مجلة النبأ - العدد61

 

د. الشيخ أحمد الوائلي أشهر القراء الحسينيين في العالم: (الإسلام فكر ولا خوف عليه من العولمة)

نشرت مجلة المشاهد السياسي في عددها (281) الصادر في 29/ تموز /2001م لقاءً مع الشيخ أحمد الوائلي.. تناول عدة قضايا جاء فيه:

عالم جليل وباحث مفكر ومقرئ حسيني هو الأول والأشهر في عالمنا اليوم في مجال إذكاء ذكرى واقعة الطف التي تجمع مئات الملايين من شيعة الإسلام في العالم في شهر عاشوراء (محرم الحرام) من كل عام. عرف في العراق موطنه الذي ارتحق منه ماء دجلته وفراته العذب وجاور في علمه وتعليمه أسباط بيت أهل النبوة ومنهم استلهم الكثير من ينابيع الفقه والمعرفة، وفي كل عام له جمهور يتقاطر على مجالسه في بلدان تطلبه وفق جدول زمني لا يخلط فيه بين أبجدية وأخرى غير الرغبة في إبقاء جذوة الإسلام متقدة من خلال الحديث عن واقعة كربلاء ومآثرها ومدادها الطويل الاتصال العظيم القيمة والمكانة في التاريخ الإسلامي.

استقر في دمشق خلال السنوات الأخيرة ومنها يزور الدول العربية وعدد من الدول الأوروبية التي له فيها طلاب ومهتمون، وزار لندن مؤخراً وما زال فيها لبعض الوقت.

هذا اللقاء النادر مع العلامة الوائلي تم في عجالة بسبب حالته الصحية وهو أمر تكشف عنه الإجابات الموجزة:

* العالم يتطور بسرعة كبيرة والمفاهيم تتغير وهو أمر جعل من وسائل الاتصال ونقل المعلومات مصدر خطورة على المفاهيم وعلى الأديان والقواعد الأخلاقية، فهل تعتقد أن هناك خوفاً على أجيالنا من تأثيراتها السلبية؟.

ما يدخل إلى الذهن والوعي من غذاء مثله مثل ما يدخل إلى الجسم من غذاء، فإذا كان في الجسم مناعة لا يتأثر بما هو ضار، كذلك جهاز التلقي الذهني يحتاج إلى مناعة تقيه من المؤثرات السلبية.

* هل تتيح سرعة المتغيرات وصعوبتها، الفرص لبناء مثل هذه المناعة، بمعنى هل العقل البشري محصن إلهياً إلى حد ما؟.

العمل على تكوين جهاز المناعة عند المسلم يبتدئ فيما نعتقد من الأسرة، فالمدرسة، فالمجتمع. وأهم هذه الوجوه هي الأسرة، ولا يعني ذلك عدم أهمية الوجوه الأخرى، ولاشك في أن المسؤول عن التربية الدينية في الأسرة هو المؤسسات الدينية التي ينبغي قيامها بهذا الدور واستخدامها الوسائل التي أتاحها العلم وتوفير الكفاءات والمناهج العلمية قدر الاستطاعة وانتقاء الغذاء التربوي الجيد الذي هو متوفر والحمد لله في تراثنا، إن ذلك يضع الأسرة في أجوائها الإسلامية خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل أسرة مسلمة عندها خميرة من النزوع إلى جذورها وتراثها والاعتزاز بأولوياتها.

* هناك خوف من الفضائيات والانترنيت وسواها من وسائل الاتصال الإلكتروني التي قد توظف ضد الأديان وخصوصاً الإسلام باعتباره خاتمة الأديان؟.

الذي يتمم ما سبق هو أسلمة الأدوات المؤدية إلى الهدف كالقناة الفضائية المسلمة، والمادة الإسلامية التي نغذي بها قنوات الاتصال، والمعلم المسلم الرسالي الذي ينبغي أن يوكل إليه تدريس الدين واللغة، إن الأسرة والمجتمع آخذ ومعطٍ فروافد المجتمع هي الأسرة والمدرسة، فإذا تم التركيز عليهما فذلك كفيل بنتائج طيبة، يضاف إلى ذلك ينبغي فتح أعين الأجيال على إفلاس الحضارات الأخرى وعجزها عن ملء الفراغ الذهني عند الإنسان وعن عدم قدرتها على أن تشده إلى قضية محورية يعيش من أجلها وتستهويه وتدفعه لمضاعفة جهده في ذلك، كما يصنع الإسلام في دفع الفرد المسلم إلى أن يبقى ينشد رضا الله عز وجل بكل نشاطه الدنيوي وعمله لما بعد الحياة وهو هدف يظل قائماً ويظل يسعى الإنسان إليه متواصلاً وبذلك ينعدم عنده الفراغ والسأم ويعيش في لذة وسعادة متواصلة.

* هناك في العالم اليوم ما يعرف باسم العولمة، وهناك ما يسمى بثورة المعلومات، وهناك خوف فعلي من أن يقود النظام العالمي الجديد والدعوات المتزايدة لحرية الأديان وحقوق الإنسان وارتباط العالم بالبريد الإلكتروني، إلى توحيد للأديان لكن ليس وفقاً لما يريده الله وإنما لما يفرضه الأقوياء حماية لصناعتهم ومصالحهم؟.

لا يمكن لكل من العولمة وثورة المعلومات أن تؤدي إلى صهر الأفكار والمعتقدات في فكر واحد، وذلك لأن العولمة تحاول رفع الحدود المادية وثورة المعلومات تطرح أفكارا جديدة وكل منهما موجود بالفعل يمشي عبر الحدود ولا يرده حاجز، ومع ذلك ما تزال الأديان متعددة والمعتقدات متنوعة، وإنما كل الذي نخشاه هو عدم خلق مناعة علمية وخلقية في الساحة الإسلامية تمنع تأثير الأمور الوافدة، وهذا الأمر يضاعف مسؤولية المؤسسات الدينية سواء الرسمية منها وغير الرسمية، ويحملها التبعة لتضاعف نشاطها في بناء الشخص المسلم بناءً يوازي حجم المستجدات ويرضي التطلعات خصوصاً ونحن على ثقة بأن محتوى الشريعة فيه ذخيرة لا تنفد لتغذية الأجيال فلم يبق إلا البحث في كنوز الشريعة وإعداد كوادر علمية مؤهلة ومنتجة لسد الحاجة وأن تكون مؤسساتنا الدينية مراكز بحث وتطوير وإعداد كفاءات وليست مؤسسات للارتزاق على حساب ديننا.

* ألم يحن الوقت لحوار حقيقي بين الأديان؟ وهل يمكن أن يكون لخطوة من هذا النوع جدوى في التقريب في وجهات النظر وتقليل التنافر العرقي وصراع الأقليات والتركيز على التعاون في مواجهة تحديات العصر مثل الأوبئة والفقر والتلوث وسواها؟.

لعل الإسلام يعتبر مجلباً للدعوة والحوار بين الأديان وذلك لأن الإسلام يقف على قاعدة صلبة لما فيه من أسس متينة ومتطورة ومستوعبة لحاجات كل العصور (وما أرسلناك إلا كافة للناس) ولأنه يرى ويعلم أن الأديان، وأقصد بها الأديان السماوية كما هي في أصلها، كلها روافد من السماء ولكل دين دوره وعهده في أداء رسالته وقد ختمت بالإسلام حيث ما هو من الثوابت، قد جمعه الإسلام وما هو من المتطورات قد حمله ونبه الأذهان له (استجيبوا له وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، من هذا المنطلق وهو استيعاب الإسلام للثوابت وغير الثوابت في الأديان الأخرى، انطلق الإسلام يدعو إلى الحوار، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا) ولم ينطلق من فرض أنه الوحيد وغيره مرفوض بل فتح الأبواب لصراع الأفكار وفق الأصول حتى تنتهي إلى ما هو الحق (وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)، وبناء على ذلك فلا خشية من أن يخذل الإسلام أو ينهزم في أي حوار شرط أن يكون المحاورين موضوعيين ومؤهلين للحوار لوجود أرضية علمية عندهم، وإذا استكمل الحوار بشروطه الموضوعية فلا شك في جدواه، إن الإنسانية قد تعبت في بحثها عن الأفضل وعلينا أن نبحث في دفائن ديننا من الكنوز لنقدمه زاداً للإنسانية وقل اعملوا.. الخ.

* دفعت التطورات العلمية الجديدة والاكتشافات الطبية المذهلة مثل الاستنساخ وسواه، إلى بروز تحديات كبيرة للأديان وخاصة أمام الإسلام، فهل أغفل الدين الحنيف مثل هذه الأمور، أم أن في بيان نصوص القرآن الكريم والفقه ما يتعامل مع كل حالة على حدة بنفس المنطق الرباني العظيم الذي يعالج به الرحمن الأمور الأخرى؟.

لا أسمي أمثال هذه الأمور التي ذكرتها تحديات بل هي أمور ألهم الله تعالى بها الذهن البشري وأقدره عليها على أن يتحرى بها خدمة الإنسان لا ضرره، وهذه الأمور تشكل موضوعات غطتها أحكام الشريعة وهي جميعها عالجها الفقه الإسلامي وتناولها فقهاء المسلمين تفصيلاً وأعني بهم الفقهاء المعاصرين، لأنها أمور حدثت متأخراً.

* ما موقف الإسلام من قضية حقوق الإنسان التي باتت مسألة حيوية تقيّم الشعوب والأمم والأديان على مدى التزامها بها؟.

موقف الإسلام من حقوق الإنسان واضح، فلا أعتقد أن هناك شريعة كفلت حقوق الإنسان كالشريعة الإسلامية، فالإنسان كل الإنسان موضع تكريم الله عز وجل: (ولقد كرمنا بني آدم)، يقولها القرآن الكريم، ويقول الرسول الكريم في خطبته في حجة الوداع، وقد سأل الصحابة رضوان الله عليهم أي يوم هذا؟ قالوا: أعظم الأيام. وأي شهر هذا؟ قالوا: أعظم الشهور. وأي بلد هذا؟ قالوا: أعظم البلدان. وأي بيت هذا؟ قالوا: أعظم البيوت، قال إن حرمة المؤمن أعظم عند الله من بيتكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.. الخ.

ولقد قال النبي (ص): (الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره)، ويقول الإمام علي (ع) في عهده لمالك الأشتر: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، الناس سواسية كأسنان المشط، وقد أفاضت كتب التاريخ والسيرة في تفصيل تطبيقات ذلك بما لا يسعه هذا المختصر، وأرجو أن نفرق بين الإسلام وبين بعض المسلمين الذين ينبغي أن لا تحسب تصرفاتهم على الإسلام بل لابد من الاقتصار على ما رسمه القرآن ورسمته السنة النبوية.

* الأمر الآخر المثير للجدل هو الفهم الخاطئ من قبل البعض لموقف الإسلام من حقوق المرأة فما هي الحقيقة في هذا المجال؟.

لا سبيل إلى الإفاضة في أمر مثل هذا، لأن الإسلام أكرم المرأة بما أراده الله لها وليس وفقاً لمشتهى البشر، ولكن ما ينبغي الإشارة إليه أن كل الحقوق التي كفلها الإسلام للفصيلين الذكور والإناث إنما هي متصلة ومربوطة بفطرة كل منهما، فالمسألة إذاً مسألة تصنيف لا مسألة تفضيل، إن بين الرجل والمرأة عشرات من الفروق النفسية والجسدية والاجتماعية، ولكل منها حسابه الخاص. أما من حيث المنشأ والخلقة فكل منهما عمد من أعمدة التكوين يقول تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)، ويقول النبي (ص): (النساء شقائق الرجال)، فالأمور التي تنعدم فيها الفروق بين الصنفين هما فيها سواء كحق التعليم، والنفقة المالية، وحق التكريم.. الخ، أما الحقوق التي لا يمكن المساواة فيها كحق التعدد للرجل الذي شرعه الإسلام لتغطية بعض الحالات فلا يمكن المساواة فيه، ومثل الأمور التي ترتبط بغزارة الجانب العاطفي عند المرأة وتكليف الذكر ببعض الأمور التي ترتبط بتكوينه العضلي فالإسلام يفرق بينهما، وبالجملة كل حق مشروع ينسجم مع الخلق الكريم والفطرة السليمة إعطاء الإسلام للمرأة ومنعها مما يفسد فطرتها ويهين أنوثتها وصدق الله العظيم: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى).

إن الإسلام كفل المرأة في كل حالاتها، كأم وزوجة وبنت، وكرّم مقامها وجعل الجنة تحت أقدامها، وقدم حقها كأم على حق الأب على رأي كثير من الفقهاء فأوجب تقديم ما تأمر به على ما يأمر به الأب لو تعارض الأمران، وجعل لها ثلاثة أرباع الحق في الولد وللأب ربعاً وأعطاها أجر الشهيد إذا ماتت أثناء الولادة وأعطاها ما لا يتسع ذكره هنا..

أجرت صحيفة الزمان الصادرة في لندن لقاءاً مع سماحة الشيخ جمال الوكيل أمين عام حركة الوفاق الإسلامي عرض خلالها رؤيته وأفكاره لجملة من المفاهيم والقضايا على الساحة الإسلامية.

يقول سماحته: إن السلطة في نظر الشريعة الإسلامية عبارة عن مؤسسة وكيلة عن الأمة لإدارة شؤونها ولا يحق لهذه المؤسسة أن تسلب الأمة أياً من حقوقها، وإبداء الرأي حق من حقوق الأمة، كما أن تشكيل كيان سياسي حق من حقوقها، وإن الحصول على الحقوق كافة بمختلف أنواعها هو حق طبيعي للأمة، وهذا ما قام به الرسول الأكرم (ص) في بداية تشكيل حكومته بعد أن دخل منتصراً عسكرياً وفتح مكة، أعطى الراية للإمام علي (ع) ليعلن هوية الحكومة الإسلامية وكان الشعار (اليوم.. يوم المرحمة)، وقام الرسول الأعظم بممارسة عملية لهذا الشعار، بعد دخوله مكة (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) على الرغم من أن أبا سفيان كان قائد جيش المشركين في محاربة الإسلام، ولكن الرسول أراد أن يشرع بنفسه أحقية تشكيل المعارضة وأعطى فرصة لجميع مناوئي الحكومة الإسلامية ومن كانوا يحملون السيف ضد الرسالة، لأن يحصلوا على الأمان الكامل بهدف تثبيت الأمن للأمة وضمان مشاركة الجميع في بناء المجتمع المدني.

تأسيساً على ذلك، لابد من اعتماد مبتنيات معينة:

1- اعتماد اللاعنف في الممارسة السياسية وطريقة استحصال الحقوق الضائعة، فممارسة اللاعنف في الأصعدة كافة سياسياً واجتماعياً تضمن الوصول إلى مرحلة التعايش السلمي وإقامة حوارات بين مختلف التوجهات والأطراف.

2- اعتماد هيكليات للسلطة منتخبة من قبل الشعب تأخذ دورها الطبيعي في حل جميع الأزمات القائمة بين أفراد المجتمع، ومعنى ذلك إيجاد قناة رسمية يتفق الجميع على أنها ستضمن حقوق الجميع وتحترمها وتصونها، لأن هذه القناة نابعة من الأمة وغير خاضعة لهيمنة طرف من أطرافها واستغلالها لها.

3- لابد من اعتماد المنهج الإسلامي في إيجاد حلول للمشكلة القائمة آنذاك، فالإسلام له منهج متكامل يتمكن من خلاله ضمانة حق الجميع في المجتمع مهما كانت توجهاتهم، سواء أكانت دينية أم سياسية أم قومية، ومثال على ذلك ما قام به الإمام علي (ع) حين وجد كتابياً يتسكع في الشارع، فرفض هذه الحالة وقال خذوه وأعطوه من بيت المال، فالإسلام كفيل بإيجاد الحلول لجميع المشاكل والعفو عند المقدرة في مقدمة هذه الحلول.

وعن مبدأ ولاية الفقيه وكونه يصطدم بالتفسيرات المطروحة حالياً، يقول سماحته: إن ما طرحناه لا يصطدم مع أي تفسيرات لمبدأ ولاية الفقيه، فولاية الفقيه قائمة هي الأخرى على انتخاب الشعب، فالمرجع الديني إنما يصبح مرجعاً دينياً حينما يرجع إليه الناس في الأمور الدينية أي ينتخبونه - كما يصطلح في عصرنا الحالي - لإدارة شؤونهم الدينية وكذلك فإن الفقيه الذي يريد أن يتصدى لإدارة شؤون الأمة لا يحق له أن يحكم الأمة إلا عبر انتخابها له، فلا ينبغي أن يتصور أحد أن الفقيه هو من يحكم بالقوة أو يتسلم السلطة عبر طرق ملتوية وغير مشروعة، إنما يمارس سلطته إذا انتخبه الشعب مباشرة، أو عبر انتخاب أهل الخبرة الذين يجب أن يكونوا هم أيضاً منتخبين من قبل الشعب.

وقد مارس الإمام علي (ع) عملية انتخاب الأمة له بعد مقتل الخليفة الثالث إذ جاءه بعض الأصحاب يطلبون مبايعته لتسلم السلطة، فرفض ذلك وأبى أن يتسلمها إلا بعد مبايعة أفراد الأمة كافة وفي المسجد النبوي، والمبايعة هي صيغة انتخابية.

وإذا كانت هناك خشية بسبب بعض الممارسات التي مارسها أو يمارسها بعضهم باسم الإسلام، والتي أعطت انطباعاً غير صحيح عنه، فإن ذلكم لا يعني أن هناك خللاً في الإسلام نفسه، لأن هذه الممارسات شخصية ولا تمثل السلوك الإسلامي.

كما تحدث سماحته عن السبيل لحل المعضلة المتمثلة برفض أوساط معينة لمبدأ مشاركة علماء الدين ورجاله في العمل السياسي من خلال الأطروحة المعروفة فصل الدين عن السياسة، فقال:

أولاً، تبني مجموعة معينة لفكرة فصل الدين عن السياسة لا يلغي مسؤولية من يعتقد أن الدين هو ممارسة سياسية، فكما أن هؤلاء يعتقدون أن الشريعة الإسلامية مسؤوليتها إصلاح المجتمع وتوجيهه أخلاقياً ودينياً بعيداً عن السياسة، فإن هناك مدرسة أخرى تعتمد أن السلام قام على أساس تشكيل الدولة من قبل الرسول وهذا يعني أن الرسول أول من مارس العمل السياسي في الإسلام، وكانت خطواته لتشكيل الدولة واضحة من أول مراحل الدعوة الإسلامية، ومارس أشكالاً مختلفة في العمل السياسي قبل تأسيس الدولة، فهجرة المسلمين إلى الحبشة عمل سياسي لتشكيل قوة إسلامية خارج سلطة قريش.

والسبيل إلى حل المعضلة يكمن في ممارسة كل مدرسة ما تعتقده مع احترام الرأي الآخر، فكما لا يجوز لعلماء الدين غلق الأبواب أمام السياسيين فمن الخطأ أن يغلق السياسيون أبوابهم أمام العلماء، لأن بناء المجتمع يتصدى له جميع أبنائه، في ضوء الإيمان بمبدأ عدم قدرة أي شخص على الادعاء بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وعدم احتكار الحقيقة لا يوفر حلولاً لهذه المعضلة فقط، وإنما لجميع المعضلات الأخرى.