مجلة النبأ      العدد  52      شهر رمضان  1421      كانون الاول  2000

 

إدارة الخلاف


المظاهر والمعالجات

[email protected] فاضل الصفّار

 

امتصاص الغضب

هل الخلاف حالة سلبية 

فهم الخلاف

امتصاص الغضب وتوجيه الخلاف

التفاوض البنّاء

الاعتراف ببعض النقد ضرورة

التعاطي مع الانتقاد اللاذع

البدائل المقبولة

 

ثبت عمليّاً في العديد من النزاعات أن التأقلم مع الحالة والمعايشة معها يشكّل أوّل مفاتيح الحلّ.

ولكن الملحوظ أيضاً أن التعايش مع الحالات السلبية والأوضاع التي لا نتوافق معها في المظاهر والأساليب يعدّ من أصعب الأمور وأكثرها ضغطاً على القلب والأعصاب لذلك كان من الضروري تناول بعض الطرق العملية للوصول إلى أساليب اكثر فاعلية للتعاطي مع الأفراد الصعبين المراس والتعامل مع حالاتهم الخاصة التي تحدثنا عنها سابقاً من اللاتوازن أو الحدّية أو التصرفات الأخرى المثيرة للغضب.

طبعاً وقبل كلّ شيء نذكّر بوجود طرق عامة يمكن تطبيقها على كل تلك الأنماط من الشخصيات والحالات من أبرزها ما يلي:

1 - امتصاص الغضب وتوجيه الخلاف.

2 - إدارة الانتقاد واحتواء المنتقِد.

3 - التفاوض.

من الواضح أن أكثر الأمور تأثيراً ومساعدة على الحلّ هو المعرفة الكافية بالأشخاص الصعبين وتشخيص سلوكهم ودوافعهم لأنه يشكل الخطوة الحاسمة للتعامل الفعّال معه فإن تشخيص موضع الخلل ومظاهره وسلوكه يعطينا تركيزاً أكبر على المشكلة المحدّدة وتفادي الدخول بالهامشيات أو الأمور التي تنأى عن أصل الموضوع وتزيد الوضع سخونة وتوتّراً. في الوقت الذي تعطينا قدرة أكبر على تجنّب الاستفزازات التي تثير الطرف الآخر وتدفعه إلى التمادي في الخلاف.

وهذا لا يتم إلا عبر التشخيص الأوّلي للمشكلة ومعرفة الشخص الصعب ودوافعه وسلوكه لأن البعض إذا بقي يعاني من انعدام الرؤية الواضحة أو انسدّ أمامه طريق التشخيص ربما يتناول الموضوع من غير أبوابه أو يخوض في جوانب الموضوع بدل الدخول في صلبه فيبدأ بإعطاء تعليقات عامة على مستوى أداء الفرد أو طريقة عمله أو يتهجّم على شخصيته أو موقفه وهذا أمر لا يحتمله اكثر الناس فإن معظم الأشخاص يمتعضون من انتقاد أدائهم أو التعليق عليه بطرق جافّة أو باردة فيزيدهم توتّراً وحماساً للخلاف وهو أمر من شأنه أن يرفع من وتيرة الأزمة ويزيد من صعوبة الفرد الصعب بما يتعذّر معالجته.

لذلك فإن المهم الاكتفاء بالتركيز على معرفة السلوك المحدّد الذي يبرز على أعمال الأفراد الصعبين والتوقّف عند مظاهره وأبعاده لأنه هو المعني دون الخوض فيما لا يعني لأنه يمنعنا من التعايش الإيجابي مع المشكلة فضلاً عن وجدان الطريقة السليمة الموصلة إلى الحل.

طبعاً لا ننكر أننا بشر والبشر من شأنه أن يتألّم ويتوتّر ويغضب إذا واجه أفعالاً أو ردود أفعال لا يتوقعها أو تجرحه وتؤذيه ولكن ينبغي أن نعرف أيضاً أننا لا يمكن أن نكون شفّافين إلى درجة عالية من الحساسية بحيث تنخدش مشاعرنا لأدنى الأمور كما لا يمكن أن نكون على استعداد لمواصلة الأزمات والتوترات في طول أوقاتنا ومع مختلف الأفراد..

إذن علينا أن نتعلّم فن إدارة الخلاف.. ومن افضل طرق إدارة الخلاف أن نقوم بامتصاص الغضب في وقت فورانه من أجل معالجة أسبابه في وقت هدوئه..

وهذا لا شك يتطلّب منا مهارة كبيرة على التأقلم والمعايشة مع أسوأ الحالات وأصعبها، أو قل يتطلّب منّا ملكة نفسية كبيرة على تحمّل ذلك والسيطرة على النفس والأعصاب. وهو أمر صعب للغاية إلا أننا لا يمكن أن نستغني عنه لأننا إذا واجهنا الغضب بالغضب فمعناه فقدنا السيطرة على الموقف وبالتالي تحترق أعصابنا بنار الأزمة وتتحطّم شخصيتنا أمام الآخرين فضلاً عن تضييع الحلول السليمة. ومن الواضح أن الخسائر التي تترتّب عليه فادحة سواء في صحتنا أو نجاحاتنا أو احترامنا وموقعيّتنا بين الآخرين، وقد ورد عن مولانا الإمام الصادق (ع): (من كف غضبه ستر الله عورته)(1).

إن البعض يتصوّر خطأً أن الموقف في وقت الغضب لا يخلو من حالتين:

إما الخوض في الحرب مع الطرف الآخر وردع الاعتداء بمثله.

أو السكوت المطلق وبالتالي هو هروب وهزيمة لا تحتمل، كما أنها تشجع الآخرين على التعامل معنا بنفس الأسلوب.

وحيث أن الثاني أسوأ من الأول لذلك يقابل العنف بالعنف والغضب بالغضب ومن الواضح أن جمع الغضبين يشكل غضباً أكبر ويشعل نيراناً من الصعب إطفاؤها ولكنه لو تأمل في الأفضل وفكّر في الطرق الأخرى سيجد أن أبواب الحلول مفتّحة أمامه مع خسائر أقل بل مع أرباح جيدة قد لا تكن في الحسبان.

وهي لا تتطلّب منا سوى المزيد من ضبط النفس والتمرّس على التأقلم مع الآخرين والتعايش مع مختلف الحالات.

فهم الخلاف

لا مجال لأي أحدٍ منّا أن ينكر أن الوضع الإنساني مشحون بالخلافات التي لا يمكن تفاديها حتى لو اتبعنا أفضل الأساليب تقنية لأن طبيعة اختلاف الأذواق والمشاعر والتفكير والمصالح والأهداف وغير ذلك تفرض هذا اللون من الحياة ولعلّ هذا سرّ من الأسرار الإلهية في الوجود للقضاء على الرتابة في الحياة أو الفتور في العمل أو الملل من النمط الواحد بل هو سرّ من أسرار التقدم والسعي نحو الأفضل فضلاً عن سنّة الامتحان والاختبار التي بها تتجلّى مهارات الناس وأعمالهم ويقع الجميع في المحك لتظهر معادنهم ومن كان على المستوى اللائق إنسانياً وعقلياً ليحظى بقرب الله سبحانه وتمييزه من ذلك الأبعد كما هو المستفاد من جملة من الآيات والروايات ولعلّ قوله سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (2) يتضمن الإشارة إلى هذا المضمون.

وأدلّ دليل على سنة الاختلاف هو الوجدان الخارجي لكل واحد منا فإنا نرى الحياة الاجتماعية والإنسانية مفعمة بالأوضاع المتضاربة حتى عند أعلى الناس مستوىً في العقل والتفكير، ويتجلّى هذا التضارب باستمرار ابتداءً من أعقد المهام والوظائف إلى أبسطها، أنظر:

* عدم الاستقرار السياسي في العالم.

* انعدام الأمن والطمأنينة.

* ارتفاع معدلات الجرائم.

* الموت المبكّر للأحباء والأصدقاء بأمراض مستعصية عديدة، كالقلب والسرطان والنوبات.

* ارتفاع نسبة الطلاق.

* ارتفاع نسبة التوترات الداخلية والخارجية بين الدول والشعوب.

هذا مؤشر قوي في البعد الاجتماعي العام، وفي البعد الخاص:

* انقسام الشركات الكبيرة والصغيرة على نفسها.

* انقسام الأحزاب والمؤسسات.

* قطيعة الأرحام والأقارب.

* الخلافات وسوء التفاهم بين الأشخاص.

* الشكايات. وغير ذلك من مظاهر الخلاف والاضطراب في العلاقات الإنسانية والاجتماعية..

إذن لا مجال لإنكار الخلاف أو التهرّب منه لذا فإن الأفضل أن نتعامل معه على أنه موجود فنتعايش معه من أجل تقليله أو تخفيف حدّته.. فإنا بذلك نمنع من الفوضى ونمنع من التدمير وخراب الحرث والنسل.. وإن كنا لا نتمكن من إلغائه بالكامل - والمعجزة الحقيقية هي هنا - لأن الخلاف حالة طبيعية وهو (إذا اتخذت أهدافه وأساليبه المنطقية) حالة إيجابية تدلّ على وجود الحس والتفكير والتنافس واختلاف الطموحات فهو دليل قوي على أن الأمور تجري في المسار الصحيح بخلاف ما إذا لم تجد خلافاً ولا تضارباً فإنه حالة سلبية ومؤشر قوي على موت الطاقات وقتل الإرادات وتحطّم الطموحات.

انظر البلدان التي يحكمها الاستبداد لا تجد خلافاً ظاهراً ولا تضارب في المواقف والكل بحسب الظاهر يمثّله رأي الحاكم وطاقات الشعب ملخّصة في قدراته وخططه ولكن العدّ التنازلي للبلد باستمرار إلى الوراء.. بدءً من الطفولة والتربية والتعليم إلى السياسة والأمن والصناعة والتجارة والرفاه والاستقرار.

إن البعض يفتخر بأن الديكتاتورية وحدة للشعب وانعدام للخلاف بينما الحرية والتعددية فوضى واضطراب ولكنه غفل عن أن التعددية إذا كانت إيجابية هي عامل خير وتقدّم وتفوّق للجميع..

بل ووحدة حقيقية في الوقت المناسب، والوحدة المكبوتة بالقمع والسجون وإلغاء الرأي الآخر هي وحدة مزيّفة يكمن في باطنها أعمق الخلافات والصراعات تظهر بشكل جلي وواضح عند الأزمة، انظر تاريخ الاستبداد والحكومات المستبدة ستجد ذلك جلياً وواضحاً في الحروب الأهلية والتفكك.

إذن الخلاف صورة من صور الحياة الإيجابية إذا سار في الاتجاه الصحيح وإذا اقترن بالحوار الهادئ والنقد البنّاء وفهم الخلاف والتعايش معه على أنه حالة لا بدّ منها والقدرة والمهارة تظهران في تخفيف حدّته وتوجيهه بالاتجاهات البنّاءة والصحيحة التي تخدم الجميع أما الهروب منه أو التخوّف منه أو تحويله إلى حروب سلبيّة فهذا الأمر الضار الذي ينبغي علينا الالتفات إليه وتجنّبه مهما أوتينا من حنكة وخبرة وحكمة.

هل الخلاف حالة سلبية؟

ليست الخلافات كلها سيئة.. كما أن الخلاف النبيل الذي يظهر في الحوار والنقاش الهادئ أو بالتنافس في الأعمال الإيجابية أو المعبّر عنه في الوقت الملائم يمكن أن يكون مفيداً لتنميتنا جميعاً وحمايتنا من الأضرار الكبيرة كما يمكن أن يكون موعداً مع انطلاقة جديدة بحماس وحيويّة وتعاون وبالتالي فإن الخلاف قد يكون طريقاً للمزيد من الإبداع والابتكار لأنه يوفر حوافز التحدّي والتطور والتغيير.

* كما أن الكبت المستمر للمشاعر وقمع التوترات النفسية أو العصبية التي قد يسبّبها لنا الآخرون في سلوكهم أو مواقفهم قد يكون مؤذياً ويشكّل كارثة حقيقية على صحتنا.. والمعروف المشهور بين أطباء الصحة أن الأفراد الذين يضمرون العدائية ويكبتون الغضب أوان تفجّره معرضون أكثر لــلإصابة بالأمراض القلبية والنوبات المفاجئة.

هذا فضلاً عمّا يسببه من تحطيم لشخصياتنا وربما يصيبنا بالإحباط والتراجع في الصُّعُد الاجتماعية والعملية.

* كما ليس من الخطأ الشعور بالغضب أو التوتر حين نواجه أوضاعاً مؤلمة في المؤسسة أو محلّ العمل أو في الساحة العامّة..

كما ليس من العيب أن نتأذّى من كلمة أو موقف متهوّر يواجهنا به زميل أو مدير أو حبيب أو قريب لأن هذا مقتضى الطبع الإنساني فينا الذي أودعه الله سبحانه في نفوسنا لتتجلّى فيه جملة من المكارم والفضائل في وقتها المناسب كالغيرة والحميّة والشجاعة والشهامة وغير ذلك إلا أن العيب والنقص في انعكاس آثار الغضب سلبياً على سلوكنا ومواقفنا حتى يخرجنا من العقل والمنطق وفي بعض الأحيان يخرج الغضوب عن طاعة الله سبحانه ويقع في مهوى معصيته بسبب عدم تمالك غضبه.

وقد روي عن رسول الله (ص): (إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقّد في قلب ابن آدم وإن أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه)(3).

كما ورد عن مولانـــا أمير المؤمنين (ع): (الغضب نار مـــوقدة من كـــظمه أطفأها ومن أطلقه كان أوّل مـــن احترق بها)(4).

لذلك فإن الحكمة والعقل يكمنان في اختيارنا لطريقة التصرف تجاه هذا الشعور الخطير الذي يلتهم الأخضر واليابس ولا يبقي ولا يذر.

وأهم طريقة تتجلّى فيها قدرتنا ومستوى فهمنا للأمور تتلخّص في كلمة هي توجيهنا للخلاف وإدارته.. وتتشكّل إدارة الخلاف من خطوتين:

امتصاص الغضب

الأولى: احتواء الطرف الآخر عبر امتصاص غضبه وتفريغ نفسه من شحناتها المكبوتة.

والمظاهر التي تشكّل السلوك الامتصاصي عديدة إذ يمكن أن يكون عبر السكوت المطبق في قبال انفجاره العنيف.

ويمكن أن يكون بالخروج من مجلس المحاورة أو محلّ وقوع النزاع.

ويمكن أن يكون بالمجاملة بالحسنى أو أي شكل آخر من الأشكال السلوكية التي من شأنها أن تمتص النقمة والعداء. وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين (ع): (داووا الغضب بالصمت)(5).

وهذه المواقف العظيمة هي أكثر ما يتجلّى في مسيرة المعصومين (ع) لدى تعاملهم مع خصومهم فضلاً عن أصدقائهم، كما هو معروف مشهور في التواريخ والحديث.

إذن نعيد التذكير بفكرة التعايش والتأقلم مع الطوارئ أو الحالات الشديدة القسوة.. ومن الضروري أن نلفت الانتباه إلى مسألة قد تكون جوهرية في بابها وهي:

علينا أن لا نخشى من انفجار الغضب بقدر ما نخشى من كبته لأن الكبت قد لا يتحمّل بعد مدّة فينفجر بصورة أعنف وأشد قد لا تحمد عقباها..

ولكن انفجار الغضب وإن كان في وقته حالة مؤذية أو تسبّب الإحراج لنا أو للعمل في بعض الأحيان إلا أننا من الضروري أن نسمح بالانفجار قبل أن يتفاقم ما دمنا نسعى لاحتوائه بشكل جيد وإيجابي وهنا تكمن أهمية العديد من الجلسات أو السفرات أو الأوقات المفتوحة في المؤسسات لكي يلتقي الجميع في معزل عن هموم العمل أو الانشغالات المتزايدة لكي تكون قناة جيدة وطبيعية للتنفيس عن الهموم والمعاتبات كما تكون بوتقة جيدة لطبخ الأفكار أو احتواء الأزمات وإدارتها.. وفي الغالب تعاني المؤسسات أو الجماعات التي تفتقر إلى الاجتماعات المستمرة أو انعدام الأوقات المفتوحة التي يلتقي فيها الأفراد والمدراء مع بعضهم من أزمات متفجّرة ومتفاقمة، والسر يكمن في فقدان صمامات الأمان التي تساعد على تفريغ الشحنات في وقت تفاقمها..

البدائل المقبولة

الثانية: السعي لوجدان بدائل مقبولة من شأنها إرضاء الطرفين في طريق الحل.

فإن البديل المناسب يقنع الطرف الآخر على أن مشكلته وصلت إلى الحل فيتنازل عن مضاعفاتها كما تعود بالأجواء إلى الهدوء والطمأنينة فنشعر نحن بالأمان في إدارة المؤسسة بالأسلوب الأفضل في نفس الوقت الذي نكون قد حجّمنا الخلاف إلى أقل المستويات وربما نكون قد قضينا على جذوره.

وهناك عدة طرق يمكن أن تكون أمامناً في معالجة الحالات الصعبة.. نذكرها ويبقى اختيار النمط الأفضل موكولاً إلى كل حالة أو حسب رؤية كل واقعة أو الظروف التي يراها المدير مناسبة له:

الأول: الهيمنة.. رغبة في كسب الخلاف وإدارة الشخص الآخر عبر إرضائه بواسطة مفاتيحه فبعضهم يرضى بالمجاملة وبعضهم بغيرها وهنا تكمن الحنكة في فهم أطرافنا وتشخيص أفعالهم وردودها التي ذكرناها في أوّل البحث.

وغالباً ينجح هذا النمط في السلوك مع الأفراد الحادّين الذين لا يثأرون لقضايا هامة ومصيرية بقدر ما تستفزّهم الهامشيات..

الثاني: التسوية وهي طريقة ناجحة غالباً لحل المشاكل مع الأفراد المفكرين وأصحاب الطروحات العالية إذ لدى كل فرد طموح رغبة في تلبية طلبات كل أطراف الخلاف من خلال العثور على مخرج يرضى به الجميع ليشعر هو بالرضا من نفسه ومن قدرته على التعايش مع الآخرين وكسب رضاهم واحترامهم فضلاً عن قيمة العدل والإنصاف التي هي قيمة ذاتية ينبغي السعي إليها دائماً وفي كل الأحوال كما تؤكّدها الأخبار الواردة عن الأئمة الطاهرين (ع) في تعبيرهم: (بإنصاف الناس من نفسك) ونحوها، ولكي تكون التسوية أكثر فاعلية علينا أن نبدأ بها نحن ولا ننتظر أن يبدأها الآخرون دائماً ولا يخفى علينا قول الصادق (ع): (ليس من الإنصاف مطالبة الإخوان بالإنصاف)(6).

بمعنى: حتى تكون الأفضل اسْعَ أنت دائماً للإنصاف ولكي تكون أنت المنصف ولا تتوقع أن يبدأوك بالإنصاف حتى وإن ظلموك في بادئ الأمر فإن (أعدل الناس من أنصف من ظلمه)(7).

ومن الواضح أن الفرد يكون راضياً إذا حصل على بعض طلباته لكن ينبغي أن يتنازل عن بعضها الآخر رعاية للتسوية والإنصاف فإن أجمل ما في الإنسان أن يجد لغيره من الحق ما يجده لنفسه أيضاً ولا مجال للوصول إلى التسوية إلا بالتنازل عن بعض الرغبات إنصافاً للآخرين وتمسكاً بكسب بعضها الآخر إنصافاً للنفس.

الثالث: التعاون.. وهي طريقة تشعر الفرد الآخر بالمزيد من احترام الرأي والتعاطف مع أزمته فتجعله يقبل بالوسطاء المناسبين لإيجاد الحل المناسب وتصفية العوالق وإيجاد صيغة جديدة للعمل المشترك.

الرابع: الاجتناب.. وهي قدرة متدنية للتعايش مع الخلاف يظهرها البعض لأجل تجنّب الوقوع مع الطرف الآخر فينسحب من المأزق ويترك الساحة لغيره.. وتتجلّى غالباً في سلوك الأفراد الذين لا يحبون المواجهة أو التلوّع بالصعوبات إلا أنها طريقة لا يمكن أن تكون حلاً مناسباً إذا ظلّت بهذا المستوى من الفعل أي إذا توقفت على مجرد الانسحاب هروباً من المواجهة إلا أنها ستكون قوية التأثير إذا تضمّنت الانسحاب مع التخطيط المناسب لاحتواء الأزمة واتباع السلوك المناسب لمعالجتها.. كما قدمنا.

الخامس: المجاملة والمداراة.. وهي طريقة مهذّبة ولطيفة يميل إليها بعض الأفراد للتركيز على حاجات الطرف الآخر وطلباته ورغباته متجاهلين حقوقهم الخاصة.. ولا شك أنها تعبر عن درجة عالية من السمو الروحي والأدب والإيثار إلا أنها أيضاً ليست طريقة ناجحة دائماً لحل الأزمات.. إذا تجرّدت عن التخطيط الكافي للعلاج وبتعبير آخر هي تصلح أن تكون عاملاً مساعداً للحل لأنها تخفّف من وتيرة التوتر وتهدئ من مستوى الغضب إلا أن الحل الحقيقي يبقى في سلوك الطرق العملية الأخرى التي ذكرنا بعضها..

السادس: تبادل الأدوار، فإن بعض الخلافات منشأها الشعور بالهضيمة في الدور والوظيفة التي قد يراها بعض الأفراد غير لائقة بهم في وقت أوكلت إلى من هو أقلّ شأناً منهم أو تكون الوظيفة قد أوكلت إليهم على خلاف رغبتهم أو تكون قد أرهقتهم للمزيد من مسؤولياتها ومتابعاتها الأمر الذي يزيد الأجواء توتراً وشعوراً بالاهتضام لذا يمكن أن يكون تبادل الأدوار بين الأفراد الذين لهم رغبة حقيقية في حل الخصومات أو تغيير الأوضاع ليصل كلّ إلى ما يريده. طريقاً فاعلة لحسم الخلافات.

إذن إذا أردنا أن نوجّه الشخصيات الصعبة بشكل إيجابي وندير الأزمات معهم بطريقة منطقية لابدّ وأن نعوّد أنفسنا على التعايش مع الآخرين بما هم عليه من الصفات والخصوصيات أي نعيش معهم بلا أعصاب ولا توقعات في غير محلّها.. ثم نفهم توجّهات الآخرين لأن هذا يساعدنا على معالجة الأمر معهم بشكل أكثر فاعلية فإننا بهذا نكون أقدر على تحجيم الخلاف أو إلغائه بالمرّة.

ويبقى.. العثور على سبب الخلاف ومعالجته الاستراتيجية الجيدة للوصول إلى حلول مرضية للجميع وللحفاظ على مستوى جيد من الهدوء وراحة البال والمزيد من التعاون والتماسك الداخلي في المؤسسة والجماعة وبهذا نكون قد أخرجنا الخلاف من أطواره السلبية وأبدلناه بفرص كبيرة وبنّاءة للابتكار والخلاقية والنموّ.

ولا ننسى أن الحفاظ على هدفية عالية لدى الأفراد قد يجبر الفرقاء في الخلاف على التعاون والتنسيق وهو من أهم الطموحات التي ينبغي أن ترعاها كل مؤسسة ناجحة لأنه ما من طريقة أخرى لتحقيق الهدف بالأسلوب الأفضل غير التفاهم والتعاون والتنسيق.

التعاطي مع الانتقاد اللاذع

كلّنا واجهنا الانتقاد وسنواجهه في المستقبل أيضاً ويبقى الانتقاد يلعب الدور الأكبر في توجيه الأخطاء والتغيير نحو الأفضل وهذا أمر يقبله الجميع ولكن الأمر الذي قد يختلف عليه الكثيرون هو أسلوب الانتقاد وأهدافه..

فليس كل أحد يحتمل النقد مهما كان وبأي أسلوب يوجه.. لذلك يختلف الناس غالباً في تمييز الانتقاد البنّاء من الهدّام لأن كل واحد يفسّره من منظاره ولكن الحقيقة التي ينبغي علينا نحن أن نذعن بها وينبغي أن نوفّرها في أنفسنا - لأنها من مظاهر كمالاتنا وفضائلنا وتزيدنا قوّة - دائماً هي التعايش مع الانتقاد بأي خطاب ولهجة كان ومن أي أحد صدر.. لذلك لا ينبغي أن نتألّم لأن بعض أصدقائنا انتقدونا بأسلوب فجّ أو خشن كما لا نتأذّى من تكرار الحالة مرات عديدة..

لأن المفروض أن يكون توقّعنا في أداء المهمات الصعبة ليس بأفضل من هذا.. إذ لا شك أن الانتقاد الصحيح لا أحد يعترض عليه ولا ينبغي أن يتألّم منه لأنه حق ويجب على الجميع قبول الحقّ وإن كان مرّاً عليهم.. وإنما التهذيب وكبر النفس وعلوّ الهمّة تظهر في مواجهة الانتقاد اللاذع أو الجارح خصوصاً إذا صدر من غير أهله..

طبعاً لكلّ واحد منا ردود أفعال تجاه ما يواجهنا من النقد إلا أننا ينبغي أن نشدّد كثيراً على أن يكون ردّ فعلنا خلاّقاً وإيجابياً لأنه يكشف عن مخابرنا ويظهر نقاط قوّتنا ويحافظ على اتزاننا واحترامنا بل ويقوّي مواقعنا بين الآخرين فضلاً عن تهذيبنا وسموّ أخلاقنا ومعنوياتنا..

وبالتالي فإن الأفضل هو الذي يربح الجولة ويبدّل الضرر إلى نفع وهناك بعض المواقف يمكن أن نتّخذها في هذا المجال.. وهي كالتالي:

1- حاول دائماً أن تبقى هادئاً وإيجابياً وموضوعياً، إن البعض يُفقدهم النقد توازنهم فيزدادون توتّراً وغيظاً والبعض الآخر يتبدّل موقفه من الإيجابية إلى السليبة فيبدأ يركّز على الزوايا المظلمة في الفرد المنتقِد أو العمل والعاملين والثالث يجرّ النزاع إلى الهوامش ويخلط الماء والطين بما تضيع فيه الأمور وينقلب السحر على الساحر..

وهذه كلها في المجموع سلبيات كبيرة من شأنها أن تزيد من حدّة التوتر وتعمّق الخلاف أكثر وأكثر ولكن إذا التفتنا ونحن نواجه الانتقاد ساعة أشدّه أن نبقى هادئين وإيجابيين وموضوعيين سنتمكّن من الإمساك بزمام الأمور بأكثر فاعلية وبالتالي إدارة الأزمة بأفضل ما يكون مكلّلين بالمزيد من الأرباح التي تفيدنا قوّة على قوّة.

2 - تهدئة الموقف.. فإذا شنّ شخص هجوماً عليك فإن الطريقة الأفضل أن تقابله بجدّية واهتمام وتصغي إليه ليخرج كلّ ما في داخله قبل البدء بأي فعل آخر. لأن اللجوء إلى السلوك المقابل والرد بالمثل أو ما يقاربه يزيد الأمر اشتعالاً، كما أن مقابلته باللامبالاة يفاقم الشعور بالألم عند المنتقِد فيلتهب منك أكثر بما قد يضطر إلى ارتكاب ما هو أكبر وأخطر إثباتاً لذاته وانتقاماً لنفسه..

إذن.. المقابلة بالاهتمام والجدية والإصغاء الجيد يهيئان لك فرصة أفضل لامتصاص ألمه وتفريغ شحناته التي كانت مكبوتة بداخله وبهذا تكون قد احترمته في أحسن وجه فيكون لك الحق - حتى في نظره - في أن لا تتعرّض أنت أيضاً إلى التخديش من قبله أو الانتقاد اللاذع أمام الآخرين وهذا أمر سيشعر به الطرف الآخر - في الغالب - فيقدّره لك ويأخذ بالتأثر بالموقف إيجابياً..

وبهذا تكون قد نقلت الموقف من أعلى درجات التوتر إلى أخفّها..

ثم ابدأ بمطالبته بالدليل أو اطلب المزيد من المعلومات عن الموقف الذي استفزّه وأثار حفيظته خصوصاً وأن الغضوب لا يمتلك تفكيره بشكل سليم ولا لسانه ولا كلامه لذلك قد ينتاب كلامه الغموض والإبهام لذلك فإن من الحق الطبيعي لك أن تطلب منه المزيد من التوضيح والاستشهاد وعند الضرورة ببعض الأمثلة الواقعية فإنك بهذا تبدو أكثر اتزاناً وواقعية واحتراماً له فضلاً عن تشخيص سبب الإثارة.

وإذا شعرت أنت بالغضب أو الانزعاج بما أوشكت على عدم تمالك أعصابك فالأفضل لك الاسترخاء من خلال أخذ جرعات كبيرة من التنفّس العميق ثم احبس النفس قليلاً ثم أخرج الزفير بكل هدوء وراحة بال.

فإنه سوف يمنحك بعض الوقت للتفكير الأفضل لمعالجة الموقف ويحفظ توازنك كما يجعل كلامك أكثر منطقية وهدوءً لأنه أعطاك فرصة لتأجيل التعبير المتسرّع المحتمي بنار الغضب.

وفي الأخبار الشريفة وردت بعض المعالجات الفورية الأخرى لتمالك الغضب كتغيير الوضع البدني مثل: القيام إن كنت جالساً والجلوس إن كنت قائماً والمشي إن كنت واقفاً وهكذا.. وبعضها يؤكّد على الوضوء أو تجديده. وكيف كان.. فإن هذه كمّادات شأنها تخفيف درجات الحرارة وتجعلك ماسكاً بالتوازن من طرفيه..

الاعتراف ببعض النقد ضرورة

وهناك خطوة ناجحة في الغالب يغفل عنها العديد مع أنها كالعصا السحرية في تهدئة التوترات هي:

الاعتراف ببعض النقد.. فإن من الواضح أن المنتقِد اللاذع يرى أنه على صواب مطلق - غالباً - فيكون في وضع لا يسمح له بتقبّل أن يكون هو على خطأ مطلق أو بالأقلّ منه فالأفضل لك أن تتظاهر بتقبّل بعض كلامه لتكون لك فرصة لتوضيح الأمر إليه بشكل سليم وتهدّئ من روعه.

أما الرّد المباشر والشديد ومخاطبته (بأنك خاطئ) أو (لا تفهم) ونحو ذلك فأنه يشكّل صدمة كبرى لم يكن يتوقّعها فلذا ربما يقوم بما لا تحمد عقباه.

إذن.. حينما تتعرّض إلى الانتقاد اسأل نفسك: هل هذا الحكم الصادر بحقي صحيح أم لا؟ فإذا وافقت على الملاحظة والنقد فأفضل شيء هو الاعتراف به للشخص الآخر وطلب المزيد من المعلومات لتتمكّن من استخدام الانتقاد للتطوير الإيجابي وفرض السلام والتوادد على الأجواء ولا تنسى المقولة المشهورة (الاعتراف بالخطأ فضيلة) وإن كان الانتقاد سيئاً يجرح المشاعر ويخلو من المنطقية ويفتقد إلى الصواب فإن الأفضل لك أن تقابله بالمزيد من المرونة وتقبّل ما يمكن قبوله كما تقدّم لتثبت للطرف الآخر إنصافك وفهمك لكلامه وتشعره بأنك تريد الحلّ معه بدلاً من الجدال والتعنّت.

3 - توجيه الانتقاد.. وستكون قادراً على هذا إذ هيّأت عناصره المهمّة وهي:

* حاول أن تستمع جيداً.

* فكّر في شيء إيجابي تقوله من عرض بديل أو طلب اقتراح للحلّ منه وفي بعض الأحيان من الضروري إثارة بعض الصفات الإيجابية في الطرف الآخر ومدحه بها ليكون طريقاً إلى قلبه، ويجب أن يكون المديح صادقاً ومحدّداً وإلا فإن النطق به ينعكس سلبياً عليك.

* قدّم اقتراحات بديلة ومقبولة يمكن أن يرتضيها الطرف الآخر وترتضيها أنت.

* لا تجعل الطرف الآخر في موضع دفاعي عن نفسه.. فلا تستخدم العبارات التخاطبية المباشرة مثل (أنا) عند التكلّم عن نفسك لأن هذا يشعره بأنك متعنّت لتحمي نفسك من النقد أو (أنت) عند التكلّم عنه لأنه يشعره بأنه استفزّك فثُرْتَ لحفيظتك وحوّلت النقد إلى حرب شخصية بين الطرفين لا لمصالح أهم. بل جرّد الكلام من هكذا ضمائر تدلّ على الذاتية المطلقة أو الهجوم المباشر على العمل.

أنظر إلى الفارق بين التعبيرين في المثال التالي:

أنت عديم الجدوى، أنا لا أحبّ الاستماع إلى كلامك، التقرير الذي كتبته فوضى ولا ينفعنا في شيء، صحّحه وإلاّ ستواجه المشاكل.

بينما يمكن إفادة نفس المعنى بأسلوب أكثر هدوءً وسلامة مثلاً:

* أود التحدث معك بشأن التقرير المكتوب فأتصوّر أنه يحتاج إلى بعض المكمّلات؟!

* كما أن العمل الفلاني قد وقعنا فيه ببعض الأخطاء.

* أعتقد أننا سنواجه بعض المشاكل إذا لم نكمّل النواقص.

فإننا بهذه اللهجة الإيجابية سنُشعر الطرف الآخر بأننا معاً مسؤولون عن المهمة وإن الأخطاء غير متعمّدة فنوجّهه بشكل غير مباشر إلى تفهّم ما نريد كما نحمّله بعض المسؤولية في التصحيح وبهذا نتفادى المأساة والمعارك المتكرّرة التي لا طائل منها ولكن لا بدّ من المزيد من الهدوء والاتزان وضبط النفس.

التفاوض البنّاء

لاشك أن معظم الأفراد يفضلون تسوية عادلة في الخلاف، والمفاوضات الهادئة أفضل المفاتيح في الخلافات المغلقة والصراعات غير المحلولة.

وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن التفاوض في دواعيه وأساليبه ومعطياته ولا نريد أن نتحدّث عنه مرة أخرى ولكن الأمر المهم الذي ينبغي أن نذكّر به دائماً وينبغي على كلّ واحد منّا أن يعرفه هو:

ضرورة الإقرار بأن الحياة الناجحة ناقصة دوماً، والفشل هو طريق النجاح إذا اتخذ مدرسة للتعلّم وقد قال أحد الحكماء: إني تعلّمت النجاح من تجارب الفاشلين..

كما أن القاعدة المعروفة في الحكمة تقول: (تُعرف الأشياء بأضدادها).

والحياة التي تصل إلى القمّة لابدّ وأن تسلك الطريق عبر السفوح الوعرة فلولا النقص لم يكن سعي للكمال.. وهذه حقيقة كونية أودعها الله سبحانه في وجودنا كبشر وفي وجود سائر الأشياء على اختلاف مراتبها واستعداداتها فضلاً عن كونها حقيقة إدارية أو نفسية تظهر في ميادين العمل.

لذلك فإن سدّ النواقص دائماً يحتاج إلى دراسة وبلورة وتشخيص واتفاق وعمل وهذا لا يتم إلا عبر التفاوض والحوار مع الآخرين..

فإن التفاوض خير طريق لتفادي العنف والوقوع في صدامات مع الشخصيات الصعبة والمثيرة.. خصوصاً وأننا ندرك النتائج السلبية الخطيرة التي تترتّب على المقابلة بالمثل لذلك من المهم دائماً المثابرة لاحتواء الشخصيات المثيرة وإدارتها بالتوجيه المناسب إذ لا يمكننا دائما اتّباع خطوات صارمة وفي كلّ الحالات لكن لعلّ بعض الخطوات التالية تساعد على إدارة أفضل للحالات الصعبة ونلخّصها فيما يلي:

1 - لا تكدّس العواطف أو الغضب في قلبك لأن ذلك خطير على الجميع وعلى صحتك شخصياً لذلك سيطر على أفكارك ومشاعرك من خلال التنفّس بصورة صحيحة لأنه يمنحك بعض الوقت للتعامل بشكل إيجابي مع الموقف. هذا بشكل سريع وأما بشكل عام فينبغي تفريغ شحنات القلب عبر أدوار ترفيهية أخرى مثل السفر أو التجوال في الشوارع والمزارع أو ممارسة الرياضة أو الاشتراك في أعمال مغايرة تماماً لأعمالك الرتيبة.

2 - شجّع الشخص المتأزّم على التحدّث عن المشاعر التي سبّبت له الاندفاع الحماسي في سلوكه.

3 - إلجأ إلى الإصغاء المركّز لتبيّن للشخص الآخر أنك تتفهّم ما يقول وتحترم رأيه وتحمل ما يريده على محمل الجد.

4 - وضّح بعض الغموض الموجود فغالباً ما ينشأ السلوك الصعب من سوء النظرة أو من سوء الفهم.

5 - إذا استمرّ الهجوم اللاذع عليك أو ازداد الموقف توتّراً فالانسحاب الهادف أو الصمت المطبق أفضل طريق للامتصاص السريع.

6 - حاول أن تكتشف بعض النقاط الهامّة في خطاب الطرف الآخر والتي يمكنك موافقته عليها وقم باظهار موافقتك له فإن هذا يساعدك على تهدئته ولو بعض الشيء ولكنه يتطلّب منك أيضاً الاستماع الجيد للكلام وعدم التسرّع في إجاباتك.

7 - استعمل طرق الكنايات - وخطاب إياك أعني واسمعي يا جارة - في إفهام الشخص الذي يصعب عليه الخطاب المباشر لإفهامه بما تريد.. مثلاً:

إذا أردت أن ترفض بعض طلباته أو شروطه ولكن لا يحتمل أن تردّه بالمباشرة فأحضر شخصاً ما ليستمع إلى أفكارك التي تريد مخاطبته بها وتوصل إليه رسالتك بأسرع ما يكون فإن الحرّ تكفيه الإشارة.

8 - فكّر في البدائل المناسبة التي يمكن أن يتوافق عليها الطرفان لتكون آخر ساحل ترسو عنده السفينة، ويحفظ أجواء طيّبة من السلام والتعاون.

وأخيراً يجب أن نذكر دائماً بأن علينا أن نقوم بدورنا ووظيفتنا حسبما تمليه علينا المسؤولية والهدف.. وما دام الهدف هو الأساس سيكون التعوّد على التأقلم والتعايش مع الآخرين أسهل علينا بكثير..

وليس بالضرورة أن نوفّق دائماً بل علينا دخول البيوت من أبوابها والإعداد لكلّ أمر ما يطلبه من مقدّمات وأسباب ويبقى الباقي على الله سبحانه فإن الإذعان بهذه الحقيقة من شأنها أن تفيض علينا بالمزيد من السكينة والاطمئنان فلا نُثار لفشل لم نكن نحن المقصّرين فيه ولا نغتر بنجاح لم نكن نحن السبب الوحيد في تحقيقه بل علينا أن نصدّق بالحقيقة القرآنية:

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة 51.

وهذه مسألة صعبة للغاية ولكنها ممكنة الحصول مع المزيد من الترويض والمجاهدة والإذعان بقدرة الله سبحانه في الوجود. والله الهادي سواء السبيل. 

1- الكافي: ج2 ص303. 

2- هود: الآية 118 – 119. 

3- البحار: ج5 ص267، والكافي: ج2 ص305. 

4- الغرر. 

5- الغرر. 

6- البحار: ج75 ص27. 

7- الغرر.