إستشــراف آفــاق الحركــة التغييريــة في العالم من منظور إســلامي

إقتباسات من فكر الإمـام الشيرازي من كتاب لم ينشر بعد بعنوان: 

(الفقه المستقبل)(1)

عالمنا اليوم يشهد حركة قوية وواسعة نحو المستقبل، وعلى كافة الأصعدة؛ في الطب والهندسة والزراعة والصناعة وغيرها، مما يفرض على الإنسان أن يكون مستعداً لمواكبة ومجاراة حركة التغيير والتجدد لاستقبال الغد بغية التكيف معه، وربطه بالحاضر والماضي إبقاءً على الجذور والأصالة في كل مسير أو وجهة نحو المستقبل، وهو ما يعني أيضا امتلاك ناصية الأمور حتى لا تنحدر انحدارا يخشى أن يؤدي إلى قطع حلقة الوصل في النسق الحضاري للأمة التي تحمل هوية ميّزتها عن بقية الأمم، وهي هوية رأس عنوانها الانتماء إلى الدين القويم وحفظ الأمانة المتمثلة في النهوض بأعباء الرسالة المحمدية الخالدة، ولا يتيسّر ذلك إلا بالتزام نهج الأمة الوسط التي قوامها التوحيد والتزام نهج الاعتدال في جميع الشؤون والميادين، والثبات عليه أبداً دون زيغ أو شطط مهما كانت أو ستكون عليه الأوضاع في الحاضر والمستقبل، وهو أمر غير عسير تحققه ودوامه، إذا ما لازمه الوعي التام والاستعداد الكامل لاستيعاب جميع المتغيرات مهما بلغ مداها، والسدُّ على جميع احتمالات الانجراف والقطيعة مع الجذور والأصول ذلك أن الانقطاع والانفصام الذي يمكن أن يحدثه أي جديد أو تيار تغييري مهما كان عنوانه أو طبيعته، هو مما يخشى ضرره ولا يرجى نفعه في كثير، والدليل على ذلك يمكن لمسه بوضوح في التجارب القريبة التي خاضتها الأمم والشعوب، وأقربها تجربة الحضارة المادية الغربية، التي ملاكها الآلة، حتى صار المآل لما نرى من سقوط للإنسان في مهاوٍ سحيقة من الرذيلة والتميع الأخلاقي وسيطرة قيم السوق المحدودة في الربح والخسارة.

إذن ينبغي أن يركز الاهتمام على إعداد الخطط والبرامج الدقيقة والواقعية التي تصوغ شخصية الإنسان المسلم وفق مبادئ ومفاهيم الإسلام، وإنما حصانة هذا الإنسان تتحقق بتقوية صلته بجذوره الثابتة وتراثه الخالد...

محوريـــة الإنســـان

وغاية القول أن الإنسان هو المحور، حيث قال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، وفي المستقبل أيضا سيكون الإنسان هو المحور الرئيسي في الكون وليس المادة أو القوانين الوضعية كما قامت عليها الحضارة الغربية، وستصبح مسألة حقوق الإنسان القضية الأولى في العالم، فتضطر الحكومات إلى الإذعان والاستجابة لما بينه الإسلام في باب حقوق الإنسان، ولمقررات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي سيتحول من مجرد توصية إلى قانون دولي فيه صفة الإلزام، وهذا لا يتم إلا بتكثيف الإشراف العالمي وكثرة المؤسسات المختصة بحقوق الإنسان وسعة صلاحيتها.

لا إجـبــــار ولا قســـر

يرفض الإسلام القسر والجبر، إذ قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (2) ومع تنامي وعي الناس لا مجال لأي عمل إجباري أو قسري كالذي فعله (ستالين) في الاتحاد السوفييتي السابق عندما أجبر الناس على العمل في المزارع الجماعية، وكما فعل ذلك (موتسي تونغ) في الصين الشعبية، ومثلما تفعله أغلب الدول في العالم اليوم، حيث تفرض تكاليف إجبارية على الناس كالجندية وما أشبه ذلك، فسيجد الإنسان في المستقبل إرادته وحريته وأنه ليس على استعداد للتنازل عنها. وهذا لا يعني التضارب بين إرادة الناس وإرادة الدولة، بل سيشهد المستقبل انسجاماً بين الإرادتين. فمثلاً عندما تكون هناك حاجة للانخراط في سلك الجندية، فيمكن الجمع بين إرادة الاختيار لدى الإنسان وبين حاجات الدولة، بفتح أماكن لتسجيل أسماء من يرغب في التطوع في سلك الجندية أي جعل الجندية على نحو الاختيار، أو أن تصبح الجندية أمراً على هامش حياة الأفراد، وذلك بأن تقدم الدولة على فتح أماكن للتدريب يذهب إليها الأفراد ثم يعودون إلى مزاولة أنشطتهم المختلفة. وتبقى مسألة الدفاع والجهاد، فإذا توجه الخطر إلى الأمة، فِإن كل من مارس التدريب اللازم سيقوم بحمل السلاح والتوجه إلى الجبهات لأداء واجب الجهاد.

إلغـــــاء الضرائـــــب

لا ضرائب في الإسلام إلا ما قرره الشرع وسيتجه العالم نحو إلغاء الضرائب أو خفضها إلى حد لا يعتد به، فإن قسماً من ضرائب اليوم يصرف في أمور غير مهمة كالتقاعد مثلاً، فإن منح التقاعد لا يخلو من أمرين؛ فإما أن يكون المتقاعد متمكناً أو موسراً أو هو يشتغل بأعمال أخرى، ففي هذه الحالات يترك وشأنه، وإن كان المتقاعد معسراً فيعطى من بيت المال، وبيت المال من الضروريات في المذهب.

وفي الإسلام تنعدم الضرائب إلا في أربع: في الخمس والزكاة والجزية والخراج، وفي غيرها لا يجوز الأخذ.

إقامــــة المؤسـســـات

يلزم إقامة مختلف المؤسسات في سبيل تقدم الإنسان وسيزداد في المستقبل عدد المؤسسات بمختلف أنواعها، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والعسكرية وغيرها، لأن البشرية ماضية نحو المزيد من التنظيم والترتيب، وهذا ما تقرّه الفطرة البشرية والعقل الإنساني، اللذان يدعوان إلى الاجتماع والتعاون، لأن بدونهما لا يستطيع الإنسان تحقيق أهدافه، وقد ورد في الحديث الشريف: (يد الله مع الجماعة) (3).

وتفتقر الكثير من دول العالم إلى المؤسسات، وحتى بعض الدول المتحضرة في الغرب تعاني هي أيضا من نقص في المؤسسات، بسبب المعوقات القانونية التي تحول دون إقامة هذه المؤسسات.

إن وجود الرغبة الاجتماعية والروح الجماعية وتحسس أهمية التعاون، هي المقدمات الأساسية لقيام المؤسسات.

أما الروح الفردية وعدم الرغبة في التعاون، فهي عوامل تنسف هذه المؤسسات، ولما كانت المسيرة البشرية تسير قدماً نحو التعاون والألفة والتكافل الاجتماعي فإن ثمار هذه المسيرة ستكون قيام المؤسسات بكافة أصنافها.

الأمـــــة الواحـــدة

لابد من تطبيق قانون الأمة الواحدة، فشعوب الأرض ماضية إلى التكتل والوحدة، فهذه الصين أصبحت تضم أكثر من مليار من البشر المتآلفين. وهذه الهند التي تضم قرابة مليار من البشر متحدين رغم تنوع أديانها واقتصادياتها ومناخاتها ولغاتها وأخلاقياتها.

وهذه أوربا تجاوزت قروناً من الصراع والنزاع، ووصلت اليوم إلى مستوى كبير من التعاون والتكاتف، فأزالت الحدود وجعلت من عملتها عملة واحدة، وبقي أن تقرر انتخاب رئيس واحد أو شورى الرئاسة لتقود القارة الأوربية بدلاً من عشرات الرؤساء الذين يحكمونها فرادى.

والأمة الإسلامية لا تعيش في جزيرة منفصلة عن العالم، فإن قانون التوحد سيشملها أيضا كما شمل بقية الشعوب، سيما وأن المحفزات لقيام التوحد في البلاد الإسلامية هي أقوى مما كانت تمتلكها أوربا والصين والهند.

فالشعوب الإسلامية تتطلع بشوق نحو الوحدة، بعد أن أصبحت في فترة من الزمن حقل تجارب لجميع المبادئ والأفكار الهدامة.. والقرآن الكريم يأمر بالوحدة: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (4).

وإن الإسلام قد بدأ بأمة واحدة وامتد تاريخ هذه الأمة حتى زمن هارون العباسي، حيث سبب فساده تمزق الأمة وتجزئتها ثم بقي هذا التمزق وكثر حتى وصل الأمر إلى زماننا هذا، حيث إن الأوضاع الداخلية والقوى الأجنبية أضحت سبباً لتفتيت المسلمين إلى اثنتين وخمسين دولة وأكثر، تعاني كل دولة منها من المشاكل الشيء الكثير.

وحيث إن المستقبل للعلم والعقلانية، فإن الأمة سترجع إلى تماسكها الذي كانت عليه، وستقرر في يوم من الأيام إزالة الحدود الجغرافية بين البلاد الإسلامية.

الأخــــوة الإسلاميــــة

ينبغي تطبيق قانون الأخوة الإسلامية فإن المصائر المشتركة والمعاناة الكبيرة ستجمع الأمة الإسلامية وستجعل من كل اثنين كياناً واحداً، فالأخوة الإسلامية ليست شعاراً في المستقبل بل ستجد طريقها للتطبيق، لأن الواقع يفرض ذلك.

ومعنى الأخوة أن لكل مسلم ما للمسلم الآخر، من زواج بعضم لبعض وتملّكهم للأراضي وشرائهم وبيعهم وسائر شؤونهم، وستنتهي وإلى الأبد العوامل المفرّقة للأمة الإسلامية والمحبطة لروح الأخوة كاللغة واللون والقومية والعرقية و...، وسترجع كذلك الأخوة الإنسانية بعد أن تذوب الفروقات، وتنتهي وإلى الأبد روح الطبقية، فالناس في نظر القرآن إخوان في الإنسانية (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً) (5)، (وَإِخْوَانُ لُوطٍ) (6).

يقول الإمام علي (عليه السلام): (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) (7)، وفي البيت المنسوب إليه(عليه السلام):

الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء(8)

وورد أن رسول الله (عليه السلام) قام لأجل مرور جنازة يهودي.

وقد قال سبحانه: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (9).

الحــــــريــات الإسلامـيـــة

كما يلزم تطبيق قانون الحريات الإسلامية، فإنه ستعود في المستقبل بإذن الله سبحانه وتعالى كافة الحريات الإسلامية، كاملة غير منقوصة، ذلك لأن الطبيعة الإنسانية تواقة إلى الحرية، وراغبة في تحطيم القيود وإزالة مظاهر الكبت وهذا أمر فطري وعقلائي.

وتشمل الحريات كافة مناحي الحياة وأنشطتها المشروعة كحرية الزراعة والصناعة والتجارة والعمارة والسفر والإقامة ..

فكل المباحات والحيازات الشرعية - كحيازة الأرض وما فيها - تشملها الحريات، فالإنسان حر في كل شيء بشرطين أساسيين:

الأول: أن لا تكون حريته تشكل ضرراً على الآخرين سواء كان ضرراً بالغاً، أو غير بالغ.

نعم، يحق للغير الإجازة إذا لم يكن عليه ضرر بالغ، وإلا فالضرر البالغ محرم لا يجوز للإنسان أن يجيزه أيضا.

ويدخل تحت هذا العنوان الإضرار بالأجيال، فإن الله سبحانه وتعالى لم يودع في الكون هذه الودائع الكبيرة لجيل واحد أو لجيلين أو ثلاثة، بل لأجيال ممتدة، كالنفط المخزون في باطن الأرض، فهو ليس خاصاً بجيل دون جيل فلسنا أحراراً في استخراج ما نريد من النفط إلا بقدر الحاجة المتعارفة. وليس من الحاجة التجميل الإسرافي أو شراء هذا المخزون الهائل من الأسلحة الفتاكة، لأن ذلك سيسبب حرجاً وضيقاً للأجيال القادمة التي ستأتي في يوم ينضب فيه النفط.

الثاني: أن لا يكون العمل محرماً مثل المتاجرة بالخمر ولحم الخنزير والجنس أو ما أشبه ذلك، وقد تناولنا موضوع الحريات بشكل مستقل في الفقه (كتاب الحريات)، فبناءً على هذا لا يجوز وضع القيود على هذه الحريات.

العـــدالـــــــة

إلى ذلك يجب تطبيق قانون العدالة، فالطبيعة البشرية تبحث عن العدالة، والعالم يسوده العدل في يوم من الأيام، والعدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه، وهي ليست بمعنى المساواة، إذ ربما تكون المساواة من الظلم لأنه من الظلم أن يتساوى طعام إنسان كبير مع إنسان صغير، أو أن تتساوى عائلة عدد أفرادها خمسة مع عائلة ذات ثلاثة أفراد.

والعدالة مطلوبة في كل ميادين الحياة وليس في القضاء وحده، بل الاقتصاد والاجتماع والتربية والسياسة والنظام العسكري والحياة الثقافية.

فلابدّ أن تقود هذه الأنشطة روحٌ عالية هي العدالة، وهي دعوة العقل والعقلاء، وهي نداء الفطرة السليمة التي لابد منها.

الإنصــــــاف

إن تطبيق قانون الإنصاف أمر لازم، والإنصاف غير العدل، إذ ربما تكون المعاملة صحيحة لكنها خلاف الإنصاف، كأن يضطر إنسان إلى بيع داره من أجل علاج ابنه، فيستغلّ المشتري اضطراره بأن يشتري الدار بأقل قيمة، فالبيع هنا صحيح ولم يفعل المشتري حراماً، لكنه بعيد عن الإنصاف.

وكلما تراضى أبناء المجتمع الواحد ساد الإنصاف بينهم، ولما كانت المجتمعات البشرية مضطرة في المستقبل إلى التلاحم والتراضي، فمن المؤكد أنها ستكون متصفة بالإنصاف إلى جانب بقية الصفات والفضائل الأخرى.

الأرض لله ولمــن عـمــرهـا

حكم الأرض حكم سائر المباحات، فالأرض سيكون مثلها مثل الهواء والماء والنور والدفء، وهي ملك البشرية قاطبة، فمن حق كل فرد أن يحيي أرضاً ليسكن عليها ويستفيد منها في منافعه المشروعة، وهذا الحق محدود بقدر حاجته على أن لا يكون مزاحماً للآخرين.

والفطرة تدعو إلى مطالبة الإنسان بهذا الحق، فلو كان لدينا ألف إنسان وعندهم مليون متر من الأراضي غير المملوكة، فيتم توزيع ألف متر لكل فرد من الأفراد. أما لو أراد أحدهم أكثر من حقه المشروع فسيبقى البعض في العراء بلا ملك، وهذا هو أمر فطري وعقلائي وطبيعي بالنسبة إلى الأرض، فلا شيء منها لأحد قبل أن يستملكه أحد، أما إذا استملكه وعمّره فهو له، لذا وضع الإسلام قاعدة مهمة: (الأرض لله ولمن عمرها) (10).

لا تــــعذيب في السجــــون

لا يجوز استخدام التعذيب، فالتعذيب حرام مطلقاً - سواء في السجن أو خارجه - لأنه امتهان للكرامة الإنسانية بالنسبة للمعذَّب، أما المعذِّب فهو إنسان مهان ويجرد نفسه عن الإنسانية، وكذلك من يشاهد التعذيب - عيناً أو علماً - ويستطيع أن يفعل شيئا ويسكت فهو يجرد نفسه عن إنسانيته. ولما كانت البشرية في طريقها لاسترداد حقوقها، ولما كانت الدعوة إلى حقوق الإنسان أقوى دعوة في المستقبل، فلا مجال لممارسة التعذيب.

التـقـليـــل من حجـــم الـقوانيــن

لا حاجة لهذه الكثرة من القوانين التي فرضها البشر على نفسه أو على بني نوعه، فالقوانين إذا كثرت تتلاشى قابلية التنفيذ، وقد قالوا في المثل: (إذا أردت أن لا تطاع فأمر بما لا يستطاع)، وكثرة القوانين إما ناشئة عن جهل أو عن غرور، وكلاهما آخذان في الزوال نتيجة انتشار الوعي، وبسبب الأنشطة الحقوقية التي تقوم بها جمعيات حقوق الإنسان وما أشبه ذلك.

ولهذا رأينا الحكمة في التشريع الإسلامي عندما اتخذ سياسة التقليل من القوانين الاقتضائية والإلزامية، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك) (11)، وهذا واحد من الأمثلة التي يريد الإسلام من خلالها أن يبين يسره، حتى يعيش الناس في راحة تامة.

الـتـقــليـــل من السجــــون

لا حاجة أيضا إلى هذه الكثرة من السجون في المستقبل، إذ لا مكان لتقييد حرية الإنسان إطلاقاً إلا في موارد ضرورية جداً، ولا مكان للجريمة في المستقبل بعد انتشار العدالة وانتشار الوعي وإعطاء كل إنسان حقه.

فالسجون تأتي نتيجة الظلم والتعسف والانحراف عن خط الوعي والفطرة البشرية، وإذا وجدت السجون بعددها القليل، فيجب أن تتصف بأمور تعليمية وترفيهية كاملة تتناسب مع كرامة الإنسان وحقوقه الشرعية.

نـبــــــذ العنــــــــف

لا عنف في الإسلام، إذ ليس العنف من صفة الإنسان، بل هو من صفات الوحوش الكاسرة، والعنف - عادةً - يأتي مرافقاً للظلم، فإذا انتهى الظلم توقف العنف من الجانبين، من الظالم ومن المظلوم الذي يضطر في بعض الأحيان إلى استخدام العنف للمطالبة بحقه.

كما يلزم نشر وتطبيق قانون الإسلام، فإنه كلما زاد وعي المسلمين زادت علائقهم الأخوية مع الآخرين، باعتبار أن (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، والدليل على ذلك هو وجود المسلمين وغير المسلمين في بلاد كثيرة من أوربا يعيشون في وئام وسلام وطمأنينة.

القضاء على وسائل الإبادة الجماعية

لا بد من القضاء على وسائل الإبادة الجماعية، كالقنبلة الذرية، والجرثومية والهيدروجينية، والصواريخ البعيدة المدى وما أشبه ذلك من وسائل الفتك والقتل، التي سوف لن تجد سوقاً لها مع وجود الرغبة الجماعية في التعايش السلمي، فهذه الأسلحة لا تفتك بجماعة دون جماعة، فاستخدامها سيسبب الدمار للجميع، وهذه الحقيقة باتت تقضّ مضاجع الأمم المتحدة والشعوب والدول التي اضطرت لأن تعيش في منظومة أمنية بعيداً عن احتمالات استخدام هذه الأسلحة.

ضرورة العنايــة بالبيئـــة

من الضروري الاهتمام بنظافة البيئة والقضاء على ملوّثاتها في المستقبل، كالخروقات التي أوجدتها الملوثات في طبقة الأوزون، وما تسبب في ظهور التصحر.

فملوثات البيئة هي نتيجة حتمية للجشع والاستغلال والاستعلاء وما أشبه ذلك، فلو توقف الاستغلال، فإن البيئة ستعود إلى حالتها الأولى خضراء غنّاء.

إن تشبث الإنسان بالحياة في المستقبل لكفيل بزوال هذه الظاهرة وهذه الأمراض الوبيلة.

وإلى ذلك يلزم العمل لنشر الثقافة، فلا تجد أمية في المستقبل لسعة الحضارة وسرعة الاتصالات ولأن الجميع سيكشفون فوائد العلم، فيقبلون على الدراسة، كما وأن وسائل التعليم ستكون أكثر بساطة من الآن، فيستطيع المرء أن يتعلم حتى وهو في بيته، حتى النساء سيجدن فرصة كافية للتعليم أو التعلم.

وهكذا تكثر المراتب الرفيعة من العلم في مختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والعسكرية، وغيرها..، حيث إن رقيّ الإنسان في المستقبل سيدفعه دائماً إلى اتخاذ القرارات الصائبة في التعليم وغيره من الأنشطة.

الرجـــوع إلى قانــون من سبــق

يلزم تطبيق قانون (من سبق) فإن من حق الإنسان الاستفادة من خيرات الأرض سواء من الغابات أو البحار أو المعادن أو من ضوء الشمس أو من الهواء وفق قانون (من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحق به) (12).

مثلاً ضوء الشمس يستفاد منه في توليد الطاقة وتشغيل السيارات وفي استخدام الوسائل المنزلية كالغسالات والثلاجات، وكذا استخراج الطاقة الكهربائية من طاقة الأرض الحرارية أو طاقة الرياح وما أشبه.

فليس لأحد سلطة على استغلال واستثمار هذه الطاقات، وليس لأحد الحق في أخذ الضريبة على ذلك. وهذا هو قانون الفطرة وقانون الحق الذي يصرّح بأحقية البشرية في استثمار الطاقات وإن إلغاء هذا القانون ولد للبشرية مشاكل كثيرة منها زيادة نسبة البطالة في العالم.

ومن الواضح أن المستقبل يسير وفقاً للفطرة البشرية المنسجمة مع معطيات العقل الذي يقرّ هذه الحقوق المشروعة للبشرية، فلابدّ من الرجوع إلى هذه الحقوق وإلى هذا القانون. وقد سمينا مثل هذا الأمر رجوعاً، لأن الناس بطبيعتهم كانوا هكذا في السابق.

مكافحــة الأمـراض الفتاكــة

من المهم جداً العمل لتقليل الأمراض وقاية وعلاجاً، فهناك أمراض شائعة منشأها القلق والاضطرابات النفسية كمرض السرطان والضغط الدموي والسكر، وهناك أمراض منشأها ارتكاب المحرمات كالإيدز والسفلس، وهناك أمراض ناتجة عن استخدام الأسمدة الكيماوية ومبيدات الحشرات وأخرى عن استخدام العقاقير الطبية، فإن بعض الأدوية لها مضاعفات جانبية.

ولما كان المستقبل هو مستقبل الهدوء والطمأنينة والإيمان، فإن أغلب هذه الأمراض ستزول مع عودة البشرية إلى فطرتها وإلى تحكيم العقل والدين في المأكل والمشرب والأمور الجنسية.

وبالتقدم العلمي ستكتشف البشرية أدوية من الأعشاب تكون بديلة للعقاقير الكيماوية، وقد لاحظنا في الآونة الآخيرة عودة الأطباء إلى الطبيعة باستثمار الأعشاب في المعالجات المعقدة كالسكري والسرطان.

نعم؛ إننا لا ننكر أهمية المكتشفات الحديثة والمفيدة في الطب كعلم التشريح.

الهوامـــــش  :

(1)تحقيق ونشر مؤسسة الوعي الإسلامي - بيروت لبنان.

(2) البقرة: 256.

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج10 ص280.

(4) الأنبياء: 92.

(5) الأعراف: 65، هود: 50.

(6) ق: 13.

(7) نهج البلاغة: باب الرسائل ص530، بحار الأنوار: ج33 ص600 ح744.

(8) ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص13، وأكفاء جمع كفؤ وهو المثل والنظير وكذا يقال للمساوي.

(9) الممتحنة: 8.

(10) الكافي (فروع): ج5 ص279، وسائل الشيعة: ج17 ص328 ب3 ح1.

(11) مكارم الأخلاق.

(12) غوالي اللئالي: ج3 ص480.