Bankingon Line

التجارة الإلكترونية والبنوك

توظيفات استخدام الانترنيت البنكية عربياً وعالمياً

هل ارتقت إلى طابعها الاستثماري؟

إبراهيم معروف

محرر في الشؤون الاقتصادية في جريدة الشرق الأوسط

تثير مسألة استخدامات الانترنيت جدلاً قوياً، سواء على صعيد محلي أو على صعيد عالمي، فيما بين الشركات المتعددة الجنسية. وارتباطاً بظاهرة العولمة أصبح الانترنيت شرطاً آ خر من شروط منظمة التجارة العالمية لقبول البلدان للانضمام إليها. وتستحدث بين فترة وأخرى قوانين تجارية واقتصادية ذات صلة بالتجارة الإلكترونية وبظروف ممارستها وبالحدود القانونية المتاحة لها وبما ينسجم مع قوانين تلك البلدان المنظمة لها.

وتتفاوت مساحة الاستخدام لشبكات الانترنيت من بلد إلى آخر، وتدخل في ذلك، فضلا عن تمايز القوانين الموجودة ، العادات والتقاليد والنظام التربوي السائد. وبينما يستغل الانترنيت بشكل هامشي محدود في بعض البلدان أو يجري تقنينه في الاستخدام وفقاً لأسباب أمنية واجتماعية، فقد قطع عدد كبير من البلدان التي دخلها الانترنيت شوطاً مميزاً في محاولة التعايش واللحاق بهذه الظاهرة.

وبمقارنة نوعية الاستخدام بين بلداننا العربية والبلدان التي سبقتنا في توظيفات الانترنيت التطبيقية، تبرز واحدة من أهم المسائل الاقتصادية والتجارية الناجمة عن اتساع رقعة استخدام الانترنيت، تلك هي مدى سعة الخدمات البنكية المتوفرة عبر الانترنيت. ومن اللافت في السنوات الأخيرة أن عدد المستخدمين العرب للانترنت يزداد زيادة مطّردة كل عام، وتدخل في نطاق استخداماته العديد من دول المنطقة حتى من تلك التي تضع خطوطاً حمراء على كل شيء جديد.

فقد ذكرت دراسة قام بها موقع (عجيب) الذي يحظى بشعبية واسعة لدى مستخدمي الانترنيت الخليجيين: (بأن مستخدمي الانترنيت في العالم العربي بلغوا هذا العام 3.54 مليون مستخدم بعد أن كانوا 1.5 مليون في العام الماضي).

وتوقعت الدراسة أن يرتفع عدد مستخدمي إلى 12 مليون مستخدم عند نهاية العام 2002.

ورغم أن هذه المؤشرات مازالت متواضعة بالمقارنة مع البلدان الأوروبية فإن التأمل في طبيعة ونوعية الفئات العمرية للمستخدمين تعكس حقائق علمية وموضوعية واقتصادية تستدعي الوقوف عندها، وقراءتها بشكل اقتصادي واستثماري، مقارنة مع طبيعة استخدام ومستخدمي الانترنيت أوروبياً وعالمياً؛ لعلّ الأمر يوصلنا إلى حقائق أخرى تجعل مستخدمي الانترنيت العرب يعيدون النظر في طبيعة وكيفية استخدامهم للانترنيت، والاتجاه للتفكير الاستثماري من أجل تغيير نوعية العوائد المحققة من ذلك الاستخدام، والخروج بها من دائرة المتعة الشخصية إلى مجال الاستثمار.

في ألمانيا -مثلاً- هناك 24.8 مليون ألماني يستخدم الانترنيت، وهو ما يشكل 39 في المائة من مجموع السكان ممن تزيد أعمارهم على 14 سنة. ووفقاً لدراسة قامت بها (ميديا بيرسبكتيفن) المتخصصة بالدراسات الإعلامية، فإن ذلك العدد قد بلغ في عام 1999 حوالي 11.1 مليون مستخدم وارتفع إلى حوالي 18.3 مليون عام 2000 .

وحتى في إسرائيل فإن الرأي العام الشعبي والرسمي يتجه باضطراد إلى استيعاب ظاهرة الانترنيت في الحياة العامة، وهو الأمر الذي لاحظته صحيفة محلية هناك، حيث توقعت صحيفة (جيروسليم بوست) أن يرتفع عدد مستخدمي الانترنيت بنسبة 14 في المائة من مجموع سكان إسرائيل. وأوضحت ذلك دراسة قام بها مركز بحوث دولي هو (نايلسن نت ريتنغز) وغطت استخدامات الانترنيت في إسرائيل ومدى اتساعها، بأن ذكرت ما مجموعه 600 ألف منزل هناك يمتلك خطاً هاتفياً لاستخدام الانترنيت، لا بل تمضي الدراسة إلى أكثر من ذلك بالقول بأن نسبة ازدياد استخدامات المنازل للانترنت في الأراضي المحتلة يفوق مثيلتها في أوروبا، وتوقعت الدراسة أن تبلغ الزيادة نسبة 8% في الأشهر الاثني عشر القادمة. ترى ما مدى تلك المقارنات مع حجم الاستخدامات العربية الحالية ومعدل زيادتها؟.

وفي بريطانيا ثمة مفارقة من نوع آخر، في نوعية مستخدمي الانترنيت، رغم أنها لا تنفي الاستخدامات الاستثمارية في ذات الوقت؛ إذ إن هناك 13.6 مليون موظف يستخدم الانترنيت من موقعه في العمل، ويقوم 44 في المائة من هؤلاء باستخدام الانترنيت لمدة ثلاث ساعات يومياً، استخداماً شخصياً لا علاقة له بالعمل، مكلفاً الناتج المحلي الإجمالي مبلغاً يصل إلى 9.6 مليار جنيه إسترليني.

وبقدر تعلق الأمر باستخدامات الانترنيت في الخدمات البنكية على نطاق عالمي، تحتل السويد موقع الصدارة بين شقيقاتها الأوروبيات في استخدامات الانترنيت للمعاملات البنكية؛ إذ استخدم 54 في المائة من السويديين الانترنيت في شهر يوليو (تموز) في العام الماضي لإنهاء معاملاتهم البنكية، فيما استخدم الانترنيت لنفس الغرض 48 في المائة من النرويجيين، و44 في المائة من السكان في الدانمارك، و37.2 في المائة من البريطانيين، و35 في المائة من الفرنسيين، بينما استخدمه 31.3 في المائة من الأسبان.

ورغم أن ما نسبته 12.5 في المائة من الإيطاليين استخدموا الانترنيت، فقد أظهرت الدراسة التي قامت بها مؤسسة (نت فاليو) للدراسات والبحوث، بأن الإيطاليين هم أكثر من غيرهم ممن أمضوا وقتاً في تصفح مواقع بنكية على الانترنيت، يليهم السويديون والدنماركيون والنرويجيون على التوالي.

ورغم أن نسبة المستخدمين البريطانيين لمواقع البنوك تأتي الرابعة أوروبياً، لكن عدد البريطانيين من هذه النسبة يبلغ 5.2 مليون مستخدم فقط للمعاملات البنكية، يليهم الفرنسيون 3.2 مليون نسمة، ومن ثم الألمان نحو 3.1 مليون مستخدم.

أما عبر الأطلسي فيستخدم حوالي 13.6 مليون أميركي الانترنيت لإنهاء المعاملات البنكية، وفقاً لمصادر إحصائية أعلنتها مؤسسة (غوميز) وهو ما يمثل زيادة بمقدار 7.5 مليون مستخدم عن عام 1999. وتوقعت الدراسة أن يدخل حوالي 16.3 مليون مستخدم للخدمات البنكية عبر الانترنيت في المستقبل القريب.

غير أن كل هذا التوجه الإيجابي في التعامل مع الانترنيت لأغراض المعاملات البنكية والتجارية، لايمكن النظر إليه كربيع دائم لا يحتوي على مشاكل، تبدأ من حقيقة أن الموضوع برمته شيء جديد على التعاملات التجارية.

فبالقدر الذي تدخله هذه الخدمة من تسهيلات في الوقت والجهد والمال، فهي تحمل بين طياتها مشاكلها وهمومها الكبيرة.

وتبرز في هذا السياق مسألة استخدام بطاقة الصرف الإلكترونية، وهي الوسيلة الأولى في البيع والشراء، حيث أورد تقرير (إي ماركتر) الأميركي أن 41 في المائة من عمليات التجارة عبر الانترنيت شهدت حالات استخدام غير مشروعة، وتم سحب أموال بطريقة غير شرعية من التجار المتعاملين بهذا النوع من التجارة. وتمثل هذه النسبة ارتفاعاً من 35 في المائة من عمليات استخدام البطاقات غير المشروع.

وطبقاً لنفس التقرير فقد أفاد 57 في المائة من التجار بأنهم يخشون أن يتعرضوا إلى الإفلاس بسبب تكرار عمليات التصرف غير المشروع ببطاقات الصرف الإلكتروني.

ومن الطبيعي أن تتأثر ثقة المستهلك بشكل عام بتلك النتائج، فقد بلغ مجموع العمليات التجارية على الانترنيت في أميركا في أكتوبر العام المنصرم 3.6 مليار دولار، وهو يقل عما أنفقوه في شهر سبتمبر( أيلول ) من نفس العام حيث بلغ حينها 4 مليارات دولار، وسجلت المبيعات خلال نفس الشهر انخفاضاً هو الأقل خلال شهر يونيو حزيران، كما هبط حجم المشتريات إلى 13.7 مليون دولار نزولا من 15.2 مليون دولار في الشهر الذي سبقه.

غير أن ذلك مرتبط بشكل خاص بالوضع في الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) إضافة إلى حالة التباطؤ التي يشهدها الاقتصاد العالمي، غير أن حجم الأرقام بشكل عام يجسد مدى اتساع رقعة التجارة الإلكترونية واستخدامات الانترنيت بشكل عام.

لكن إذا انتقلنا إلى أميركا اللاتينية، فصورة الأمر تبدو مختلفة وتبعث على التفاؤل، فقد بلغت عوائد تجارة الانترنيت 1.28 مليار دولار العام الماضي مسجلة ارتفاعاً من 450 مليون العام الذي سبقه. واحتلت البرازيل موقع الصدارة من هذه النسبة بـ906 ملايين دولار، تليها المكسيك بـ134 مليون دولار، والأرجنتين بـ 119 مليون دولار، ثم تشيلي بـ45 مليون دولار ، وهذه الأرقام تمثل العوائد فقط.

على أن هذا الأمر لايمكن أن يغير حقيقة بدأت تتكرس كواقع ملموس في اقتصاديات البلدان التي دخلت عصر التجارة الإلكترونية، وهي أن مستقبل استخدامات الانترنيت سواء في البنوك أو في التبادلات التجارية، أصبح واقعا يتطلب الخوض في مستلزمات نجاحه ومقومات ديمومته، بالاستفادة من التجارب التي سبقت إليها تلك البلدان.