد أرجحية وأصالة اللاعنف؛ ففي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة. ) وقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فهذه الآيات وغيرها جميعاً تؤصل لمفهوم السلم واللاعنف؛ مما يعني أنه أحد الدعامات التي تقوم عليها الدعوة الإسلامية. وهذا ما توضحه سيرة النبي (ص) وأهل بيته(ع) فقد كانت التطبيق الفعلي الواقعي لآيات القرآن الكريم، ويمكن لهذه السيرة أن ترفدنا بهذا المنهج فقد ورد عن النبي(ص): (ومن لطم خد امرئ مسلم أو وجهه بدد الله عظامه يوم القيامة وحشر مغلولاً حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب) كما ورد عن الإمام علي(ع) أن الرسول الأكرم قد عهد إليه: (وإياك والتسرع إلى سفك الدماء لغير حلها فإنه ليس أعظم من ذلك تبعة).

وقد وردت عدة روايات عن النبي (ص) كلها تؤصل لمفهوم اللاعنف فقد ورد (إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه) و(إن الله ليبغض المؤمن العنيف الذي لا رفق له).

** د. منذر الفضل(8): العنف: هو الاستخدام غير المشروع للقوة، والأعمال الفعلية الإجرامية التي تفزع الناس وتهدد الأمن والأشخاص المدنيين وتقلق أمن المجتمع.

والإرهاب من الرهبة أي الخوف أو هو التخويف وإشاعة عدم الاطمئنان وبث الرعب والفزع  Terrorوغايته إيجاد عدم الاستقرار بين الناس في المجتمع لتحقيق أهداف معينة، فالإرهاب هو العنف المخيف ويقال في اللغة الرهبة أي الحالة التي تفزع، كما أن العنف الذي يمارس ضد الإنسان وحقوقه الأساسية هو الإرهاب أياً كان مصدره أو القائم به. ويقال عن الرهيب والمرهوب هو ما يخاف منه من عمل أو فعل يثير الخوف أي الرعب Fright

أما عن تعريف الإرهاب   The definition of terrorism فيمكن وصفه على أنه العنف السياسي أي الرعب والخوف الذي تقوم به جماعة أو أفراد أو شخص أو دولة أو منظمة لتحقيق أغراض أو أهداف معينة من وراء ذلك. وهو ظاهرة من ظواهر الاضطراب السياسي في العصر الحديث.

والتعصب في اللغة عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناء على ميل إلى جهة أو طرف أو جماعة أو مذهب أو فكر سياسي أو طائفة. والتعصب من العصبية وهي ارتباط الشخص بفكر أو جماعة والجد في نصرتها والانغلاق على مبادئها. ويطلق على الشخص بالمتعصب Fanatical. وهذا التعصب قد يكون تعصباً دينياً أو مذهبياً أو سياسياً أو طائفياً أو عنصرياً وهو سلوك خطير قد ينحدر نحو الأسوأ ثم يؤدي إلى التطرف والهلاك والخراب بسبب التشدد وعدم الانفتاح وعدم التسامح أياً كان نوع التعصب ومهما كان شكله أو مصدره. ولعلّ أخطر أشكال التعصب هو التعصب القومي والتعصب الديني حيث تمارسهما بعض الجماعات أو الأنظمة الدكتاتورية أو تحرض عليهما.

والتطرف هو الشدة أو الإفراط في شيء أو في موقف معين وهو أقصى الاتجاه أو النهاية والطرف أو هو الحد الأقصى، وحين يقال إجراء متطرف يعني ذلك الإجراء الذي يكون إلى أبعد حد، وهو الغلو وحين يبالغ شخص ما في فكرة أو في موقف معين دون تسامح أو مرونة يقال عنه شخص متطرف في موقفه أو معتقده أو مذهبه السياسي أو الديني أو القومي، والمتطرف في اللغة من تجاوز حد الاعتدال.

** هل تفهم من العنف معنى سلبياً أم إيجابياً وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللاعنف؟

** بشير البحراني: لا أجد في (العنف) أي معنى غير سلبي، حتى أن رائحة هذه الكلمة تبعث في النفس نوعاً من النفور والكره والاقشعرار، وذلك لما تحتويه من قساوة وبشاعة ترتبط بالعمل العنيف. أما (اللاعنف) فهو كلمة على النقيض من سابقتها، وتحمل كل المعاني الإيجابية، وذلك لما تحتويه من معاني الحلم والرفق واللين، بالإضافة إلى أنها تحقق النتائج  المرجوة من العمل، إلا أنني أجد استبدالها بكلمة (السلم) أفضل، خصوصاً أن هذه الأخيرة تعبير قرآني صريح، كما تتداخل معها في المعنى.

** زكي الميلاد: العنف كلفظ وبهذه التركيبة اللغوية قد يكون من المعاني السلبية من جهة مدلولاته  اللغوية وإيماءاته المعنوية لأنه يختزل معاني الغلظة والخشونة والحدية إلى غير ذلك، أما اللاعنف كسلوك سلمي يلتزم ويتقيد بكل مظاهر وقواعد السلوك السلمي فلا شك أنه من المعاني الإيجابية.

** د. ساعد الجابري: العنف بمعنى تجاوز الحد له معنى سلبي دائماً، أما العنف بمعنى استخدام القوة فليس سلبياً دائماً، فربما كان استخدام القوة أمراً إيجابياً بل ضرورياً أيضاً.

** عباس الشمري: للإجابة على هذا السؤال لابد من معرفة الطرف الذي نتعامل معه، فقد قيل في المثل المعروف (الرحمة بالذئب هو من أكبر الخطايا)، وينطبق ذلك على كلا المصطلحين.

** علي عبد الرضا: ربما يعطي العنف مكاسب إيجابية على المستوى القريب، ولكن في المحصلة النهائية ستكون النتائج سلبية على مختلف المستويات، ناهيك عن الآثار السلبية الكبيرة التي سيتركها العنف في شخصية من التزموه و من يحيطون به.

في حين أن اللاعنف يفتح منافذ الخيارات والاحتمالات على مصراعيها، وهو حين يكبو في خيار فالخيارات الأخرى متاحة.

** محمود الموسوي: العنف واللاعنف  وحتى الإرهاب ، وبغض النظر عن الأصل أو الفرع فيها ، هي من المصطلحات التي يحدد هويتها حسب الدافع ، فهي تشكل فاصلا عملياً وأداء وسلوكاً بين جهتين متقابلتين ، وعندما نقوم بتحليل الدافع من خلال علاقة كل جهة بالأخرى ، أو ما ينبغي أن تصبح عليه ، سنكون قد اقتربنا من تحديد مضامينها كمرحلة أولى ، وعمدنا إلى تصنيفها في خانتها (الإيجاب أو السلب) في مرحلة ثانية .

ففي سياق هذا التحليل المعرفي ، سنخرج بنتيجة أن (العنف) قد يكون حالة مقبولة إذا وجد الدافع المقبول تجاه الطرف المستحق ، وكذلك اللاعنف وهو النقيض لحالة العنف ، فقد يكون غير مقبول إذا كان هنالك دافع يقرر غير ذلك ، وطرف لا يستحق تلك الحالة ، وهكذا الإرهاب ، إنما الفارق أن الإرهاب (نتيجة) وليس أداة وأسلوب عمل ، وهنا المؤدّي لهذه النتيجة قد يكون أي شيء آخر ، ومن ضمنها (العنف) طريقاً مباشراً عند استخدام القوة والآلة الحربية ، و (اللاعنف) نهجاً غير مباشر عند استخدام المسيرات السلمية والعصيان المدني ، أي قد يرهب من تمارس تجاهه أداء ثقافياً أو سياسياً أو سلوكياً باللاعنف ، فتتكون  حالة الرهبة من قوة الفكر وقوة السياسة (هذا عندما يكون ذلك الطرف عدواً لا من أجل الحق) .

ولكننا إذا رجعنا إلى الأصل ، فإننا نرى أن لا وجود أصلي لأن يرهب أحد أحداً ، أو يتعامل معه بالعنف ، بل اللاعنف هو الأصل ، وهو الطريق الذي دعا إليه الله عز وجل ، وما دونه استثناء. 

** السيد مصطفى السادة: نعم، لكن ليس مطلقاً، إنما في بعض الأحيان (كما هو حال عالمنا اليوم) وإلا إذا كان وسيلة للأمن والردع، فلا أعتقد أنه مرفوض طالما يستخدم في معناه الصحيح، وكذلك بالنسبة للاعنف.

والعنف من خلال قراءة المشروع الحضاري الذي أرسى دعائمه النبي (ص) وأهل بيته(ع) نجد أن له معنىً سلبياً يصدق عليه قوله تعالى في ذم الخمر (وإثمهما أكبر من نفعهما)؛ فهو يضر بالمشروع الإسلامي، وإن حقق بعض المكاسب الآنية في المنظور القريب ولكنه عند النظر الدقيق نجد أنه يضر بالمشروع الإسلامي على المدى البعيد، فهو تأصيل لتصور أو مفهوم سلبي، ويكفينا أن نقف على قول الرسول الكريم (ص) (لا يحل دم امرئ ولا ماله إلا بطيبة نفس).

هذا كله إلفاتٌ من النبي الكريم إلى ضرورة التصدي لإشاعة مثل هذه المفاهيم، وينبغي التشكيك فيها كمفاهيم أصيلة لأن في سيطرتها وقهرها لمشروع اللاعنف وتجاوزاً لما ينادي به الإسلام ورسوله الكريم، ومن هنا نجد الفرق بين منهج النبي وأهل بيته في الدعوة إلى الله تعالى، وبين منهج الكثير من الجماعات الإسلامية التي وإن كانت ترفض العنف كمفهوم لكنها تمارسه من خلال تعاطيها مع الواقع.

** د. منذر الفضل: لاشك بأن العنف معنى سلبي، وهو أسلوب خطير ومدمر للفرد وللجماعة ولكيان المجتمع والدولة. أما اللاعنف فهو معنى إيجابي ثمرته زرع قيم المحبة والفضيلة والخير بين الناس في المجتمع. 

إن مفهوم الإرهاب هو مفهوم نسبي متطور يختلف من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر ومن عقيدة أو فكر إلى أخرى وحسب الظروف المتغيرة رغم وجود بعض القواسم المشتركة ولهذا من الصعب أن نقول بوجود مفهوم واحد للإرهاب أو للجريمة السياسية أو للعنف السياسي يمكن أن يقبل به الجميع أو يمكن أن يرضي الكل ولهذا نعترف أن ليس هناك تعريفا محدداً واضحاً أو دقيقاً للفكر الإرهابي. وقد يكون الإرهاب محلياً أي داخلياً أو دولياً يمارس على نطاق دولي (حين يأخذ طابعاً دولياً وتتعكر قواعد الأمن والسلم الدوليين)، كما حصل في أفريقيا بالنسبة للتفجيرات ضد السفارتين الأمريكيتين وراح ضحيتها المئات من السكان المدنيين الأبرياء الذين لا صلة لهم بالصراعات السياسية، وكذلك في الجزائر وأفغانستان والسودان والعراق وتركيا  وكوسوفو والشيشان وروسيا طبقاً لتقارير منظمة العفو الدولية ومنظمات محايدة مهتمة بحقوق الإنسان. وهذا الإرهاب الدولي يثير الفزع العام والخطر الشامل المنظم المتعمد ضد الإنسان والدولة والمجتمع. وأياً كان الإرهاب محليا أم دولياًً فهو يعد جريمة عمدية خطيرة لان الفاعل لها هو مجرم عادي لا يتمتع بأي حصانة. ونشير إلى أن جرائم التطهير العرقيCrimes of Ethnic Cleansing  التي ترتكب من الدولة أو من الجماعات أو الأفراد هي من الجرائم الإرهابية لأنها تثير الخوف والفزع والرعب في نفوس البشر وتخالف قواعد حقوق الإنسان.

**   ما هي العلاقة بين كل من العنف والشرع، وهل يؤيد الشرع العنف؟

** بشير البحراني: باعتبار أن الشرع الإسلامي جاء شاملاً ومتكاملاً، فلا بد وأن يتعرض لموضوع العنف، خصوصاً وأن العنف يحدث ثغرة بينة في واحدة من أهم مرتكزات المجتمع الإسلامي، وهي الأمن؛ على مستوى الفرد أو الأسرة أو الوطن أو حتى على مستوى النبات والحيوان، ولذلك فالشرع الإسلامي لم يؤيد العنف على الإطلاق، بل واجهه بقوة وحزم وبلا مهادنة، وعليه فعلاقة الشرع مع العنف علاقة مواجهة وعدم قبول.

** زكي الميلاد: هذه العلاقة لها صفة مصدرية ومرجعية وتشريعية، بمعنى أن الشرع هو الذي يحدد شرعية العنف على افتراضه وحدوده وحتى أخلاقياته، لأن الحرب في الإسلام هي حرب بشريعة وأخلاق، ومن حيث الأصل والسلوك والقانون والإطلاق فإن الشرع لا يؤيد العنف.

** د. ساعد الجابري: الشرع هو الحد؛ فالعنف في مفهومه الدقيق هو تجاوز الحد، لكن العنف بمعنى القوة يختلف موقف الشرع منه.

** عباس الشمري: لم أر في كتب الفقه مصطلح العنف، كل ما في الأمر أن التعاليم السماوية (الشريعة السمحاء) دعت إلى التعامل مع النوع الإنساني بصورة عامة بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) هذا في الاتجاه العام، وفي الاتجاه الخاص أيضاً: (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) كل ذلك على صعيد التعامل اليومي والاجتماعي ولكن في حال نشوب الحروب أو الاعتداء على الحرمات والمقدسات فيندب الشرع الإنسان إلى المقاومة بشتى الطرق المتاحة.

** علي عبد الرضا: كل عمل يرتقي بالإسلام عالياً و يحببه إلى الآخرين يرضاه الشرع ويحث عليه، ونحن إذا نظرنا إلى العنف من جوانبه المختلفة نراه لم يحمل في يوم من الأيام أية درجة لرصيد الإسلام، ولم يساعد على انتشاره وإذا نجح في منطقة ما فسرعان ما يسقط وينسى ذكره، و في تصوري أن العلاقة بين الاثنين مفقودة و فيها من التصادم الشيء الكثير.

** محمود الموسوي: الشرع هو المقرر للحالات التي ينبغي أن يتبعها الفرد أو الحركة أو الدولة ، من العنف أو اللاعنف ، والشرع بدوره كما استنبط منه الفقهاء يدعو الناس إلى السلام واللاعنف والمرونة واللين  والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الدين وفي الانفتاح على الآخرين ، وقد حدّدت بعض المستثنيات من ذلك ، وهي صد الهجوم ، وممارسة الدفاع تجاه عنف الآخر .

** السيد مصطفى السادة: الشرع كدين جاء للسلام ويرفض اتباع العنف كوسيلة، ولكن هذا الرفض ليس مطلقاً لأنه توجد بعض الموارد والجزئيات التي يمكن القول أن الإسلام يجيز استخدام القوة فيها لدفع غائلة العنف، كما في قوله تعالى: (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض.. ) والإسلام يحرض على اللاعنف كمبدأ.

ومن خلال قراءة المشروع والتراث الإسلامي لا نجد للعنف أصالة ولا تأصيل بحيث يكون القاعدة المشروعة، بل العكس نجد التباعد والمنافرة بين الإسلام كدين سماوي أنزله الله تعالى للسعادة البشرية وبين العنف، فلا توجد له أي أصالة ولا يقره الدين، لا كهدف ولا كوسيلة وهذا ما نجده من خلال ممارسة الرسل جميعاً وتعاطيهم مع المخالفين أو ما يعبر عنه في وقتنا المعاصر بالآخر، وقد تطرقنا إلى عدة آيات وروايات مضمونها ليس فقط عدم التعاطي مع العنف بل رفضه كوسيلة لتحقيق أهداف المشروع الإسلامي، فالإسلام انتشاره لم يكن بالعنف ولم تجد حتى مفردة واحدة تشير إلى أن الإسلام انتشر بالعنف فهو ليس خياراً إسلامياً.

** د. منذر الفضل: الإسلام دين المحبة والسلام ولا يؤمن بالعنف وكل قيم السماء لا تجيز التطرف المقترن بالعنف (الإرهاب) ومن يفسر الإسلام حسب مقاساته فهو يسيء إلى الإسلام.

**   كيف تفهم الخطاب الإسلامي الديني وعلى ماذا يحرض.. هل يحرض على العنف أم اللاعنف..؟

** بشير البحراني: إن من يفهم أن الخطاب الإسلامي الديني يحرض على العنف فهو كمن يخدع نفسه أو كمن يريد أن يحجب ضوء الشمس في وضح النهار، فالقرآن الكريم يزخر بالعديد من الآيات التي تدعو إلى السلم واللاعنف عبر مختلف المصاديق كالرحمة واللين والتسامح والعفو والمودة والعطف والحلم والصفح وغير ذلك مما يجده القارئ بكثرة في مختلف سور القرآن، كما أن نصوص الأحاديث والروايات الشريفة هي الأخرى تهتف في الإنسان أن لا يسلك درب العنف، وأن يتخذ من السلم واللاعنف سبيلاً في عمله وتحركه. ويكفي دليلاً على ذلك، هذا الخطاب القرآني: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، إذ أنه رغم أهمية الدعوة إلى الدين في الإسلام إلا أنه لا يمكن أن تكون عن طريق الإكراه الذي هو أحد صور العنف.

إن الخطاب الإسلامي الأصيل يحرض على السلم واللاعنف وينبذ العنف، وأما الخطاب الذي نجده عند بعض الإسلاميين -للأسف- والداعي إلى استخدام العنف فهو خلاف ما نص عليه القرآن الكريم والحديث الشريف بصراحة.

** زكي الميلاد: إذا كان المقصود من الخطاب الإسلامي هو اجتهادات المسلمين فإن هذا الخطاب ليس تركيباً كلياً واحداً، وإنما هو خطابات متعددة ومتنوعة ومتباينة أحياناً؛ فهناك من يفهم من الخطاب الإسلامي آيات السيف والقوة، وهناك من يفهم منه آيات الحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن، أما إذا كان المقصود من الخطاب الإسلامي الديني، الخطاب المراد من الشرع، فإنه بلا شك يحرض على اللاعنف كسلوك وقانون في العلاقات بين الناس، وفي حل النزاعات والخلافات.

** د. ساعد الجابري: لا بد أن نفرق بين أنواع كثيرة من الخطاب الديني:

هل هو القرآن الكريم أم السنة النبوية، أم أقوال أهل البيت، أم خطاب الحركات الإسلامية أو ما شابه ذلك؟ على العموم الخطاب الديني يقوم على مبدأ الإقناع ولا حاجة إلى العنف.

** عباس الشمري: الخطاب الإسلامي ينطق من الآية القرآنية: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين) هذه الدعوة وهذا التحريض بعيد جداً عن استخدام أساليب القوة والضغط والإكراه، وهذه جميعها تصب في خانة العنف طبعاً؛ لذلك لا يمن القول بأن الإسلام يدعو أو يحرض على العنف.

** علي عبد الرضا: الخطاب الإسلامي كان وما يزال قائماً على ردة الفعل العنيفة غير المدروسة، فالقائمون عليه وصلوا إلى درجة عالية من الإحباط والتشاؤم واليأس وهذا ما جعلهم يستغلون السبل غير الشرعية لإثبات الوجود أو ردع الخصم أو الحصول على نتيجة ما.

لذلك فالسمة الغالبة على خطاباتنا الإسلامية أنها عنيفة و بدرجاتها العليا، وهذا خطر عظيم لم تلتفت إليه هذه الجهات حيث أنها ركزت وتركز مفاهيم العنف والتطرف في عقول وشعور الأمة، وتركت عمليات البناء الفردية والنوعية ، ولم تتوجه إلى خطط التنمية والنهوض، وهي بهذا وإن وصلت إلى مرادها في يوم ما فسرعان ما تسقط في دوامة العنف ثانية، لأن عقول الأفراد وأفكارهم لا تحتوي غير خطابات وشعارات عنيفة يصعب التحكم بها ولا يشبعها إلا العنف الدائم والمستمر .. وما نحن فيه لا يمكن معرفة فداحته إلا بعد مضي وقت طويل.

** محمود الموسوي: الخطاب الإسلامي يعتمد على التحريض والحث للمؤمنين في طريق تفعيل مفاهيمه في الحياة ، إذ يحث على أداء المسئولية ورفض الفساد ومحاربته ، والدعوة لإقامة العدل والمطالبة بالحرية وإصلاح الإنسان والمجتمع إلى آخر القائمة المفاهيمية الإسلامية، ولكنه لا يتخذ التحريض العنفي من جهة ، ولا يدعو لأن يكون العنف وسيلة دعوة ، وفي تصوري أن الآيتين الشريفتين في سورة الممتحنة (رقم 8 و9) تحددان المعالم الواضحة لمجمل الخطاب الإسلامي بالنسبة لمفردة العنف واللاعنف تجاه الآخر ، وهما في قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون).

** السيد مصطفى السادة: يختلف باختلاف الجهات والمرجعيات، ولكنه في غالبه يحرض على العنف بمختلف أشكاله (العنف الفكري - الديني - الموقفي..).

إذا تمكنا من القول بتوسعة مفهوم العنف واستطعنا قبول أنه قد يكون العنف فردياً أو اجتماعياً وفكرياً وثقافياً ودينياً - عند البعض - أحياناً، عندها يمكننا القول أن الخطاب الإسلامي المعاصر يعتمد على العنف ولو الفكري أحياناً، فهو يحاول أن يفرض على الآخر المختلف والمخالف الإكراه الفكري والتعبوي أحياناً، مما يؤدي إلى التحريض على العنف ولو نفسياً واجتماعياً ممثلاً للفكر، ومن المفترض أن يكون الخطاب الإسلامي المجسد الحقيقي للفكر الهادئ والمعبر عنه في أبهى صوره، فهو المرآة الحقيقية العاكسة للاختلاجات الداخلية للفكر الإسلامي، ولكن - مع الأسف - نجد في كثير من الحيان أن الأمر المعاكس هو السائد، والشاذ هو القاعدة، فرغم أن الإسلام لا يقر العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف إلا أن الكثير منا يتذرع به للوصول إلى مصالحه وأغراضه مما يعطي الذريعة للحاقدين على الإسلام في وصمه بالعنف والإرهاب كما هو الحال في واقعنا الراهن، حيث يعد الخطاب الإسلامي خطاباً تحريضياً يعتمد العنف ولو في الخطاب كوسيلة تعبوية.

** د. منذر الفضل: هناك فارق بين حقيقة الإسلام، والخطاب الإسلامي الحالي، فحقيقة الإسلام إنه دين للمحبة والتسامح  يدعو إلى احترام الآخر، في حين إن الخطاب الإسلامي الحالي قائم في الأعم الأغلب على مصادرة الآخر. 

يراد بالإسلام معنى السلام وهو اسم من أسماء الله الحسنى لسلامته تعالى من النقص والعيب  ويراد به أيضاً الأمن والطمأنينة والصلح، أي انه دين للمحبة والتسامح ويهدف إلى إسعاد الإنسان، أما الحرب والخوف فهما نقيضان للسلام  وكلاهما لا يجتمعان، والدين هو غذاء للروح وليس سوراً يعزل الإنسان بعيداً عن رياح التغيير والحضارة والعلوم.

وعلى الرغم من التطورات الكبيرة في مختلف العلوم والمعارف التي وجدت من أجل الإنسان، إلا أنه مع ذلك برزت ظواهر تؤدي إلى عكس الاتجاه، ومنها ظاهرة الإسلام السياسي في العصر الحديث حيث يتخذ من الإسلام درعاً لطرح فكر متعصب لا يعرف التسامح ولا العقل المنفتح ولا الاعتراف بالآخر وصار أتباعه يلجأون إلى طرق الذبح واستخدام السكين والبندقية والفؤوس والأسلحة الفتاكة والتمثيل بالجثث، كأسلوب للحوار مع الآخر بدلاً من زرع بذور الخير والمحبة والكلمة التي توحد الناس من خلال  الحوار الحضاري – الجدلي الفكري الذي يقوم على دحض الحجة بالحجة والدليل بالدليل.

فالوهابية مثلا تؤمن بأن: (الفكر والكفر واحد.. وهما من ذات الحروف.. فلا تفكروا لكي لا تكفروا) بهذا القول يدعو محمد بن عبد الوهاب مرشد ومؤسس الفكر الوهابي الناس والذي اعتمدته تنظيمات القاعدة وحركة طالبان وجند الإسلام وأنصار الإسلام منهجاً لها، وهو دليل على التحجر الفكري والتعصب الخطير، فالجهل – كما تعلمون – حبل يلتف على عنق صاحبه والجاهل عدو نفسه، والحركات السياسية  التي تسترشد بهذه الآراء و بمثل هذا النمط من التفكير لا تقبل أي نقد أو إصلاح فكري لأنها تعتقد أنها تملك الحقيقة المطلقة.. وما عداها كافر !.

لذلك لابد من إلقاء المزيد من الأضواء على هذه الظاهرة الخطيرة لأنها من المواضيع المهمة والحيوية التي لم يجرؤ إلا القليل على الحديث عنها لما يتميز  به هذا الحوار من خصوصية وحساسية وربما سوء فهم من الآخر ليصل إلى حد القمع وهدر الدم  والتكفير، فقد برزت قضية تسييس الإسلام في العصر الحديث من بعض الأحزاب والحركات السياسية واتخذت من الإسلام منهاجاً ودليل عمل لها للوصول إلى الحكم لتكون لها ولاية دينية وولاية سياسية  بإشاعة الرعب  والخوف بوسائل شتى  وهو جوهر العمل الإرهابي الذي يعد فعلاً جرمياً عمدياً.

**   هل تعتبر العنف قاعدة وأصلاً أم أنه استثناء للضرورات، وكذلك اللاعنف؟

** بشير البحراني: الأصل هو اللاعنف وحالة السلم، وما يخالف ذلك يعد خروجاً عن القاعدة والفطرة، إذ لا يمكن أن يكون اللاعنف استثناء لأنه سيعني اللاحياة والفوضى والتشتت وعدم الاستقرار، وإنما العنف هو الاستثناء وفي حالات اضطرارية محدودة جداً ووفق شروط معينة أيضاً. ويخطئ من يعتبر العنف ليس أمراً استثنائياً بل قاعدة وأصلاً جُبِل الإنسان عليه منذ خلقته، لأنه بذلك يخالف العقل البشري الذي يستقبح بطبيعته كل أعمال العنف وصوره ويميل إلى الخير والسلم.

** زكي الميلاد: العنف لا يمكن أن يكون قاعدة وأصلاً على الإطلاق لأن الاجتماع البشري ليس اجتماع حرب وقتال، ولأن الإنسان مدني بطبعه، كما قال الفلاسفة القدماء، بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش لوحده أو في عزلة عن الناس، وإنما له طبيعة الاشتراك مع الآخرين، الطبيعة التي يتولد منها كل حوافز وبواعث تكوين الجماعات والمجتمعات، والجانب المدني هنا هو في الالتزام بقانون مشترك ينظم الحياة العامة على أساس نظام الحقوق والواجبات، والالتزام بهذا القانون هو الذي يقطع طريق العنف بصوره وأشكاله كافة، وبالتالي فهو (العنف) استثناء للضرورات التي يحددها الشرع.

** عباس الشمري: إذا كانت الحياة تحوي قوى الخير والشر (الله - والشيطان) أو بتعبير الفلاسفة (الروح والجسد)؛ فإن الصراع سيبقى محتدماً بينهما حتى تقوم الساعة؛ لذلك يمكن التعبير بأن لا أصالة للشيطان الذي هو رمز الشر والمادية والجسد الترابي، وما سيبقى هو الأصل النقي والصافي الذي هو الله والروح وقوة الخير، ولكل من هاتين القوتين الأسلوب الذي ينسجم معها؛ فلا يمكن المزج بينهما في مقولة واحدة؛ فالعنف ليس عنفاً - حسب المفهوم المعاصر - إذا كان ضد قوى الشر والرذيلة، وكذلك اللاعنف سيعتبر عنفا بحق الحياة إذا استخدم مع قوى الشر والرذيلة.

** علي عبد الرضا: الإسلام هو السلام، والسلام (اللاعنف) هو القاعدة و الأصل في جميع المجالات. والضرورات لها أحكامها و يرجع فيها إلى فقهاء الأمة الذين يقدرون الضرورات ويلحظونها من جوانبها المختلفة، وهذه القاعدة كغيرها من القواعد لها استثناءات وربما يكون العنف استثناءً في حالات نادرة جدا وعندما تنفذ جميع حالات المعالجة والبدائل ويصبح العلاج مقتصراً على هذا النحو بالخصوص كما قيل (آخر الدواء الكي).

** محمود الموسوي: قال تعالى: (ادخلوا في السلم كافة) لدلالة أن اللاعنف والسلم هو الأصل في السلوك العام.

** السيد مصطفى السادة: اعتبر اللاعنف قاعدة للتعامل مع الآخر، وهذا ما يقره القرآن كما اعتقد، والعنف من باب آخر الدواء، فطالما وجدت الوسائل الدبلوماسية للحل ما كان الإسلام يلجأ إلى العنف أبداً.

لا يمكن أن نعتبر العنف أصلاً وقاعدة، بل هو الاستثناء ويحتاج ممارسوه إلى دليل ناهض يعقد به؛ فالمعروف أن الدين الإسلامي يقبّح ويذم العنف ونصوصه تذم القتل والإيذاء والحرب والإكراه. وعند مطالعة سيرة النبي الأكرم (ص) نجد أنه لم يتخذ خيار الحرب كأساس، فلم يقدم على شن الحروب، ولم يمارس العنف ضد الآخر حتى لو أعلن الكفر الصراح ولم يلتجئ للحرب إلا للدفاع عن الإسلام وكان إذا تمكن من حقن الدماء، ولو عن طريق إجراء المعاهدات السلمية أو معاهدات عدم الاعتداء، فكان يفعل ولا يتأخر. وكما يعبر عن هذه الحالة القرآن الكريم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).

وكما يعبر عن هذه الحالة وإن الإسلام يعتمد اللاعنف كأصل في علاقاته إذ يقول محمد حميدة في كتابه (محمد):

(إن محمداً (ص) مع أنه استولى على أكثر من مليون ميل مربع مما يعادل كل أوروبا باستثناء روسيا ومع أنه كان يسكن هذه المنطقة ملايين من البشر لم يقتل في كل حروبه من طرف المسلمين إلا مائة وخمسون مسلماً) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسلام يعتمد اللاعنف كأصل في علاقاته مع الآخر، فهو يسالم ما وجد للسلم متسع.

** د. منذر الفضل: المحبة والتسامح واللاعنف هي أساس الحياة، وليس للعنف مشروعية أساساً، وإذا كان هناك استثناء فهو للاستخدام المشروع والمقنن للقوة، لا للعنف.

وإذا اقترن التطرف بالعنف والأعمال الفعلية الإجرامية التي تفزع الناس وتهدد الأمن والأشخاص المدنيين وتقلق أمن المجتمع أصبحت من الأعمال الإرهابية لأن التطرف أصبح يثير الفزع والخوف والرعب وهو أقصى درجات اليأس والقسوة المدمرة. لذلك فإن التطرف هو المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية وهو أسلوب خطير ومدمر للفرد وللجماعة ولكيان المجتمع والدولة لابد من مقاومته بطرق وأشكال متعددة أياً كان الطرف القائم به بتفعيل دور القانون.

**   ما هي علاقة الجهاد بالعنف؟ وهل الجهاد هو العنف والعنف هو الجهاد؟.

** بشير البحراني: للأسف شاع أن الجهاد لا يختلف عن العنف، وأن كلاهما واحد ولا فرق بينهما سوى باللفظ والحروف، والحقيقة أن الجهاد لا يمكن أن يكون عنفاً لأن الشريعة الإسلامية في الوقت الذي تحث فيه على الجهاد بقوة تذم العنف أيضاً بقوة، ولذلك لا ريب أن بينهما فرق كبير.

والجهاد في أصله فريضة دفاعية لمقاومة بغي واعتداء الآخرين العنيف، ولا يبيح الإسلام استخدام هذه الفريضة إلا في حالات الاضطرار القهرية والمحدودة جداً، بل ولا يسمح بالابتداء بالعنف والقتال أبداً، وما يؤكد على ضرورة التزام منهج السلم واللاعنف في الجهاد قول الباري عز وجل: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً) وإلا فبخلافه لا يكون جهاداً.

وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق (ع)  أنه (كان رسول الله (ص) إذا بعث سرية بعث أميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه، ثم قال: (سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (ص)، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أقصاهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه إلى مأمنه).

لاحظ في هذه الرواية روعة الإسلام ورفقه؛ فالجهاد لا يكون بغدر ولا تمثيل ولا قتل للأبرياء والضعفاء ولا حتى بقطع شجر، وإنما بالمجادلة الحسنة مع العدو، فإن أطاع فهو بمثابة الأخ، وإن أبى فعلى المسلم أن يبلغه إلى مأمنه.. إنها رأفة الإسلام حتى في أقسى المواجهات، فأي معالم للعنف في كل هذا؟

** زكي الميلاد: الجهاد هو السلوك العملي الصالح المفترض من الإنسان ومن الإنسان المسلم تحديداً، فحياة الإنسان ينبغي أن تتحول إلى جهاد في بناء النفس وتنمية الطاقات واكتساب الخبرات والمواهب، وفي اكتساب الرزق الحلال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبناء المجتمع الإسلامي الفاضل، وتكوين المدنية، وعمارة الأرض.

فالجهاد هو أن يتعامل الإنسان مع الحياة بمسؤولية وفاعلية وسعي وتزكية وتعليم، والجهاد ليس هو القتال، وإنما القتال هو صورة من صور الجهاد، وهذا الاقتران بينهما منشأه أن القتال يستدعي من الإنسان بذل الجهد والطاقة والوسع في أعلى درجاته.

** د. ساعد الجابري: الجهاد هو استخدام القوة لغاية شريفة وهو ليس بعنف لأن العنف حسب التعريف هو تجاوز الحد.

** عباس الشمري: للجواب على هذا السؤال، يحتاج العنف إلى تعريف دقيق.

أما الجهاد فإنه من الفرائض الإسلامية التي فرضها الله لحفظ كيان الإسلام من الأعداء؛ قال رسول الله (ص): (جاهدوا تورثوا أبناءكم عزاً)، و(الجهاد من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه)، وما دام الجهاد ضد الأعداء، فليس من الإنصاف أن يصنف في خانة العنف؛ أي استخدام القوة في غير موقعها.

** علي عبد الرضا: مفهوم الجهاد لا يرتبط بالعنف من أية جهة فهو إما للدفاع عن حقوق المسلمين وطرد الغزاة أو للدفاع عن المظلومين والمستضعفين، كما نشاهد اليوم أن المنظمة الدولية تطبقه أحياناً بأساليبها الخاصة للدفاع عن بعض الشعوب التي تضطهد من قبل حكامها أو جيرانها أو دول أخرى، كما أن الجهاد غايته إقامة العدل وصيانة الحقوق، بينما العنف قصاراه استعمال أساليب غير مشروعة لتدمير الآخر وإلغائه.

** محمود الموسوي: الجهاد حسب ما جاء في الخطاب القرآني وروايات الرسول الأكرم(ص) وأهل بيته (ع)، متعدد في صوره ، ففي قوله تعالى: (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة) ، والرسول الأعظم (ص) أشار إلى محاربة الشيطان بالجهاد الأكبر . ويمكننا أن نستلهم من بعض الآيات الكريمة أن الدعوة إلى الحق وحالة الحوار الفكري ، أنه (جهاد) فكري ، أي أنه يدخل أيضا ضمن مفهوم الجهاد الواسع ، وذلك نستفيده من سياق سورة العنكبوت التي جاءت أول آية فيها عن الإيمان بين القول والفعل، والتحديات التي تواجه عقيدة المسلم وفكره ، (الم . أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، إلى أن ينتقل السياق القرآني إلى قوله تعالى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه)، فالحصيلة أن الجهاد لا يعني العنف ، والعنف لا يعني الجهاد ، غاية الأمر أنه قد يوجد (الدافع) لاستخدام العنف طريقة للجهاد ، وهي الحالة الدفاعية التي انتهجها الرسول(ص)  في جميع حروبه.

و إذا أردنا أن نشير لحالات الجهاد وتأرجحه بين العنف و اللاعنف فنتصور ثلاث حالات:

حالة اللاعنف الخالص، وهي الجهاد بالسبل السلمية في قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقوله عز وجل: (ادخلوا في السلم كافة) وهي الحالة الأصل .

حالة اللاعنف (الأصل) التي تستلزم العنف كدفاع عن النفس في مواجهة عنف آخر ، في قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)، وقوله عز شأنه: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).

حالة اللاعنف في عميلة أداء العنف الدفاعي ، وهذه الجزئية ميزة مهمة لمفهوم الجهاد الإسلامي ، ففي قوله تعالى، عند الحديث عن القتال: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)  فهنا رفض للزيادة في المواجهة عن الحد الدفاعي ، وفي قوله تعالى : (وإن تعفوا أقرب للتقوى) ، وهذه درجة أعلى في عملية الجهاد ، وهي التي طبقها الرسول (ص) عندما فتح مكة ، حيث قال : (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، لبيان سماحة الإسلام حتى مع المواجهين بالعنف ، ولازم هذه الحالة الاقتدار والتمّكن من العفو كما في الحديث: (العفو عند المقدرة).

** السيد مصطفى السادة: الفارق بينهما كبير، فالجهاد شرِّع لدفع العنف المختلف وطبعاً لا أقصد بالجهاد (القسم العسكري) إنما الأعم من ذلك.

أليست العلاقة بينهما هي نسبة التساوي في المنطق، فليسا من قبيل إنسان وبشر وإنما قد تكون النسبة بينهما نسبة أخرى لأن الجهاد أعم من العنف فقد يكون الجهاد أحياناً في اللاجهاد وقد يكون في ضبط النفس وقد يكون في الدعوة إلى الله تعالى بالتي هي أحسن، أو بالقلم والكلمة والخطاب وهداية الناس وغيرها من المفاهيم التي تندرج تحت المفهوم الواسع وهو الجهاد، والذي يحتاج إلى الحكمة وتقدير الظرف والكلمة والفعل المناسب، وهذا بخلاف العنف أثناء الممارسة، حتى لهذه المصطلحات التي ذكرناها فقد يجلب الضرر للفرد والمجتمع والدين أحياناً مما يؤدي إلى المردود السلبي.

** د. منذر الفضل: كل شيء تحت سيطرة الشرع، والقانون فليس من العنف في شيء.

والرعب أو التفزيع الذي يمارس باسم الدين لا يمكن أن ترضى به أية ديانة، لأن الديانات تقوم على التسامح والمحبة والقيم الأخلاقية ونبذ العنف وحماية الأبرياء من الضرر. ولذلك فإن الشخص الإرهابيterrorist الذي يمارس العنف إنما يقوم بذلك للوصول إلى أهداف سياسية وليست دينية من خلال جرائم عادية خطيرة ومتعمدة كالقتل والسلب والسرقة والاعتداء.

**   هل يؤدي مفهوم اللاعنف إلى معنى الاستسلام؟

** بشير البحراني: اللاعنف يؤدي إلى السلم لا الاستسلام، فالذي يتخذ من اللاعنف منهجاً له في العمل ينبغي أن يبذل قصارى جهده من أجل الوصول إلى غايته دون الاستسلام والتضحية بالهدف المنشود. صحيح أنه قد يضطر اللاعنيف إلى تقديم بعض التنازلات ولكنها ليست بالصورة التي تعني الاستسلام والتنازل عن الأهداف الكبرى لقضيته.

فهذا هابيل (ع) استعمل منهج السلم واللاعنف باختياره دون تنازلات أو استسلام حتى سقط مقتولاً بيد أخيه، ولكنه لم يخسر بل ربح كل قضيته وخلد في التاريخ، وإنما الخاسر والنادم في النهاية كان الأخ القاتل (قابيل)، حيث اختار لغة التهديد والعنف فسقط ضحية الندم والألم والخسارة المدوية، فأيهما كان المستسلم؟

** زكي الميلاد: من حيث القاعدة ليس هناك تلازم سببي أو منطقي بينهما؛ فاللاعنف قد يؤدي إلى الاستسلام وقد لا يؤدي له، كما أن العنف قد ينتهي إلى الاستسلام أيضاً.

وهناك من يفهم أن العنف هو تمسك بالقوة، واللاعنف هو تظاهر بالضعف، وهناك أيضاً من يفهم أن العنف هو سلوك لا يتصف بالحكمة والعقلانية وإنما بالتسرع والانفعال وقصر النظر، بينما اللاعنف هو سلوك العقلاء والحكماء، وإن القوة هي في الحق وليس الحق في القوة.

** د. ساعد الجابري: إذا كان المقصود باللاعنف هنا هو عدم استخدام القوة مطلقاً، فهذا المفهوم يؤدي حتماً إلى الاستسلام؛ لأن استخدام القوة في بعض الظروف يصبح واجباً يكفل للشعوب حقها وكرامتها.

** عباس الشمري: من الطبيعي جداً أن يؤدي إلى الاستسلام، بل هو الاستسلام بعينه إذا أسيء استخدامه، أو توسعت معانيه لتزرع روح التخاذل في الأمة، وتستأصل روح المقاومة والإباء، أما إذا كان أسلوب لحل المشاكل والمعضلات، فهو أفضل بكثير من استخدام القوة في حل المشاكل؛ يقول المثل الفارسي (تستطيع أن تخرج الأفعى من وكرها باللسان الحلو الطيب)، ويقول القرآن الكريم: (ادفع بالتي هي أحسن).

** علي عبد الرضا: اللاعنف يعني - فكر - مراجعة - دراسة - بُعد نظر - بدائل تاريخية - كل هذه المقومات تتواجد في اللاعنف ، فهو إن انحنى أمام عاصفة عاتية فليس معنى ذلك استسلام وخنوع، والأشياء بخواتيمها لا بمقدماتها، ونحن مطالبون بالعمل لا بالنتائج، وصلنا أم لم نصل هذه مسألة أخرى ينظر إليها أصحاب الضعف فقط.

** محمود الموسوي: الاستسلام هو التوقف عن العمل والتراجع عن الفاعلية نتيجة لليأس والإحباط والهزيمة ، أو الخنوع والخضوع أمام التحديات التي تواجه الإنسان ، ولكن اللاعنف يعني أن هنالك عملاً وفاعلية ، ولكنها بأسلوب غير عنفي ، فعند ملاحظة هذا الفاصل بين المفهومين ، فلن يخطر ببال العاقل أن حركة اللاعنف تؤّدي إلى الاستسلام .

** السيد مصطفى السادة: المفروض لا، إنما كنظرية ومبدأ استخدمه البعض من العظماء ووصلوا بواسطته إلى غاياتهم، ولكنه عند البعض كما في عالمنا الراهن نعم.

اللاعنف ليس هو الاستسلام وليس طريقاً إليه أيضاً، إنما اللاعنف وسيلة من الوسائل الحكيمة لنشر دين الله وأخذ الحق أحياناً فالكثير من شعوب العالم تؤيد سياسة اللاعنف التي اتخذها المهاتما غاندي في تحرير الهند من الاستعمار البريطاني الذي جثم على صدر هذه البلاد، واستطاع غاندي تحريرها عن طريق التذرع باللاعنف كأمل في مواجهته لأدوات القتل البريطانية. ولا يعني ذلك بالضرورة الاستسلام والتراجع عن الأهداف وإنما عقلنة الصراع والمواجهة وقد استطاع الإسلام بذلك أن يصل إلى مشارف أوروبا وينشر دعوته إلى الناس.

** د. منذر الفضل: لا؛ لأن الحوار والتسامح هما أساس الحياة.

**   هل هناك آثار نفسية واجتماعية وتربوية يمكن أن يخلفها العنف من خلال التراكمات السلوكية المتلاحقة؟

** بشير البحراني: من الصعوبة بمكان حصر آثار العنف على المستوى النفسي والاجتماعي والتربوي، لأن العنف مثل الأخطبوط كثير الأرجل والتلون وينفث سمه في كل اتجاه. وعلى العموم ففقدان الشعور بالأمن، والقمع، والاستبداد، والقهر، والخوف، والقلق، والاكتئاب، والكدر، وقصر العمر، وتفكك المجتمع، وفقدان الثقة حتى بين الإنسان ونفسه، والتجرد من الإنسانية لصالح الحيوانية وشريعة الغاب، وولادة أجيال بلا وعي ثابت أو متقد، بل مهترئ وجبان، وغير ذلك الكثير؛ كلها بعض السمات السوداء للعنف.

** زكي الميلاد: هذه الآثار ممكنة لكننا لا نستطيع أن نحدد كميتها ونوعيتها، فهي تختلف من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى، كما أنها تختلف من جهة نوعية العمل ورد الفعل عليه، ونجاحه أو فشله، وهكذا من جهة أسلوبه وغاياته. ولعل من أوضح هذه الآثار المحتملة ما يولده العنف من القسوة أو أن يتحول العنف إلى سلوك عدواني، أو ينتقل إلى داخل الجماعة نفسها وبين الأفراد أنفسهم.

وفي التشريع الإسلامي هناك بعض الأعمال التي صنفت على جانب الكراهة كعمل الجزار، وهو العمل الذي قد يولد عند صاحبه القسوة وعدم اللين أو ضعف جانب الإحساس أو الشعور أو العاطفة.

** د. ساعد الجابري: من الطبيعي أن للعنف آثاراً جانبية كثيرة.

** عباس الشمري: لعل هذا السؤال يشكل أهم سؤال في سياق تأثير العنف السلوكي على النفس والاجتماع وتربية الأطفال الصالحة؛ فلا يخفى تأثير سلوك الأبوين الحاد وتقطيب الجبين المستمر لتعنيف الأولاد، وما يترك من آثار سلبية على شكل عقد دائمة لدى الطفل، لعل أهم عقدة الخوف من المجهول، والتردد في أبسط الأمور، وهذا بحث قد يطول، وله أهله من ذوي الاختصاص في هذا المجال.

** علي عبد الرضا: لا شك أن كلا الأسلوبين يتركان آثارهما على الواقع سلبا وإيجاباً، ورسول الإنسانية محمد (ص)  قد بين لنا درسا عظيما عند فتحه مكة عندما أمر أمير المؤمنين (ع)  بأخذ الراية و تغيير الشعار الذي رفعه البعض و القائل:

اليوم يوم الملحمة       اليوم تسبى الحرمة

فقال الإمام علي (ع):

اليوم يوم المرحمة         اليوم تصان الحرمة

و هذا ما ترك آثاره النفسية و الاجتماعية العظيمة في عقول قريش فجاؤوا زرافات معلنين إسلامهم. شعار واحد، عمل واحد لا يقوم به آلاف السيوف.

و نحن لو أردنا أن نعرف الصورة الواقعية للآثار النفسية و الاجتماعية و التربوية للعنف، فلننظر نظرة إمعان و تفحص لبعض الدول التي تكتوي بلهيب الحروب الأهلية والمعارك الإقليمية، كيف أن شعوبها تعيش حالة غريبة من الجهل و التخلف والضياع نتيجة السيطرة الكاملة للعنف على كامل شعور و عقول أبنائها.

و هكذا شعوب لا يمكنها النهوض و الانطلاق ما لم تلغ العنف من قاموسها و تتبنى الطرق الأخرى (اللاعنف) التي أعطت نتائجها الإيجابية في مختلف الأزمان.

** محمود الموسوي: لقد كثرت الدراسات حول آثار العنف السلبية على سلوك الإنسان بشكل عام، سواء كان العنف معايشاً لحياة الناس ومحدداً لعلاقاتهم، أو كان العنف كمشاهدات بصرية أو عقلية، وأكّدت على الآثار السلبية للحالة العنفية العامة .

ومن أخطر الآثار على المستوى الحضاري هو وأد الإبداع ، خوفاً من المواجهة العنفية من قبل خانقي التفكير الذين يواجهون الفكر بالعنف وليس بالفكر ، ومن الآثار أيضاً تراجع حركة الإصلاح السياسي أمام استبداد الحكومات العنفية .

** السيد مصطفى السادة: توجد آثار سلبية كثيرة لها خطرها على الفرد والعائلة والمجتمع؛ فالكثير من المشاكل سببها العنف (الكلامي - العلاقاتي - الموقفي والفكري والديني أحياناً).

لا شك أنه من خلال محاولات البعض لاستخدام العنف كوسيلة لتحقيق ما يريدون فإنه يتوجب عليهم مراعاة الربح والخسارة، ومن خلال تتبع المردودات وتقصي ما يتولد عن العنف نجد أن له آثاراً سلبية كثيرة على الفرد والجماعة والمجتمع ثم على الدين أيضاً. وهذه مشكلة مهمة يتوجب مراعاتها، ولكن المشكلة القادمة تكمن في أن البعض من دعاة العنف - إن لم نقل الكل - لا يقرأون ما يمكن أن يتولد عن ترسيخ العنف من الآثار السيئة القريبة والبعيدة والفردية والاجتماعية، من حيث أن هذه الآثار تبقى وتنطبع وتعمل على التغلغل في السلوك الفردي والعام بل كما يقول علماء النفس قد يتحول هذا السلوك إلى عقدة يصعب التخلص منها مما يؤدي إلى ممارسة العنف في مختلف الظروف والأوقات ومع سائر الأفراد والجماعات وأيضاً قد يؤدي إلى العنف العائلي والأسري بل والنفسي أحياناً. وهذا من أهم أضرار وأخطار ممارسة العنف؛ فيتحول الدواء إلى داء، والنتيجة أن العنف يصبح قاعدة وأصلاً حتى في الأمور التي لا تحتاج إلى العنف، وقد عدّ علماء النفس أضرار وأخطاراً كثيرة يمكن أن تنجم عن سلوك مثل هذا المسلك.

** د. منذر الفضل: نعم بالتأكيد فالأعمال الفعلية الإجرامية تفزع الناس وتهدد الأمن والأشخاص المدنيين وتقلق أمن المجتمع كما أنها أسلوب خطير ومدمر للفرد وللجماعة ولكيان المجتمع والدولة لابد من مقاومته بطرق وأشكال متعددة.

**   ما هي الصلة بين القمع.. الديكتاتورية.. الكبت السياسي، والعنف؟

** بشير البحراني: لا شك أن الصلة بين العنف وكل هذه الأمور صلة شديدة ووثيقة، فمع توفر عنصر العنف لا بد أن تتوافر عناصر كالقمع والديكتاتورية والكبت السياسي، وفي المقابل إذا توفر عنصر السلم واللاعنف لا بد أن تتوافر عناصر كالديمقراطية والحرية الفكرية والتعددية السياسية. ولنتخيل أننا أمام مزبلة أو قمامة اسمها (العنف) فبالطبع أنها تجمع أنواعاً عدة من القاذورات والحشرات كالقمل وما شابهه، والعكس صحيح أيضاً فإن هذه القاذورات والحشرات مكانها السليم هي المزبلة أو القمامة.

وعلى خلاف ذلك نلحظ أجواء الانفتاح الفكري والديمقراطية التي لا تنمو في بيئة العنف، بل تضمحل وتموت، ولا مكان لها سوى أحضان السلم واللاعنف.

** زكي الميلاد: القمع هو استعمال القوة في فرض السيطرة، والديكتاتورية هي الانفراد في الحكم أو الحكم الفردي، والكبت السياسي هو مصادرة حرية التعبير عن الرأي الآخر المختلف. وهذه الحالات هي الأرضيات الحيوية والخصبة التي يتولد منها العنف؛ لأن العنف المضاد إنما يولده العنف، أو يولده انسداد الأفق.

** د. ساعد الجابري: هذه كلها من أسباب وعوامل تفجر العنف.

** عباس الشمري: أتصور  أن مفردات القمع والعنف والكبت السياسي.. هي مرادفات أو نتائج متلازمة مع الديكتاتورية، فالديكتاتورية بطبيعتها الفردية تؤدي إلى استخدام القمع والعنف لإسكات الآخرين وزجرهم؛ والكبت السياسي، وعدم القدرة على التعبير، نتيجة طبيعية لهذا الأسلوب الفج.

** علي عبد الرضا: يجب أن لا تنتظر من شجرة الصبير غير الشوك و الحنظل و لا يمكن أن تعطينا يوما برتقالا أو عنباً، فمن عاش حياة القمع و القهر و الكبت سينمو عنيفا ، و من كان عنيفا وتقلد منصبا ما سيكون مستبدا و طاغيا و ظالما و هذه نتيجة طبيعية لا يختلف عليها اثنان ..

** محمود الموسوي: القاعدة الفيزيائية تقول : الضغط يولد الانفجار ، وما الكبت السياسي والدكتاتورية والقمع إلا ضغط يمارس على المجتمعات ، وهذا كنتيجة طبيعية يولد الانفجار ، وأحد مظاهره العنف السياسي ، فالصلة هي صلة السبب بالنتيجة .

** السيد مصطفى السادة: الديكتاتورية تولد القمع وهو يولد الكبت السياسي ثم العنف، وما يعيشه عالمنا الإسلامي إنما هو بسبب شيوع المفردات الثلاث الأولى.

الصلة بينهما أن الدكتاتورية تولد الكبت السياسي والثقافي والفكري والديني أحياناً، وهذا بدوره يؤدي إلى المعارضة السياسية وبالتالي القمع أو بالعكس أحياناً، مما يؤدي إلى خلق مشكلة العنف وهي أخطر الأمور التي قد تصيب المجتمعات الإسلامية؛ فإذا تغلغل العنف في بنية المجتمع المسلم، فهو أول درجة في سلم الانحدار.

** د. منذر الفضل: العنف هو أقصى درجات اليأس والقسوة المدمرة ولا شك أن الكبت والديكتاتورية والكبت السياسي هي التي تدفع الإنسان إلى هذا اليأس الذي يقود بدوره إلى العنف.

**   هل هناك ربط بين العنف والديمقراطية، بين حرية الرأي والعنف، بين التعددية الفكرية والسياسية والعنف؟

** بشير البحراني: العنف من أهم معوقات التنمية بمختلف أشكالها الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فلا أتصور تنمية متكاملة في ظل وجود العنف، لأن مهمة العنف في العادة التدمير والهدم والنقصان، بينما مهمة التنمية البناء والتعدد والزيادة. ونحن نلمس ونشاهد كيف أن الحروب تستنزف خزائن الدول وطاقات الكوادر على حساب الخطط التنموية.

فمن هذا الذي يتصور تنمية اجتماعية في ظل العنف بصورة الظلم وانعدام الأمن؟ أو تنمية اقتصادية في ظل العنف بصورة التسلط على أموال وخيرات الشعوب؟ أو تنمية ثقافية في ظل العنف بصورة منع الكلمة والحريات الفكرية؟ أو تنمية سياسية في ظل العنف بصورة القمع والاستبداد وانتهاج الدكتاتورية في الحكم؟ نعم، لا يمكن تصور تنمية في ظل ذلك.

ومن جانب آخر علينا أن لا ننسى أن فقدان التنمية أو ضعفها يعتبر أحد أسباب نشوء العنف كردة فعل على الدولة والمسؤولين عن التنمية.

** زكي الميلاد: بالتأكيد هناك ربط بين هذه العناصر؛ فالديمقراطية تسلب كل مبررات العنف وتجعله من دون جدوى، وتزيل حوافزه وبواعثه، وحرية الرأي تزيل الاحتقان والتوتر والتشنج، أما التعددية الفكرية والسياسية فهي تمنع انسداد الأفق وتفتح على الجميع خيارات المستقبل، وتوفر أرضيات التواصل والتعارف والتقارب.

** د. ساعد الجابري: العلاقة سلبية؛ لأنه عندما تُحرم الشعوب من هذه المزايا (الديمقراطية والحرية، والتعددية) ينشأ العنف.

** علي عبد الرضا: العنيف (و هذا ما أثبتته الكثير من الوقائع التاريخية) لا يقبل الرأي المخالف حتى من أقرب المقربين إليه، وإن كانوا من رفاق الدرب و النضال لهذا نرى دائما أن الثورة تأكل أبناءها و هذه نتيجة طبيعية لسيطرة الفكر العنفي على عقلية كل الانقلابيين و أصحاب الثورات المسلحة.

العنيف يريد فقط و فقط جوقة من المطبلين و المزمرين أما مصطلحات الديمقراطية و الرأي الآخر والتعددية و الحرية فهي مفقودة من قواميسه تماماً.

** محمود الموسوي: لا أتصور أن هناك علاقة طبيعية أو واقعية رابطة بين هذه المفردات والعنف ، فالديمقراطية والتعددية الفكرية لا تتطلب العنف، ولا تأتي على سلمه، لأن العنف نقيض لمفاهيم الحرية والديمقراطية والتعددية .

** السيد مصطفى السادة: العنف نتيجة لعدم سيادة مفهوم الحرية وقبول الآخر، ومع انتشار مفاهيم (الحرية - الرأي الآخر - التعددية السياسية) يغيب ما يعرف بالعنف.

من المناسب أن تكون الديمقراطية طريقاً حراً للقضاء على العنف ولكنها قد تكون المولد للعنف أحياناً، وهذا ما نراه في نماذج الديمقراطية الغربية حيث جماعات العنف والقتل وعصابات الإجرام وبروز ظاهرة العنف في المدارس.

وهذا من ثمار الديمقراطية الحرة حيث لا محظورات ولا ممنوعات ولا رقابة ولا سياسة.

وقد تكون حرية الرأي اللامنضبطة واللامسؤولة طريقاً آخر لتوالد العنف لأن الكثير من الناس والجماعات تستخدم هذا المصطلح في غير ما وضع له ويراد منه، فحرية الرأي بالنسبة إليه تعني أن يفعل ما يريد وما يشاء ويمارس كل ما يحلو له وإن أضر بالآخر، فقد يمارس التشهير بالآخرين أو تسقيطهم أو.. باسم حرية الرأي والتعبير الحر.

وقد تكون التعددية الفكرية والسياسية أيضاً من طرق نشوء العنف وجماعات العنف اليمينية كما هو الحال في دول الغرب وأوروبا خاصة.

**   ما هي صلة التنمية الإنسانية، الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية بكل من العنف واللاعنف؟

** زكي الميلاد: لا شك أن من مسببات العنف هو الفقر والبطالة، وسوء توزيع الثروة، والتفاوت الطبقي الحاد بين الناس، وعدم الإحساس بالكرامة والعيش الكريم، وغياب الحريات، ومصادرة الحقوق، وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية.

هذه هي الأرضيات والمناخات والوضعيات التي يتولد منها العنف، فإذا ساهمت التنمية الاقتصادية في تحسين حياة الناس وفتحت للجميع فرص العمل وأبواب الرزق وعدالة توزيع الثروة، وإذا ساهمت التنمية السياسية في حرية التعبير عن الرأي وحق الجميع في المشاركة السياسية وحفظت التنوع والتعدد والاختلاف، والتداول السلمي للسلطة، واحترام القانون ومرجعية الدستور، وحقوق المواطنة، وساهمت التنمية الاجتماعية في حفظ الكرامة واحترام حقوق الإنسان والتعامل على أساس المساواة والعدل والقانون، فلا شك أن هذه التنمية في هذه الأبعاد سوف تزيل جذور ومسببات العنف.

** د. ساعد الجابري: لمعالجة العنف لا بد من استراتيجية بعيدة المدى تتفق فيها المهام الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. الخ.

** عباس الشمري: وهذا كذلك يصب في النتائج التي يمكن أن يؤدي إليها العيش في مجتمع مسالم يتفهم الآخر ويشعر بأنه جزء لا يتجزأ منه، وإن المجتمع ككل وحدة واحدة تربطه أواصر الإنسانية وقيمها العليا، وعند ذلك يمن للتنمية أن تأخذ طريقها الطبيعي، ولكني أتصور أن ذلك ضرب من الخيال ولا يمكن حصوله إلا في زمن الإمام الحجة لأنه حتى أفلاطون لم يتصورها في مدينته الفاضلة.

** علي عبد الرضا: الخطط التنموية بجميع أشكالها تحتاج إلى أرضية صالحة لانطلاقها وارتقائها، و من الأمور التي تطلق عمليات الإبداع والتنمية وجود الأجواء الحرة والتعددية الواقعية، و نحن لو أمعنّا النظر في عالم اليوم لرأينا بوضوح أن جميع عمليات التنمية الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليس لها وجود يذكر في الواقع الذي تتحكم فيه الديكتاتورية والقمع والعنف والاستبداد.

** السيد مصطفى السادة: توجد آثار كثيرة وكبيرة عندما نقوم بنشر التنمية الإنسانية والاجتماعية خصوصاً من حيث المساهمة في تغذية جانب اللاعنف عند الإنسان، ثم يأتي بعدهما في المرتبة الجانب الاقتصادي والسياسي فلهما كبير الدور أيضاً في إطفاء نائرة العنف من حيث العيش الرغيد ولا نقصد به العيش المترف طبعاً إنما النمو الاقتصادي والسياسي في حياة الفرد. وما تعيشه مجتمعاتنا الإسلامية من الحرمان السياسي والاقتصادي والتمييز المذهبي والطائفي كلها عوامل تساهم كثيراً في إيقاظ حس العنف المدفون في داخل البعض ممن لم يتلق أي تنمية إنسانية واجتماعية خصوصاً.

التنمية الاجتماعية القائمة على المفردات الخيرة والأسس الصحيحة، وتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي والإنساني، هما الطريق لنشوء جيل صالح بعيد عن أسلوب العنف في تعاطيه مع الآخر ومن هنا تكون العائلة وقبلها الأسرة هي النواة الأولى لنشوء هذا الجيل.

فالتنمية الإنسانية التي تعني أن الإنسان مكرم عند الله تعالى وعند الأنبياء (ع) الذين بعثهم الله لإنقاذ الإنسان وتحقيق إنسانيته. هذه مفردات يتوجب على الأسرة إيصالها إلى ذهن الطفل من الصغر وتنشئته عليها حتى لا يبقى فريسة لجماعات العنف وغيرها وفي ضمن هذه التنشئة تندرج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكلما تحسنت هذه المفردات، كلما صار أفراد المجتمع أبعد عن ممارسة العنف.

** د. منذر الفضل: لا تنمية مع العنف والكبت والإرهاب لان التنمية بكل أشكالها تكون مع السلام.

**   هل يمكن أن نطلق على بعض حالات استخدام القوة التاريخية والمعاصرة بأنها عنيفة أم أنها دفاع مشروع، وكيف يمكن وضع إطار واضح لها يحدد الحق المشروع منها؟

** بشير البحراني: لم أفهم المقصود من سؤالك جيداً، ولكن إن كنت ترمي إلى من يستخدم الحقائق التاريخية من أجل إدانة دين أو طرف معين، مثلما عمل (صموئيل هنتنجتون) عندما صاغ نظريته الشهيرة (صدام الحضارات)، فلا بأس بهذا الاستخدام وهو لا يعد منهجاً عنيفاً إلا إذا تجاوز الأطر غير الموضوعية في الحكم وحاول إقحام المغالطات اللاموضوعية كتلك التي ارتكبها (هنتنجتون) في نظريته. فالقراءة الحكمية اللاعنيفة للحقائق التاريخية ينبغي أن تكون موضوعية لا تنظر بعين المصالح وأنصاف الحقائق، وإنما تكون معتدلة تصدر أحكامها على أساس القيم والمبادئ الرئيسة للأطراف التاريخية الكبرى وليس اعتماداً على تحركات الأقليات المتطرفة أو المتهورة، إلا إذا كان هذا الاستخدام سيكون مخصصاً وضيقاً في حدوده وبعيداً عن التعميم.

** زكي الميلاد: الدفاع عن النفس حق مشروع تقره الشرائع والديانات السماوية والقوانين والأعراف الدولية وكل المواثيق والمعاهدات التي تسالم عليها الناس، والدفاع عن النفس يشمل الدفاع عن الدين والعرض والمال والأرض والوطن، كما أن الدفاع عن النفس لا يعني بالضرورة استعمال القوة، وليست القوة هي الطريق الأمثل في الحصول على الحق. والأطر التي تحدد الحق إما الدين أو القانون أو العرف أو القضاء.

** د. ساعد الجابري: إنها حالات استخدام القوة المشروعة لتغيير وضع خاطئ، وهو أمر لا يمت للعنف بأي صلة.

** علي عبد الرضا: كل القوانين السماوية والوضعية تشير بصورة وبأخرى إلى أن الدفاع عن النفس والعرض والمال والأرض حق مشروع للجميع و لا يمكن أن نطلق على هذه الصورة إرهابا إلا أن تتعدى حدودها المشروعة و تضرّ بأطراف ليس لها صلة بعملية الصراع وحينئذ تتغير المسميات و تتبدل.

** محمود الموسوي: كما أسلفنا أن الإطار الواضح هو دراسة الدافع من جهة وهو (الحالة الدفاعية المشروعة) وبين الجهة المقابلة (التي مارست العنف في حق الطرف الآخر) ، فهنا يمكننا بوضوح تحديد ما إذا كانت هذه الحالة من العنف حق مشروع أم اعتداء على الحقوق .

** السيد مصطفى السادة: مكن قراءة عدة حالات تدخل ضمن العنف الدفاعي - ونتجنب القول بالعنف المشروع - ومن أبرز  مصاديق هذه الحالة في قضيتنا الإسلامية المركزية، قضية الصراع التاريخي مع اليهود الصهاينة أو في جنوب لبنان أو كما هو الحال في العراق الصدري أيضاً، ولكن هذا لا يعطينا المبرر الكافي لتشريع العنف مطلقاً، فهو يحتاج إلى أطر مميزة للعنف في بعض حالاته، طبعاً هذه الأطر غائبة عن أذهاننا بل وأذهان القيمين على أغلب المشاريع الإسلامية.

** د. منذر الفضل: الفرق كبير بين الدفاع المشروع وبين العدوان وبين حق تقرير المصير وجريمة ضرب الأهداف المدنية.

**   هل يمكن أن يعتمد العنف كوسيلة أساسية لحل الكثير من المشكلات التي تواجه الإنسان والمجتمعات؟

** بشير البحراني: استخدام العنف كوسيلة لحل المشكلات قد يؤتي نفعاً، ولكن هذا النفع مؤقت وخادع لا يلبث أن يفرز إفرازاته السلبية على الطرف الممارس للعنف والممارس عليه، مما يفاقم المشكلة ويزيد من رقعتها، فالعنف لا ينجب سوى العنف، والنار لا تُطفأ بالزيت الذي يلهبها ويشعلها أكثر.

** زكي الميلاد: العنف أساساً لا ينبغي أن يكون وسيلة لحل المشكلات في المجتمعات، من حيث الأصل والقاعدة، وليس هو الوسيلة الحضارية والفاعلة والناجعة دائماً، وإنما المجتمعات ينبغي أن تطور من نفسها ومن قدراتها بالشكل الذي تمنع على الناس استعمال العنف كوسيلة في حل الخلافات والنزاعات والمشكلات، وأن يكون القانون دائماً هو مرجع الجميع وسيد الجميع.

** د. ساعد الجابري: لا بد أن نفرق بين العنف والقوة، العنف لا يؤدي إلا إلى العنف بينما استخدام القوة يكون في بعض الحالات هو الأسلوب الوحيد لحل المعضلات؛ ولقد قال رسول الله: (آخر الدواء الكي).

** علي عبد الرضا: طرق حل المشكلات والخلافات عديدة ومتشعبة ولا يمكن أن نجعلها تتمحور حول وسيلة واحدة قد أثبتت فشلها في كثير من الأحداث، نعم عندما تنفد كل السبل والطرق ولم يبق إلا العنف فيؤخذ به على قدر الضرورة، كما قلنا (آخر الدواء الكي) أما أن يكون هو البلسم لكل الجروح فهذا ما لا يقبله العقل قبل الواقع.

** محمود الموسوي: بالطبع لا يمكن ذلك ، بل يمكننا أن نقلب المعادلة وهي أن العنف إذا حل في مكان كوسيلة للإجبار والقسر والفرض بالقوة لأي مبادئ كانت ، فعندها ستتولد المشكلات المتنوعة في ذلك المجتمع ، فالعنف جالب ومعقّد للمشكلات وليس رافعاً لها .

** السيد مصطفى السادة: قول العكس، يمكن اعتماد مبدأ اللاعنف لحل الكثير من المشاكل العالقة.

** د. منذر الفضل: كلا، إنما تكمن الحلول بالحوار والطرق القانونية السلمية.

**   هل يمكن لمنهجية اللاعنف أن تكون بديلاً فعالاً للكثير من الأزمات المعاصرة مثل: الانشقاقات، النزاعات، الصدامات المسلحة، التفكك.. باعتبار أن اللاعنف طريق نحو الحوار الموضوعي.. أم لا؟

** بشير البحراني: نعم، السلم واللاعنف خير منهاج قويم لتجاوز مختلف الأزمات كالانشقاقات والنزاعات والصدامات المسلحة، لأنه يعتمد على آليات التهدئة والانسجام، وهذه من أفضل الآليات لمقاومة النزاع أو الانشقاق، سواء كان عبر الحوار والتسامح أو غيره من القيم السلمية واللاعنفية.

** زكي الميلاد: البديل الفعال هو الالتزام بالقانون والرجوع إليه وجعله مرجعاً فعالاً على الجميع، فالمفترض من القانون أن يضمن العدل والحق والمساواة، كما أن الحوار والتفاهم والعفو والصفح والتراضي والتسامح هو أيضاً من الطرق الفعالة في حل الخلافات والنزاعات والمشكلات بين الناس.

** د. ساعد الجابري: العنف هو مظهر من مظاهر التفكك والانشقاق لأنه ينشأ عن ظواهر غير سليمة، كاستبداد القائد أو دكتاتورية الفكر، أو انعدام روح النقد، أو انعدام الحرية؛ فينشأ العنف عن هذه الأسباب، وهو يؤدي بالتالي إلى الانشقاق.

** علي عبد الرضا: معرفة فكر ونوايا الآخر المختلف لا تتم إلا بالتواصل المباشر والحوار الموضوعي الجاد. والأزمات المعاصرة إذا أريد لها حلاً واقعياً وجذريا يجب أن تتخذ أسلوب اللاعنف باعتباره خير من يفتح منافذ الحوار والتواصل مع الآخر وخير من يقرب وجهات النظر و يكشف واقع الصراعات ويبعد الأطراف الدخيلة التي تريد للأمة مسارا آخر يدر عليها النفع الكثير وهذا طبعا لا يتحقق إلا باللاعنف.

** محمود الموسوي: يمكن لمنهجية اللاعنف أن توكون بديلا عن كافة المشكلات المتعلقة بمسألة تبدد التعايش في المجتمع الإسلامي نفسه أو المجتمعات المتنوعة ، ولكن السبيل يعتمد على خطين لا بد أن تسير فيهما منهجية اللاعنف كبديل للشقاق والنزاع :

الخط الأول: الالتزام العملي بهذه المنهجية والتمسك بها، كمبدأ لا حياد عنه، خصوصاً في النزاعات التي تنشب بين فصائل المجتمع الإسلامي. وهذا التمسك إنما يوضح بصورة عملية الفوائد الناتجة عن هذه المنهجية.

الخط الثاني: هو العمل الدءوب في الميدان الفكري والثقافي الداعم لمفهوم اللاعنف والمفاهيم المرتبطة ، والمفاهيم الناتجة ، وهذا العمل يحتاج إلى استمرار الاشتغال الفكري ، وإنزال المفاهيم إلى المجتمع لنشرها على كافة المستويات وبصور متنوعة ، عندئذ ستتولد الثقافة الجماهيرية التي تقبل بمنهجية اللاعنف ، وتتمتع بمحاسن الحوار، لتنجح في تأسيس قناعات فكرية ثابتة.

** السيد مصطفى السادة: ليس عند كل المجتمعات أو التجمعات، نعم نحتاج قبل ذلك لشرح هذه المفاهيم وتربية أبناء الأمة على التعاطي الإيجابي الواعي المدروس مع هذه المصطلحات.

** د. منذر الفضل: نعم إذ أنها كما تقدم أساس الحياة.

**   الحركات الإسلامية بقسميها ـ العنفي واللاعنفي ـ كل يدعم منهجه بالإسلام، فأيهما يمكن أن يوصل للغايات والمقاصد خاصة إذا علمنا بأن المنهجين يمكن أن يكونا متناقضين؟

** بشير البحراني:العنف لا يمكن أن يؤدي إلى الغايات والمقاصد التي تبغيها الحركات الإسلامية، وقراءة تجارب الحركات التي مارست العنف تشير إلى أنها لم تفلح في الوصول إلى غاياتها وإنما أشعلت أوار النار حتى على نفسها في الداخل، وخسرت كثيراً من مكاسبها السابقة مما جعل مهمتها أصعب وأوعر.

ولذلك لا سبيل إلا تجربة الحركات اللاعنيفة، فاللاعنف وحده هو الكفيل بنيل الغايات والمقاصد، وخذ على سبيل المثال: (المهاتما غاندي) وهو رجل غير مسلم استطاع عن طريق السلم واللاعنف التفوق والحصول على غاياته المرجوة وبأقل الخسائر الممكنة.. فكيف الحال بمن ينتمي إلى دين يمتلك كل القوى السلمية واللاعنيفة؟

إن الحركات الإسلامية العنيفة لم تحقق غاياتها على الإطلاق، وآن لها أن تستبدل ذلك بمنهج السلم واللاعنف، ولتتذكر دائماً أقوال الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الكرام (ع) من قبيل: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)، (الرفق ييسر الصعاب ويسهل الأسباب)، (من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس).

** علي عبد الرضا:  ليس المهم الوصول إلى الغاية أو المقصد، المهم الاستمرار والحفاظ على النتيجة وكما جاء في الحديث الشريف (الإبقاء على العمل خير من العمل) ربما تساعد بعض الظروف حركة ما في الوصول إلى الغاية التي تنشدها عن طريق العنف ولكن ماذا عن عمليات التغيير والتنمية والاستمرارية في الحفاظ على المقصد؟، ثم ما الفائدة من الحصول على الهدف و عدم الاستمرار به؟.

إذن المهم الوصول إلى الغاية والحفاظ عليها و ترك آثار الفكر الواصل على عقول وقلوب الجميع، و هل يمكن أن يحصل ذلك عن طريق العنف؟!.

** محمود الموسوي: إذا حددنا الغايات والمقاصد الإسلامية ، و رأينا أن منها (الحرية) ، و(المساواة) و (العدل) و (الرفاه) و (الأخوة) و (إيتاء كل ذي حق حقه) وما شابه ذلك ، فإننا لن نتصور أن حركة قائمة على منهجية العنف في حركتها ، يمكنها أن تتوصل إلى تلك المقاصد الإسلامية السامية وتقيمها على أرض الواقع ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، فمواجهة الرأي الآخر بالعنف أو حتى الفكر المضاد بالعنف العسكري ، ليس من قوله تعالى (لا إكراه في الدين) في شيء، نعم مواجهة الفكر المضاد ضروري وواجب القيام به، ولكن مواجهته بقوة الفكر لا بقوة المدفع، فقد تنجح حركة ما في تحقيق مآربها في الوصول إلى السلطة ، ولكن لن تتمخض عنها روائح العنبر والمسك ، بل على العكس ،  ستذهب ريحهم بسبب فشلهم.

وعلى صعيد الواقع الإسلامي المعاصر فإننا شهدنا بعض الحركات العنفية التي كادت أن تصل للسلطة، وقد كان في خطابها توعد للطوائف الإسلامية الأخرى ، بعد الانتصار على الحكومة، بحيث ستعمل على إزالة أي فكر آخر ولو كان إسلامياًً.

** د. منذر الفضل: نبذ التطرف وإشاعة التسامح وثقافة الحوار والاعتراف بالآخر.

**   مشروع النهضة الإسلامية وحركة التغيير هل يمكن أن تتحقق من خلال منهجية العنف أم منهجية اللاعنف أم أن هناك طريقاً آخر؟

** بشير البحراني: أؤكد مجدداً على أن حلول التنمية والنهضة والتغيير الإيجابي لا يمكن أن تتم بمعزل عن اعتماد أساليب السلم واللاعنف، أما منهجية العنف فليس باستطاعتها أن تحقق مكاسب مرجوة في مثل هذه الأمور وإنما تكون عاملاً على اتساع الهوة بين الواقع والمأمول.

إن نبي الله محمد (ص) عندما دعا إلى الإسلام كان يدعو إلى مشروع نهضوي وتغييري شامل بل إلى انتفاضة في العقل العربي، فلم يتم له ذلك إلا بانتهاج السلم واللاعنف، ومن يقرأ السيرة النبوية الشريفة يدرك تأثير اللاعنف وفاعليته في التغيير وإحداث النهضة.

** زكي الميلاد: العنف كان فعالاً في مواجهة الاستعمار ومقاومة الاحتلال كالذي حصل في جنوب لبنان ويحصل في الأراضي المحتلة بفلسطين، وإذا كان من حق الجميع أن يجتهدوا في اختيار الطريق والمنهج والأسلوب، فإن منهجية اللاعنف أو منهجية البناء هي أفضل من منهجية الهدم.

** د. ساعد الجابري: قلنا إنّ العنف هو تجاوز الحد فلا يمكن الركون إليه، أما القوة فلا بد من وضعها في الحسبان في أية استراتيجية. قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وقال أيضاً: (وليجدوا فيكم غلظة) وهو استخدام القوة المشروعة.

** علي عبد الرضا: مشروع النهضة يقوم على :

- حوار الذات.

- حوار الآخر الموافق.

- وحوار الآخر المخالف فكرياً ومنهجياً و دينياً.

وحوار الذات يحتاج إلى وقفات تأمل وتفكر لعوامل النهضة الأولى وانكسارها حاليا وكيف السبيل للانطلاق بالذات إلى مراحل الكمال والرقي. ولا يمكن لعقل تسيطر عليه منهجية العنف أن يأخذ فرصة للتأمل أو فسحة للتفكر والانطلاق في مختلف الاتجاهات.

و حوار الآخر بشقيه يحتاج إلى تواصل دائم وعرض ملائم للأفكار والمبادئ. ومنهجية اللاعنف تتكفل بكل ذلك وتعطي من الثمار ما لم تعطه أية منهجية أخرى .

** السيد مصطفى السادة: أعتقد أن أهم ما ينقصنا نحن كإسلاميين (نشرف على المشروع الإسلامي) هي مسألة وعي الأنا الديني وكيف نتعامل معها ثم مع الآخر المختلف والمخالف وتوجد الكثير من المفردات غائبة أو مغيبة عن واقعنا الديني والاجتماعي.

** د. منذر الفضل: الطريق هو استخدام اللاعنف والحوار والتسامح.

**   ما هي السبل التي يمكن من خلالها نشر ثقافة اللاعنف إذ يعتقد البعض بأن اللاعنف مفهوم مثالي يصعب تطبيقه؟

** بشير البحراني: كلا، اللاعنف ليس مفهوماً مثالياً حتى ولو صعب تطبيقه لأنه مشروع متحقق، وبعض التجارب التاريخية والمعاصرة تثبت ذلك لمن يحاول أن يوهم نفسه بمثالية اللاعنف.

أما السبل لنشر ثقافة اللاعنف فلا تكون إلا عن طريق بث قيم السلم واللاعنف بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين مجتمعه، وهكذا حتى الدائرة الكونية بأكملها، وعلى رأس هذه القيم التواضع والعفو والحلم والتسامح على المستوى الشخصي، والتعددية والحوار والشورى على المستوى الأعم.

** علي عبد الرضا:  السؤال يشير بوضوح إلى أن ثقافة اللاعنف هي القاعدة وهي المنهجية المطلوب اتباعها غير أن صعوبتها و سهولة المنهج الآخر جعل البعض ينحو نحو العنف و يتشبث به. نعم؛ هناك صعوبات في اتباع أسلوب اللاعنف وخصوصا عند أولئك الذين يرون الحق معهم أو القدرة عندهم أو القوة بأيديهم فهم لا يستطيعون كبح جماحها والسيطرة عليها.

اللاعنف ملكة كغيرها من الملكات تحتاج إلى تربية للنفس وترويض للقدرة حتى يمكن الحصول عليها وهي ليست بالأمر الهين لذلك يتهرب منها من لا يستطيع الحصول عليها أو الصبر على مرارتها.

** السيد مصطفى السادة: نحتاج إلى بلورة مشروع اللاعنف بشكله الإيجابي وذلك عن طريق الكتابات الدراساتية والأدبيات المتخصصة والترويج لهذه المفاهيم كما روج الصينيون للغتهم والهنود لنظرية غاندي السلمية وينبغي ممارسة هذه المفاهيم في أوساط الإسلاميين قبل غيرهم.

** د. منذر الفضل: نشر ثقافة حقوق الإنسان ونبذ الفكر العنصري ونبذ التطرف وإشاعة التسامح وثقافة الحوار والاعتراف بالآخر.

**   ما هو تأثير أحداث سبتمبر التي وقعت في أمريكا على الوجود الإسلامي في الغرب؟ وهل لهذا الحدث العنيف دور في ترويج سمعة سيئة للإسلام في الغرب؟

** بشير البحراني: كأن الفرصة كانت مؤاتية للأميركان في استغلال أحداث الثلاثاء الأسود من سبتمبر ليندفعوا بكل قوتهم في حرب ضد الإسلام كدين وقيم ومبادئ، فأخذوا يروجون ضده عبر الوسائل الإعلامية والسبل السياسية على أنه دين العنف والإرهاب، وخلطوا بين المفاهيم والمصطلحات فصار الجهاد في نظرهم لا يختلف عن العنف والإرهاب في شيء، وصار العنف المضاد الذي يستخدمونه ويستهدفون به الأبرياء ضرورة إلحاحية مباحة دولياً للقضاء على كل ما هو إسلامي؛ ولذلك كان من الطبيعي أن يؤثر هذا سلباً على علاقة الغرب بالوجود الإسلامي عنده خصوصاً، وقد حصلت إبان أحداث سبتمبر مضايقات عديدة للأفراد المسلمين في البلدان الغربية، وأصبح المسلم هناك بمثابة القنبلة المتحركة حتى أن بعضهم كان يرفض أن يصعد في طائرة بها مسلم، كما تم إغلاق بعض المؤسسات الخيرية والتجارية التابعة للمسلمين هناك، مع تجميد أرصدتها البنكية.

ولكن - في تصوري- أن هذه الحالة من الغضب والمضايقة تجاه المسلمين من قبل المواطنين الغربيين على وجه الخصوص بدأت بالانحسار شيئاً فشيئاً، ولذا من الواجب على المسلمين هناك في مثل هذه الظروف وغيرها إبراز مظاهر السلم واللاعنف بكل الصور في التعامل مع الناس، ليتعرف الغربيون على المنهاج الحقيقي للدين الإسلامي.

** علي عبد الرضا:  التأثيرات التي تركتها أحداث سبتمبر لها بعدان؛ أحدهما إيجابي وهو دخول أفواج كبيرة من الغربيين في الدين الإسلامي، و ثانيهما سلبي مرده إلى الدعايات السلبية والمغرضة التي تقوم بها وسائل الإعلام المحسوبة ضد التواجد الإسلامي ككل. و المؤسف حقا أن الخطاب الديني يساعد بصورة وبأخرى ما تروج له هذه الوسائل الإعلامية، و يعطي دليلا ملموسا لهؤلاء للهجوم على الإسلام والمسلمين.

وإذا أريد لنا أن نقف أمام هذا المد الجارف من الدعايات السلبية فعلينا أن نتحرك على بعدين، بعد ترشيد وإصلاح الخطاب الديني وتوجيهه نحو البعد السلمي، وبعد مواجهة الهجمة الإعلامية الغربية وكسب الرأي العام الغربي.

** محمود الموسوي: أولاً نحن على يقين بأن الإسلام يرفض الاعتداء على الأبرياء بالعنف ، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م جعلت الجاليات الإسلامية في الغرب أمام مشكلة حقيقية، وهي اتهام دينهم بكل المشكلات التي تواجه العالم ، وخلقت لهم جبهات العداء من كل حدب وصوب ، فقد ظلم الأبرياء المسلمون ، واعتدي عليهم وعلى ممتلكاتهم ، و قد كانت أحداث سبتمبر فرصة ذهبية للذين يروّجون العداء للإسلام من قبل ، فاستغلوها استغلالاً واسعاً، وقد ذكرت بعض التقارير أن المضايقات على المسلمين في أمريكا قد زادت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه ، مما يشير إلى أن جهود المسلمين في الغرب لابد لها أن تضاعف أيضا.

و من الجدير بالذكر أن المؤشرات في الأيام التي تلت الحادثة ، وبعد أن تعرّض المسلمون للظلم الشديد في الغرب، تشير إلى تنامي الحسّ الديني؛ فقد التزمت المرأة المسلمة بحجابها أكثر من ذي قبل ، بل وقد أكدت تقارير وكالات الأنباء تنامي الميل للإسلام والتعاطف معه ، وحتى اعتناقه من قبل الغربيين، كما حدث ذلك في إيطاليا ، وهذا كله بفضل الله تعالى ، فمنذ ذلك اليوم  هرع الكثير من الغربيين إلى المكتبات لشراء الكتب التي تتحدث عن الإسلام ، و أخذوا يسألون عن الدين الإسلامي وهويته ، في الوقت الذي كان الكثير يجهل الإسلام ، هنا تعرفوا على الحقائق ، و عرفوا أن ما حدث في سبتمبر ليس من الإسلام في شيء ، إنما الإسلام يدعو للين وحسن المعاملة وقد كرّم بني آدم على المخلوقات وعززه ويريد له الرفاه في جميع تشريعاته .. وعلى أثر ذلك مال بعضهم إلى الإسلام.

** السيد مصطفى السادة: قد اختلف مع الكثير وأقول إن لها أثراً إيجابياً على قراءة الإسلام في الغرب من جديد.

** د. منذر الفضل: إن قواعد القانون الدولي تدين أي عمل يستهدف المدنيين وتعتبره من العمال الإرهابية أيا كانت العقيدة التي يتبناها الفاعل ويعد الشخص القائم بالعمل الإرهابي مجرما دوليا لا تسقط جريمته بالتقادم. ولغرض فصل الدين عن السياسة و تجنب تسخير الإسلام كدين وجد من أجل الإنسان وسعادته وتامين الحياة المطمئنة له، شأنه شأن الديان الأخرى، نرى أن من الأهمية بمكان أن يصار إلى تكثيف الحوار بين الأديان الذي لابد أن يقود إلى التسامح وزرع قيم المحبة والفضيلة والخير بين الناس في المجتمع والى نبذ العنف  فالأديان جاءت لمصلحة الإنسان ومن أجله لنشر السلام بين الناس وندعم جهود تقديم المجرمين إلى العدالة فالتعددية الدينية ضرورة وحق الاختلاف ناتج عن مبدأ يقره الإسلام وهي حرية الإنسان في اختياره ومسؤوليته عن ذلك ولا إكراه في الدين.

**   ما هي أسباب نشوء العنف في العالم الإسلامي، وهل لهذه العناصر (الاستبداد، فقدان الحريات، القمع والاضطهاد، عدم وجود البنيات المؤسساتية)، دور في نشوئها وتكريسها؟.

** بشير البحراني: نعم، كل هذه العناصر وغيرها هي من أسباب نشوء وتكريس حالة العنف في العالم الإسلامي وغيره، ويساعد على ذلك الجهل بروح الإسلام اللاعنيفة ومبادئه السلمية وقيمه التسامحية فيتهيأ للإنسان أن العنف لا يرده إلا العنف، والحق أن الإسلام لا يقول بذلك، بل يقول بالسلم واللاعنف في مختلف الظروف. كما يساعد على ولادة العنف أن نفسية العنيف تكون عادة مليئة بالأمراض والأوبئة كالتطرف والعصبية والكره والحسد وحب الأنا وغيرها، كما أن ضعف التنمية من أهم أسباب نشوء العنف.

** علي عبد الرضا:  ماذا تطلب من الأمة؟:

- سيف الدكتاتورية مسلط على رقابها، التعددية ممنوعة بجميع أشكالها، الحريات مصادرة، الحقوق مهضومة، لقمة العيش غير متوفرة، الاضطهاد و القمع، غياب القانون، عدم وجود مؤسسات دستورية، إعلام مسيّر..

فهل تقول لإنسان يعيش في مثل تلك الأجواء، تحمّل كل ذلك و هو يعاني دوامة من اليأس و الإحباط والتشاؤم ، وكل هذه تجره جراً نحو الإقدام على عمل  يشفي غليله ويرفع شيئا مما يعانيه و يلاقيه.

أليس العنف هو الأسلوب الأسهل والأقرب للرد على كل إحباطات الماضي و انكسارات الحاضر؟!.

أليست الحكومات المستبدة هي التي تقف وراء نشوء العنف و تكريسه؟!.

** محمود الموسوي: الاستبداد في العالم الإسلامي سبب رئيسي لتولّد العنف الموجّه ضد مصدر الاستبداد، وتتفاعل موجة الغضب إلى أن يصل العنف إلى حليف المستبد من الدول الأخرى ، وهذا ما جعل بعض الحركات تصدّر العنف خارج دائرة صراعها. وهنالك أسباب أخرى لنشوء موجة العنف ، وهي الانحصار في قراءة الإسلام في زاوية واحدة وبعد معين، هو التركيز على القتال والحروب دون النظر إلى سياقاتها التاريخية لتدرس ضمن أجوائها ودون النظر إلى السبل الأخرى في الإصلاح وفي الجهاد وفي الهداية والدعوة إلى الدين ، من هنا فأصحاب مثل هذه القراءات يخيل لهم أنهم يحسنون صنعاً بتحميل آيات الذكر الحكيم ما في رؤوسهم في المضامين العميقة التي تدعوا إليها، فهم مصداق للآية الكريمة: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)، فالجهل هو العنوان العام الذي يكون تلك الأفهام والإجتهادات المسببة لظاهرة العنف .

** السيد مصطفى السادة: أعتقد أن غياب الوعي سبب هام ورئيس في ذلك.

** د. منذر الفضل: يظهر من أعمال الإرهاب التي وقعت في العديد من دول العالم - وبخاصة في العالم العربي - إلى أن أسباب الإرهاب يمكن حصرها على النحو التالي:

- التطرف الديني والمذهبي المقترن بالعنف. وهذا التطرف نجد نموذجه الواضح في الجزائر حيث بلغ عدد الضحايا من السكان المدنيين نتيجة أعمال الذبح والتفجيرات اكثر من 100 ألف إنسان.

- التطرف القومي العنصري المقترن بالعنف (نموذج الجماعات النازية – القوة البيضاء) أي الإرهاب النازي.

- التطرف السياسي أو العقائدي المقترن بالعنف. ونجد نموذجه في نظام الرئيس صدام (الإرهاب الصدامي).

- التطرف الإجرامي المقترن بالعنف مثل عصابات الجريمة المنظمة والتي تقوم بعمليات غسيل الأموال وتبييضها..

ونعتقد أن أسباب التطرف والإرهاب  تعود إلى العوامل التالية:

- الجهل سواء أكان جهل الأفراد أو الجماعات أو جهل قيادة الدولة التي تمارس إرهاب الدولة.

- الفقر والبطالة الذي يعاني منه الشخص أو الأشخاص أو الجماعات أو قيام الدولة بتعمد خلق ظروف الفقر والبطالة بهدف إبادة الجنس البشري لكي تتخلص من عرق معين أو جماعة معينة غير موالية للنظام السياسي وكذلك قيام المسؤولين في  الدولة بإهدار الثروات وسرقتها والتصرف بها دون حساب أو رقابة أو قانون، أي بصورة مخالفة للقانون وعدم خضوع هؤلاء للحساب مما يثير رد الفعل ضدهم.

- الظلم والعدوان واستعمال القسوة ضد البشر. وبخاصة في الأنظمة الدكتاتورية التي تصادر الحقوق والحريات والديمقراطية وتغييب المؤسسات الدستورية والقانون ولا تحترم حقوق الإنسان وكذلك انعدام الحوار أو رفضه من السلطة أو لعدم الثقة بالنظام.

- مطالبة الشعوب بحق تقرير المصير ورفض هذا الطلب من الأنظمة السياسية المنغلقة.

- فقدان المؤسسية في نظام الحكم وغياب الحكم المدني.

- أسباب أخرى؛ اجتماعية و سياسية وثقافية وتربوية.

**    ما هو دور النظام العالمي الجديد في نشر العنف، الاستعمار، الاستغلال، الرأسمالية، العولمة..؟

** بشير البحراني: إن النظام العالمي المعاصر الذي تتزعمه قوى الصهيونية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية قائم على فلسفة المصالح واستثناء الآخر، ويساهم بصورة فاعلة في نشر العنف، من خلال ممارسة العنف العسكري المباشر عبر قصف الضعفاء والأبرياء بالطائرات والمدفعيات في أماكن مختلفة من العالم بحجة محاربة الإرهاب، أو بممارسة العنف عن طريق دعم الاستعمار وتشجيعه ومن ذلك دعم الكيان الصهيوني بطل المجازر والاغتيالات أو إرسال القوات العسكرية إلى كل مكان في العالم بهدف الحاكمية على خيرات الآخرين، أو بممارسة العنف المتمثل في صورة الرأسمالية والعولمة حيث الاستغلال والتسلط والاستبداد باستخدام عنصر القوة الاقتصادية والسياسية وغيرها.. كل ذلك يمارسه النظام العالمي المعاصر -للأسف- ثم يفرض ممارساته على باقي الشعوب بصورة مبررة وبأثواب جميلة وبراقة.

** علي عبد الرضا:  النظام العالمي الجديد بما يحمل من جشع و طمع غير محدود يقف هو الآخر مع الحكومات الدكتاتورية على ترويج ثقافة العنف، الحكومات بتصرفاتها و انقيادتها إلى ضغوط النظام العالمي، والنظام العالمي بمباركته للحكومات المستبدة وعدم الاعتراض عليها وفرض الشروط القاسية على القروض و المنح المقدمة من مؤسساته البنكية.

و الطريف في الأمر أن الرئيس الأمريكي السابق (كلينتون) ذكر في ندوة له قبل أسابيع قليلة أن غياب الديمقراطية في دول العالم الثالث هو السبب في نشوء الإرهاب و بروزه بهذه الصورة العنيفة ولو أن الولايات المتحدة مارست دورها بجدية و ضغطت على بعض حلفائها لرفع المعاناة عن شعوبها والسماح لهم بالمشاركة الشكلية بالحكم لكنا نعيش اليوم حالة غير التي تنتاب العالم اليوم من توتر وحذر لا يعلم متى ينتهي.

و كلام الرئيس (كلينتون) يغني عن التوضيح ويشير إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الدول الكبيرة في القضاء على العنف و الإرهاب قبل نشوئه، ولكن السياسات الاستعمارية فوق ذلك فهي الحاكمة و هي التي تخطط وترسم وتسير وما على الحكومات إلى اتباع ما هو مرسوم و بدقة..

** محمود الموسوي: نظام العولمة المعاصر بما يحمل من نوايا استغلال وإرادة هيمنة ، ونظام رأسمالي ظالم ، وبما يجيش به من إمكانات إعلامية وسلطة سياسية دولية ، وتفوق صناعي كبير ، يتسبب بزيادة مظاهر العنف في جهة من جهاته ، ولكن بطريق غير مباشر .

فمثلاً عندما تتجاهل الأنظمة التي تدّعي السيادة العالمية الدول الأفريقية في مشاريع الإصلاح المعيشي ، فسيحصل العنف على أفضل مسرح له ، وهذا ما يحصل الآن ، و تبقى بعد ذلك الدول الكبرى متفرجة على فنون العنف هناك دون أن تحرّك ساكناً ، في الوقت الذي تهرع إلى شن الحروب وافتعالها من أجل الحفاظ على مصالح قومية ومالية في منطقة أخرى ، وهذا عنف بصورة ثانية .

و كذلك نشاهد هذه الحقيقة في التسويق للأسلحة التي تملكها تلك القوى ، إذ تسعى إلى خلق أجواء اضطراب سياسي في منطقة وأخرى ، لتضمن سوقاً لأسلحتها .

وأيضاً إذا وضعنا في الاعتبار التمويل والدعم المباشر للكيان الصهيوني من أجل تقوية الكيان الذي يقتل وينهب ويهدم الدور على أصحابها ، فهذا دعماً للعنف .

وفي الإعلام الغربي نلاحظ التسويق للعنف في الأفلام والبرامج ، و حتى في أفلام الكرتون للأطفال ، مما حدا بإحدى  المتخصصات في علم النفس أن تضيق ذرعاً من المظاهر العنفية الزائدة في الإعلام الغربي ، فعمدت إلى تأليف كتاب للحد من مشاهدة التلفزيون عبر وضع برامج لتنظيم الوقت للأطفال.

** السيد مصطفى السادة: هذه المفردات يمكن أن تجمعها العولمة بشقها السلبي طبعاً، ولها الأثر السيئ في نشر ثقافة العنف وخير شاهد على ذلك عمليات القتل التي يمارسها أطفال المدارس خصوصاً في (أمريكا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا).

** د. منذر الفضل: للنظام العالمي المعاصر دور كبير في نشوء العنف، وذلك لانعدام الحوار، وفقدان العدالة السياسية.

 

الهوامش:

(1) كاتب وباحث من السعودية، عضو هيئة تحرير موقع (قطيفيات) الثقافي.

(2) باحث ومفكر إسلامي، رئيس تحرير مجلة (الكلمة).

(3) باحث وكاتب مقيم في إيران.

(4) كاتب مقيم في سوريا، رئيس تحرير صحيفة الوفاق الإسلامي.

(5) باحث وكاتب إسلامي، رئيس تحرير مجلة النبأ السابق.

(6) سيد محمود الموسوي. كاتب وباحث من دولة البحرين، مشتغل بالبحث والكتابة. يعيش في قرية بني جمرة. مواليد 1973م.

- أحد مؤسسي جمعية الرسالة الإسلامية في البحرين، ورئيس اللجنة الثقافية فيها.

- له عدّة كتب ومشاركات في صحف ومجلات عربية.

(7) كاتب وباحث، بكالوريوس في الفلسفة الإسلامية.

(8) أستاذ القانون المدني سابقا - جامعة بغداد، محاضر على طلبة الماجستير والدكتوراه وطلبة المعهد القضائي، رئيس قسمي القانون العام والخاص - جامعة الزيتونة - الاردن (سابقا).

ردك على هذا الموضوع

إتصــلوا بـنـــا

الأعــداد السابقــة

العــدديـن 67 - 68

الصفحة الرئيسية