النبأ

راجي أنور هيفا

يقول الأديب الفرنسي (ألبير كامو):

(ليس للتاريخ عيون ولذا ينبغي رفض عدالته والاستعاضة عنها قدر الإمكان بالعدالة التي يتصورها الفكر)(1)؛ ولذا فعندما نتحدث عن التراث عموماً كصفحات مطوية من صفحات كتاب التاريخ الكبير، فإننا بحاجة إلى الاعتماد على الفكر والعقل أكثر من الاعتماد على عدالة تاريخ دوّن أحداثاً ووقائع كتبت بسيوف الجبابرة الأقوياء، لا بحكمة ونزاهة الحكماء؛ فالتاريخ البشري عموماً والعربي خصوصاً يمكن أن نشبهه بمرآة غير مستوية ولا مصقولة تماماً، فهي تميل بحكم من صنعها إلى تشويه الصور وتزييف الوقائع والأشكال والأحجام، ناهيك عن أن الغبار الزمني قد تراكم على صفحة تلك المرآة الشوهاء مما زاد من عملية التضليل وحجب ما تبقى من صور ووقائع شاء لها البعض أن تبقى سجينة في زنزانة الخليفة وتحت رقابة سيّافه؛ خوفاً من خروجها من سجنها وسفورها أمام الرعية المضلّلَة.

قبل الخوض في صلب الموضوع لا نعتقد أن هناك خلافاً حول وجود هوية ثقافية مميزة لكل مجتمع أو لكل شعب في كل مرحلة من مراحل وجوده على مدارج التاريخ الطويل، ولا خلاف أيضاً على فكرة أن الدولة (الجمهورية) الفاضلة لا وجود لها على أرض الواقع أبداً، ولم يعرف التاريخ دولة قامت، ولو لفترة وجيزة، كانعكاس حقيقي وعملي لهذه الفكرة الطوباوية التي بدأت عند أفلاطون في جمهوريته، ثم عرّفها من بعده (الفارابي) و(توماس مور) وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين من الشرق والغرب.

وكنتيجة طبيعية لعدم وجود الجمهورية الفاضلة على أرض الواقع، فإن هذه النتيجة تقودنا مع بعض المعطيات الأخرى، كالدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية - مثلاً- إلى القول أنه ما من شعب عرفته البشرية كان مجرداً تماماً من الأفكار الإيجابية مهما بلغت درجة انحطاط وتخلف هذا الشعب، نعم، يمكن أن يكون هذا الشعب أو ذاك متخلفاً في تفكيره وفي عقلانيته لذاته من جهة وللوجود المحيط به من جهة أخرى، لكن هذا التخلف أو الانحطاط لا يعني بالضرورة أن هذا الشعب لا يملك بذور الأفكار الخيرة أو جذور الإنسانية في تعامله مع الآخرين، ولا يعني ذلك أيضاً أن حالة العقم الحضاري التي يعيشها لن تتحول في ظرف ما ووقت ما إلى حالة من حالات الإخصاب الفكري الذي يتولد في رحم كان يمتلك في ثناياه جنيناً حضارياً لم يؤذن له بالخروج إلى عالم الوجود إلا بعد تفاعلات وانفعالات وتحولات أيديولوجية وأبستمولوجية كافية لوضع هذا الجنين الذي طال انتظاره سليماً ومعافى؛ فكل مجتمع يحمل في رحمه بذور التطور وبذور الانحطاط، أسس النهوض وعوامل الانحطاط، أي إن كل مجتمع يعيش، ولو على المستوى النظري، جدلية التطور والارتقاء من جهة والتقهقر والفناء من جهة أخرى.

وما قلناه عن المجتمع المتخلف وإمكانية انطلاقه نحو التحرر، يمكن أن ينطبق على المجتمع المتقدم أيضاً؛ فحتى الوقت الراهن من القرن الحادي والعشرين لم تعرف البشرية مجتمعاً يعيش الواقع الإيجابي بكل نواحيه وأبعاده، بل من الصعب بمكان أن نرى مجتمعاً يعيش الأبعاد المدنية والحضارية بوقت واحد وبشكل كامل، ولو تحقق هذا التزاوج ما بين الروح (المدنية) والروح (الحضارية) لانتقل ذلك المجتمع إلى دائرة (المدينة الفاضلة) لأن كلمة (مدينة) تعني في جوهرها الاجتماعي (المدنية) بينما تحمل كلمة (الفاضلة) معاني الحضارة التي تزاوج بين جسد المجتمع وبنيويته من جهة وبين قيمه الروحية العالية من جهة أخرى.

وبانتقالنا إلى إحدى النقاط الأساسية من موضوعنا هذا، ونقصد بذلك الحديث عن الواقع الفكري والاجتماعي للأمة، نرى أنها حالياً تعيش حالات تخبط واضحة على أغلب المستويات، فهناك الأزمات الاقتصادية الدائمة والتخلف الاجتماعي بأبشع صوره، ونضيف إلى ذلك توقف عجلة التطور العلمي وغياب البحث التكنولوجي بل فقدانها تماماً وانحسار عملية المشاركة في قضية التلاقح والتبادل المعرفي مع بقية الحضارات والأمم منذ أن أفلت شمس حضارتنا الإسلامية، أي منذ وقت طويل جداً.

إن كل شخص منا يدرك تماماً أن واقعنا واقع مرير لا يحسدنا عليه أحد، مما يفرض علينا أن نواجهه ونعترف بهذه الحقيقة التي لا مفر من الإقرار بها والإذعان لأبعادها النفسية المغروسة فينا، والسؤال الذي يطرح نفسه علينا دائماً هو:

من المسؤول عن تخلفنا؟!..

إنه سؤال واحد، ولكن هذا السؤال الواحد يمكن أن نشبهه بالقنبلة الانشطارية التي ما أن تنطلق حتى تتحول إلى عشرات الشظايا المتناثرة يميناً وشمالاً، وهذا السؤال المطروح ما أن يتحرر من نطاق الفم حتى يتحول إلى عشرات الأسئلة التي تتبعثر عن السؤال الأم:

أين نحن من الحضارة؟ ما هو موقع العقل؟ من أين بدأ الانحدار في الحضارة؟ وما هي ماهية الحضارة التي عرفناها؟ كيف سننهض ومتى؟ ما هو دور الدين أو المذهب الديني ضمن الدين الواحد في حضارة المجتمع؟!، لماذا نعيش على أمجاد الماضي دائماً ونقول للآخرين (نحن كنا)، ولماذا لا (نكون) الآن؟ وما هو الدور الذي يلعبه بعض الذين يكتبون عن العقل الذي لا زلنا نجتر الحديث عن أمجاده البائدة، ويعتبرون أنفسهم فيما يكتبون (عقلانيين) و(علمانيين)؟!!.

وهكذا نرى أن السؤال الأساسي تحول إلى مجموعة من الأسئلة والاستفسارات التي تفرض نفسها على ساحة الفكر في عالم يسير بسرعة خاطفة تأسر الألباب، بما تقوم به من قفزات صناعية وتكنولوجية نشهدها مع كل مطلع شمس.

لم يعد مستغرباً أن نرى أنفسنا مشاركين في عملية التفعيل الحضاري ولكن بالشكل السلبي لعملية التفعيل هذه، فلو وقفنا وقفة صدق مع أنفسنا وقلنا: ما هو الدور الذي نلعبه في عملية التفعيل حتى نعتبر مشاركين في الحضارة؟ فسيكون الجواب هو أننا أفضل سوق استهلاكية لما تنتجه الحضارة الغربية أو الشرق آسيوية، وعلى سبيل المثال، فإن العديد من مصانع السيارات -وهذا مثال واحد- ترسل سياراتها الحديثة إلى الأسواق الإسلامية وبالخصوص بعض الدول العربية الغنية، فتسير هذه السيارات على شوارعنا قبل البلد المصنع لها، وكذلك الحال بالنسبة لصناعة الأدوات المنزلية والكهربائية والإلكترونية وأحياناً العسكرية أيضاً.

نحن لسنا ضد التلاقح الثقافي والحضاري، ولسنا ضد المبادلات العلمية والصناعية، ولكن نحن ضد العيش على هامش التاريخ دون أن نلعب دورنا فيه بما يتلاءم ومقدرتنا الفكرية والحضارية نافضين غبار التخلف عن رؤوسنا الملفوفة بمناديل وعقالات الجهل والتعصب، ومن الخطأ الفادح أن نحمل الاستعمار مسؤولية تخلفنا الدائم، فالاستعمار ليس بالضرورة أن يكون دائماً حياً خارج حدودنا الجغرافية، بل أحياناً كثيرة يكون الاستعمار موجوداً معنا وحياً في قلوبنا وعقولنا، بل ومن صنعنا، أي إنه يكون داخلياً قبل أن يكون خارجياً، والكثير من المهتمين بهذا الموضوع الحساس يحاولون دائماً أن يلقوا بثقلهم وأوزارهم التي يقترفونها بأيديهم على ما يسمونه بالاستعمار، فإذا باع أو تنازل حاكم أو ملك ما عن قطعة من أرض وطننا المترامي الأطراف، نقول إن السبب في ذلك هو الاستعمار، وإذا تصادم أتباع دين ما مع أتباع دين آخر وشبت نار الخلاف الطائفي في البلد الواحد نقول إن السبب أيضاً هو الاستعمار، وإذا بعنا ثرواتنا الباطنية الدفينة بمحض إرادتنا إلى الدول الأجنبية، وربما إلى حلفاء أعدائنا، وحرمنا أبناء وطننا الكبير منها نقول إن الدافع وراء ذلك هو اتقاء شر الاستعمار، بل ربما سيصل الأمر بنا يوماً ما إلى أن نعزو أسباب الطلاق أو الإجهاض في مجتمعنا العربي والإسلامي إلى الاستعمار!.

نحن لا نشك أبداً في أن للاستعمار دوراً في تخلفنا ولكن يجب أن نعرف بنفس الوقت أن الاستعمار يزيد التخلف ولا يخلقه لأن التخلف هو سبب مباشر للاستعمار وليس نتيجة له دون غيره من الأسباب، فالعرب والمسلمون تعرضوا للهجمات الاستعمارية بألوانها المختلفة؛ الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والأمريكية.. العسكرية، والاقتصادية، والإعلامية، والفكرية و.. ولا ننسى بالطبع استعمار المسلم للمسلم، ونقصد بذلك الاستعمار العثماني الذي أحكم قبضته على المسلمين في الوطن العربي باسم الخلافة الإسلامية مدة أربعمائة سنة ونيف جثم فيها على صدورنا يسقينا من كؤوس الجهل، ويزيد تخلفنا تخلفاً، ويسير بنا على دروب الانحطاط باتجاه الهاوية.

ومع ذلك نقول إن الذي يحمّل الاستعمار كل مظاهر تخلفنا يكون قد جانب الصواب والحقيقة؛ لأن أقل ما يمكن أن يقال هو أن الاستعمار، لا يستطيع أن يترك وراءه التخلف والانحطاط لشعب متعطش للحياة ومؤمن بشمسها وحامل لبذور تلك الحياة في ضمائر أبنائه.

ولو تركنا العرب والمسلمين جانباً وأخذنا مثالاً من أرض الواقع للتأكيد على صدق ما قلناه، لوقع اختيارنا على بلاد الشمس المشرقة، ونقصد بذلك (اليابان)، فمن المعروف تماماً أن اليابان -وهذا مثال من عدة أمثلة- استطاعت أن تنفض عن رأسها غبار الحرب الذرية المدمرة التي عصفت بها في نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد نهضت من تحت ركام تلك الحرب ضعيفة واهنة، لكنها لم تستسلم أبداً للكابوس الاستعماري الذري المخيف، وحتى هذه اللحظة هناك عدة جزر يابانية لا زالت خارجة عن سيطرة هذا البلد، وهي جزر (الكوريل) التي تم احتلالها في الحرب العالمية الثانية من جانب الروس(2)، وبالرغم من كل ذلك، فقد انطلق العملاق الأصفر في جزيرته الصغيرة يقفز فوق حواجز الزمان ناهضاً من قمقمه ليصنع (اليابان الجديد) الذي يكون قادراً على المشي فوق جراح الماضي والانطلاق نحو المستقبل الذي يكفل الرقي والراحة لأبنائه المؤمنين بقدرته على الحياة من جديد وانبعاثه من الرماد كطائر الفينيق.. فلماذا نجح اليابانيون في نهضتهم وفشلنا نحن؟!.

هذا هو السؤال الذي سنجيب على القسم الثاني منه، ونقصد بذلك سبب فشل المسلمين، أما القسم الأول المتعلق بنجاح اليابانيين، فلن نجيب عنه بأكثر من عبارة واحدة وهي أن اليابانيين نجحوا في نهضتهم وتخطوا محنتهم لأنهم وظفوا تراثهم الثقافي والروحي توظيفاً سليماً واعتمدوا على أنفسهم في بناء أنفسهم وربطوا إيمان السلطة بالنهوض بإيمان الشعب وقدرته على النهوض حتى أصبح كل مواطن ياباني وكأنه رجل سلطته والعكس صحيح أي إن كل رجل سلطة ياباني عمل من أجل الوطن والمواطن، حتى أصبح وكأنه مواطن عادي يسعى لسعادة أخيه ابن وطنه.. أما لماذا فشل المسلمون في نهوضهم؟ فسيوضحه المثال التالي:

من المعروف أن السلطنة العثمانية كانت تدين بالمذهب الحنفي، وربما اعتنق العثمانيون الأوائل مذهب أبي حنيفة لأن أبا حنيفة كان يجيز في أحكام فقهه أن يتولى خلافة المسلمين من لم يكن عربياً، وبما أن العثمانيين لم يكونوا عرباً فقد راقت لهم الفكرة واعتنقوا هذا المذهب وتسلطوا على المسلمين باسم الخلافة الإسلامية. لقد اندفع العثمانيون إلينا بجحافلهم الجرارة غازية العديد من الدول العربية الإسلامية بقوة الحديد والنار دون أن يحملوا إلينا أي تراث ثقافي، أو حتى دون أدنى مظهر من مظاهر الحضارة أو المدنية، وهنا نطرح السؤال التالي:

هل كنا نحن أقوياء وأهل علم، قبل مجيئهم إلينا، أم أن العثمانيين على بداوة طبعهم وتخلف أسلوب معيشتهم كانوا أكثر رقياً وحضارة منا؟! فهم لم يكونوا في واقع الأمر أكثر تحضراً منا، بل -للأسف- نحن الذين كنا أكثر تخلفاً منهم، لقد كان العقل العربي والإسلامي وقتها في حالة سبات طويل ولم يكن ليقطع ذلك السبات الطويل إلا بعض الحركات التنويرية القصيرة نسبياً سواء في المشرق العربي أم في مغربه، فالعقل المسلم كان قانعاً بأي شكل من أشكال الاستعمار طالما أن ذلك الاستعمار متجلبب بجلباب الدين، خاصة وأن العقل العربي الإسلامي قد اعتنق وصدق بفكرة الجبرية التي زرعتها الدولة الأموية الأولى في عقول الناس بغية تبرير أفعال الخلفاء من جهة، وبغية تسكين آلام الناس وتخفيفها عن طريق إعطائهم جرعة من (المورفين) من جهة ثانية، ومن عوامل بقاء العرب والمسلمين في مستنقع التخلف وعدم الارتقاء إلى المستوى الحضاري المطلوب أنهم دأبوا على أن يحيطوا ماضيهم وتراثهم بهالة من القداسة التي لا يجوز لأحد أن يخترقها أو حتى أن يقترب منها، فالخليفة خليفة إلهي له قداسته ولا يجوز أن يعترض أحد على أفعاله حتى ولو هدم الكعبة أو أحرقها، والفقيه المصاحب لرسول الله(ص) يبقى صحابياً جليلاً فوق مستوى النقد حتى ولو أفتى باستباحة فتيات المدينة المنورة من المسلمات أمام جنود أحد الغزاة لها من المسلمين، ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن مقولة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا: (لن يقف جيشنا إلا عند حدود الناطقين بالعربية) (3)، في عهد الاحتلال العثماني لوطننا العربي لا تمثل طبيعة العقل العربي وقتها لأن إبراهيم باشا وأبوه كانا ألبانيين، أي غير عرب، ولم يكونوا مؤمنين بما ابتدعه فقهاء الدولة الأموية من أفكار وفلسفات بعيدة عن روح الإسلام الحقيقي.

إن عبارة إبراهيم باشا المذكورة أعلاه هي شرارة إذكاء نار الصراع بين العرب والعثمانيين الذين شاءوا أن تكون علاقتهم بالعرب علاقة السيد بعبيده أو كعلاقة الفاتح المنتصر بالأعداء المهزومين في الوقت الذي ادعوا فيه أنهم مسلمون جاءوا لخدمة الإسلام ولتعزيز مبادئه وإحياء الميت منها. لقد أراد ابن محمد علي باشا أن تكون عبارته الموجهة إلى العرب بمثابة صور ينفخ به في العقل العربي الميت عسى أن تبعث الحياة فيه من جديد.

لقد اعتاد العرب بشكل عام، بحكم تغييب العقل عندهم، على نسيان أنهم أصحاب ديانات سماوية خالدة، وأن الإسلام خاتم الأديان ولد في ديارهم وأنه يحض المرء على الكفاح والعمل وطلب العلم بنوعيه الديني والدنيوي، ونسوا أيضاً أن أول كلمة نزلت على الرسول(ص) هي كلمة (اقرأ) أي استنر بنور العلم والعقل.

فالمشكلة مع العقل العربي أنه يقبل الارتباط بالموروث الثقافي بأي شكل كان حتى ولو كان بالشكل السلبي الذي يعيق فتح بوابة العقل على آفاق الفكر الرحيب، فالعقول عندما تنفتح على بعضها في ساحة الفكر الإنساني العالمي لا بد أن ترتقي، فإذا ارتقت توحدت وإذا توحدت أبدعت، ولكن على ما يبدو فإن العقل عندنا، وعلى الرغم من انفتاحه جزئياً على ثقافات الحضارات القديمة في فترات محددة من تاريخنا، إلا أن هناك فكرة بقيت ماثلة في نموذج تفكيرنا تجاه الآخرين، إنها مسألة (الأنا) ورفض (الآخر)، ولا تزال هذه المسألة تجري في مسالك عقولنا الباطنية كما يجري الدم في الجسد، وإذا كنا نردد في نصوصنا الخطابية أمام الآخرين عبارة (إن اختلافنا في الرأي لا يفسد للود قضية)، فإنها عبارة نتبناها ظاهرياً ونعمل عكسها واقعياً، فمنذ عصور الجاهلية لم يستطع صاحب العقل العربي أن يتخلى عن حبه للأنا بشكل مفرط أمام الآخرين من غير قبيلته، لقد كان منذ ذلك الحين مستعداً لأن يكون جندياً حجرياً يحرك دون إرادة منه على رقعة قبيلته الشطرنجية، وربما يكون مستعداً لأن يفقد شخصيته المستقلة في جسد القبيلة مهما كان المستوى الفكري أو العقائدي لتلك القبيلة، وبما أن الشعر ديوان العرب، فبإمكاننا التأكد من هذه النقطة عند أغلب شعراء العصر الجاهلي، بل وحتى عند العديد من شعراء العصرين الأموي والعباسي، ولعلّ أبلغ ما يمكن أن نستشهد به على ذلك، قول الشاعر:

وما أنا إلا من غزيَّة إن غوت غويت وإن ترشد غزيّة أرشد

فذات الشاعر قد ذابت في ذات قبيلته سواء أكانت غوية أم رشيدة، فالحق والباطل لا وزن لهما أمام عداوة الآخرين من غير قبيلته، ولا يجب علينا أن نلوم شاعرنا العربي هذا لأنه يفكر بهذه الطريقة منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام بل يجب علينا أن نلوم من يعيش الآن في عصرنا وواقعنا وهو يدعي العلمانية والعقلانية في تقييم عقول الآخرين وهو أبعد ما يكون عن العقلانية في كتاباته تلك، يجب علينا أن لا نلوم من سعّر نار حرب البسوس ولا من حمل سيفه في حرب داحس والغبراء؛ لأن العصر وقتذاك كان موسوماً بـ(الجاهلية) ولكن علينا أن نلوم من يعيش معنا اليوم ويريدنا أن نعيش معه في جاهلية القرن الحادي والعشرين، ولو أردنا أن نحط رحالنا عند هذه النقطة الهامة في بحثنا لوجدنا أن هناك من يكتب عن نقد العقلانية والحيادية في كتاباته عن ذاك العقل في حين أن تلك الكتابات لو وضعت في ميزان العقلانية لوجدناها أبعد ما تكون عن العقلانية والموضوعية معاً.

وبما أن هذه النقطة هي أحد محاور بحثنا الأساسية، فلا بأس في أن نتوسع فيها قليلاً مع ذكر بعض الأمثلة والشواهد التي تدل على عدم العقلانية وعدم قبول (الآخر) حتى من قبل أناس يحاولون أن يظهروا أمام الملأ بمظهر العقلنة والعلمنة.

منذ بداية السبعينات من القرن العشرين كتبت عشرات الكتب عن العقل العربي وسبل تطويره وعن الأساليب الناجعة لتفعيل آلية تفكير ذلك العقل في مواجهة آلية الفكر الغربي ومن ثم لتجاوزه والتفوق عليه، وربما كان من أبرز ما كتب عن كيفية فهم العقل العربي وتخليصه من لا عقلانيته هو كتاب (تكوين العقل العربي) ومن ثم كتاب (بنية العقل العربي) وهما للكاتب الدكتور محمد عابد الجابري(4)، ويبلغ عدد صفحات الكتابين ما يقارب الألف صفحة.

والسؤال هنا: ماذا أراد الجابري أن يقول للقارئ الذي لا يستطيع -بنظر الجابري- أن يفهم تاريخه وموروثه التراثي إلا إذا قام هو شخصياً بتلقينه تلك المفاهيم وبالشكل الذي يريده؟!.

إن خلاصة أفكار الجابري (العقلاني) المطروحة في كتابيه المذكورين تتمحور حول فكرة ضرورة التخلص من الفكر الشيعي (اللاعقلاني) وعدم الاعتراف به جملة وتفصيلا، ولا يحتاج القارئ مهما كانت درجة ثقافته وضيعة أم رفيعة إلى أن يجهد نفسه للوصول إلى هذه النتيجة من خلال ما كتبه الجابري عن فكر الطائفة الشيعية، فالمذهب الشيعي بالنسبة للجابري (العقلاني) هو مذهب اللاعقلانية وهو العبء الأكبر على الفكر الإسلامي غير الشيعي العقلاني، وقد بدأ الجابري كتابه عن تاريخ تدوين السنة النبوية عند السنة والشيعة بشكل عرض تاريخي للأحداث المتعلقة بعملية التدوين عند الطرفين، ويرفض الجابري في خاتمة ذلك الفصل أن يعترف بالإطار المرجعي للعقل العربي قبل عصر التدوين بل يصر على إسقاط وتجاهل الإطار المرجعي للعقل العربي في العصر الجاهلي وفي العصر الإسلامي الأول(5)، بحجة أن الماضي العربي الإسلامي السابق للتدوين موجود فيه، ويؤكد أيضاً على أن العقل العربي لم يعرف هويته الأيديولوجية إلا مع عصر التدوين لأن تلك الصراعات الأيديولوجية لم تعرف قبل عصر التدوين، ولكن للأسف فعلى ما يبدو انه قد غاب عن ذهن الجابري القارئ للتاريخ و (العقلاني) في أحكامه أن الأيديولوجيات المتصارعة لم تنشأ في عصر التدوين بل نشأت في فترة سابقة على ذلك بوقت ليس بقصير، فأهم الأيديولوجيات الرئيسية المتصارعة في الفكر العربي الإسلامي خرجت من تحت سقيفة بني ساعدة.

إن الذي يقرأ كتاب الجابري (تكوين العقل العربي) يستطيع الاستغناء عن كتابه الثاني (بنية العقل العربي) لأن هذا الكتاب الثاني عبارة عن إسهاب وتوضيح لما جاء في كتابه الأول من أفكار واستنتاجات شخصية لا تغني من الحق شيئاً، فهو لا يتوانى أبداً في الفصل التاسع في كتابه الأول عن وضع كل المتصوفة وأوائل المتكلمين والعرفانيين والجهمية والغلاة والرافضة (أتباع المذهب الشيعي) وإخوان الصفا في قائمة الفئة الهرمسية(6)، التي تستمد تعاليمها من مصادر يونانية ويهودية وزرداشتية وغنوصية مسيحية، ويختم الجابري الفصل التاسع ذاته بقوله: (وإذا كان لا بد من التماس علاقة (رد فعل) بين النظامين البياني (إسلامي غير شيعي) والعرفاني (إسلامي شيعي) فإن أقرب الأمور إلى الصحة في نظرنا.. هو القول إن ما دعوناه من قبل بـ(العقلانية العربية الإسلامية) هي التي كانت، في بعض صورها على الأقل، رد فعل ضد الغنوص المانوي والعرفان الشيعي) (7).

إذن فالعقلانية بالنسبة إلى الجابري هي الإسلام غير الشيعي، أما اللاعقلانية فهي الإسلام الشيعي، وحتى يزيد الجابري من أوار ناره ضد مذهب الشيعة تحت ستار العقلانية في حديثه عن العقل العربي الإسلامي نراه يقول في الفصل العاشر من كتابه: (لقد أسس الشيعة مذهبهم السياسي -الديني على القول بـ(الوصية) و(عصمة الإمام)وبالتالي على (وراثة النبوة) الشيء الذي يستتبع مباشرة الأحقية في (وراثة الخلافة - الحكم)، وكما رأينا ذلك في الفصل السابق فلقد وجد الشيعة في الهرمسية المعين الذي لا ينضب الذي استمدوا منه فلسفتهم النبوية) (8).

والحقيقة لو أن هذا الكلام جاء من غير الجابري لكان شيئاً طبيعياً وربما لا يستحق الوقوف عليه لأن المرء -كما يقول الإمام علي(ع) - عدو ما جهل، ولكن المشكلة هي أن يأتي كلام خطير كهذا من رجل يدعي أنه نظيف القلم والعقل، فهل من المعقول أن يكون الجابري جاهلاً بالتاريخ الإسلامي وأحداثه الحاسمة إلى هذا الحد، أم أنه متجاهل لذلك؟!! وعلى أي أساس بنى الجابري فكرة أن المذهب الشيعي مذهب سياسي وأنهم استوردوا فكرة الوصاية من الهرمسية؟.

فما قول الجابري بحديث الرسول(ص) الذي يؤكد فيه وفي سواه من الأحاديث على وصاية وخلافة الإمام علي(ع) دون غيره ممن نازعه إياها بعد وفاة الرسول (ص) بساعات قليلة ووجود هذه الأحاديث في كتب التاريخ والتفاسير المتعددة للقرآن الكريم لعلماء الدين من غير المذهب الشيعي؟!.

إن الرسول(ص) يقول: (لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب) (9)، وهذا الحديث لا مرية فيه في كتب علماء السنة وحفاظها، ولذلك فقد أثبتنا في نهاية بحثنا هذا فهرساً لأهم الكتب التي أثبتت هذا الحديث النبوي الشريف.

أما حديث الدار بعد نزول قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، فهو حديث تزخر به كتب السنة من الصحاح وغيرها، وقد أخرجه كثير من الحفاظ والعلماء بلفظه الصحيح حيناً وبألفاظ متقاربة حيناً آخر، وهذا نصه: (إن هذا -يعني علياً- أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا) (10)، أما ما جاء في صحيح الترمذي (ج5) وسنن ابن ماجة (ج1) ومسند ابن حنبل (ج1) عن حديث الغدير وقول الرسول الكريم(ص): (من كنت مولاه فعلي مولاه) (11)، فلا حاجة لنا للوقوف المطول عنده لأن الجابري على ما يبدو لا يريد أن يعترف بوصاية واستخلاف الإمام علي (ع) حتى ولو جاءت أحاديث الاستخلاف في أشهر كتب أهل السنة، بل وعند أكثر رواتها تشدداً، ونقصد بذلك أحمد بن حنبل أحد أئمة المذاهب الأربعة في الإسلام غير الشيعي.

وبالنسبة إلى الجابري أيضاً، فكل من هو شيعي فهو هرمسي حتماً، فالإمام الصادق (ع) الذي كان معلماً لأبي حنيفة ولغيره من الأئمة هو هرمسي النزعة!!! وهنا أسأل الجابري ومن يحذو حذوه في محاولة تضليل العقل العربي تحت شعار العقلانية في البحث: هل قرأت ما قاله أئمة المذاهب عن معلمهم الإمام الصادق (ع)؟ وهل كلفت نفسك عناء البحث في المراجع التاريخية وكتب الرجال والأعلام وأقوال المستشرقين عن الإمام الصادق (ع) صاحب أول جامعة في الإسلام؟.

ولا نجد بأساً هنا في أن نذكر نتفاً قليلة مما جاء في حق الإمام الصادق (ع) على لسان من هم ليسوا من الشيعة (الهرمسيين): يقول أحد علماء الأزهر الشيخ محمد أبو زهرة: (الإمام جعفر الصادق كان قوة فكرية في هذا العصر، لم يكتف بالدراسات الإسلامية وعلوم القرآن، والسنة، والعقيدة، بل اتجه إلى دراسة الكون وأسراره، ثم حلق بعقله الجبار في سماء الأفلاك، ومدارات الشمس والقمر والنجوم، ثم علم وحدانية الخالق من إبداع المخلوق، ومن تعدد الأشكال والألوان.. وخاض مع الفلاسفة الذين كانوا يشككون الناس في اعتقادهم متتبعين من سبقهم من مشركي اليونان -قد عني عناية كبرى بدراسة النفس الإنسانية) (12).

فكيف يكون الإمام الصادق (ع) هرمسياً وهو الذي أفحم بحججه من يشكك الناس في معتقدهم متتبعين بذلك أفكار اليونانيين القدماء؟!.

أما الأستاذ عبد الحليم الجندي المستشار في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر فيؤكد على أن الإمام الصادق(ع) هو صميم الإسلام وهو بحر العلوم الذي يهتدي بهديه أئمة أهل السنة كافة(13)، أليس من الغريب حقاً أن يهتدي أئمة المذاهب الأربعة -وهي المذاهب الوحيدة التي يعترف الجابري بإسلاميتها- بإمام (هرمسي)؟!! وعلى كل حال سنترك الجابري يعاود الخوض في بطون الكتب التاريخية التي ذكرها هو في كتابه لأننا على ثقة كاملة من أنه حشد العديد من عناوين الكتب والمراجع ضمن كتابه ليوهم القارئ أنه قرأ كل هذه الكتب ليخرج بتلك النتيجة التي لم يسبقه إليها أحد، ولا أظن أن قراءاته لتلك المراجع التي ذكرها تتعدى قراءة سطور عابرة أو رؤوس أقلام جمعها من هنا وهناك دون تدقيق أو تمحيص، بل كيف سيشك القارئ بكتاباته ونتائجه -إذ ليس من حق القارئ ذلك- وهو الباحث الذي يسبق اسمه الحرف (د) أي أنه دكتور، فهل يزيف من هو دكتور الحقائق؟!.

إذن، فالإمام الصادق (ع) هرمسي، وهشام بن الحكم أيضاً، وكذلك الحال بالنسبة لإخوان الصفا وللشيعة عموماً والشيعة الإسماعيلية خصوصاً، ولكن إذا كان الواقع الفكري والتراثي للشيعة هكذا كما يصوره الجابري، فكيف يكون الحال بالنسبة للمسلمين من غير الشيعة وللعرب عموماً الذين لم يشايعوا أهل البيت(ع)؟.

وقبل الإجابة على سؤال كهذا يجب علينا أن لا نخلط، كما يفعل الكثيرون، بين العروبة والاسلام، فالكثير من المتعصبين للعروبة يعتقدون أن العروبة هي الهوية القومية للمسلم وأن الإسلام هو وحده دين العروبة بحيث إذا أردت أن تبرهن على صدق عروبتك فما عليك إلا أن تعتنق الإسلام وإلا فولاؤك للعروبة مشكوك فيه، ومن الطبيعي أن تعبر هذه النقطة عن فقدان روح الموضوعية في المبدأ والمعتقد، علماً أن رسول الله (ص) لم يرسل للعرب فقط، هو رسول للعالم كافة، وقد بين لنا هذه النقطة بقوله: (إنما بعثت للناس كافة)، فالفكر الإنساني الشامل يضع الإنسان فوق قوميته(14)، بل يقوم في جوهره على إزالة الحدود وتجاوز الجنسيات والألوان، إذ لا حدود ولا جغرافيا ولا لون ولا عرق أمام الفكر الإنساني المشرق.

المصـــادر:

(1) الفكر والتاريخ: بيير- هنري سيمون، ترجمة عادل العوا، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية - دمشق ص6.

(2) النهضة العربية والنهضة اليابانية: د. مسعود ظاهر، سلسلة عالم المعرفة - الكويت 1999 ص10.

(3) المصدر السابق: ص352.

(4) صدر كتاب (تكوين العقل العربي) عن مركز دراسات الوحدة العربية ضمن سلسلة نقد العقل العربي (1)، وصدر هذا الكتاب بطبعته الأولى عام 1984، أما الكتاب الثاني (بنية العقل العربي) فقد صدر عن نفس المركز وكانت طبعته الأولى عام 1986.

(5) تكوين العقل العربي: د. محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت 1984 ص71.

(6) المصدر السابق: ص202.

(7) المصدر السابق: ص214.

(8) المصدر السابق: ص225.

(9) راجع على سبيل المثال:

أ) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (ع) من تاريخ دمشق لابن عساكر (الشافعي) ج3 الحديث رقم 1021 والحديث رقم 1022/ ط. بيروت.

ب) ابن المغازلي الشافعي: مناقب علي بن أبي طالب (ع) المطبعة الإسلامية - طهران ج238 ص200.

ت) ذخائر العقبى: محب الدين الطبري الشافعي، طبع مكتبة القدسي ص71.

ث) ينابيع المودة: سليمان القندوزي الحنفي، طبع إسلام بول ص79-207-232- 248.

ج) المناقب: الخوارزمي الحنفي، المطبعة الحيدرية-النجف ص42.

د) كفاية الطالب: الكنجي الشافعي، المطبعة الحيدرية -النجف ص620.

هـ) شرح الهاشميات: محمد محمود الرافعي، مطبعة شركة التمدن بمصر ط2 ص29.

و) الرياض النضرة: محب الدين الطبري الشافعي، ج2/ مطبعة لجنة دار التأليف والترجمة والنشر بمصر ط2 ص234.

(10) راجع على سبيل المثال لا الحصر:

أ) الطبري: تاريخ الأمم والملوك ج2/ طبع دار المعارف بمصر ص319-321.

ب) ابن الأثير الشافعي: الكامل في التاريخ ج2/ طبع دار صادر -بيروت ص62-63.

ت) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة ج13، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط2 ص210-244.

ث) المتقي الهندي الحنفي: منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل ج5/ طبع المطبعة الميمنية ط2 مصر ص41-42.

ج) علاء الدين الشافعي: تفسير الخازن ج3/ طبع مصر ص371-390.

(11) من الذين ذكروا حديث الغدير ومبايعة الإمام علي (ع) خليفة على المسلمين:

أ) الترمذي: صحيح الترمذي (الجامع الصغير) ج5/ طبع دار الفكر -بيروت الحديث 3797 ص297.

ب) ابن ماجه: سنن ابن ماجه ج1/ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ طبع دار إحياء الكتب العربية الحديث 121 ص45.

ت) نور الدين أبو الحسن الهيثمي الشافعي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9/ طبع مكتبة القدسي ص103-105-106-107-108.

ث) النسائي الشافعي: خصائص أمير المؤمنين/ طبع المطبعة الحيدرية-النجف ص94-95.

ج)أحمد بن حنبل: مسند ابن حنبل ج1/ طبع دار المعارف بمصر ص88+ ج2/ ص672+ج4/ ص372.

د) الذهبي: تاريخ الإسلام ج2/ طبع مصر ص196.

هـ) ابن كثير: البداية والنهاية ج5/ طبع مطبعة السعادة بمصر ص211-212-231-114.

(12) الإمام الصادق: محمد أبو زهرة، دار الفكر-بيروت ص101-102.

(13) الإمام جعفر الصادق: عبد الحليم الجندي، القاهرة ص205.

(14) محاكمة العقل العربي: راجي أنور هيفا، مجلة النور العدد 107/ ذو الحجة/ محرم 1421-نيسان 2000 ص21.