|
|
غالب الشابندر |
لا أود أن أتحدث هنا عن الأخلاق الإسلامية بلغة علم الكلام، الذي زج الأخلاق في معادلات فكرية معقدة، وأدخل القضية الأخلاقية في أزمة فكر نظري، وإنما سأتحدث بلغة عملية بسيطة، تنطلق من بديهيات واقعية وجدانية، مندكة بالحياة، ممزوجة بالتجارب الحية للإنسان العادي، وهو أسلوب القرآن الكريم ومنهج رسول الله (ص) والمأثور عن أهل البيت الطاهرين(ع) نتحدث عن الأخلاق وفي تصورنا أنها هذه المصفوفة من القيم الأخلاقية التي نتواصى بها ونتعاهدها بين الكبير والصغير.. العالم والجاهل.. الأب والابن.. ذلك أنها من الأمور التي نزاول بداهتها العامة في ضمائرنا وكلامنا وعتابنا وتقييماتنا وأعمالنا.. هي هذه المفردات التي نعتبرها من الزينة الروحية، ومن علائم الضمير النقي والسريرة الصافية.. أي بلغة المباشرة الصريحة.. الإخلاص والصدق والأمانة والشجاعة والحب والحلم والتواضع والتسامح والتعاون والتعاطف والاحترام.. |
ــــ(1)ــــ |
نعم..! حديثي عن الأخلاق بهذه المباشرة، بصرف النظر عن أن هذه القيم، هل هي من مدركات العقل العملي أم هي من بركات السماء، أم هي من صلاحيات العقل قبل التجربة، تلك المعادلات التي حولت الأخلاق إلى إشكالية - وبالمناسبة إن كلمة إشكالية لا تعني أكثر من مشكلة - وقد ثبت بالتجربة أن ما يعرف بعلم الأخلاق لا يؤدي دوراً تربوياً إيجابياً بالضرورة، بل قد يعقد قضية الالتزام، وربما يحول الأخلاق إلى ميدان مباراة فكرية مجردة، فتضيع الأخلاق و يحل مكانها الغل و الحسد و التباغض والتنافس غير الشريف. إذا سألني سائل: هل تؤمن بالأخلاق؟!. هل تؤمن بالحب والإيثار؟!. إن جوابي وبلا تردد: نعم. ولكن لماذا؟!!. لماذا نؤمن بالصدق والتسامح والأمانة وكل القيم الأخلاقية الأخرى، أو تلك التي تسمى مكارم الأخلاق؟. لا أنكر أن هذا الجواب قد يكون نتاج تربيتي الإسلامية التي درجت عليها والحمد لله، ولكن أعتقد أن التجربة البشرية تؤكد أصالة الأخلاق، إذا لم تؤكد هذه الأصالة فطرياً فإنها تؤكدها على مستوى المنظور، فهذه الحروب والمآسي التي تعاني منها البشرية لا يمكن أن تخرج في أحد أسبابها عن هذا التردي الأخلاقي، والحمد لله لسنا نحن الذين نقول ذلك فقط، بل هي شهادة علماء الغرب أيضاً، حتى دفع هذا الأمر بعض الباحثين الفرنسيين إلى أن يطرح فكرة الاقتصاد القائم على الأخلاق. وإذا أحرجني هذا السائل بمعادلات الفكر الأخلاقي المعروفة وملابساتها ، لا مانع لدي أن أقول: تلك هي رسالة الأنبياء والحكماء، فالفطرة تؤسس لهذه الأخلاق والدين يركز عليها والتجربة الإنسانية الطويلة تبرهن أن الأخلاق بهذه المفردات المشهورة حاجة اجتماعية ضرورية وبالصميم. |
ــــ(2)ــــ |
هذه الأخلاق بمسمياتها البسيطة التي نتداولها افتخاراً وعتاباً وحواراً.. مهما ادعى بعض المفكرين عقليتها وعقلائيتها.. ومهما دافع المزاج البشري عن دوره في إدراك أصالتها و ضرورتها.. هذه الأخلاق على صلة ما بالدين، لأن الدين يشحنها بدافع المسؤولية الكبرى إزاء خالق هذا الوجود - سبحانه وتعالى - ومن ثم إزاء الكون والعباد بالتبع والضرورة ، فالدين يعزز المسؤولية الأخلاقية ويعطيها مشروعية السيادة على العمل و الفكر و السلوك ، يهبها روحاً خلاقة ملزمة عن قناعة و إيمان و حب ، فتتبلور في أعماق الذات الإنسانية دليلاً و شاهداً ... تتحول إلى إنارة ساطعة . و ليس من شك أنه إذا كان هناك إمضاء بشري عام على جمال و شرعية وضرورة هذه المفردات الأخلاقية ، فهو في إطار النسق العام أو الصورة العامة ، ولكن هناك خلافات كبيرة بين المصاديق و التطبيقات والأولويات ، وهنا يأتي دور الدين مرة أخرى كي يؤدي مهمة المنقذ الحنون ، لأنه وبفعل مرجعيته القصوى، يحل هذه المشكلة التي قد تجهز على رسالة الأخلاق و تعطل مفعولها الجميل ، و نعتقد أن هناك فوضى واضحة في تشخيص و تحديد الكثير من هذه المفردات على صعيد المجال التطبيقي و العملي بين الناس ، ذلك أن الاتفاق على الإطار العام لا يعني الاتفاق على ا لتفاصيل ، وهنا يأتي دور الدين . ومن الطبيعي أننا نتكلم هنا في نطاق المؤمنين بالله والأديان وليس حديثنا مع المعطلين والمنكرين والعياذ بالله . الدين - إذن - يتصل صميمياً بالأخلاق ، وهو أقدر من غيره على إخراجها من دائرة القوة إلى الفعل، ولذا ليس غريباً أن يكون الأنبياء(ع) المثل الأعلى على الصعيد الأخلاقي ... فقد كانوا الأسوة و القدوة ومازالوا ، وسيبقون كذلك إلى أن تقوم الساعة ، وليس غريباً أن يكون الإنسان المتدين أكثر من غيره التزاماً بالأخلاق، و قد بلغ رسول الله الذروة عندما عرّف الدين بالمعاملة!. وللأسف الشديد فقد ضيق بعض رجال الدين هذا التعريف العظيم من خلال قصر المعاملة على مفرداتها القريبة من بيع وشراء ، فيما هي فضاء واسع ممتد ، يسابق حركة التاريخ و يتقادم مع عطاء العقل وإنجازاته التي لا تقف عند حد . لهذا السبب وغيره من الأسباب أرى من الضروري أن نستحدث أساليب جديدة في قراءة النص القرآني و النبوي و الإمامي، تنأى به عن الحرفية والتقريرية التي أدت في بعض الأحيان إلى عقم النص الديني ، مع أنه من أغنى النصوص و أثراها بحكم كونه على اتصال بالوحي العظيم. |
الدين المعاملة!.. |
تعبير مجازي على لسان الشعراء و أهل الفن اللغوي ، و لكنه تعبير حقيقي على لسان رسول الله (ص)، وبالتالي الدين هو الأخلاق . المعاملة هنا تعني الأخلاق بكل ما للأخلاق من مفردات و امتدادات و آفاق.. بكل ما تزخر به من عطاء حي ... و ليس من شك أن المقصود هو مكارم الأخلاق ، أي هذه المفردات التي نتداولها افتخاراً و عتاباً و أملاً.. من غير زيادة في التفلسف و التنطع ، من غير انغماس في لجة المصطلحات المعقدة و المصطنعة ، فالدين هو أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك ... أن تؤثر أخاك في الإنسانية على ذاتك ... أن تصدق في بيعك وشرائك .. أن تحترم الكبير و تعطف على الصغير ... أن ترحم من في الأرض عن طواعية وإيمان.. أن تتسامح مع عدوك مع القدرة على الانتقام منه.. أن تواسي الفقراء والمساكين بحب وشغف ولذة.. هذه هي المعاملة ، ومن ثم هذا هو الدين ، و من هنا يتضح بكل جلاء علاقة الدين بالأخلاق كما أرساها الحبيب محمد (ص) . |
ــــ(3)ــــ |
ولكن ما هي طبيعة هذه المفردات الأخلاقية؟ أو بتعبير بعيد عن هذا المصطلح الغامض ...كيف نفهم هذه المفردات؟. الكثير من الوعاظ و المرشدين الروحيين، وعلماء الأخلاق يلقي على مسامعنا ومسامع الناس الدروس الأخلاقية ، سواء في الصدق أو الأمانة أو التسامح أو أي مفردة أخلاقية أخرى، و تقدم المادة على شكل نصائح جميلة مشفوعة ببعض الفوائد الدينية و الدنيوية ، حيث تحشد الآيات و الروايات والأشعار والأمثلة و القصص، التي تبين أهمية هذه الأخلاق ومدى خطورتها في بناء الفرد و المجتمع ، ومن ثم يخرج المتلقي وكأن الأخلاق قطعة من الشوكولاتة أو كأنها قطعة لباس جميلة ، وذلك لأن العرض مجرد إراءة نظرية للأخلاق، عبارة عن بناء مزخرف ، في حين الأخلاق أُطر تحدد أو بالأحرى ترسم لنا السلوك ، علامات على الطريق ، ترشيد للممارسة ، وليست مادة للأكل أو الشرب أو اللبس، إن الأخلاق ليست مضموناً صلداً بل هي منهج، طريقة عمل، فالصدق إطار قبل أن يكون مضموناً ، و الحديث عن الصدق يعني إعمال منهج معين في جسد الحياة ، فهناك تجارة صادقة وكلام صادق وزواج صادق ورفقة صادقة و شعر صادق و موعد صادق وسياسة صادقة ومحاضرة صادقة بل و حتى قُبلة صادقة !... وهكذا ... في كل مجال من مجالات الحياة الثرة المتشعبة . إن تقديم الأخلاق إلى الناس على شكل معادلات أفسد الأخلاق و حولها إلى مباراة نظرية جافة ، و لذا نرى القرآن الكريم لا يتعرض إلى الصدق، إلا من خلال واقعة أو ممارسة ، ذلك أن الأخلاق منهج عمل وترشيد وليست محتوى فكرياً هيكلياً . إن الصدق لا يُؤكل ولا يُشرب ولا يُلبس وإنما يُهتدى ... يُترسم ...يُتبع.. إنه خريطة تقود الإنسان في دروب الحياة ... تُضيء له الطريق ... وعليه ينبغي أن يُقدم الصدق كدليل. وبناءً على هذه التصورات ينبغي أن نتكلم عن التجارة الصادقة و ليس عن الصدق كمفهوم ، عن الحب الصادق وليس عن الصدق كفكرة مجردة ، عن الثورة الصادقة وليس عن الصدق كمفردة معلقة ... و هكذا مع كل الأخلاق الكريمة. |
ــــ(4)ــــ |
الأخلاق والمادة نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ... هذا ما تفيده الطروح الأخلاقية بشكل عام ، فالإنسان إما أخلاقي وإما مادي ، علماً أن المادة هنا تتصل بعالم السلوك وليس بعالم العقيدة ، و قد ترك هذا التصور آثاراً و خيمة على مجمل الموقف من الأخلاق ، بل على مجمل الموقف من الحياة ، لقد شطر هذا التصور الحياة إلى شطرين متعاديين متنابذين متصارعين ، وفي اعتقادي أن هذه المحاولة لا تتمتع برصيد من الحق و الحقيقة في الفكر الإسلامي بل في الدين الإسلامي. إن الأخلاق أو المفردات الأخلاقية على علاقة وثيقة بالمادة، لأن الأخلاق كما قلنا مجرد إطار ... موجٍه ...مرشد ... ولكن كيف نصور هذه العلاقة بشكل واضح ومفهوم ؟ إن الأخلاق - كما أفهمها من الطرح القرآني - إنما هي تهذيب للمادة ... تصعيد للمادة باتجاه الاعتدال ... باتجاه الجمال ... تحرير المادة من الطغيان الحسي ... من الإسراف.. من التهاوي.. الأخلاق تشذب المادة من السفه و الابتذال... ولولا الخوف من اضطراب المصطلح ، لقلت إن الأخلاق الإسلامية هي مادة مهذبة!. البيع والشراء عملية تجارية بحتة ، تعتمد قوانين التنافس ، وتهدف إلى أقصى قدر ممكن من الربح وبأقل جهد ممكن ... هذه العملية وضع لها الإسلام ضوابط أخلاقية، هذه الضوابط معروفة في الأدب الشرعي.. و السؤال المطروح هو : ما هو أثر هذه الضوابط أو بالأحرى المفردات الأخلاقية على البيع والشراء؟. إنها تهذب هذه العملية المادية.. و بالتالي نحن أمام مادة روحية.. إن هذه المفردات لم تلغِ البيع ولا الشراء.. لم تلغٍ حق الربح.. لم تلغِ التنافس.. لقد أبقت على كل هذه المقاربات المادية، ولكن حددتها.. شذبتها.. هذبتها. المواقعة بين الزوجين عملية مادية بكل تفاصيلها وحيثياتها، ولكن إذا تمت وفق الضوابط الأخلاقية التي وضعتها الشريعة ، فإن هذه المواقعة تتخذ طابعاً روحياً، إنها مواقعة مادية مهذبة، وإلا بماذا يمكننا أن نسمي مواقعة جنسية ، تبدأ باسم الله ، و تتخللها الأدعية و الأذكار، و تنتهي بالحمد والشكر، و تُطعّم بالكلمات الجميلة والودودة..؟! إن هذه العملية رغم ماديتها الواضحة المكشوفة ، فإن هذه القواعد أو المبادئ الأخلاقية هذبت العملية و سَمَت بها ، إنها شهوة عارمة ولكن مؤطرة بالخلق الرفيع ، مشبعة بالالتزام الروحي ! الأخلاق الإسلامية تنقذ المادة من الانهيار ... تنتشلها من العدم ... ترتفع بها إلى درجة مكينة من الوجود ، إن العملية الجنسية التي لا تراعي الضوابط الأخلاقية تضيع في زحمة فورانها المجنون... لحظة سريعة ... تأتي وتمضي كلمح البصر ، فيما العملية نفسها بلحاظ هذه القيم تتحول إلى حالة تمتلك قابلية الاستمرار فيما بعد الإنجاز ، لأن هذه القيم ذاتها تمتلك مثل هذه القابلية.. إن هذه العملية في إطار هذه القيم تتحول إلى مودة.. إلى حب.. إلى رحمة.. ولكنها وهي مجردة من هذه القيم تتحول إلى افتراس.. إلى أنانية.. كل واحد من طرفي المعادلة يريد أن يستحوذ على الآخر.. ينعدم منطق المشاركة. الأخلاق وبالمفهوم الإسلامي - إذن - لا تتضاد مع المادة، بل هي تطوير للمادة، سمو بها، تمكينها من الوجود الحي ! |
ــــ(5)ــــ |
الأخلاق التزام بالدرجة الأولى، وهي مسؤولية تنبع من الذات قبل كل شيء، ومن هنا على الداعية الأخلاقي أن يبدأ مع نفسه، وهذا كلام نظري، نريد أن نحوله إلى كلام تجريبي ، و على هذا الأساس إن الداعية الأخلاقي يجب أن يكون أميناً مع نفسه كمقدمة لطرح رسالته في الأمانة ، أن يتسامح مع ذاته كشرط لإعلان مبدأ التسامح العالمي ... وأعتقد أن هذه المقولات لا تحمل شيئاً جديداً ، فنحن كثيرا ًما نسمع أن المرء يجب أن يبدأ بنفسه قبل غيره ، مقولة سائرة كالمثل ، ولكن هذه المقولة دخلت عنصر المبالغة ، التي من شأنها تحجيم مساحة الدعوة الأخلاقية ، إن هذه الدعوة منطقية بل وجدانية ، وكثيراً ما تكون مادة حجاج بين الناس العاديين ، ولكنها حُمّلت من المعنى أكثر من اللازم، وقُيدت بالكثير من ا لقيود ، فتحولت إلى مادة مُحبِطة. إن الدعوة إلى الأخلاق لا تتطلب درجة نبوية من الالتزام، هذا من المستحيل أو من العسير جداً وإمضاؤه يعطل الدعوة الأخلاقية، إن الأخلاق مسؤولية فردية بالدرجة الأولى، والدعوة إلى الأخلاق على امتداد هذه المسؤولية ، ويستطيع كل إنسان أن يدعو بمقدار التزامه، وذلك احتراماً لمبدأ الالتزام ، وانسجاماً مع قاعدة التوافق مع منطق الأخلاق ، وليس من النفاق أو الازدواجية أن يدعو الإنسان على قدر التزامه ، بل هذا من مصاديق الإخلاص ، ومن مبادئ التماهي مع الذات. إن المقولة المذكورة يجب أن تُفهم في نطاقها المعقول والمنطقي ، وإلا تتحول إلى كارثة مدمرة . وفي الحقيقة: إن الأخلاق بيننا يجب أن تكون تداولية، بعضنا ينصح بعضاً، وبعضنا يعظ الآخر، فليس هناك واعظ على نحو الإطلاق، وقد صُدمت أيّما صدمة عندما قرأت في تراثنا الإسلامي الشيعي أن من واجب الموالي أن ينصح إمامه!. إن هذا التأسيس المدهش يؤكد أن القضية الأخلاقية مسؤولية الجميع، وأنها مادة تداولية ، يمكن بل يجب أن تكون خاضعة لمبدأ المشاركة، إن كل إنسان يملك شيئاً من الأخلاق، ومن حقه بل من واجبه أن يدلي بدلوه في طرح الأخلاق والدعوة إليها، فليس الطرح الأخلاقي حكراً على العالم الديني أو العالم الأخلاقي أو الفيلسوف أو المعلم أو الأب أو المثقف أو الكبير في السن. إن قضية الأخلاق لا تعني مجموعة من المعارف المصفوفة تلقى من على المنابر أو في الصفوف ، أو في الإذاعات أو من شاشة التلفزة، وإنما هي حديث مشاركة وجدانية في القول والفعل ، نتعاهدها ، ونحاول أن نتشربها معاً ، لقد حكمنا على الأخلاق بالعدم عندما جعلناها دروساً تعطى من قبل أستاذ خاص أسميناه أستاذ الأخلاق، علماً أني أتحدث عن الأخلاق كسلوك و أطر وليس كعلم معياري ، إني أتحدث عن الأخلاق في نطاق التكافل الإنساني العام الذي يقرر مسؤوليتنا تجاه بعضنا البعض. الدرس الأخلاقي ليس إملاءً، بل هو تشرّبٌ حيويٌّ من خلال الحوار المتبادل بين الجميع ، ليس هناك أستاذ وتلميذ، بل الجميع تلاميذ، يعطون و يأخذون، ففي أعماق كل منا جذر أخلاقي، قد يتدفق بما يجذب به قلب آخر، مهما أفنى صاحبه من عمر في دراسة علم الأخلاق. |
ــــ(6)ــــ |
تتعرض المفاهيم الأخلاقية إلى تزوير و تحريف على يد تجار الكلمة ومحبي المال وخزان خيرات الله ومحتكري حق الحياة ، ويزين لهم ذلك دعاة الحكمة الميتة و وعاظ السلاطين وعبيد الذهب والفضة و المفتونون بالجاه والأُبهة.. كيف يتم هذا التزوير؟. يتحول الصبر إلى خنوع!. يتحول الإخلاص إلى طاعة عمياء!. يتحول الحب إلى مذلة!. يتحول التسامح إلى مدمغة!. هذا التزوير يقلب الأخلاق رأساً على عقب ، يغير رسالتها تماماً ، يصنع منها سلاحاً أعمى بيد الطغاة الدجالين ، فيما الأخلاق بناء للحياة. الإسلام لا يوصي بالصبر على الظلم، بل يوصي بالصبر على مقاومة الظلم ، فكم هو الفارق بين التصورين . الإسلام لا يرسي مفهوم الإخلاص الأعمى، بل يؤسس الإخلاص الواعي على موضوعه، وهكذا مع كل مفردة أخلاقية. كثيراً ما يقول لنا الوعاظ: ادفع بالتي هي أحسن!. وهذا حق لأنه قول الله تبارك وتعالى ، ولكن طريقة الطرح يُستشم منها التنازل عن الحق أو الهروب من المشكلة أو التغاضي عن النقص ، فيما أن هذا (الأحسن) قد لا يتحقق إلا بالقتال والجلد. إن (الأحسن) هنا كثيراً ما يفهم سلبياً ، بل قد يؤول إلى التواكل والخنوع والتنازل ، بالوقت الذي لا ينطبق فيه إلا على التمرد (والتمرد في بعض مصاديقه خُلق إسلامي رفيع و لا مجال هنا للتفصيل بذلك).. التمرد بكل معنى الكلمة!. إننا في حاجة ماسة إلى توعية أخلاقية تنقذ الأخلاق من المفهوم السلبي!، المفهوم الذي يكرس الظلم والتبعية. الأخلاق التي يريدها لنا قارون وفرعون ويزيد هي أخلاق العبيد ، ونحن نتطلع إلى أخلاق الله. |