مجلة النبأ

أدب أهل البيت(ع) موقف وخلق وحياة

 

د. أحمد قوماندار مصطفى الحسن

ليس أجمل في الحياة من رحلة الأدب بمعناه الأخلاقي، الذي يضع الحياة في ميزان الإيمان والعدل والتقوى والحرية، إذ إن الأدب في كل فنونه ومقوّماته وعناصره مرتبط بالحياة، الأصل فيه سلامة الطبع، والإخلاص لله تعالى، وللمجتمع، فإن لم يكن كذلك كان طبعاً من الطباع تُنبي عن طوية صاحبها ومسلكه في الحياة.

وأما ما يفهمه أدباء الوقت الحاضر من كلمة الأدب من أنها ذلك الناتج عن بعضهم نثراً أو شعراً أو قصة أو رواية أو مقالة، فهذه فنون لا يمكن لها أن تشكل دائرة من دوائر الأدب إلا إذا ارتبطت وصدرت عن أخلاق عالية المستوى، تهذّب العقول والطباع، وتنشئ جيلاً يقيم الحياة كأرقى ما تكون وأبدع ما تكون، وإلا فإن كل ناثر أو شاعر أو قاص أو غيره يمكن اعتباره أديباً حتى وإن كان فيه من السفاهة وسوء الخلق مع ضمور المعرفة بالدين والقيم والأخلاق.

فالأدب هو ما أجملته رسالات السماء، وعبّر عنه النبي (ص) في قوله: (أدّبني ربي فأحسن تأديبي)، وفهمنا لهذا الحديث الشريف يوجهنا نحو جعل الأدب سلوكاً أخلاقياً عالياً يضبط السلوك ويوجه النفوس ويحملها على جعل الأدب منهجاً للدين والحياة. وهنا تكون فنون الأدب قد اتجهت إلى المجتمع لتصلح ما خرب، وتعمر ما تهدّم، وتسمو بما أصبح معطلاً في الذوق والطبع والخلق. ومن هنا فإني أرى أن استحضار أدب أهل البيت في هذا الوقت ضرورة ملحّة ترفد معالم التاريخ الحضاري لأمة العرب والإسلام، لنشكل أو نعيد تشكيل القدوة الحسنة انطلاقاً من (ولكم في رسول الله أسوة حسنة). وقد اخترت البداية شخصية عبد المطلب بن هاشم، لتكون الرحلة منذ البداية معنيّة بالتشكل النوعي للكل الاجتماعي العربي والإسلامي، لعلها تصادف عقلاً وقلباً ونفساً استروحت مطايب الأدب فاتجهت نحو الجمال والكمال والعبق والظلال.

في النسب الشريف:

هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر بن كنانة بن خزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.. جد النبي (ص). قيل اسمه (شيبة) ولقبه عبد المطلب، من أرومة قريش وصفوتها وخيارها.

سيّد العرب وأوّل مقدميهم، اضطربت بعض مدوّنات التاريخ في مولده؛ فقيل:

إنه ولد في المدينة المنورة، ونشأ في مكة المكرمة، وقيل ولد بمكة ونشأ في المدينة، ولكن الذي عرفناه أنه ولد في مكة المكرمة، وتوفي والده هاشم بـ(غزة) من أرض الشام بفلسطين البلدة المعروفة.

كانت قريش تدعى النضر بن كنانة، وكانوا متفرقين في بني كنانة، فجمعهم قصي بن كلاب بن مرّة من كل أوب إلى البيت؛ فسُمّوا قريشاً. والتقريش في اللغة: التجميع؛ وسمي قصي بن كلاب مجمّعاً. فقال فيه الشاعر:

قصي أبوكم من يُسمّى مُجمّعاً           به جمع الله القبائل من فِهر

وقال حبيب بن أوس:

غدوا في زوايا نعشه وكأنما           قريش قريشٌ يوم مات مجمّع(1)

يريد بمُجمّع قصي بن كلاب، وقصي هذا هو الذي بنى المشعر الحرام، وكان يقوم عليه أيام الحج، فسمّاه الله تعالى: المشعر الحرام، وأمره بالوقوف عنده. وإنما جمع قصي بن كلاب إلى مكة بني فهر بن مالك، وإليه تنتهي قبائل قريش.

لقد حظيت قريش قديماً بأسماء لم يلتفت إليها كثير من الباحثين في الأدب والفكر الإسلامي، كان لها أشدّ الصلة بتكوين الشخصية العربية الإسلامية، القادرة على القيام بمهام الدولة القادمة - أعني دولة الإسلام فيما بعد - فقد كانت عملية التأسيس قد بدأت قبل البعثة النبوية بزمن ليس بالقليل، ولا يجوز إغفالها أو تجاوزها بحال من الأحوال.

كانت قريش تسمى آل الله، ومن العرب من يسميها جيران الله، ومنهم من يسميها سكان الله. وهذه الأسماء بدلالتها الحرفية المتصلة بالله تعالى لم تكن أمراً عابراً، أو عرضاً طارئاً حملته قريش، وإنما هو ضبط مسلكي ديني أخلاقي كيفما أرادوا تفسيره، وعلى أيّ وجه من الوجوه.

والأمر الذي يجب الانتباه إليه هو إطلاق المعنى على قريش كلها لأنها في جوار بيت الله الحرام، وهذه فضيلة أكرم الله بها قريشاً كلها مع من سكن معها في هذه البقعة المباركة، ولكن هذه الأسماء كانت ألصق ببيت عبد المطلب، وهي خصوصية له وميزة أرادها الله سبحانه وتعالى لهذا البيت المبارك، منذ دعوة أبيهم إبراهيم (ع)، فهم آل الله وهم جيران الله، وهم سكانه الذين أسكنهم (بوادٍ غير ذي زرع) عند بيته المحرّم؛ ومن هنا لنا أن نقول: إن آل الله هم حَمَلَة رسالته الغرّاء التي أنار الله بها أركان المعمورة بنور الهدى والقرآن العظيم (محمد رسول الله والذين معه.. ).

لقد كان عبد المطلب وابنه أبو طالب الحضن الأمين والحصن الحصين الذي أحاط النبي محمداً (ص) بالرعاية والعناية والحماية التي ضمنت استمرار الدعوة والنبوّة، ووجد بها النبي (ص) ما تقرّ به عينه وتطمئن إليه نفسه الشريفة.

وإذا كنّا اليوم نتحدث عن شخصية عبد المطلب - وسنأتي على ذكر الأشراف مفصّلاً - فإنما نريد أن نلفت النظر إلى أسس البناء المتين الذي أقامه على الإيمان بالله سبحانه، ورسّخ البنيان حتى علا شامخاً، أصله ثابت فرعه في السماء، طيّباً مباركاً في كل شيء.

قال عبد المطلب بن هاشم:

نحن آل الله في ذمّته           لم نزل فيها على عهدٍ قَدُم

وهذه أمور معروفة عند المتقدمين والمتأخرين، فقد قال الشاعر الكبير الحسن بن هانئ(2) في بعض بني شيبة الذين بأيديهم مفتاح الكعبة:

إذا اشتعب الناس البيوت فأنتم           أولو الله والبيت العتيق المحرّم

وهذا الأمر محسوم لا جدال فيه، فقد روى سفيان الثوري يرفعه إلى النبي (ص) أنه قال: (إن الله خلق الخلق فجعلني خير خلقه، وجعلهم أفراقاً فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خير بيت. وأنا خيركم بيتاً وخيركم نسباً). وقال (ص): (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي).

وإذاً فآل الله لا علاقة لهم بأصنام قريش ومعتقداتها الوثنية، ولا يمكن للاسم المنسوب إلى الله تعالى أن يخلط صنماً في معتقده، أو ينقص ما اكتمل في ذاته وإيمانه، وما جرى حول الكعبة من معتقدات، أو أصنام، أو عادات اتُّبعت؛ إنما هي من فعل غيرهم ممن توافدوا للحج والزيارة في المرحلة الجاهلية قبل الدعوة المباركة، وبخاصة ممن تؤازرهم جبابرة قريش وطغاتهم، وبهم الكثرة ولهم الغلبة القبليّة. وأما بنو عبد المطلب فلا علاقة لهم بما مورس من طقوس حول الكعبة المشرفة مما ينكره أهل الإيمان، لأنهم مستخلصون لله جلّ وعلا.

ولا أريد هنا أن أسبر أغوار الزمن الفائت، وإن كنا أحوج ما نكون إلى معرفة فصوله واستكناه حقائقه البيضاء الناصعة، ولكن لنقف أمام عظمة أهل البيت ونقائهم وعلوّ مكانتهم، وإشراق إيمانهم وصفاء سرائرهم منذ سيدنا إبراهيم (ع). ولنأخذ مثلاً واحداً من أجداد عبد المطلب، لنعرف مبلغ العلم والإيمان والطهارة عندهم، وما رسّخوا في الكون من عقيدة تدحض كل الفلسفات الوضعية، والاجتهادات البشرية المزعومة، وتفند كل مزاعم الجهلة والمشكّكين أعداء الإسلام، وتمحو كلّ الثقافات الوافدة من الغرب الذين لا همّ لهم إلا العداء والحرب للإسلام والمسلمين وحَمَلة الدعوة النقية الطاهرة إلى حياة الإيمان والعدل والسلام والإسلام.

هي عادة اعتادها أهل البيت (ع)، فقد كان كعب بن لؤي يجمع قومه يوم الجمعة، وكانت قريش تسمّيه العروبة، فيخطبهم فيقول - ولنسمع ما جاء على لسانه من ثوابت الإيمان بآيات الله وآلائه، وذلك العقل الخليلي الذي آمن وعرف، ووثق فنطق بالحق، وتبيّن وتدبّر، فأيقن وأسلم، فأطلق الفلسفة الكونية في غاية الضبط والإحكام -:

(أما بعد فاسمعوا وتعلّموا، وافهموا واعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح، والأرض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، والأوّلون كالآخرين، والأنثى والذكر، والروح إلى بلى ما يهيج، فصِلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وثمّروا أموالكم. فهل رأيتم من هالك راجع؟ أو ميّت نشر؟ الدار أمامكم، والظن غير ما تقولون، حَرَمكم زيّنوه وعظّموه، وتمسّكوا به، فسيأتي له نبأ عظيم، وسيخرج منه نبيّ كريم. ثم يقول:

نهارٌ وليلٌ كل يوم بحـــــادث           سواءٌ علينا ليلها ونهارها

يؤوبان بالأحداث حتى تأوّبا           وبالنعم الضافي علينا ستورها

على غفلةٍ يأتي النبي محمد           فيخبر أخباراً صدوقٌ خبيرها

ثم يقول: والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر، ويد ورجل، لتنصّبتُ فيها تنصُّب الجمل، ولأرقلتُ فيها إرقال العجل ثم يقول:

يا ليتني شاهداً نجواءَ دعوته           حين العشيرة تبغي الحقّ خذلانا) (3)

ذلك بعض ما ورثه عبد المطلب وبنوه، تحدّرت فيهم صفات النبوّة من إبراهيم (ع) وانتقلت من صُلبٍ إلى صلب حتى وصلت إليهم، في تكوين رباني يعلم الله وحده ما هو وما هي عليه من الصفات الروحية والمادية، والخُلقيّة والخَلقيّة، وما اجتمع فيها من محمولات النبوّة؛ فهل من يحمل صفات النبوّة وأجسامها الذريّة يمكن أن يعبد صنماً، أو يحيد عن جادة الصواب الموجود في التكوين، والمنزّه بالإرادة الربانية؟.

لقد كان عبد المطلب وبنوه على فطرتهم الأولى من عبادة الله وحده لا شريك له، ولم يدخلهم شيء من الأديان الأخرى، ولا عبادة الأوثان، ولا مواطن الشرك والضلال، وإنما كانوا على دين أبيهم إبراهيم (ع). ولن تخيب دعوته وما خابت، ولن يقوم في اعتقادهم ما يجافيها أو يبعد عنها، إلا من ارتضى لنفسه الضلال.

في مسألة حفر زمزم:

إن الله سبحانه وتعالى يختار لدينه من يشاء من عباده ويرتضي من يشاء لدعوته (وهو أعلم بالمهتدين). ولو سألنا جمع الفقهاء الأكارم، وأصحاب الدراية والعبادة والفقه، وأولي الذكر والعلم: لمن تعطى الرؤيا الصادقة؟ ومن الذي يُكلّف في المنام وتأتيه الرؤيا مثل فلق الصبح؟ سيقولون هي للصالحين، ولا غير.. ولننظر في التكليف الرباني بحفر زمزم بعد تقادم الزمن وتراكم القرون، ولندع الأحداث تعبّر عن نفسها:

طمرت جرهم بئر زمزم، وكانت جرهم أيام سيدنا إبراهيم وإسماعيل ، وقد مضى زمن طويل على طمره وبين ذاك الزمن إلى زمن عبد المطلب قرون لا ندري على وجه التحديد مدتها، ولكن يقال إن بين موت كعب بن لؤي ومبعث النبي (ص) خمسمائة وستين عاماً(4). وهذا يدل على مرور زمن أبعد من ذلك بكثير. فأراد الله سبحانه تجديد حفره وإعادة خيراته لسقاية الحجيج وإعمار الديار المقدسة من جديد، لأن الأحداث القادمة، وما سيأتي به نبي الهدى والرحمة (ص) يحتاج إلى مقوّمات وعطاءات ربانية، تتناسب مع كرم الله سبحانه وعظمة النبوّة وإقبال الداخلين في دين الله أفواجاً.

عن عبد الله بن رزين الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب (ع) يحدث حديث زمزم حين أُمر عبد المطلب بحفرها قال: (قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آتٍ، فقال لي: احفر طيبة. قال: قلت: وما طيبة؟ قال: ثمّ ذهب عني.

قال: فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فجاءني فقال: احفر بَرَّة. قلت: وما بَرَّة؟!. قال: ثم ذهب عني.

فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فجاءني فقال: احفر المضنونة. قال: قلت: وما المضنونة؟! قال: ثم ذهب عني.

فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم. قال: قلت: وما زمزم؟! قال: لا تنزف أبداً ولا تزم. تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدّم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل. قال: فلما بيّن لي شأنها ودلّ على موضعها، وعرف أنه قد صُدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، وليس له يومئذٍ ولد غيره، فحفر، فلما بدا لعبد المطلب الطميّ كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته. فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب! إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقّاً فأشركنا معك فيها.

قال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خُصصت به دونكم، وأُعطيته من بينكم. قالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها. فقال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه. قالوا: كاهنة بني سعد بن هزيم. قال: نعم. وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أمية، وركب من كل قبيلة من قريش، فخرجوا والأرض إذ ذاك مفاوز، حتى إذا ببعضها، نفد ماء عبد المطلب وأصحابه، فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم فأبوا عليهم، وقالوا: إنا بمفازة، وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم.

فقال عبد المطلب: إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه في حفرته، ثم واروه حتى يكون آخرهم رجلاً واحداً، فضيعةُ رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه. فقالوا: نعمّا ما أمرت به. فحفر كل رجل لنفسه حفرة ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى.

ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: ألقينا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض لا نبتغي لأنفسنا؟ إن هذا لعجز فعسى أن يرزقنا الله ماءً ببعض البلاد، فارتحلوا، حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت من تحت خفّها عين ماء، فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستسقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا قبائل قريش، وهم ينظرون إليه في جميع هذه الأحوال، فقال: هلمّوا إلى الماء، فقد سقانا الله، فجاءوا فشربوا واستقوا كلهم، ثم قالوا: قد والله قُضي لك علينا، والله ما نخاصمك في زمزم أبداً، فارجع إلى سقايتك راشداً. فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلّوا بينه وبين زمزم) (5).

وهناك روايات أخرى قريبة مما ذكرنا...

هاتان معجزتان: حفر بئر زمزم والتكليف الإلهي الواضح المشهود، ونبع الماء هذا الذي أنقذ حياة العطشى، والذي انبجس من تحت خف الناقة، وهاتان المعجزتان لا يمكن أن يحظى بأيّ منهما من يدخل قلبه ظلام الشرك، أو القرب من الأصنام، ولا تتكون إلا لمن أخلص لله تبارك وتعالى قلباً وعملاً ويقيناً.

أول من حلّى الكعبة بالذهب:

وفي قصة حفر زمزم قال ابن إسحاق: (فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه في زمزم، وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أُمر بحفر زمزم:

ثم ادعُ بالماء الرّوى غير الكَدِرْ           يسقي حجيج الله في كل مَبَرّ

ليس يُخاف منه شيء ما عَمَره

فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش، فقال: تعلّموا أني قد أُمرت أن أحفر لكم زمزم؛ فقالوا: فهل بُيّن لك أين هي؟ قال: لا. قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت، فإن يك حقاً من الله يبين لك، وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك. فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فيه، فأتي فقيل له: احفر زمزم، إنك إن حفرتها لم تندم، وهي تراث من أبيك الأعظم، لا تنزف أبداً ولا تُزم، تسقي الحجيج الأعظم، مثل نعام حافل لم يُقسم، ينذر فيها ناذر لمنعم، تكون ميراثاً وعقداً محكم، ليست كبعض ما قد تعلم، وهي بين الفرث والدم..(6)

فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث، وليس له يومئذٍ ولد غيره، فوجد قرية النمل، ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين: إساف ونائلة، اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها. فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أُمر، فقامت إليه قريش حين رأوا جدّه، فقالوا: والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما؛ فقال عبد المطلب لابنه الحارث: ذُد عني حتى أحفر، فوالله لأمضينّ لما أمرت به. فلما عرفوا أنه غير نازع، خلّوا بينه وبين الحفر، وكفّوا عنه، فلم يحفر إلا يسيراً حتى بدا له الطمي، فكبّر وعرفوا أنه قد صُدِق.

فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيهما حين خرجت من مكة، ووجد فيها أسيافاً قلعيّة(7) وأدراعاً، فقالت له قريش: يا عبد المطلب لنا معك في هذا شِرك وحق. قال: لا، ولكن هلمّوا إلى نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقِداح. قالوا: وكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قِدْحين، ولي قِدْحين، ولكم قِدْحين، فمن خرج له قِدحاه على شيء كان له، ومن تخلّف قدحاه فلا شيء له. قالوا: أنصفت.

فجعل قِدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش؛ ثم أعطوا القداح صاحب القداح الذي يضرب بها عند هُبل، وهُبل: صنم في جوف الكعبة وهو أعظم أصنامهم، وهو الذي عناه أبو سفيان بن حرب يوم أُحُد حين قال: أعل هُبل: أي أظهر دينك، وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل(8).

وقال محمد ابن إسحاق: إن عبد المطلب جعل يقول:

اللهم أنت الملك المحمود           ربي أنت المُبدئ المعيد

وممسك الراسية الجلمود           من عندك الطارف والتليد

إن شئت ألهمت كما تُريد           لموضع الحلية والحديد

فبيّن اليوم لمــا تريــد           إني نذرت العاهد المعهود

اجعله ربّ لي فلا أعود(9)

قال: وضرب صاحب القداح فخرج السهمان الأصفران على الغزالين للكعبة المشرفة، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب، وتخلّف قدحا قريش. فضرب عبد المطلب الأسياف للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من الذهب، فكان عبد المطلب أول من حلّى الكعبة بالذهب) (10).

ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج، وكانت في مكة أبيار كثيرة قبل حفر زمزم على يد عبد المطلب في زمانه عدّدها ابن إسحاق. ثم قال: وكانت آبار حفائر خارجاً من مكة المكرمة قديمة من عهد (مرّة بن كعب)، و(كلاب بن مرّة)، وكبراء قريش الأوائل منها يشربون، وهي بئر (رُمّ) ورُمّ: بئر مرّة بن كعب بن لؤي، (خم) بئر وخم: بئر بني كلاب بن مرّة. فعفت زمزم على البئار التي كانت قبلها يسقى عليها الحاج، وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه، ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم (ع)، وافتخرت بها بنو عبد المناف على قريش كلها وعلى سائر العرب(11).

ولعل المسلمين والعالم كله يعرف فضل زمزم، وقد وردت في كتب الأحاديث الصحيحة فضائل زمزم يمكن الرجوع إليها.

لكن الذي نريد أن نلفت النظر إليه هو أن عبد المطلب قام يدعو الله عز وجل، ولم يتوسل إليه بوثن من معتقدات باقي قريش، مع أن عملية القداح جارية على مرأى قريش، وهذا لا يعني أن عبد المطلب كان قانعاً بعملية القداح، ولكنها عادة قريش فأراد أن يساير قناعاتهم مع ثقته المطلقة بالله عز وجل بأن العملية ستكون حسب ما يريد، ولذلك قام يدعو الله سبحانه فكان له ما أراد.

وهذا يجعلنا نقول: إن هذا البيت مطهّر منزّه عن كل الشوائب، وإن وُجد فيما بعد من خرج على فطرة أبيه إبراهيم، فإنما لا يضرّ أهله ولا ينال من قدرهم ومكانتهم عند الله سبحانه والمؤمنين. فتلك أمة فطرت على الإيمان واستمسكت به، فقد كانوا يخدمون بيت الله ويسقون الحجيج ويقومون بشؤون البيت، فقد كان (قصي) يسقي الحجيج في حياض من أدم، وكان ينقل الماء من آبار خارجة من مكة، منها بئر (ميمون الحضرمي) ثم احتفر قصي بئر (العجول) في دار لأم هانئ بنت أبي طالب، وهي أول سقاية احتفرت بمكة، وكان العرب إذا استقوا منها ارتجزوا فقالوا:

نروى العجول ثم ننطلق           إن قصيّا قد وفى وقد صدق

فلم تزل (العجول) قائمة حياة قصي وبعد موته، حتى كبر عبد مناف بن قصي، فسقط فيها رجل من بني جعيل، فعطلوا (العجول) واندفنت، واحتفرت كل قبيلة بئراً(12).

لسنا هنا بصدد حفر الآبار ومن قام بها، وإنما الغاية هي بئر الرحمة (زمزم) التي تقترب في مُعطياتها وأبعادها الدينية من حادثة زمزم الأولى أيام النبي إسماعيل (ع).

فقد جرى تكليف عبد المطلب بإعادة كشف البئر بالرؤيا التي أثبتتها الحقيقة، وهي وحي على كل حال، وقد جرى في المنام ليقوم في الواقع المرئي المشاهد مادّة تراها العيون وتؤمن بوجودها القلوب ويثق بطعمها الخلق جميعاً.

وأثناء الرحلة إلى الكاهنة وهم في أشد حالة الضيق من العطش، ينبع الماء من تحت خفّ الراحلة، وكأن قدم إسماعيل بن إبراهيم (ع) قد عادت مرة أخرى وأطلقت الماء ليرتوي عبد المطلب ومن معه، ولكن هذه المرة من تحت خفّ الراحلة، وإن هي إلا صلة وثيقة في أخفى أسرارها بين عبد المطلب وجده إسماعيل (ع)، وإن هي إلا أنوار النبوّة التي تحددت في أصلاب الآباء وانتقلت من صلب إلى صلب حتى وصلت إلى عبد المطلب ثم إلى ابنه عبد الله ثم تكون ولادة النور (محمداً(ص))، وبعثه بالرسالة والقرآن العظيم. ولهذا القول ما نحتج به كي لا يحاول أحد النفاذ إلى التشكيك:

1- في صحيح مسلم من حديث الأوزاعي عن شداد أبي عمار عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله (ص) قال: (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بن كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) (13).

2- عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال العباس: بلغه (ص) بعض ما يقول الناس فصعد المنبر فقال: (من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله. قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيركم بيتاً ونفساً) (14).

3- عن العباس بن عبد المطلب قال: (قلت: يا رسول الله إن قريشاً إذا التقوا لقي بعضهم بعضاً بالبشاشة، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها. فغضب رسول الله (ص) عند ذلك غضباً شديداً، ثم قال: والذي نفس محمد بيده، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّكم لله ولرسوله؟(15). فقلت: يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مَثَلك كمثل نخلةٍ في كبوة من الأرض، فقال رسول الله (ص): إن الله يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم لما فرّقهم قبائل جعلني في خيرهم قبيلة، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً) (16).

4- قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (17).

5- عن ابن عباس (ره) في حديث طويل: أنه (ص) قال: (إنّا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب) (18).

هذا وقد خاطب الله تعالى نبيه (ص) فقال: (وتقلبك في الساجدين) وهذا التقلّب إنما هو انتقال من نبي إلى نبي حتى كان (ع) خاتم الأنبياء. فقد رُوي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: (من نبي إلى نبي حتى أُخرجت نبياً) (19).

وقال محمد بن سعد: أخبرنا هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال: كتبت للنبي (ص) خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحاً ولا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية(20).

إذن هذه السلسلة المطهرة يكون عبد المطلب في حلقاتها الأخيرة، والتي تتصل بإبراهيم (ع) وهذا يجعلنا نرى أن عبد المطلب من الساجدين لله تعالى، وقد تحدّر إليه نور النبوة الخالدة، ومنه إلى (الذبيح الثاني) عبد الله بن عبد المطلب. ولنا هنا أن نتذكر أن في تاريخنا ذبيحين هما إسماعيل(ع) وقد افتداه الله تعالى (بذبح عظيم) لأنه صدّق الرؤيا أبوه إبراهيم (ع).

والذبيح الثاني عبد الله بن عبد المطلب والد النبي الأكرم (ص)، وقد افتداه أبوه بالإبل وفي الذبيحين حكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، وسنأتي على قصة الذبح وفاء لنذر عبد المطلب.

هذا ما يجعلنا نجزم بأن عبد المطلب لم يسجد لصنم، فهو يحمل نور النبي (ص) الذي ينتقل من ساجد إلى ساجد، ولا نعني بالساجدين أنهم أنبياء، وإنما بالتأكيد هم مؤمنون كاملي الإيمان، وإن كانت بشارات عبد المطلب تقترب من أحوال الأنبياء، فقد كان مؤمناً بالله تعالى ربّا واحداً لا شريك له. ومن المؤكد أيضاً أن نور النبوّة لا ينتقل ولا يدخل جسد مشرك أو عابد لصنم، وإن دعوة إبراهيم (ع)، وبشارة عيسى (ع) لا يمكن أن تكون عبر مشرك أو كافر أو منافق أو معتقد بصنم، فذلك مستحيل عقلاً وقلباً ومعتقداً.

وأما ما قيل إن عبد المطلب دخل الكعبة وفيها هُبل أحد أصنام قريش، فلا يعني أنه بقصد التقرّب بهذا الصنم، وإنما يدخل عبد المطلب الكعبة المشرفة ليدعو الله تعالى ويتقرب إليه لا بالصنم وإنما بدخول البيت والتضرّع إلى الله تعالى في بيته.

والأصنام موجودة بالقوّة، لأن سيئ الذكر عمرو بن ُلحي حين جاء بالصنم من الشام إلى مكة وضعه بالقوّة، ثم أصبح بعض العرب يعتقده، وعدد من مشركي قريش الجبابرة كانوا يدافعون عنه أشد ما يكون الدفاع، كما رأيناه في دعوة أبي سفيان بن حرب بعد غزوة أحد وهو ينادي (أعلُ هُبل)، وأما عبد المطلب فلم يؤثر عنه موقف مماثل، ولا دعوة لصنم من الأصنام تقرّباً أو ما يشير إلى ذلك. فإن كان بعض المؤرخين أشاروا إلى مثل هذه الأمور فإنما هي من الإسرائيليات التي تختفي وراء تلك الشائعات بقصد الخلط والتشويه (والله متمّ نوره ولو كره الكافرون). وأعتقد جازماً بأن عبد المطلب لو كان يمتلك القوة البشرية القادرة على حمايته وفرض رأيه لما أبقى على صنم في بيت الله ولا بمكّة كلها؛ ولذلك كان نذره بذبح أحد أولاده إن أعطاه الله عشرة يمنعونه من قريش.

ملك يخاطب ملكاً:

حين ظفر ملك اليمن سيف بن ذي يزن بالأحباش الذين كانوا يحتلون اليمن، وبمساعدة الفرس تغلب عليهم وطردهم من بلاده، وكان ذلك بعد مولد النبي (ص). أتته وفود العرب وأشرافها وشعرائها تهنّئه وتمدحه، وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، وأتاه وفد من قريش، فيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس، وأسد بن عبد العزّى وعبد الله بن جُدعان وغيرهم، فقدموا عليه وهو في قصر له يقال له غُمدان، وكان عبد المطلب هو المقدّم على كل وفود العرب ورجالاتها من قريش وغيرها.

طلبوا الإذن عليه، فأذن لهم فدخلوا، فوجدوه مضمّخاً بالعنبر، يلمع وبيص المسك في مفرق رأسه وعليه بُردان أخضران، قد ائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، وسيفه بين يديه، والملوك عن يمينه وشماله، وأبناء الملوك والمقاول(21) في مجلسه. فدنا عبد المطلب فاستأذنه في الكلام، وهو أدرى بمخاطبة الملوك، وهو يعلم أن الملوك وأبناءهم كانوا قد جمعوا الفصاحة والبلاغة والأدب، وثقفوا أصولها. وكان عبد الطلب أبلغ لغة، وأقوم لساناً، وأوسع علماً ومعرفة. ولكنه تصرف بتواضع العارف العالم بشؤون المخاطَب والسامع، وهو يعرف مقاصد الحروف واتجاه الكلام ودلائله ومراميه ومعانيه، وقد خبر نفوس الملوك ودواخلها وأنماط تفكيرها، وما هو أبلغ في إيصال القول إلى قلب السامع المخاطب أو الجليس المدقق.

قال له الملك: قل. فقال: (إن الله تعالى أيها الملك أحلّك محلاً رفيعاً، صعباً منيعاً، باذخاً شامخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعزّت جرثومته، ونبل أصله، وبَسَق فرعه، في أكرم معدن، وأطيب موطن؛ فأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها الذي به تخضب، وملكها الذي به تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا من بعدهم خير خلف، ولن يهلك من أنت خلفه، ولن يخمل من أنت سلفه، نحن أيها الملك أهل حرم الله وذمته وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجك بكشف الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة(22).

فأخذ الملك العجب مما سمع فصاحة وبياناً واختصاراً وبلاغة، فقال له: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم. قال الملك: ابن اختنا؟ قال: نعم. فأدناه وقرّب مجلسه؛ ثم أقبل عليه وعلى القوم وقال: مرحباً وأهلاً، وناقةً ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً رِبَحْلاً، يُعطى عطاءً جزلاً.

فذهبت هذه الكلمات عند العرب مثلاً.

وكان أول ما تكلم به الملك قوله: قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، فأهل الشرف والنباهة أنتم، ولكم القربى ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم.

قال: ثم اُستنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، وأجريت عليهم الأموال والأنزال. فأقاموا ببابه شهراً لا يصلون إليه ولا يأذن لهم في الانصراف، ثم انتبه إليهم انتباهة، فدعا بعبد المطلب من بينهم، فخلا به وأدنى مجلسه وقال: يا عبد المطلب، إني مفوض إليك من سرّ علمي أمراً لو غيرك كان لم أبح له به، ولكني رأيتك موضعه فأطلعتك عليه، فليكن مصوناً حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره: إني أجد في العلم المخزون والكتاب المكنون الذي أدخرناه لأنفسنا، واحتجبناه دون غيرنا، خبراً عظيماً وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاء للناس كافة، ولرهطك عامةً، ولنفسك خاصة.

قال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من برّ وسرّ وبشّر، ما هو؟ فداك أهل الوبر زُمراً بعد زمر.

قال ابن ذي يزن: إذا وُلد مولود بتهامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، إلى يوم القيامة.

قال عبد المطلب: أبيت اللعن، لقد أُبتُ بخبرٍ ما آب به أحد؛ فلولا إجلال الملك لسألته أن يزيدني في البشارة ما أزداد به سروراً.

قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه وقد وُلد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جدّه وعمّه؛ قد وجدناه مراراً، والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعزّ بهم أولياءه، ويذلّ بهم أعداءه، ويفتتح كرائم الأرض، ويضرب بهم الناس عن عرض، يُخمد النيران، ويكسر الأوثان، ويعبد الرحمن، قوله حكم وفصل، وأمره حزم وعدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.

فقال عبد المطلب: طال عمرك، ودام مُلكك، وعلا جدك، وعزّ فخرك، فهل الملك يُسرّني بأن يوضح فيه بعض الإيضاح؟.

فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الطّنُبِ، والعلامات والنُّصُبِ، إنك يا عبد المطلب، لجدّه من غير كذب.

فخرّ عبد المطلب ساجداً(23).

فلمن سجد عبد المطلب؟!.

لقد سجد لله تعالى شكراً على نعمة النبوّة، ونعمة كون ابنه عبد الله والد النبي (ص). وتلك هي سجدة الشكر لله تعالى، إذ جعل ابنه نبيّاً اتضحت بشاراته ومعالم نبوّته، وبدأت معجزاته تظهر من أول يوم ولادته.

قال ابن ذي يزن: ارفع رأسك، ثَلِجَ صدرك، وعلا أمرك؛ فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟.

قال عبد المطلب: أيها الملك، كان لي ابن كنت له محباً، وعليه حَدباً مُشفقاً، فزوجته كريمة من كرائم قومه، يُقال لها آمنة بنت وهب بن عبد مناف، فجاءت بغلام بين كتفيه شامة، فيه كل ما ذكرت من علامة، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه(24).

قال ابن ذي يزن: إن الذي قلت لك كما قلت، فاحفظ ابنك واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، اطوِ ما ذكرت لك، دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أن تدخل النفاسة من أن تكون لهم الرياسة، فيبغون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون وأبناؤهم، ولولا إني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه، لسرت بخيلي ورَجْلي حتى أصير بيثرب دار مهاجره، فإني أجد في الكتاب الناطق، والعلم السابَق، أن يثرب دار هجرته، وبيت نصرته، ولولا إني أتوقى عليه الآفات، وأحذر عليه العاهات، لأعلنت على حداثة سنّه أمره، وأوطأت أقدام العرب عَقِبهُ، ولكني صارف إليك ذلك عن غير تقصير مني بمن معك.

ثم أمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد، وعشر إماءٍ سود وخمسة أرطال فضة، وحلّتين من حلل اليمن، وكرش مملوءة عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك، وقال: إذا كان الحَوْل فائتني فأنبئني ما يكون من أمره.

فما حال الحول حتى مات ابن ذي يزن ملك اليمن، فكان عبد المطلب بن هاشم يقول: يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك فإنه إلى نفاد، ولكن يغبطني بما يبقى لي ذكره وفخره لعقبي. فإذا قالوا له: وما ذاك؟ قال: سيظهر بعد حين(25).

كان ابن ذي يزن قد زفّ البشرى لعبد المطلب، وربما عرف عبد المطلب شيئاً من بشارات وحوادث شهدتها السيدة آمنة في حملها وولادتها، ولكنه لم يكن متأكداً كل التأكيد، أو لم يخطر بباله خاطر النبوّة، فتلك مسألة ليست عادية تدخل ضمن تفكير البشر، وإنما هي أبعد من الظن لا تحسب ولا تدرك إلا بالأمر الإلهي المعلن بالدعوة الصريحة.

وأما ابن ذي يزن فقد كان حوله العيَّافون، والكهنة من أهل الكتاب، وعدد من الذين بحثوا في الكتب المنقولة عن الأقدمين، وقرب العهد بكتب الأنبياء السابقين من التوراة وغيرها.. وكان هؤلاء يتقرّبون من الملوك فيكرمون وفادتهم، إضافة إلى مفسّري الأحلام والعرّافين والمنجمّين والسحرة وغيرهم.

وهذه البشرى مؤكدة بلسان عيسى (ع) في القرآن الكريم بقوله: (وإذْ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوارة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.. ). وقوله تعالى: (يجدونه عندهم مكتوباً).

وتلك أخبار تواترت وتأكدت وانتقلت وصدقت، ومنها:

عبد المطلب المؤمن وأبرهة:

في قصة أبرهة والفيل، موقف الرجل السياسي المكتمل اليقين، الذي يعرف تصريف الأمور عند الشدائد، ويخرج قومه من ساحة الحرب، ليكون الكافر وجهاً لوجه في مقابلة جنود الله تعالى.

لما نزل أبرهة بمكان يقال له (المغمّس) وهو على مقربة من مكة المكرمة، بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذٍ كبير قريش وسيّدها، فهمّت قريش وكنانة وهُذيل، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك.

ثم بعث أبرهة حُناطة الحميري إلى مكة، وقال له: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها، ثم قل له: إن الملك يقول لك إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يُرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم (بن عبد مناف بن قصي)؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة؛ فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم (ع) - أو كما قال - فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلّ بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فانطلق معي إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك.

فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر، فسأل عن (ذي نَفْر) وكان له صديقاً، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: يا ذا نَفْر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوّاً أو عشيّاً، ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أُنيساً سائس الفيل صديق لي، وسأرسل إليه فأوصيه بك، وأُعظم عليه حقّك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك. فقال: حسبي.

فبعث ذو نفر إلى أُنيس، فقال له: إن عبد المطلب وصاحب عير مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مئتي بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت. فقال له: أفعل.

فكلم أنيس أبرهة، فقال له: أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، وهو يطعم الناس في السهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأذن له عليك، فيكلمك في حاجته، وأحسِن إليه، قال: فأذن له أبرهة.

قال ابن إسحاق: وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير مُلكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان؛ فقال: حاجتي أن يردّ علي الملك مئتي بعير أصابها لي؛ فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زَهِدتُ فيك حين كلّمتني، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه؟! قال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع مني. قال: أنت وذاك، فردّ على عبد المطلب إبله(26).

دعاء عبد المطلب:

فلما انصرفوا عنه، انصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرّز في شعب الجبال تخوّفاً عليهم من شدّة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:

لا هُمَّ إن العبد يمنع           رَحْلَه فامنع حِلالَكْ

لا يغلبَنّ صليبهم           ومِحَالهم غَدواً مِحالَك

إن كنت تاركهم وقبلتنا           فأمرٌ ما بدا لك

وانصر على آل الصليب           وعابديه اليوم آلك(27)

فلئن فعلت فربّما           أولى فأمرٌ ما بدا لك

ولئن فعلت فإنه           أمرٌ تتمّ به فعالك

وكنت إذا أتى باغٍ بسِلِمٍ           نُرَجّي أن تكون لنا كذلك

فولّوا لم ينالوا غير خزيٍ           وكان الحَيْنُ يهلكهم هنالك

ولم أسمع بأرجس من رجالٍ           أرادوا العزّ فانتهكوا حرامك

جرّوا جموع بلادهم           والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم           جهلاً وما رقبوا جلالك(28)

ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعب الجبال، فتحرّزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها(29). وكان ما كان من قصة أصحاب الفيل المعروفة والتي أخبر عنها القرآن الكريم.

وهنا يظهر الجانب العسكري في شخصية عبد المطلب، إذ لا داعي للمواجهة بين قريش وجيش الطاغية أبرهة الذي أعدّ الجيش الحبشي لمهمّة أصعب ما تكون، وحسب لها حساب القوى البشرية العسكرية التي كان يتوقعها، وهي أن العرب جميعاً معنيّون في هذه المعركة، لأن الهدف من زحفه يتعلّق بالدين والمعتقد، وذلك أمر عنده خرط القتاد وجزّ الرؤوس. أما العرب فكانوا كما هم الآن (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)، قبائل متناحرة متغازية، تحرقهم الثارات والعداوات، وتفصل بينهم الشحناء والبغضاء.

عرف عبد المطلب ما ستنتهي إليه المعركة، وما ستكون نتائجها، فقد دعا الله سبحانه وتعالى والله أغير من كلّ غيور، ذلك الدعاء المؤمن الصادق الواثق بالاستجابة، فالبيت بيت الله وهو الكفيل بالذّود عنه. وكأنه كان يتصور أحداث المعركة من حيث الرّد الإلهي، وإن كان لا يعلم بالكيفية، ولكنه يعلم أن الإبادة قادمة لا محالة على أي شكل أراده الله سبحانه.

ولذلك فقد أشار إلى أهل مكة بالخروج إلى رؤوس الجبال والمواضع الخفيّة فيها ابتعاداً عن ساحة المعركة، ودرءاً لخطر قادم من السماء لا يعلم ما هو، وإن كان موقناً أشد اليقين بأنه آتٍ لا محالة، وحتى لا يصاب أحد من أهل مكة بسوء. وهذا الانسحاب من مكة كأنه في ذهن عبد المطلب أن يقول لقريش وما حولهم من العرب: انظروا ما سيفعل الله بالكفرة الفجرة، واشهدوا قدرة الله وغيرته على بيته، ولا تظنّوا الظنون وإنما انظروا بأعينكم ما سيفعل الله بالمجرمين، حتى تكونوا شهوداً على أمر حصل وأنتم تنظرون.

لقد كان عبد المطلب عاقلاً مؤمناً مدركاً أحوال قريش؛ فإذا لم ينسحبوا من وجه الطاغية فإنه ستقع كارثة بشرية واقتصادية تدمّر كل شيء، وهو الذي أشار برحلتي الشتاء والصيف من أجل الإنعاش الاقتصادي، ومن هنا كانت الخطة تقتضي الانسحاب الكامل من أجل الإنقاذ الكامل لقريش من الناحيتين البشرية والاقتصادية. وأما بالنسبة للبيت المقدس فهو يعلم أن الله حاميه ومانعه، ولن تستطيع قوّة على وجه الأرض أن تبلغه بسوء، ذلك هو يقين عبد المطلب الذي أخذ بحلقة باب الكعبة ودعا الله أن يخزي الطغاة، وينصر دينه وبيته فكان ذلك عين اليقين؛ فما أرسل في طلب النجدة من أحد، ليقينه المطلق بالله تعالى.

لقد ذكّر الله سبحانه وتعالى قريشاً والعرب جميعاً بهذه الحادثة العظيمة، وذلك أنه لما بُعث النبي محمد (ص)، كان مما يعدّ الله تعالى على قريش من نعمته عليهم وفضله ما ردّ عنهم ذلك الطاغية أبرهة لبقاء أمرهم ومدّتهم فأنزل سورة الفيل، ليذكّرهم بفضله وكرمه، وأنه ردّ على الطغاة كيدهم في نحرهم (وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول)، ثم أشار مذكّراً بالرحلتين اللتين أقرّهما أهل البيت(ع) منذ القديم، كما ذكّر قريش بالحادثة الكبيرة في التاريخ الإسلامي العربي (حادثة الفيل) وقصته المعروفة، فهم حين دعوا ربّ البيت جاءهم الأمان والأمن وأهلك الله أعداءه فقال: (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).

المـــراجـــع:

1- البداية والنهاية لابن كثير.

2- تاريخ الأمم والملوك للطبري.

3- الجامع الكبير للطبراني.

4- ديوان أبي نواس.

5- ديوان أبي تمام.

6- سيرة ابن هشام.

7- العقد الفريد لابن عبد ربه.

8- مجمع الزوائد للهيثمي.

9- صحيح مسلم.

10- مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر.

11- المستدرك للحاكم.

12- مسند الإمام أحمد.

13- مسند ابن أبي شيبة.

الهـــوامـــش:

(1) ديوان أبي تمام: ص333.

(2) ديوان أبي نواس: ص487.

(3) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 2/115 - 116، طبعة دار الفكر بيروت عام 419هـ - 1998م.

(4) البداية والنهاية لابن كثير: 2/196.

(5) المصدر السابق: 2/196-197، وسيرة ابن هشام: 1/142 - 145.

(6) السيرة: 1/146-147.

(7) نسبة إلى القلعة، قيل: جبل بالشام، وقيل: قلعة عظيمة في الهند من جهة الصين، والله أعلم.

(8) البداية والنهاية: 1/197-198، والسيرة النبوية: 1/145-147.

(9) انظر البداية والنهاية 1/198.

(10) السيرة: 1/147.

(11) المصدر السابق: 1/150.

(12) انظر السيرة لابن هشام: 1/147 (الحاشية).

(13) صحيح مسلم في كتاب الفضائل (43)، كتاب الفضائل (1) باب فضل نسب النبي (ص) وتسليم الحجر عليه قبل النبوّة، الحديث 1/2276.

(14) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: الحديث رقم 1788 ج1 من حديث العباس بن عبد المطلب، والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - فضائل القبائل (6961/2559).

(15) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، الحديث رقم (1772) ج1 من مسند العباس بن عبد المطلب.

(16) أورده ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الفضائل (1) باب ما أعطى الله تعالى محمداً (ص) الحديث (1) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، الحديث رقم (1788) ج1 من حديث العباس بن عبد المطلب.

(17) سورة الأحزاب: الآية 33.

(18) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد في (36) علامات النبوّة الحديث (13822)، والطبراني في الجامع الكبير في (12/12604).

(19) أورده ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق (الحديث ج2 ص27).

(20) المصدر السابق: 2/27.

(21) المقاول: الملوك.

(22) انظر: العقد الفريد 1/241-242.

(23) المصدر السابق.

(24) المصدر السابق.

(25) انظر: السيرة النبوية لابن هشام.

(26) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 2/103-104.

(27) السيرة: 1/50-51.

(28) انظر: الطبري 2/112-113.

(29) انظر: الطبري - تاريخ الأمم والملوك 2/113، والسيرة النبوية: 1/51-52، والبداية والنهاية: 2/103-104.