السلام عليك أيها القادم من شهر الله

بقلم: عبد الإله التاروتي

هكذا يأتي الزمن راكعاً أمام عتبات دقائق أناملك الندية بصنوف العطاء، فمن بوابة الباء المقدسة في (بسم الله) حتى أنوار عوالم العروج في مقام (وما عند الله خير وأبقى) تقف سفينة الواصلين عند عرش الكلمة الحق في المقام الحق.

فقلبك الحامل لجرعة من كأس الملاطفة في محراب الولاية حطت بفناء رحابه فراش الشموع وهي تدور في فلك العاشقين تستمع لعزف قيثارتك من سِفر الفقاهة من معين الذكر في ليالي الشهود.

أجل سيدي أيها العازف لحن الصفاء في الزمن الصعب، والقارئ لمتن آيات القرآن الكريم في دياجي الغسق.

كيف كانت ساعة الرحيل؟

وكيف أنخت برحلك في حضرة المحبوب؟

وهل جفَّ القلم؟

فعنوان سيرك في مضمار التسابق نحو الكمال مع الخيرين من أمثالك أينعت سنابل هنا وهناك، قد سطر في كل سنبلة منها بيانٌ لأمير البلاغة والبيان( صحبوا الدنيا بأبدانهم وأرواحهم معلقة بالمحل الأعلى)، و( الله يضاعف لمن يشاء).

لقد أتممت ميقات ربك.. فكتبت بأنفاسك الطاهرة تواشيح التسبيح في ليالي الضيافة الكبرى، ونسجت من زفرات الدموع فرحة الظفر بالمحبوب، (والعاقبة للمتقين) ترنيمة لطالما لهجت بها الألسن صباح مساء، أملاً في بلوغ هذا المرمى الكاشف عن نعمة التوفيق لهذه الدرة الثمينة، فكنت واحداً من تلكم القافلة السائرة منذ البدء حتى النهاية وهي متعلقة بمركب المبحرين في لجة العشق المطلق لسفينة نوح.

فمن نقاء فطرتك التي فطرك الله عليها ، وصفاء سجيتك المزهرة بخمائل لين العريكة، اصطفيت في ذلك اليوم الذي يخرج فيه الناس زكاة فطرهم، لتصب أنت وحدك دون سواك روحك في قارورة إخلاص العطاء بصدق النية، فها هي روحك العاشقة لخط الأنبياء والرسل، تُرفع مع نزول البشارة بأيدي ملائكة السماء، كأغلى زكاة ليس فيها من شوائب الكدورات شائبة، فكانت القربان والأضحية التي تسفك في مصلى الحب والفناء.

ففي يوم عيد المسلمين طرقت باب الكريم المطلق بروحك الظامئة للقرب منه، فغدا كيانك من فرط الشوق للقيا المحبوب ساجداً في الأرض المقدسة، شاكراً إياه على نعمة الوصول. ورجع التبتل من قوافي ملحمتك يرهف مسمع المحدقين بك وأنت تناجي ربك.. (بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد، وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد..)(1).

وعيناك ترقب الأفق فهذا يوم (باب حطة)(2)، وفيه اجتمع النور بالنور، وأنت الآن في حرم الضيافة. فهنالك من (باب حطة) معنى من عوالم التوفيق الإلهي..

فاتحة الكتاب في هذا المسير أن أنوار روحه تصعد مع ملائكة تلكم الليلة التي هي خير من الف شهر، وأنت تقطف وردة أنفاسك لتسير بمعية الملائكة، الذين أقبلوا يزفون البشارة للفائزين برضوان الله وغفرانه، ونزيف موضع السجود عنوان آخر في هذا المشهد العرفاني لسورة التوحيد. وأنت في هذا الجمع الطاهر للأنوار القدسية لاتزال تلهج بالدعاء والتهليل والتسبيح بحمد ربك، وتردد ورداً لطالما عشقت بزوع حروفه، وذبت في المعنى المستودع فيه وتقول: (السلام على الشجرة النبوية، والدوحة الهاشمية المضيئة، والمثمرة بالنبوة، المونقة بالإمامة، السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح، السلام عليك، وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين..)(3).

ولكي يكتمل العقد المنضود لهذا المسير اختزل الزمان إليك لتكون على موعد مع معشوقيك اللذين توشحت بتاج اسميهما فكنت (محمد) و(حسيني)، فأنت منهما بمنزلة الفرع من الأصل، وتعيد أنشودة التفاني منادياً وملبياً دعوة الحق في مقعد الصدق عند المليك المقتدر..

( يامولاي يا أبا محمد، ويامولاي يا أبا عبد الله.. هذا يوم الاثنين وهو يومكما وباسمكما، وأنا فيه ضيفكما، فأضيفاني وأحسنا ضيافتي، فنعم من استضيف به أنتما، وأنا فيه في جواركما، فأجيراني فإنكما مأموران بالضيافة والإجارة، فصلى الله عليكما وعلى آلكما الطيبين)(4).

والملائكة تفتح لك أبواب الجنان وتقول لك: (يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)، ورضوان يناديك مستقبلاً مع زمر من الكروبيين وهم يرددون: (السلام عليك أيها القادم من شهر الله).

الهوامش:

(1) علي المرهون: أعمال شهر رمضان، د.ط،(النجف: مطبعة الآداب 1384هـ).

(2) باب حطة هو الإمام علي (عليه السلام) كما عبرت عنه بذلك الروايات الواردة عنهم عليهم السلام.

(3) محمد صالح الجواهري: ضياء الصالحين،ط1، (بيروت: مؤسسة الوفاء،1405هـ)، ص438.

(4) المصدر السابق، ص454.