مجلة النبأ - العدد61

 

كثر (المجاهدون المجردون) في العصور الأخيرة بين صفوف رجال الدين، بينما قل (المجاهدون الصالحون)، قلة خطرة على حاضر ومستقبل الإسلام، وكان آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) من تلك القلة.

●●●

النصوص الدينية - القرآن الكريم والحديث الشريف - تقول بـ (العمل الصالح)، فالعمل بما هو عمل ليس مطلوب الإسلام، أما الفلسفة العلمانية الأميركية (البراغماتية = فلسفة الذرائع = أصالة العمل) فهي التي تقول بـ(العمل المجرد)، فالعمل بما هو عمل مطلوب البراغماتية.

والانهزامية الغربية من جهة وعدم الدقة في الأبحاث من جهة أخرى هما السببان اللذان أوجدا هذا الخلط بين (العمل الصالح) و(العمل المجرد).

وخضع (الجهاد) - كمصداق - لهذا الخلط المرعب، فأصبح (الجهاد المجرد) مطلوب البعض بينما (الجهاد الصالح) هو مطلوب الإسلام.

والنصوص الدينية عندما تستخدم الجهاد والمجاهد.. بصورة مطلقة فإنما تريد بها الجهاد الصالح والمجاهد الصالح.. كما هو واضح لدى أهل الاختصاص.

●●●

* رجل الدين المجاهد الذي ينهار أمام الرغبة أو الرهبة الدنيويتين (مجاهد) بينما رجل الدين المجاهد الذي يقاوم الرغبة أو الرهبة (مجاهد صالح)، وأثبت الشهيد أنه من القسم الثاني (مواقفه في العراق عبر العهود السياسية المتناوبة).

* رجل الدين المجاهد - المهاجر أو المهجَّر - الذي يضعف فيتعامل مع الدولة الآوية (مجاهد) بينما رجل الدين المجاهد الذي يتمسك بشخصيته فيأخذ ولا يعطي (مجاهد صالح)، وأثبت الشهيد أنه من القسم الثاني (سيرته في لبنان وسوريا).

* رجل الدين المجاهد الذي يقزم عند الاحتكاك بالبكريين والنصارى .. (مجاهد) بينما رجل الدين المجاهد الذي يبقى عملاقاً (مجاهد صالح)، وأثبت الشهيد أنه من القسم الثاني (مواقفه من الأزهر والسعودية والفاتيكان وبكركي والأحزاب..).

وحتى في الموارد الطفيفة - إن صح التعبير - حيث يتميز (المجاهدون المجردون) عن (المجاهدين الصالحين): المصافحة مع الأجنبية، شرب الحرام، أكل الحرام، الحضور في المجلس الحرام.. أثبت الشهيد أنه من القسم الثاني (تصرفاته في المجالس وعلى الموائد).

●●●

والمسألة تتضح جلية لو عرفنا الهدف من تواجد الإنسان على الأرض:

إن الله تبارك وتعالى قادر وقدير ومقتدر.. ولا يحتاج إلى الإنسان كي يساعده أو يعاونه وينصره..

وعندما يضع الله أمام الإنسان جداول المحرمات والمكروهات والواجبات والمستحبات والمباحاة فإنما يريد (امتحان الإنسان)، و(قاعة الامتحان الإلهي) طويلة حسب المسافة الزمنية بين البلوغ والموت وعريضة حسب كل شيء يحتك بالإنسان وكل شيء يحتك الإنسان به؛ ألم يكن الله قادراً على أن يجعل الناس كلهم في مصاف سلمان والمقداد وأبي ذر وعمار..؟ لأن الأرض (قاعة الامتحان الإلهي) وليست (ورشة عمل)..

نتيجة لذلك: لا يريد الله من الإنسان أن يكون (مجاهداً مجرداً) لتطبيق بعض الأحكام الإلهية في الأرض، فالله قادر على جعل الأرض جنة الإسلام في أقل من لحظة، بل يريد من الإنسان أن يكون (مجاهداً صالحاً) لينجح في الامتحان، فيدخل الجنة: حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وحيث رضوان من الله أكبر، بالإضافة إلى (التكامل المستمر) الذي يرنو إليه حتى أشرف المخلوقات وأفضل المرسلين صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.

●●●

على ضوء ما تقدم نستوعب - بعض الاستيعاب -: فلسفة معاناة الأنبياء والأوصياء وأتباعهم، وفلسفة عدم دخولهم في المساومات..

●●●

وعلى ضوء ما تقدم نفهم لماذا كان الشهيد - كأحد أتباع الأنبياء والأوصياء(ع) - يصر على أن يكون (مجاهداً صالحاً) يعاني ويكابد ويقاسي.. بدل أن يكون (مجاهداً مجرداً) حيث الطريق سالكة للانتصار المادي الذي يراه البعض كل شيء.

مجتبى بن مهدي الحسيني الشيرازي