منتخبات مما ينشر في الصحف والمجلات من رؤى وأفكار تسهم في عملية تفعيل الوعي الإنساني

سؤال الإبداع والنقد في الفكر الإسلامي المعاصر

قيل إن العلم عبارة عن خطأ مصحح.. فلا بد من توسل السؤال والنقد، حتى ننجو من الزور والرياء والمخاتلة، وخطاب المطلق الذي يخفي الكثير، ولا يظهر إلا القليل والنادر.. وكل منظومة فكرية لا تقبل السؤال وتقمع النقد والمساءلة فإن مثالها السكون والموت..

نحن هنا لا ندعو إلى التشكيك في نوايا السائلين، وإنما نؤسس لمواقع السؤال والنقد في مسار الحقيقة وإثراء الفكر والمعرفة.. لأن الكائن المتلقي دائماً، بلا أسئلة وشروط ونقد، نساهم معه أو نساعده على انتزاع عقلانيته، ونذوبه في أوعية متماهية ومتطابقة تقتل كل حس حيوي فيه وإرادته الإنسانية..

الإبداع في المختلف:

السؤال والنقد يؤسسان لعملية انفتاح وتواصل على المستويين الثقافي والإنساني، وأي تجاوز لهذه الحقيقة فإنه يفضي إلى العديد من المآزق وعلى المستويات كافة.. وبفعل هذا السلوك المنغلق والانعزال والبعيد عن الحس الحضاري والديني السليم، يحدث الانفصال الشعوري والنفسي، وتتشكل كيانات اجتماعية مغلقة، وممانعة لأي صفة للوحدة والاندماج.. وقد لا نبالغ إذا قلنا أن العديد من الحروب الداخلية والأهلية التي شهدتها بعض المجتمعات العربية والإسلامية، وبصرف النظر عن مبرراتها التاريخية والسياسية، هي من جراء تراكم العقلية المتعصبة التي لا ترى إلا لوناً واحداً وفكراً واحداً وحقيقة واحدة.

وبدل أن تمارس الأفكار والقناعات الثقافية وظيفة تربوية وروحية مهذبة للأخلاق العامة، ومحفزة على الالتزام بالقيم العامة التي تقوي أواصر الوحدة الاجتماعية، تتحول هذه الأفكار إلى مادة للتأطير الضيق والتحنيط والانغلاق، وتبرز الموروثات الاجتماعية والتاريخية في (عنف القول والفعل) ضد الآخرين..

وفي هذا الإطار، لا بد من القول إن العقلية الدوغمائية هي التي تفرغ الدين والقيم العليا من استهدافاتها النبيلة تحت دواع وحجج عصبوية مقيتة.. والمشكلة الحقيقية التي تواجه العالمين العربي والإسلامي اليوم، ليست في تربص أعداء الأمة وسعيهم الحثيث نهب ثرواتنا والقضاء على مقومات وجودنا الذاتي المستقل، بل في تلك العقلية التي لا ترى إلا قناعاتها، وتمارس في سبيل ذلك عمليات الإقصاء والنفي والقتل إلى كل الثقافات والقناعات الأخرى.

من هنا نرى من الأهمية بمكان، أن يعتني الفكر العربي والإسلامي، بمسائل التنوع والتعدد وقيم التسامح والعدل وآليات تحقيقهما، ويخوض بشكل جاد في أسئلة العصر وتحديات المعاصرة..

ومن الطبيعي القول، أن القهر والقسر والإلغاء أشد ضرراً وخطراً على الأمم والأوطان من ممارسة حق الاختلاف والاعتراف بالتنوع المعرفي الثقافي، واعتباره الوليد الطبيعي لقيمة الاجتهاد وسبيل تعدد الخيارات الفكرية والاستراتيجية في مسيرة الأمة.

ويبقى أفق الاختلاف الثقافي هو الذي يعمق الرؤى الحضارية الذاتية، ويؤسس لقيم الحوار مع الآخر والتفاعل معه، وبهذا يتم تجاوز السجال إلى الحوار ونقد الذات الامتثالية، والدعوة إلى ذات هي مجموع ذوات كفوءة وقادرة على إنتاج الفعل، والتفاعل مع الآخر على نفس المستوى مع المقدرة والإمكانية، لهذا كله ينبغي التأكيد على ضرورة النقاط التالية:

1- ضرورة تدشين الأرضية الصالحة لبلورة أفق المغايرة الثقافية والاختلاف المعرفي.

2- تطوير المنظور النقدي والحوار في فضاء الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة، لأن الاختلافات الثقافية لا تتحول إلى مصدر ثروة حقيقية للإنسان والثقافة إلا بوعي نقدي يشتت التافه من الأمور، ويثري المضامين الإنسانية والحضارية في الثقافات..

محمد محفوظ/ مجلة الكلمة/ العدد29

تحطيم العقل أم اغتياله!!

(العولمة الثقافية ومأزق الهوية)

لاستكشاف آثار العولمة الثقافية سواء على سلوك الأفراد أو التنشئة الاجتماعية، سنحاول الإجابة على السؤالين التاليين:

1- هل نمتنع عن قبول نتائج العولمة وقد أصبحت قدراً محتوماً من العبث تجاهله؟

2- لماذا لا تتعامل معها كمكاسب إنسانية ونستثمرها في خدمة قضايانا المصيرية؟

وخطة الموضوع ستتناول ما يلي:

أولاً: مفهوم الثقافة.

ثانياً: مفهوم العولمة.

ثالثاً: العولمة الثقافية.

رابعاً: آثار العولمة الثقافية على السلوك والتنشئة الاجتماعية.

أولاً: مفهوم الثقافة:

العولمة: هي وحدة المعمور من الأرض في مجالات التفاعل الإنساني وهي ذات مدلولين:

1- مدلول سالب: هو تأثر المغلوبين بالغالبين.

2- مدلول موجب: هو الدور الذي يلعبه الغالبون في صناعة التاريخ بما يملكونه من أدوات استعمارية: غزواً بارداً (بالثقافة والاقتصاد) أو حاراً (بالعنف والاضطهاد)..

أن التنوع الحضاري والثقافي وتعدد المراكز الاقتصادية المتنافسة اليوم في مقدورها أو ادخال التوازن على العولمة، وذلك بحكم آليتين كانتا منعدمتين قديماً:

1- آلية التراجع بين سرعتي التأثير وإزالة التأثير، الأمر الذي يوفر فرصاً أكبر للصمود عند المغلوب.

2- آلية تحصيل الوسائل المنتظمة - ما كان يتطلب قروناً للحصول عليه، ومثلها لإزالته، صار الآن يحدث ويزول في أقل من عقد.. كل أمة مغلوبة تنتسب بالاستسلام إلى العولمة السالبة، وكل أمة غالبةً تنتسب بالإقدام نحو العولمة الموجبة، خصوصاً إذا كانت هذه الأمة الإسلامية قد سبق لها أن شاركت في تحديد آفاق الإنسانية لمدة ثمانية قرون على الأقل، ولم تفقد الطموح إلى مزيد من الإسهام...

ثانياً: مفهوم العولمة:

يقول الدكتور جلال أمين:(نخن إزاء العولمة كالعميان إزاء الفيل.. كل منا في وصفه للعولمة على صواب تماماً، وكلنا مستعد للإقرار بأن للعولمة تأثيراً في الهوية الثقافية، ولكن من الطبيعي أن كلاً منا لا يرى إلا هذا الأثر الذي يصدر عن ذلك الجانب من العولمة الذي يلمسه بيده، ومن ثم كان من الطبيعي أن يختلف المحللون لظاهرة العولمة حول تحديد ذاك الأثر في الهوية الثقافية)..

والاعتقاد الشائع بأن العولمة ظاهرة حتمية لا يمكن صدها أو الوقوف في وجهها، مردّه الإيمان بحتمية التطور أو التقدم التكنولوجي، لكنها أيضاً تحمل في باطنها شكلاً من أشكال الغزو الثقافي، أي قهر الثقافة الأقوى لثقافة أضعف منها..

ثالثاً: العولمة الثقافية:

هناك تفسيرات عديدة ممكنة لانطواء أي تقدم تكنولوجي على إمكانات القهر:

- قد تكون في سعي الإنسان لإثبات تفوقه على الآخرين، بامتلاكه دون غيره الأدوات المتاحة لمجرد الاستمتاع..

- وقد يكون تفسير هذه القدرة الكامنة للتكنولوجيا الحديثة بأن تصبح أداة قهر، ناجم عن زيادة درجة النمطية في عمليتي الإنتاج والاستهلاك..

أيا كان السبب، فمن المؤكد أن التكنولوجيا الحديثة، تحمل خطر إخضاع الإنسان للقهر وتهديداً لهويته، بشكل لم يتعرض له الإنسان عبر تاريخه الطويل...

رابعاً: آثار العولمة الثقافية على السلوك والتنشئة الاجتماعية:

تفكك بنية الأسرة جاء نتيجة تحولات اجتماعية وثقافية عميقة عصفت بها حداثة تعاملت معها بارتباك، والمظهر المثير هو فقدان الأسرة المتزايد لقدرتها في الاستمرار كمرجعية أخلاقية للناشئة، بسبب مصادر جديدة لإنتاج القيم وتوزيعها.. وبغياب الأسرة المتخصصة اختفت البيئة الصالحة التي تنمو فيها القيم والأخلاق الإنسانية، والنتيجة: أجيال من الشباب الضائع الحائر تفتقد إلى الحب والحنان، عصابات القتل والاغتصاب، أو الانتحار بالهرويين....... الخ.

كما أن الاضمحلال التدريجي للسلطة الأبوية في الأسرة، خلق الظروف المناسبة لـ(فقدان المناعة القيمي) وتلويث الخطاب الثقافي بمفردات استهلاكية تغتال - يومياً- ذاكرة الشعوب التاريخية...

لقد حقق الإنسان عبر مشواره الطويل، وبكثير من الألم والعذاب، الكثير مما يجعله يرتفع إلى مصافي الحياة الكريمة، ولا تفعل الثقافة الأميركية الضحلة اليوم، سوى إعادته إلى الصفر المكعب، وإرجاع الزمن إلى دورته الأولى، إلى العبث، اللا معنى، إباحة القتل وشريعة الغاب، وكل ذلك يجري أمام أعين الجميع.

سمير مالك أبو شقرا/مجلة الشاهد - العدد 186

محاولة للفهم

( الغزو الثقافي.. وهم أم حقيقة؟ )

لمعرفة حقيقة الغزو الثقافي - أي ما يُدعى كذلك - لا بد من النظر إليه من زوايا ثلاث:

الزاوية الأولى: هل الثقافة العربية في حالة انتشار أم انحسار؟

تأمل حالة الثقافة العربية في حاضرها المعاصر وماضيها القريب يؤدي بالمتأمل إلى الإجابة بـ(لا) وبـ(نعم)، إذ يوجد من الشواهد على الحالتين ما يدل عليها يثبتها.

للتدليل على أن الثقافة العربية في حالة ظهور لإخفاء وموضع قوة لا ضعف - داخل حدودها - يكفي أن نطل على حالة هذه الثقافة قبل قرن مضى لدى الخاصة والعامة.. واللغة وعاء هذه الثقافة ولسانها، لنرى أن ضعف الثقافة لدى العامة أنذاك أمر تكون أي إطالة في توضيحه تعني إسقاط الحد الأدنى من الإطلاع لدى الفرد العادي، إذ لم يكن للتعليم في ذلك الوقت انتشار فضلاً عن إلزام، ولا يوجد شيء من الجامعات، وليس لمعاهد ومراكز البحث العلمي وجود.

في هذا الجانب، نرى أن الثقافة في حالة ظهور لإخفاء وانتشار لا انحسار بالنسبة لعامة الناس..

وإذا نظرنا إلى حالة الثقافة لدى الخاصة - واللغة أهم مظاهرها - فإنه يمكن أن نتبين الفرق الشاسع في هذا الجانب من حيث عمق المستوى ورقي الأسلوب في الأوساط المشتغلة بالثقافة الحاملة لها من الوقوف على أسلوب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي الذي كتب به تاريخه، أو لغة الصحافة في البلاد العربية في عمومها..

الزاوية الثانية: هل هناك غزو ثقافي؟

الذي نعانيه ليس غزواً ثقافياً بمعنى فعل فيه القصد أو التخطيط والمواجهة لتدمير اللغة والثقافة والدين، ولكنه انتشار موجة، والموجة لا تكف نفسها عن الحركة والانتشار، ولو توقفت عن ذلك لما عادت موجة.. الغزو الثقافي - أي ما يدعى كذلك - وما سبقه وما سيلحق به لا يعدو كونه نموذجاً يعرض نفسه، تسبقه شهرته وبريقه والرغبة فيه إلى الآفاق، ومهما انطوى عليه هذا النموذج من العلل أو الحيل، من الصحة أو المرض، الحسنات أو الآثام، فإنه لم يأت إلى البلاد التي وصل إليها محمولاً على مدفع، ولم يحمل الناس على أخذه أو تقبله بالإكراه...

من الأمور الداعية إلى التوقف والمساءلة أن كثيراً ممن يتحدثون عن الغزو الثقافي، بما تحمله مفردة الغزو من معنى يوجهون كل اهتمامهم أو جل هذا الاهتمام إلى الغثاء ومن هذه الثقافة الوافدة، وهو غثاء تضوي به النفوس والأفهام، وهم يتحدثون عن ذلك بطريقة نفهم أن هذا الجانب من تلك الثقافة سلاح قصد بها منتجوه أن يكون قذائف توجه إلى حصون سواهم لتدميرها وهم في عافية من ذلك ومنجاة منه، ويتجاهلون أن الصانعين لهذا الغثاء قلة في هذه المجتمعات أتاحت لهم مساحة الحرية الواسعة التي تعطيها هذه المجتمعات للفرد للتعبير والتأثير أن يستثمروا هذه الحرية في غير وجهها الجميل، وأن مجتمعاتهم تستقبل هذا الغثاء كما نستقبل ويتأثرون به ويشقون كما نشقى ونتأثر، إن بعضاً من مثقفينا حريصون على أن نجهل أن الغرب الذي هو مصدر هذا الغثاء هو أول ضحاياه.

الزاوية الثالثة: الأسباب الحقيقية لانحسار الثقافة العربية وانكسارها...

إن عجزنا عن وصولنا إلى شواطئ الآخر فضلاً عن التأثير في مياهه أو مد جداوله، على درجة من الوضوح يجعل كل تدليل عليه أو حشد الشواهد لإثباته أمراً يسقط من حسابه الحد الأدنى من الإدراك لدى المتأمل لهذه الحالة الدارس لها.. وسبب ذلك يمكن أن يختصر في جملة واحدة هي أنه (ليس لدينا ما نقدمه إلى سوق عالم اليوم) الحضارة التي نعيشها وهي حضارة حاضر، وسباق إلى مستقبل، لحمتها وسداها العطاء العلمي وما ينتجه هذا العطاء من تقنية تحدد موقع أي أمة من حيث القوة والضعف والفقر أو الغنى والقدرة على الانتشار والانتصار، الحضارة الغربية لا تحتل مواقعها لأنها تحمل بين يديها محاورات سقراط وجمهورية أفلاطون وفلسفة أرسطو، بل ولا لأنها تحمل أناجيلها الأربعة، ولكنها احتلت هذه المواقع بما كشفت من طبيعة المادة وسنن الكون، وبما مكنها ذلك من الوصول إلى أغراضها الخيرة والشريرة..

فإذا كان الأمر كذلك، فإنه سيكون من طبائع الأشياء ألا يكون لذي عوز سيادة وظهور.. لقد صارت الثقافة العربية والفكر العربي والمسلم مرفأ للاستيراد لا للتصدير وسوقاً للاستقبال لا للإرسال، إننا نستقبل حتى ما يتعلق بصناعة الكلام ومذاهبه، والنقد وأساليبه، فإذا كان ذلك في صناعة الكلام وهو المجال الذي عرفنا بالتفوق فيه والإجادة له في تاريخنا الطويل - أو هكذا أقنعنا أنفسنا - فكم هي مذهلة تلك المسافة الفاصلة بيننا وبين أن نكون السابقين لوضع محاولة الحركة لمركبة فضاء أو قمر يدور حول الأرض أو غيرها من الأجرام.

د. راشد المبارك/ مجلة العربي/ ع507.

واقع الثقافة العربية في زمان العولمة

يحدد المفكر محمود أمين العالم معالم الثقافة الرسمية السائدة بالسمات التالية:

1- أنها ثقافة تجزيئية برغماتية وضعية نفسية تفتقد الأسس الموضوعية والرؤية الكلية الشاملة والحس الاجتماعي والوطني، أو هي ذات حس وطني شوفيني انفعالي زائف خال من الوعي الموضوعي..

2- أنها ثقافة لحظية آنية جامدة أحادية الاتجاه تفتقد الحس التاريخي الشامل ذا الخبرة المتراكمة والثقافية.

3- أنها ثقافة يغلب عليها الطابع التقني الشكلاني الخالي من العمق الإنساني.

4- أنها ثقافة استهلاكية استمتاعية سطحية فردية مبتذلة تفتقد الحس العميق بالهوية الذاتية والقومية، ولهذا فهي ثقافة شكلية مغتربة، وهي ثقافة مهرجانية أكثر منها ثقافة تأسيس لوعي ولقيم قومية وإنسانية..

إن الثقافة العربية في الوقت الراهن تعيش مأزقاُ حاداً يكمن في عجزها عن مواكبة التحديات العالمية وذلك بفعل تصاعد أهمية التكنولوجيا، وبخاصة التكنولوجيا الاتصالية وثورة المعلومات الهائلة في العالم، باعتبار أن هذه التكنولوجيا أصبحت وسيلة هامة وأساسية في نقل توزيع وانتشار الثقافة ومصادرها (العولمة).

ويمكن القول بأنه على الرغم من الاعتراف بالشوط المهم الذي قطعته الثقافة العربية حتى الآن في تعرّف ذاتها وتحديد هويتها، وإثبات وجودها في عالم تنافس صعب، وصمودها في وجه محاولات تجزئتها وطمسها، وبعثرة ثوابتها وسلخها عن لغتها العربية، فإنه لا بد من الاعتراف بأن الثقافة العربية ما زالت غارقة في معركة بناء نفسها من الداخل، وأن لديها من العوائق الذاتية الراسخة في عقلية المثقفين وطرق تفكيرهم ومصادر مرجعيتهم واختلاف ولاءاتهم وتمزق صفوفهم وهشاشة محاوراتهم وبعد الشقة بينهم وبين الجمهور وغير ذلك من الظواهر السلبية ما يمكن أن يدمر أية ثقافة ناشئة أو ضعيفة المستندات، ولكن الثقافة العربية بفضل عوامل دينية وتاريخية وقومية وشعبية ما زالت تقف على قدميها وتصارع عوامل تآكل ثقافية داخلية وعوامل تفتيت إطارية سياسية واجتماعية من حولها...

التحديات..

يحدد الأستاذ عبد الإله بلقزيز ثلاثة تحديات تفرض نفسها على الثقافة العربية والمثقف العربي، وتملي الحاجة إلى إنجاز حلقات مركزية ثلاث في سلسلة التغيير المطلوب وهي من طبيعة (فكرية - إيديولوجية) و(معرفية - ابسيتمولوجية) و(إجرائية - عملية)..

1- تحد فكري: يتلخص في أن التغيرات الهائلة التي يشكل العالم المعاصر مسرحاً لها تتحرك بوتيرة غير اعتيادية، وتطيح بكل النظم والمؤسسات والثوابت والقيم والعلاقات الموروثة، كي تعيد تشكيل مشهد الصراعات العالمية، ونسق جديد من العلاقات الدولية، لم يعد مقبولاً الاستمرار في تأمل لوحة معطيات العالم المعاصر بنفس العدة النظرية التقليدية الموروثة، أي تشغيل نفس منظومة المفاهيم التي جرى تشغيلها في السابق لتحليل حقائق هذا العالم المعاصر..

2- تحد معرفي: يتعلق الأمر هنا بالحاجة إلى إعداد (برنامج عمل نظري) مزدوج: نقدي وبنائي تحتاجهما الثقافة العربية حتى يستقيم أمرها، ويتصلب موقعها في مواجهة ما يعرض لها من تحديات: يتمثل العمل النقدي المطلوب في مشروع متكامل للمراجعة الفكرية ولإعادة النظر في (النظام المعرفي) الذي ينتج الثقافة السياسية العربية وثقافة حركة التحرر على وجه التحديد. إن الآليات التقليدية التي صنعت ثقافتنا السياسية كانت مسؤولة - بدرجة كبيرة - عن تكريس مجموعة من (النزعات المرضية في هذه الثقافة وكانت مسؤولة عن الخسارات الفكرية التي مني بها الوعي السياسي العربي في امتحانات مصيرية).

3- تحد إجرائي: لا شك في أن قطاع توزيع الثقافة في العالم العربي من أكثر القطاعات تخلفاً إن لم يكن أكثرها على الإطلاق، ولا يمكن قياس الجهد الرسمي المبذول في تطوير بناه التحتية الارتكازية بالجهد المبذول - مثلاً - في تطوير البنى التحتية لقطاع السياحة أو المبذول في تشييد ملاعب كرة القدم.. وهذا منتهى التعبير عن طبيعة ونوع اختيارات النخب المسيطرة في البلاد العربية، ومنتهى الإفصاح عن ضمور الشعور بالمسؤولية الجسيمة في النهوض بأوضاع الثقافة القومية حماية للوطن والأمة من السلبية الذاتية والانحطاط الداخلي، ومن التبرير الثقافي الخارجي، في ظل الانكشاف الكلي للمجتمع والثقافة أمام الاستباحة الثقافية والإعلامية الخارجية النشطة عبر عشرات المحطات التلفازية الموجهة إلى العالم.. إذن ما العمل؟

ينبغي أولاً أن يفسح المجال أمام أهل الاختصاص للتمكن من تقديم تصورات حول الاسترتيجيات البديلة التي تحتاج إلى جهد علمي وتكنولوجي وفكري متكامل. وينبغي ثانياً: إعادة هيكلة قطاع توزيع الثقافة وتجديد بنيانه وتطوير وتحديث برامجه لتكون مؤسسات قادرة على المنافسة بعد تحطم الحدود الثقافية والعلمية. ثالثاً: تحديث نظام التربية والتعليم في المدارس والجامعات بحيث يتم تجاوز مسألة التلقي التقليدي السلبي إلى الطريقة التشاركية الحوارية المتضمنة الأسئلة والاكتشاف والمحاورة لتجديد الأفكار والرؤى والمعلومات وتطويرها حسب إمكانات الطالب في العملية التعليمية...

حواس محمود/مجلة الطريق/العدد1/2001