العبق الفواح

عبد الكريم بن مبارك آل زرع

أليلة عاشـــــــوراء يـــا حلكاً شَبَّا
ومـــــــا خبّأ الآتي صهاريج أدهُرٍ
بساعات ليلٍ صرَّم الـــوجدُ حينها
يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجاهُمُ
لقد بيّتوا في خـــــــاطر الخلدِ نيةً
وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما
فأعظِم بهم أنصارَ حَقٍّ تــــوغلوا
فأكبْر بهم عزّاً وأكرمْ بهــــم تُقىً
بهم ظمأٌ لـــــــــو بالجبال لهدَّهــا
عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغت
وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَهـــا
تُراعـــي بأشبــاح الظلام عُيونُهم
حــــريماً وأطفالاً بــــراهُنَّ غائلٌ
على وجلٍ يخفقنَ من كلِّ همسةٍ
خيامٌ عليها خيَّم الوجدُ نــــــاحِلاً
بنفسِيَ آلُ المصطفى أَحدَقتْ بهم
تـــــــدور عليهم بالشجى فكأنّهم
ألا ليتني حيــــــث التمني عبادةٌ

 

حنينك أدرى مــن نهارك مـــا خبّا
بساعَاتِه قـــــــد صبّ صاليَها صبّا
يُناغي بها الولهان معشوقـــــه حُبّا
دَويّاً كمن يُحصي بجارحــــة تعبى
أضاءت دُجى التاريخ نــــافثةً شُهباً
برشـــف فرندٍ يحتسون بـه الصَّهبا
إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا
وأعظمْ بهـم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا
ولـــو بالصّخور الصُمِّ فتّتها تُربــــا
ولـو رامت الأفلاك كانت لها تَرِبــا
شُرودٌ بهـــــا قـــد حَيَّر الفِكرَ واللبّا
حــــــــريماً وأطفالاً مُرَوَّعَةً سغبى
مـــــن الوجَل المحتوم مُنقَدحاً كربا
يُنمنْمُ هولُ الخطبِ في عينِها عَضبا
وَجَلّى عَليّهَا الغمُّ بــــــــالهمِّ مُنصَبَّا
ضُروبُ الرزاياحَزَّبتْ حَولهمُ حِزبا
بفطرتهم كانــــوا لجمرتهــــا قُطبا
لمن ليس في عينيه غيرالمنى دربا

خباءٌ بــــــه النيران كفٌ تقطّعت
وقلـــــب تفرّى بالظَّما وجوارحٌ
بنفسي أبو الأحرار ما ذاق جُرعةً
ألا ليت لــي لثم الضريح ورشفهٍ
وأهتف يا مــــولايَ جئتك دمعةً
ألا ليتني بيـــــن السيوفِ فريسةً
أقــــي قلبك الصادي بقلبٍ أذابَهُ
اُفدِّيك إجـــــــلالاً وأنشدُك الحُبّا
ويا عنصر الألطاف من روح أحمد
ويا عبقا مــن رحمة الوحي فاتحاً
ويــــا قبسا في العين يُثقلها رؤى
ويُكحلها التقوى حيــــــاءً وعفّةً
فأنت الذي في العين يُذكي سناءَها
لأن مراسيها هـــــــواكم ونورُكم
أفدِّيك يا من الهبَ الشمسَ والسما
علـــــــى أنّ مُحمرّ السماءِ تألَّقٌ
أفديك يا فرع الرسالة يا هــــوى
يا كبداً حرّى تفرَّت مـــــن الظما
ويا صارماً لولا الحنانُ أعــــاقه
لقد خسر الدهرُ الرهانَ فلم يطق
وقد صدَقَ الحُسّادُ أنَّ يزيدَهـــــم
ونحن نقولُ السبطُ ما زال بـــاقياً

 

وصدرٌ غدا للخيل مضمارها نهبا
تُوزَّعُ بالأسياف مُحمَّرةً إربـــــــا
ليجرع كــــأس العزِّ مُترعةً نخبا
مــــن العبــــــق الفوَّاح ألثمُه عبّا
نشيداً، جــراحاً، دامياً، ولِهاً، صَبَّا
لإيقاعهــــا غنَّت جوارحيَ التعبى
نوى هجــركَ الممتدِّ يا سيدي حقبا
أتُحرمُ عــذبَ الوِرد يا مورداً عذبا
بـــــأوردة الدنيـــــا يُكلّلها الخصبا
تَنشَّقَ منــــــه الماحلُ النَّسمَ الرطبا
تفرَّسُ بالايمـــــــان تخترقُ الحُجبا
ويسكبُ فيها مــن هواه المدى سكبا
فتحلوا إذا تــرنو أو اثّاقلت هــــدبا
وإكسيرُهـا فيضُ المودة في القربى
نجيعاً فــــذابا في قـــداستهِ ذوبــــا
لتُزجي به من فيضك الشرق والغربا
لأحمــــد في الآفــــــاق يملؤها حُبّا
وفيها الفراتُ انســـاب سائغهُ شُربا
لَقَدَّ الدنـــــــى قَدّاً وقَطَّعهَا إربــــــا
محــالٌ عليه اليوم ان كــــرر الذنبا
تكــــرر في الأزمـــان ممتلئا عُجبا
هو السبطُ لا قـــولَ افتراءٍ ولا كذبا