المسلمون في العالم

(النبأ)

بعد أن رحل عام 2000 الذي جعلته الأمم المتحدة عاماً للحوار بين الحضارات وقبل أن ينتهي عام 2001، وبعد أن قطع الدعاة المسلمون أشواطاً طويلة في تعريف شعوب العالم بالإسلام ديناً ومنهجاً، جاءت تفجيرات11 أيلول من السنة نفسها لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء ، والى نقطة الصفر وحتى دون ذلك .

وفي فورة الانفعال بهذا الحدث، خرجت تصريحات عديدة من مختلف النخب السياسية والفكرية في الغرب ، تؤكد أن الغرب غرب والشرق شرق وأنهما لن يلتقيا أبداً. وشبه الرئيس الأمريكي ما حدث بأنه حرب صليبية جديدة ضد قوى الإسلام المتخلف ، وخرج رئيس وزراء ايطاليا بتصريح ألغى فيه العطاء الحضاري للإسلام طيلة قرون عديدة ،إضافة الى تصريحات تاتشر الطاعنة بالإسلام والمسلمين .

على مستوى النخب الفكرية ، كان مؤتمر المفكرين الأمريكيين ، والذي خرج ببيانه الختامي مؤكداً ما ذهب إليه صموئيل هنتنغتون حول صدام الحضارات ، وما طرحه قبله فوكوياما حول نهاية التاريخ، وبارك تلك الحرب العادلة ، كما اسماها البيان ، والتي تقودها أمريكا ضد قوى الشر والإرهاب في العالم ممثلة بالإسلام والمسلمين من أجل نشر القيم الأمريكية في التقدم والتحضر واحترام حقوق الإنسان.

هذا التعاطي الانفعالي والمنفلت ، انسحب أيضا على المستوى الشعبي داخل فئات المجتمع الأمريكي خصوصاً والمجتمعات الأوروبية عموماً.

شاهدنا وسمعنا وقرأنا عن حوادث عديدة استهدفت الوجود الإسلامي في الغرب ، أفراداً ومؤسسات ، وعادت النظرة القديمة الى سابق عهدها ، نظرة الاقصاء والالغاء والشك والريبة تحكم علاقة تلك الشعوب بالوجود الإسلامي في الغرب .

فتاة عربية تفجر أزمة في الحكومة الإسبانية بإصرارها على ارتداء الحجاب

* مديرة المدرسة ترفض دخولها بالحجاب.

* وزيرة التربية تؤيد قرار المديرة.

* وزير العمل والشؤون الاجتماعية يصف الحجاب بأنه من العادات السيئة ولا يجوز أن تكون مقبولة في اسبانيا.

* زعيم تجمع اليسار المتحد يصف القرار بأنه إجراء عنصري.

* السكرتير العام للحزب الاشتراكي المعارض يتساءل: كيف سنبني إسبانيا إذا كان هناك من يفكر بأن الحجاب مثل طهور النساء؟.

* مستشار التربية في مقاطعة مدريد يصدر أوامره بالسماح للطالبة بدخول المدرسة من دون شروط.

تاتشر تثير موجة من الجدل في بريطانيا بسبب وصفها (الإسلاموية) بـ(البولشفية)

* بعد توجيهها اللوم للمسلمين بذريعة أنهم لم يعبروا عن استيائهم بما فيه الكفاية من هجمات سبتمبر (ايلول)الماضي اعتبرت البارونة المحافظة في مقال نشرته صحيفة (الغارديان) أن الغرب عرضة لخطر ماسمته(الارهاب الإسلامي)ووصفت مااعتبرته (الإسلاموية)ب(البولشفية الجديدة)

توافق في المؤتمر الإسلامي –المسيحي في اسطنبول على إنكار الصبغة الدينية الحصرية للارهاب الدولي

تحت شعار (الحضارات والتناغم:البعد السياسي)عقد منتدى وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي، وأعلن وزير الخارجية التركي لدى افتتاحه الاجتماع أن (الإرهاب لا دين له ولا حدود ولا يمكن تحديده استناداً إلى هذه القواعد).

خافيير سولانا ، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي حذّر من الصيغ المجتزأة معتبراً أنه لا توجد حضارة إسلامية واحدة وأن هذه الحضارة ليست محددة جغرافيا ودعا إلى أكبر قدر من التفهم والتسامح مع رفضه التشبيه بين الإرهاب والإسلام .

وزير الخارجية الأسبق (كونو) يطلق مبادرة حول الإسلام والعالم الإسلامي

* إن غالبية المسلمين يحبون السلام مثلهم في ذلك مثل معتنقي الديانات والأيديولوجيات الأخرى .

* تنمية وعي أدق عن الإسلام لدى الشعب الياباني بنشر نتائج الدراسات الإسلامية على نطاق واسع.

(النبأ)

بعض العناوين التي حملتها الصحف العربية في الآونة الأخيرة، والتي تحاول أن تطرح أمام القارئ العربي ما يكتب في أمريكا وأوروبا حول الإسلام والمسلمين، إن على المستوى السياسي او المستوى الشعبي, لا تخلو تلك الأخبار من ثنائية (الفعل – رد الفعل) ، فبعد تفجيرات 11ايلول تصاعدت ردود الأفعال الأمريكية والأوروبية المتشنجة من سياسييها وكتابها تجاه الإسلام والمسلمين، وانسحب رد الفعل على تلك الشعوب ، وأدى إلى ظهور نزعة تجريد الفتيات المسلمات من حجابهن من جديد بعد أن هدأت لفترة زمنية معينة، وهذه المرة في اسبانيا ذات الجذور الإسلامية والتي سبقتها قبل شهور أحداث عنف في الشوارع المكتظة بالجاليات العربية المسلمة، وأخذ النقاش حول حجاب إحدى الطالبات المسلمات مدى بعيداً على المستوى الرسمي والشعبي ،بين الدعوة الى ادماج المسلمين في المجتمع الاسباني ادماجا كاملا وبين الحفاظ على الخصوصيات الثقافية للافراد داخل النسيج الاجتماعي للشعب الاسباني ..وتغلب في النهاية صوت العقل والانفتاح في تلك الأزمة وصدر قرار رسمي على أعلى مستوى تربوي يمنح الطالبة الحق الكامل في الدخول إلى المدرسة وهي مرتدية حجابها..

وليس بعيداً عن هذا الجو، ما صرحت به تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة واصفة الإسلاموية بالبولشفية الجديدة لتثير جدلا واسعا داخل النخب السياسية والثقافية في بريطانيا بين رافض لهذه التصريحات وبين مؤيد لها وبين طرف ثالث يعتذر عما بدر من رئيسة الوزراء السابقة .تلك التصريحات التي كشفت الخلفية التي تستند إليها تاتشر مع تعاطيها تجاه الإسلام والمسلمين، خلفية المستعمر البريطاني والامبراطورية التي كانت لاتغيب عنها الشمس، وكأنها أيضاً تستذكر الحملات الصليبية والتي كان لبريطانيا فيها قصب السبق، واسم ريتشارد قلب الأسد ليس بعيداً عن الذاكرة.

هل هي عودة إلى جذور الكراهية والحقد والتعصب تجاه الآخر لتحكم الآن علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين؟وهل تصدق تكهنات هنتنغتون حول صدام الحضارات؟.

منذ التسعينات وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ بعض الساسة ومراكز الابحاث في التفتيش عن عدو جديد .وطالعتنا صحيفة ((نيويورك تايمز))بالقول :(تتحول الاصولية الإسلامية بسرعة إلى تهديد رئيسي للسلام الشامل والامن ..ويشبه هذا التهديد النازية والفاشية في الثلاثينات كما الشيوعيين في الخمسينات) 9/سبتمبر/1993

من خلال هذا النص السمج لايمكن تفادي الوقوع في تعاكس المعنى المؤذي عندما يكون الحديث عن (الاصولية) و(التطرف) وهما ظاهرتان غريبتان عن الإسلام؛ فالأولى ذات جوهر بروتستانتي والثانية كاثوليكية - ايريك رولو/الوجوه المتبدلة للإسلام السياسي/جريدة دبلوماتيك/مارس (آذار)2002 -.

والآن كيف ينظر المثقفون الأمريكيون لهذا التضاد الحاصل والذي جعل تلك الثنائية بجميع خلفياتها تظهر من جديد؟

نشرت النيوزويك بطبعتها العربية ثلاث مقالات لثلاثة مفكرين اميركيين، احتوت على العديد من المغالطات:

المقال الأول حمل عنوان (العالم المعاصر هدفهم) لفوكوياما يتبجح فيه بفوائد الراسمالية واعتبارها الدين العالمي الذي يجب أن يتبع، والدليل على ما يسوقه من استنتاج يصل الى حد اليقين هو انهيار الشيوعية ذلك الانهيار المدوي بعد ما يقارب السبعين عاما من التجربة الواقعية في معترك الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

إن انهيار الشيوعية لايعني بالضرورة صلاحية الرأسمالية، يل قد يعني في جانب منه عدم صلاحية الرأسمالية ذاتها لأنها مثل زميلتها خرجت من نفس الأرضية الحضارية الفاسدة –الحضارة الغربية –التي أفرزت أيضاً النازية والفاشية والصهيونية، وهي حضارة القهر والعنف والنهب والاستعمار والاسترقاق وإبادة الشعوب، وقد عانى العالم ولا يزال معاناة شديدة منذ صعود تلك الحضارة منذ عدة قرون.

إلى هذه الحضارة البائسة يدعو فوكوياما الناس إلى الدخول واتخاذ الرأسمالية دينا أوحداً طوعا أو كرها، وانه ليس أمامهم بديل.

وفي اعتقاده أن الحضارة الإسلامية أخطر العقبات التي تقف في وجه هذا الزحف العولمي والرأسمالي، لأنها يمكن أن تكون بديلا صالحاً للرأسمالية والشيوعية معا،لهذا لابد من اعادة بعث فكرة قديمة هي فكرة صدام الحضارات، مما يعني ضرورة القضاء بالقوة على كل المراكز الثقافية والحضارية والبشرية التي يمكن أن تعارض زحف العولمة وتوحش الرأسمالية.

المقال الثاني حمل عنوان (زمن حروب المسلمين) لصمويل هنتنغتون، وهو مثل صاحبه لا ينفك عن إيراد المغالطات في مقاله بدءاً بالعنوان الذي يوحي بأن هناك علاقة ضرورية بين المسلمين والعنف والحرب، وكأن العنف اختراع إسلامي مثلاً. يستدل هنتنغتون على عنف الإسلام والمسلمين برصد الحروب الأخيرة بينهم، وهذا يعني من وجهة نظره أن هناك خللاً في الإسلام أو في مفاهيم المسلمين عنه، أنه لابد من تهذيب المفاهيم الإسلامية وإعادة السيطرة على العالم الإسلامي عسكرياً وثقافياً وإلا فإن حربا عالمية بين المسلمين والامريكيين يمكن أن تقع.

المقال الثالث حمل عنوان (كيف يمكن إنقاذ الوطن العربي) للكاتب فؤاد زكريا، والذي نسج فيه على منوال سابقيه بدءا من هذه المخاتلة في العنوان وانتهاء بما ورد في متنه.

على الجانب الآخر من النفق الذي يغرق في ظلامه،هل ثمة من أوقد شمعة وأنار مصباحا لنتلمس السبيل بمساعدته؟

ثلاث إشارات جاءت من أماكن مختلفة:

أولها الدعوة لعقد مؤتمر لتدريب مسلمي امريكا على أساليب الضغط السياسي.يضم عدة ورش عمل:

1- كيفية التعامل مع حالات التمييز العنصري.

2- بناء التحالفات.

3- صياغة أجندة المسلمين في أمريكا.

ثانيها: ألمانيا تنفذ برنامجا عن الحوار الحضاري الأوروبي - الإسلامي، يتم من خلاله:

1- تأسيس شبكات اتصال ولقاءات فضلا عن تعزيز مراكز اللقاءات الموجودة من قبل.

2- عقد لقاءات مع الشباب ومشاركة النساء فيها.

3- إقامة ندوات لمناقشة آفاق وأبعاد المجتمع المدني ودور كل من الرجال والنساء فيها وتوعية الأطفال بمفاهيم التعاون الحضاري.

4- إجراء دراسات وبحوث علمية حضارية.

5- تعزيز التعاون الحضاري في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية.

6- تأسيس صفحات في الانترنت تتناسب مع تطلعات الشباب وبناء مستقبلهم.

وتبقى الورقة (المشروع) التي طرحها وزير الخارجية الياباني الأسبق هي البداية ،التي يجب على الغرب العودة إليها للانطلاق من جديد، وعلى كل مسلم حديث يتفتح في عالم متعدد الاثنيات والثقافات والمذاهب أن يدافع بشغف عن الإسلام المتسامح. يعني ذلك أن علينا الدفاع عن العدالة الاجتماعية والمؤسسات السياسية الديمقراطية والعلاقات الدولية التي تصون كرامة جميع الأمم وسيادتها.