مجلة النبأ - العدد61

 

 

د. محمد علي الحسيني

احتياطات النفط في بلاد المسلمين

ملاحظات تاريخية:

يمتد تاريخ النفط في البلدان التي تعرف حالياً ببلدان العالم الثالث إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، حينما استخرج السومريون الاسفلت الصلب من حقوله الغنية قرب هيت واستخدموه لأغراض البناء في وادي الرافدين، اكتشف البابليون بعدهم أغراضاً واستخدامات وفوائد أخرى للنفط الذي طفح على سطح الأرض في العديد من المناطق الواقعة بين دجلة والفرات(1).

أصل كلمة النفط سومري، فالسومريون هم أول من استخدم كلمة النفط للتعبير عن الثروة التي تطلق عليها أحياناً في عصرنا الحالي (الذهب الأسود)، وورث البابليون المفردة، وأورثوها بدورهم من خلفهم حتى وصلت لغة الضاد(2).

فالنفط هو الذي دمر وحطم وأدى إلى تدهور حياة ملايين البشر، لكنه طور حياة ملايين آخرين(3). خلال الحرب العالمية الأولى صرح أحد الجنرالات الفرنسيين بوقاحة، قائلاً: (إن قيمة كل قطرة من النفط تعادل قطرة من الدم) (4). ملايين البشر قبروا فقط لكي تصبح كمية من النفط كانت موجودة تحت سطح الأرض، لهذه المجموعة من الناس وليس لتلك. وليس بوسع المفكرين وغيرهم من المهتمين بشؤون الطاقة أن يتصوروا الحياة العصرية خالية من النفط.. الموتى لا ينطقون!! يا لها من خسارة!! فلا شك في أن أولئك الذين خسروا حياتهم من أجل النفط يتصورون على الأقل أنفسهم في عالم خال من النفط. بعبارة أخرى لو قدر للناس أن يختاروا بين الموت أو العيش في عالم خال من النفط، لاختاروا الحياة، فالنفط نعمة وهبها الله لخدمة الإنسان وليس العكس(5).

وهكذا اكتسب النفط أهمية عظيمة في عصرنا الحالي، فعليه تعتمد التكنولوجيا الحديثة وما يعتمد على التكنولوجيا من مواصلات، اتصالات، زراعة، صناعة.. الخ. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ملاحظة ارتفاع إنتاج النفط المذهل، ففي العام 1880م بلغ إنتاج النفط في العالم 30 مليون برميل فقط، أما في العام 1900م فقد ارتفع إلى 149 مليوناً، في 1920م 688 مليوناً، في 1940م 2149 مليونا، في 1960م 7400 مليون، في 1980م 22900 مليون برميل، حالياً (إحصاء عام 2000م) 23921 مليون برميل(6).

لقد اكتسبت منطقة الشرق الأوسط أهمية عظيمة في مجال الطاقة منذ النصف الأول من القرن الماضي، عندما بدأ إنتاج النفط تجارياً في كل من العراق والمملكة العربية السعودية والكويت وإيران. إن إنتاج النفط في هذه البلدان ساهم بشكل كبير ومباشر في تنمية اقتصادات دول الغرب الصناعي المتقدم، لكنه لم ينعكس إيجاباً على اقتصادات بلدان الشرق الأوسط منذ بدء الإنتاج حتى الربع الثالث من القرن الماضي.

لقد استطاعت الشركات العملاقة متعددة الجنسية السيطرة على حوالي 90 بالمئة من النفط المنتج في العالم(7). وتعرف الشركات كذلك بالشقيقات السبع وهن:

Standard oil of New Jersey, Royal Dutch Shell, Texaco, Standard oil of California (Socal), Socony Mobil oil, Gulf Oil ,British Petroleum(8).

وتشير أدبيات الغرب بأن في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي حصلت الشقيقات المذكورة على امتيازات تؤهلها للتنقيب عن النفط في مناطقه الرئيسية واستخراجه ونقله والتجارة فيه، وتراوحت مدد صلاحيات الامتيازات بين ستين وسبعين عاماً، أما دور الدول المضيفة، وفق الامتيازات المذكورة طبعاً، فكان يقتصر على استحصال الضرائب (royalties)(9) وطبعاً إن المناطق النفطية المعنية بتلك الامتيازات تقع داخل حدود الدول الإسلامية، وبالتحديد دول الشرق الأوسط التي هي أغنى بقاع العالم بالنفط.

لا شك في أن وثائق الامتيازات سليمة من الناحية القانونية، ولكن لكي تكتمل الحقيقة لا بد من الإجابة على السؤال التالي: من مثَّل بلدان الشرق الأوسط لحظة توقيع الامتيازات؟ فالبلدان المعنية في بداية القرن الماضي، أي حينما حصلت الشركات العملاقة على الامتيازات كانت مستعمرة، أو تحت انتداب دول الغرب الصناعي المتقدم، مثل بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وفي أحسن الأحوال كانت - في البلدان المستعمرة، أو الواقعة تحت الانتداب - سلطات (وطنية) محدودة الصلاحية جداً، وبعبارة أخرى، إن القرارات المهمة كالتي يجري الحديث عنها، لم تكن بيد سلطات البلد، بل بيد الاستعمار. إن الإجابة على السؤال الذي طرح أعلاه ليست معقدة، فيمكن أن نتصور أن أحد الإنجليز، على سبيل المثال، قد سمح لإنجليزي آخر أن يستخدم حقول النفط التي تبعد آلاف الكيلومترات خارج حدود بريطانيا العظمى؛ وعليه فإن المفاوضات سارت بشكل سلس جداً، ولم يكن ثمة ما يعكر صفوها، ورجال الأعمال الإنجليز يحبون العمل الرتيب، وقطعاً لم يكن هناك ما هو أكثر رتابة!!.

رئيس تحرير صحيفة (New York Times) السيد (J.H.Carmical) كتب: (مستقبل العالم الحر مرتبط بحقول الشرق الأوسط الغنية، سهولة الحصول على النفط تشكل مفتاح الدفاع عن الغرب) (10). لم تكن الشركات العملاقة و حكومات الدول التي تنتسب إليها هذه الشركات في غفلة عن هذا الأمر، بل كانت تعيه جيداً، أما فترة امتلاكها (لمفتاح الدفاع) فقد كانت مرتبطة بظروف مجتمعات الشرق الأوسط؛ بعبارة أخرى، لم يكن من مصلحة الشركات العملاقة مساعدة شعوب المنطقة على النهوض والتقدم، بل على العكس تماماً فلكي تطيل أمد سيطرتها على منابع النفط في الشرق الأوسط، كانت الشركات العملاقة ترى أن عليها المحافظة على استمرارية الفقر، تفشي الأمراض، الأمية، الجهل... الخ في الشرق الأوسط. ومن هنا أيضاً جرى تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، وزرع الكيان الصهيوني بيننا، أما نتائج استراتيجيتهم فليست غائبة، فمنطقة الشرق الأوسط ليست مستقرة حتى يومنا هذا(11).

لقد استمر نشاط الشقيقات السبع حتى بعد طرد الاستعمار ونيل بلدان الشرق الأوسط استقلالها السياسي، فلم يكن بوسع الدول النامية وهي متفرقة، مقاومة السياسات الظالمة التي تفرضها الشركات العملاقة عليها، وهكذا أصبح تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) ضرورة لا مفر منها(12). ورغم أن أوبك تأسست عام 1960م، إلا أن المنظمة الفتية لم تستطع إحداث تغيرات جوهرية لصالح البلدان المنتجة للنفط إلا بعد التأميم الذي تحقق بعد مضي أكثر من عقد على تأسيس المنظمة. الجدول رقم 1 يشرح تفاصيل هذه الحقائق، فطبق حسابات أستاذ الاقتصاد الأمريكي المعروف V. Perlo بلغت عائدات الدول المستهلكة للنفط من النفط المنتج عام 1971، أي بعد مرور 12 عاماً على إنشاء المنظمة، أكثر من خمسة أضعاف ما حصلت عليه الدول المنتجة!.

( الجدول رقم 1 )

عائدات الدول المنتجة والمستهلكة للنفط من إنتاج عام 1972 (بمليارات الدولارات)

الدول المنتجة

 

عائدات الحكومات (ضرائب, royalties)

أجور العمال والموظفين المحلين لدى الشركات الأجنبية

أرباح مصانع تكرير النفط وشركات بيع المنتجات النفطية

15

1

1

المجموع

17

الدول المستهلكة

 

أرباح شركات النفط والملاحة

عائدات الحكومة (رسوم جمركية, ضرائب)

أجور العاملين في المصانع النفطية

دخول شركات التوزيع

28

28

18

22

المجموع

96

المصدر:

Jan. Danielewski, Organizacja Panstw Eksporterow Roby naftowej, Sprawy Miedzynarodowe, PISM, Nr. 4, 1975, pp. 78.

تصنيف احتياطات النفط:

يمكن تصنيف احتياطات النفط إلى أربع مجموعات:

الأولى: الاحتياطات المؤكدة (الثابتة) Proved reserves وهي: الاحتياطات المقدرة في وقت معين، والتي تدل تحاليل المعطيات الجيولوجية والهندسية المتوفرة بدرجة عالية من التأكيد على إمكانية استخراجها في المستقبل من المكامن، ضمن الظروف الاقتصادية والفنية السائدة في نفس الوقت.

الثانية: الاحتياطات غير المكتشفة Undiscovered Potential Recovery وهي: الإمكانات الكامنة التي لم تكتشف حتى وقت معين، إلا أن كافة المعلومات الجيولوجية والهندسية تفترض إمكانية استخراجها اقتصادياً.

الثالثة: الاحتياطات المضافة نتيجة لتطبيق تقنيات الاستخلاص البترولي المدعم Reserves Additions وهي: استخراج كميات إضافية إلى الإنتاج الأولي من النفط من مكامن طبيعية وذلك عن طريق دعم الطاقة الطبيعية في المكمن أو استبدالها، وتتضمن هذه الطرق، طريقة الإضافة بالماء، والعمليات الثانوية، والثالثة، وأي وسائل أخرى تدعم عمليات الإنتاج الطبيعي من المكمن.

الرابعة: احتياطات النفط غير التقليدي، خاصة المستخرجة من حجر السجيل الزيتي iconventional oil ولا يتولد زيت السجيل في الطبيعة مباشرة، لكنه ينتج عن تحول الكيروجين الموجود في بعض الصخور الرسوبية المعروفة باسم (السجيل الزيتي).

ومصطلح (السجيل الزيتي) يشمل أي صخر موجود على عمق ضحل ويعطي بالتسخين نفطاً بكميات تجارية(13). وتتوزع الاحتياطات في البلاد الإسلامية بين المجموعات الأربع، (الإحصاءات الواردة في هذه الورقة تتناول المؤكدة فقط).

مستقبل احتياطات النفط:

إن استقرار أو اضطراب سوق النفط العالمية، بما في ذلك الأسعار، يعتمد بالدرجة الأساس على الطلب العالمي على النفط والكميات المعروضة منه في السوق، وهذه الأخيرة مرتبطة بشكل مباشر مع احتياطات النفط في مختلف دول العالم.

إن احتياطات النفط، حتى عصرنا هذا، تشير إلى ارتفاع دائم. والحقيقة هناك ثلاث نظريات بخصوص مستقبل احتياطات الثروات الطبيعية في العالم:

- احتياطات الثروات الطبيعية النافدة.

- احتياطات الثروات الطبيعية غير النافدة وغير المحدودة.

- احتياطات الثروات الطبيعة غير النافدة، والمحدودة(14).

( الجدول رقم 2)

احتياطات النفط العالمية وعمرها المتبقي وفقاً للإنتاج في الفترة 1952 - 1999م

1

2

3

4

السنوات

الاحتياطات

( مليار برميل )

الإنتاج

( مليار برميل سنوياً )

العمر المتبقي

 سنة(2-3)

1952

1955

1960

1965

1970

1975

1980

1985

1990

1995

1999

115.6

184.7

288.7

324.6

544.2

612.8

648.5

721

1005.7

1046.3

1033.5

4.4

5.4

7.4

10.7

16

19.2

22.9

20.7

23.7

24.2

26.3

26.3

34.2

39

30.3

34

31.9

28.3

34.8

42.4

43.2

39.2

حسابات المؤلف استناداً على المصادر التالية

Oil and Gas Journal, OPEC Facts and Figures, Petroleum Economist, OAPEC Annual Report 2000.و (أعداد متفرقة)

يبدو أن النظرية الثالثة (احتياطات الثروات الطبيعية غير النافدة والمحدودة) أكثر انطباقاً على واقع النفط، ففي الفترة 1952 - 1973، استخرج العالم 221,5 مليار برميل، في حين لم يتجاوز حجم احتياطي العالم النفطي في عام 1956، 115,6 مليار برميل. يمكن القول إذن أنه استخرجت 200 بالمئة من مستوى احتياطات سنة الأساس(15).

ويمكن إضافة مثال آخر: احتياطات النفط العالمية في عام 1938 بلغت 27,8 مليار برميل(16)، فإذا افترضنا أن مستوى الإنتاج في الأعوام التي تلت عام 1938، ظل ثابتاً كما في العام المذكور، لوجب أن ينضب النفط بعد خمسة عشر عاماً من الاستخراج، أي في عام 1953(17)، انظر كذلك الجدول رقم (2).

بخصوص النظرية الثانية - أي التي تشير إلى أن احتياطات الثروات الطبيعية غير نافدة وغير محدودة - لا يبدو أنها تتوافق وحال النفط؛ إذ يمكن رصد محدودية النفط على أكثر من صعيد، فالواقع الذي يحدث بالضبط هو أن الاحتياطات تنمو أسرع من الإنتاج. ترى ماذا سيحدث لو حصل العكس؟ بعبارة أخرى حالياً (إحصاء عام 1999، حسب OPEC Annual Report 2000 قدر احتياطات العالم النفطية (1033,55) مليار برميل، لنفترض - نظرياً طبعاً - أن كل هذه الثروة استخرجت خلال يوم واحد، فمن المنطقي أن نقدر حجم الاحتياطات في اليوم التالي بلا شيء، احتياطات النفط إذن محدودة، لكنها غير نافدة، فليس بوسع أحد أن يبرهن على أن عمليات التنقيب لن تثمر عن اكتشاف مكامن جديدة للنفط. ويمكن تقديم مثال على ذلك المكسيك؛ فلقد كان هذا البلد من كبار منتجي النفط في العالم في بدايات القرن الماضي، فعلى سبيل المثال في عام 1913 أنتجت المكسيك ما يعادل 13 بالمئة من إنتاج العالم من النفط(18)، وفي عام 1920 ارتفعت النسبة إلى 23 بالمئة(19).

لقد أدى الإنتاج الغزير والمستمر إلى انخفاض احتياطات البلد النفطية، ومن ثم انحسار دور المكسيك في سوق النفط العالمية، لكن الرأي العام العالمي فوجئ بإعلان المكسيك عن اكتشافها حقلاً نفطياً جديداً يصنف ضمن الحقول العظيمة العملاقة، (سنتحدث عن تصنيف الحقول في الفقرة اللاحقة).. وهكذا استعاد هذا البلد دوره في إنتاج النفط، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاكتشاف المذكور سبق الإعلان بخمس سنين، وهذا يعني أن الاكتشاف حصل في عام 1972، أما تأخر الإعلان فهو ظاهرة طبيعية.

وعلى هذا الأساس لا ينبغي النظر إلى مشكلة الاحتياطات من ناحية الكم المتبقي للمستقبل، بل من ناحية الكميات التي ستحتاجها الأجيال المقبلة وإمكانية الحصول عليها، اقتصادياً وفنياً.

إن احتياطات النفط تتأثر بثلاثة عوامل:

- حجم الإنتاج.

- التقدم التكنولوجي.

- عمليات البحث والتنقيب.

احتياطات النفط تتناسب عكسياً مع حجم الإنتاج، دون أن يعني ذلك أن ارتفاع الاحتياطات يقلص الإنتاج بل أن حجم الاحتياطات ينخفض كلما ارتفع الإنتاج. ولتوضيح أهمية العامل الثاني، يكفي أن نتذكر أنه قبل نصف قرن من الزمن لم يكن بوسع الإنسان أن يستفيد من النفط الذي كانت تضمه العديد من الآبار بسبب وقوعها في ما يسمى بالمناطق الصعبة (مثل قاع البحار والمحيطات)، إلا أن إنتاج النفط من هكذا آبار أصبح ممكناً الآن بسبب التطور التكنولوجي.. وأخيراً العامل الثالث حيث أن النفط أصبح مصدراً للطاقة بعد اكتشافه من قبل الإنسان وليس قبل ذلك، فكلما ازدادت الحاجة إلى النفط كلما زاد التنقيب عنه؛ من هنا تأتي أهمية المستوى التكنولوجي والاقتصادي، وذلك على افتراض أن اتساع مساحة التنقيب وكثافته كفيلة بالعثور على آبار جديدة ترفع حجم الاحتياطات في العالم.

احتياطات النفط في بلاد المسلمين:

لقد أثار النفط منذ اكتشافه اهتمام العاملين في العديد من المجالات، كالسياسة، الاقتصاد، الجيولوجيا، الصناعة. الإحصاءات المتعلقة باحتياطات النفط تنشر عادة متأخرة، لأسباب اقتصادية (تتعلق بالسعر) أو سياسية. تجدر الإشارة هنا إلى التباين الكبير في الأرقام التي تنشرها النشريات المتخصصة، عن احتياطات النفط. فمثلاً احتياطات النفط في الجابون بتاريخ 1/1/1990- حسب ما نشرته مجلة Petroleum Economist في عددها الصادر في كانون الثاني عام 1990 - بلغ 0,7 مليار برميل، في حين أشارت OPEC Facts and Figures في عدد عام 1990 إلى أن مستوى تلك الاحتياطات في نهاية عام 1989، كان 1,8 مليار برميل.

هذا وتعتبر الدول المنخرطة في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) وبالأخص دول الشرق الأوسط، أغنى دول العالم بالنفط، ففي عام 1985 بلغت احتياطات دول المنظمة 509,7 مليار برميل(20)، وارتفعت في عام 1990 إلى 771,6 مليار (21)، وفي عام 1995 ارتفعت إلى 816,07 مليار (22) وفي عام 1999 إلى 819,92 مليار برميل(23). أما الاحتياطات المذكورة نفس العام فهي على التوالي 68,8، 76,99 و79,33 بالمئة؛ مما يظهر أن منطقة الشرق الأوسط ليست الأغنى في العالم فحسب، بل أن ثروة المنطقة النفطية تظهر ازدياداً واضحاً...

الجدول أدناه يتضمن توزيع الاحتياطات في البلدان الإسلامية.

الجدول رقم (3)

احتياطات النفط الحالية (نهاية عام 1999) في البلدان الإسلامية ونسبها إلى العالم:

البلدان

الاحتياطات (مليار برميل)

النسبة الى العالم

أ) دول الأوبك

 

 

المملكة العربي السعودية

العراق

الكويت

الإمارات العربية المتحدة

الجزائر

ليبيا

قطر

إيران

فنزويلا

نيجيريا

إندونيسيا

263.50

112.50

96.50

98.10

10.04

45.00

4.50

89.70

72.60

12.50

4.98

25.49

10.88

9.33

9.49

0.97

4.35

0.43

8.67

7.02

2.17

0.48

المجموع

819.92

79.33

البلدان

الاحتياطات (مليار برميل)

النسبة الى العالم

ب) الدول الإسلامية غير الأعضاء

 

 

البحرين

مصر

سوريا

تونس

عمان

السودان

اليمن

0.15

2.90

2.50

0.31

5.40

0.26

4.00

0.01

0.28

0.24

0.03

0.52

0.02

0.38

المجموع

15.52

1.50

مجموع المجموعتين (أ - ب)

835.44

80.83

العالم

1033.55

100

المصدر:

OPEC Annual Report 2000, pp. 114.

إن الأرقام المنشورة عن احتياطات الدول الإسلامية من النفط تعتبر أدنى من الواقع، فهناك مساحات شاسعة، خصوصاً في الوطن العربي، لم تشملها عمليات الاستكشاف والتنقيب، هذا بالإضافة (كما تشير الدراسات) إلى أن هناك العديد من الحقول بما فيها بعض الحقول والمكتشفات الكبيرة تركت بعد اكتشافها ولم يجر تطويرها، حيث اعتبرت في ذلك الوقت صغيرة بالمقارنة مع غيرها من الحقول المكتشفة في ذلك القطر، أو أن نفطها من النوع الثقيل أو الكبريتي.

وتتوزع الاحتياطات النفطية في الدول الإسلامية على أكثر من 1000 حقل(24)، تصنف بين حقول عظيمة عملاقة Super Giant التي يزيد احتياطي الواحد منها على 5 مليارات برميل نفط، وهي تضم أكبر حقلين في العالم هما حقل غوار في المملكة العربية السعودية وحقل برقان في الكويت والتي تزيد احتياطات كل منهما عن 80 مليار برميل نفط، وأخرى تزيد احتياطات الواحد منها على 500 مليون برميل نفط، وأخيراً هناك حقول تقل احتياطات الواحد منها عن 500 مليون برميل نفط.

وتنقسم حقول النفط إلى قسمين: حقول ذات الدفع الذاتي، وحقول أخرى ذات الدفع الآلي.. والفرق بين الاثنين، هو أن استخراج النفط من الحقل ذي الدفع الذاتي، لا يتطلب عمليات فنية صعبة ومعدات استخراج وآلات معقدة، بسبب قرب النفط من سطح الأرض، وارتفاع الضغط في باطن الحقل، أما الإنتاج من الحقل ذي الدفع الآلي فأكثر تعقيداً من الأول، نظراً لانخفاض ضغط الحقل وتواجد النفط في أماكن أعمق(25).

لكن كلفة الإنتاج من نوعي الحقول تعد منخفضة جداً، بالمقارنة مع كلفة الإنتاج من الحقول التي تقع في المناطق (الصعبة)، كقاع البحار والمحيطات، مثل حقول بحر الشمال، ومن أسباب انخفاض كلفة إنتاج النفط من حقولنا، هو غزارة الإنتاج الذي يصل إلى آلاف البراميل يومياً، كما هو الحال مع حقل (77) في شمال العراق الذي تصل طاقته الإنتاجية إلى مئة ألف برميل نفط يومياً(26).

ويتميز النفط في بلادنا كذلك بالجودة العالية التي جعلت منه مقياساً عالمياً يعرف بالعربي الخفيف.

الخاتمة:

قال تعالى:(وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها)(27).. النفط هو أحد النعم التي أنعم الله بها علينا من أجل تيسير حياتنا، والتي نعجز عن إحصائها، ولقد ميزنا الله عن باقي الأمم بهذه النعمة؛ فأكثر من ثلاثة أرباع احتياطات العالم من النفط توجد في البلدان الإسلامية (62.47 بالمئة من احتياطات العالم في الوطن العربي) وعلينا فقط أن نحسن استخدامها، ولكن كيف يمكن للمسلمين أن يستخدموا ثروتهم النفطية لكي لا تتحول إلى وبال عليهم؟ الإجابة على هذا التساؤل تتطلب رصداً موجزاً للواقع؛ حيث تعتمد الدول النامية، بما فيها الإسلامية، على التجارة الخارجية أكثر من سواها(28). وكما هو معروف فإن الوظيفة الأساسية للتجارة الخارجية هي تأمين الاستيراد الضروري أي السلع التي يصعب إنتاجها داخل البلد، أو لا يمكن إنتاجها كالثروات الطبيعية مثلاً، أما دور التصدير فيكمن في توفير النقد اللازم لتغطية الاستيراد (تمويله)، ومعروف أيضاً أن الدول الإسلامية لا تنتج الكثير من السلع والخدمات، بل تستورد معظم ما هو ضروري وكمالي لإشباع حاجات المجتمع، وتعتمد اقتصادات الدول الإسلامية اعتماداً رئيسياً على النفط، حيث تلعب صادرات النفط دوراً مهيمناً ويمثل في معظم الحالات أكثر من 80 بالمئة من إجمالي الصادرات(29)، وترتفع النسبة في بعض الدول إلى أكثر من 95 بالمئة، كما هو الحال في العراق، ليبيا، الإمارات العربية المتحدة وغيرها من كبار منتجي ومصدري النفط. بعبارة أخرى أن قائمة السلع والخدمات التي تستوردها الدول الإسلامية (طويلة وعامرة)، أما قائمة السلع والخدمات التي تصدرها هذه الدول فتكاد تقتصر على النفط، وهذا الأمر في غاية الخطورة للأسباب التالية:

أولاً: لا يوجد ضمان أن عائدات الدول الإسلامية من تصدير النفط ستظل كافية لتمويل الاستيراد الضروري؛ بعبارة أخرى أن سعر النفط يمكن أن ينخفض، فقد انخفض السعر الأسمي لبرميل النفط الواحد من 36 دولاراً عام 1980 إلى 13 دولار عام 1986 وإلى 12,3 عام 1998 ثم ارتفع السعر قليلاً عام 1999 ليصل إلى 17,5 دولار، وبدولارات عام 1995 من 50 دولار عام 1980 إلى 18 دولاراً عام 1986 إلى 14,5 عام 1998، و20,8 عام 1999(30).

ثانياً: لا يوجد ضمان أن الدول الإسلامية لن تضطر إلى خفض إنتاجها من النفط بسبب ظهور منتجين جدد في سوق النفط العالمية أو بسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط أو لأسباب أخرى، كما يحدث الآن، فقد هبط دور دول الأوبك في إنتاج النفط العالمي من 54 بالمئة عام 1973 إلى 29 بالمئة عام 1984 ثم عاد وارتفع عام 1999 ليصل إلى 40 بالمئة(31). ومما لا شك فيه أن انخفاض سعر النفط وإنتاجه انعكس على عائدات الدول المصدرة للنفط؛ فعلى سبيل المثال، انخفضت عائدات الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) من 213,7 مليار دولار عام 1980 إلى 51,5 مليار دولار عام 1986 ثم ارتفعت قليلاً عام 1998 لتصل إلى 76,8 و104,9 مليار عام 1999، وبدولارات عام 1995 من 296,8 مليار دولار عام 1980 إلى 71,5 مليار عام 1986، وإلى 71,5 مليار وإلى 90,5 مليار عام 1998 و123,9 مليار دولار عام 1999(32).

ثالثاً: لا يوجد ضمان أن الأبحاث العلمية الحديثة لن تسفر عن اكتشاف أو اختراع مصدر طاقة جديد منافس للنفط، فمن كان يصدق قبل مئة عام أن النفط سيكتسب هكذا أهمية عظيمة في هكذا وقت قصير؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن دول الغرب الصناعي المتقدم، أي المستهلك الرئيسي للنفط، تعتبر أن منطقة الشرق الأوسط غير مستقرة، فهم يتوقعون حدوث حروب وثورات وانقلابات في المنطقة تؤدي إلى انقطاع النفط عنهم؛ فالاعتماد على دولنا (في رأيهم) للحصول على هكذا سلعة حيوية مهمة، تعتمد عليها معظم فروع الاقتصاد من صناعة وزراعة وخدمات، أمر لا تحمد عقباه، فالتخلص من الاعتماد على نفط المسلمين - إذن - يعتبر بالنسبة للغرب هدفاً ستراتيجياً.

وهكذا فإن الخطر ماثل أمام أعيننا ولسنا بحاجة إلى قراءة (تمحيصية) لإثباته؛ فتصحيح الواقع المرير لا يحتمل التأجيل، ولا بد لنا من الاعتماد على أنفسنا وتنمية صناعتنا وزراعتنا وخدماتنا؛ الأمر الذي يسفر عن تنويع مصادر دخلنا القومي وعائدات صادراتنا ويقلص وإرادتنا واعتمادنا على الغرب.

هذا وتعتمد دول الغرب الصناعي المتقدم على العلم والتكنولوجيا كأحد أهم عناصر التنمية الاقتصادية (تدني مستوى العلم يعتبر أحد أهم معوقات التنمية الاقتصادية في بلداننا)(33). لقد برهن أستاذ الاقتصاد الأمريكي المعروف سولو في منتصف خمسينات القرن الماضي على أن التكنولوجيا (باعتبارها نتاج العلم) وليس رأس المال، كفيلة بالتنمية الاقتصادية، هذا ما أثبته عالم الاقتصاد الحديث قبل أقل من نصف قرن، وقال الإمام علي(ع) قبل 14 قرن: (العلم يحرسك وأنت تحرس المال..)(34).

فانظر كيف وصل الإمام (ع) لهذه الرؤيا الصادقة وبلورها بهذه الجملة القصيرة الواضحة اللطيفة البليغة والجميلة؟، ولا غرابة في ذلك؛ فهو القرآن الناطق بنص رسول الله(ص). بهذا السياق إذن، أي في مجال الاقتصاد، لا تقتصر نعمة الله تعالى علينا، على الثروة النفطية الهائلة التي وهبنا إياها، بل تمتد لتشمل نعمة الإسلام وعلومه بكافة الأساليب التي اتبعها والمتمثلة بالقرآن الكريم أو رؤى ووصايا وتعليمات وتوجيهات وتحذيرات النبي الخاتم(ص) والأئمة الأبرار(ع) وعلى رأسهم الإمام علي (ع). فإذا أردنا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة فلا بد لنا من اتباع شرع الله.

إن التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققته المجتمعات الغربية يسّر حياتها في العديد من المجالات، كسهولة الاتصالات، المواصلات، غزارة الإنتاج، وغير ذلك من المجالات المهمة، لكن جهلهم بشرع الله جلب عليهم الويلات كالانحلال الأسري، الاجتماعي، الأخلاقي، وغير ذلك، وما أسفر عنه من أمراض عجيبة غريبة، نفسية وعضوية، تعجز أجهزتهم عن فك طلاسمها..

الهـــوامــــش:

1) H. O connor: Zmierzch Naftowego Imperium, PWE, Warszawa 1964, pp. 39.

2) نفس المصدر السابق ص39.

3) القصد هو بسبب النفط دمرت و....

4) نفس المصدر السابق ص89.

5) لا بد من وقفة تأملية هنا للمقارنة بين مبادئنا السامية وفلسفتنا، وبين التمزق الروحي الذي يعاني منه الغرب، فلقد سخر الله كل شيء من أجل خدمة البشر، والآيات الكريمة واضحة جداً بهذا الخصوص، كذلك الأحاديث النبوية الشريفة، قال رسول الله(ص):(لئن تزول السماوات والأرض أهون على الله من قطرة دم حرام تسفك). وللرسول الأعظم حديث آخر بهذا الشأن، لا يقل جمالاً، ولا فصاحة، ولا صراحة عن سابقه: (الإنسان بناء الله على الأرض ملعون من هدمه وملعون من تستر على هادمه). صدق رسول الله(ص). فأين الذين يتاجرون بأرواح الناس من هذه المبادئ الإنسانية؟!!.

6) Figures for 1880 - 1940, Petroleum Facts and Figures, 9th edition, figures for 1960 - 2000, Petroleum Economist, أعداد متفرقة.

7) Loring Allen: OPEC oil, Cambridge, Masse, 1979, pp. 62.

8) A. sempson: Siedem Siostr, Kiw, Warszawa, 1981, pp. 32.

9) Mikesell, F. F.: Petroleum Company Operations and Agreements in Developing Countries, Washington for Future, 1984, pp. 20.

10) H. O conner: Zmierzch Naftowego Imperium, pp. 351. مصدر سابق.

11) ليس القصد هنا الإثارة أو التصعيد أو ما شابه، بل القصد هو رصد الحقائق من أجل استخلاص العبرة؛ حيث لا يتعامل الغرب معنا وفقاً لمبادئنا الإنسانية القائمة على العدل والمساواة والحكمة وعلى رأسها مخافة الله، إنهم يتعاملون معنا وفقاً لمصالحهم التي تدعمها القوة بكافة أشكالها، مثل هيمنتهم على المحافل الدولية، كالأمم المتحدة، مجلس الأمن... الخ، هذا بالإضافة إلى القوة العسكرية وما تمتلك من أسلحة فتاكة مدمرة، لا يتردد الغرب في استخدامها ضد الشعوب الضعيفة، علينا إذن أن نرتقي باقتصاداتنا، لنصبح بموقع تفاوضي أفضل.

12) تأسست منظمة أوبك إثر مؤتمر في بغداد عام 1960، وشاركت فيه وفود كل من المملكة العربية السعودية، الكويت، العراق، إيران وفنزويلا، وتعتبر هذه هي الدول المؤسسة، وانخرطت في المنظمة: الإمارات العربية المتحدة، ليبيا، الجزائر، قطر، نيجيريا، أندونيسيا، الجابون والإكوادور. وفي العقد الأخير من القرن الماضي خرجت من المنظمة دولتان: الجابون والإكوادور، وسنعامل بلدان المنظمة في هذه الورقة على أنها إسلامية، لسببين: هي كذلك (أغلبية الدول الأعضاء إسلامية)، تأثير الدول غير الإسلامية في سوق النفط العالمية أو على سياسية المنظمة يعد محدوداً نظراً لضآلة ثرواتها النفطية.

13) محمد مختار اللبابيدي: احتياطات البترول المستقبلية في الوطن العربي، النفط والتعاون العربي، إصدار الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، عدد 75، خريف 1989، ص121 - 133.

14) J. Dembowski: Zarys Ogolnej teorii Zasobow Naturalnych, PWN, Warszawa, 1989, pp. 9.

15) J. Dembowski: Swiatowa Gospodarka Surowcami Mineralnymi, PWE, Warszawa, 1978, pp. 131.

16) نفس المصدر السابق.

17) تجدر الإشارة هنا إلى أن الإنتاج العالمي للنفط قد ارتفع في الأعوام التي تلت عام 1938، نفس المصدر السابق.

18) W. Dobrzycki: Problem Naftowy w Stosunkach Politycznych, Meksyk - USA, Kapitalizm 1980, nr. 3. pp. 43.

19) Petroleum Facts and Figures, 9th edition.

20) OPEC Facts and Figures, a comparative statistical analysis, Vienna, 1986, pp. 18.

21) Petroleum Economist, January 1990.

22) OAPEC Secretary Generals Twenty - sixth Annual Report 2000 ونرمز لهذا المصدر باختصار: (OAPEC Annual Report 2000).

23) نفس المصدر السابق.

24) الحقيقة أنه في الدول الأعضاء بمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول يوجد الآن (بحسب إحصاء نهاية عام 1999) 1239 حقلاً، نفس المصدر السابق ص111.

25) عبد الستار العلي: الطاقة وصناعة النفط والغاز في دول الخليج العربي، مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، 1985، ص118.

26) نفس المصدر السابق ص118.

27) سورة إبراهيم: 34.

28) D. Hubner: Miedzynarodowe Uwaronkowania rozwoju gospodarczego, PWE, Warszawa, 1987, pp. 18 - 36.

29) هناك مقال قيم حول هذا الموضوع: جيتندار بوربوجاري وملحم ملحم: التكيف في البلدان الرئيسية المصدرة للنفط، التمويل والتنمية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، العدد 3، المجلد 27، سبتمبر 1990، ص39. وفي العدد نفسه مقال آخر: جهانجير أموزينجار: النفط والتغيرات التي طرأت على الأوبيك، ص43.

30) OAPEC Annual Report 2000, pp. 62.

31) Petroleum Economist, أعداد متفرقة.

32) OAPEC Annual Report 2000, pp. 64.

33) عن هذا الموضوع على سبيل المثال لنا مقال: الإسلام والتنمية الاقتصادية في الدول الإسلامية، النبأ، عدد 58، حزيران 2001، ص66.

34) نهج البلاغة: ما جمعه السيد الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين(ع)، شرح وضبط المعاني الشيخ محمد عبده، الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1992، ص549.