2000  تشرين الثاني

1421  شعبان 

51  العدد

مجلة  

ة

حقيقة المهدوية ودلائل الغيبة

كريم الحسيني

وظائف الإمام

المهدي في السنة

فلسفة لقائه مع الآخرين

 تدرج الغيبة

بعض ما جاء في كتب اهل السنة

حقيقة الانتظار

 اشكالات وردود

نماذج للتوضيح

كثيرا ما تطرح أبحاث المهدوية والغيبة والتشكيك فيها فلذا رأينا من المناسب البحث فيها في فصول.

المهدي في السنة

لا يخفى على من طالع الأحاديث أن قضية المهدوية مطروحة في زمن النبي(ص) ويذكر فيها تعيين نسبه بل وحتى غيبته ونشير إلى ذلك إشارة لوضوحه:

1- ذكر الحاكم في المستدرك ج4 ص58 بسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله(ص) قال:تملأ الأرض ظلماً وجورا فيخرج رجل من عترتي يملك الأرض سبعاً أو تسعاً فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وقريب منه مسند احمد ج3 ص17 وقريب منه أيضا سنن أبي داود ج4 ص152 وكذا في مجمع الزوائد ج7، ص317، والتدوين ج2، ص84، وتذكرة الحفاظ، ج3، ص838، وفرائد السمطين، ج2، ص334.

2- وجاء في الصواعق المحرقة ص98: اخرج الروياني والطبراني وغيرهما - المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري، اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة.

3 - وفي فرائد السمطين بسنده إلى أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب قال: قال رسول الله(ص) المهدي من ولدي يكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلما.

وهناك اخبار اخر تبين اوصافه وصلاة عيسى بن مريم خلفه ومقامه في الآخرة.

ملاحظة: ولوضوح فكرة الأعتقاد بالمهدي فإن الأمة منذ ايامها الأولى قد اعتقدت جماعة منها ببعض الأفراد ظناً منها أنه المهدي الذي ذكره النبي(ص) ولعل اول من اعتنق هذه الفكرة الكيسانية ثم فرق أخرى حتى أن بعض الحكام كان يسمون أبنائهم بالمهدي طمعاً بأنْ يكون هو الموعود مع أن ذلك كان خطأ منهم لأن النبي عرفهم نسبه ولذا كان الحكام في أشد الحذر من أبناء الحسين حتى حاصروهم وضيقوا عليهم إلى أن وصلت النوبة للرضا فأحضروه في خراسان ثم ابنه في بغداد ثم ابنه علي الهادي في العسكر في سامراء ثم ابنه العسكري هناك أيضا لمعرفتهم بأنه يكون من هذا النسل الطاهر ولكن مشيئة الله غلبت مشيئة الحكام الجائرين حتى حرسه عن اعينهم فأمر المهدوية ليس فكراً مبتكراً ومستحدثاً بل هو من اعماق اعتقاد الأمة وإن اختلف بعضهم في التطبيق وفكرة الغيبة قد ذكرت أيضا في بعض الأحاديث كما نقلنا لك نموذجاً منها مع ما عرفت من الحكمة فيها.

وظائف الإمام

 إن وظيفة الإمام هي القيام بمهام الدين والقيام مقام النبي(ص) في التبليغ وبيان الأحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحكومة الظاهرية لإقامة العدل حيث انه الحامل للعلم الإلهي حتى يرجع إليه، وانه يحكم بالقسط والعدل ويقوم بإقامة الحدود وإحياء الكتاب والسنة، وأن يصلح بين الناس، وأنه يهدي بأمر الله تعالى أي يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويدعو إلى الله ويعمل الخيرات، وأن ذلك لا يتم إلا بالجعل الإلهي والتعيين من قبل الرسول الأكرم(ص) وإذا عرفت كل ذلك فكيف يمكن أن يغيب الإمام(عج) ويترك وظيفته؟

والجواب عن ذلك انه لم يترك الوظيفة إذ أن بعض الوظائف قد تكون عينية يعني لا يقوم بها إلا الشخص نفسه كالصلاة والصيام والحج وبقية العبادات العينية.

وبعض الوظائف يمكن أن يكلف بها غيره فلا يعد حينئذٍ تاركاً لوظائفه مثل الرئيس أو المسؤول إذا أراد السفر يعيّن شخصاً ينوب عنه وهذا ما كان في سيرة النبي(ص) حيث كلما خرج في سفرٍ عين خليفة له يقوم بمهام الأمور نيابة عنه ونحن نذكر هذه الأمور باختصار:

أما الأول: بما انه حامل للعلوم الإلهية حتى يرجع إليه فقد بث الأئمة(ع) علومهم للرواة والعلماء وأمروهم بكتابتها وقالوا لهم سوف تحتاجون إليها فهدوا العلماء للقيام بالوظيفة وهذا الأمر واضح إذ ليس كل الأمة كانت تراجع النبي(ص) بل لابد أن يتعلم جماعة ويبلغوا الباقين كما قال تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (1).

وهكذا الناس في المدن والقرى لا يراجع كلهم العلماء بل قد يستندون في اخذ العلم والفتوى إلى وسائط وهذه طريقة عقلائية لا غبار، عليها فكذلك الأئمة(ع) قاموا بتغذية الرواة بالعلوم وما يحتاجه الناس في عصر الغيبة وجمعت في ذلك اصول اربعمائة من كتب الرواة وجمعت بعد ذلك كتب الروايات الكثيرة وهذه الوظيفة قد ارجعت الى العلماء والرواة فقد ورد في المكاتبة الشريفة: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم.

واما الثاني: (وهم حجتي) بالقسط والعدل فهذا يشترط فيه التمكن إذ ربما يكون ظاهرا وغير متمكن كما كان الأئمة في عصرهم إذ لم يكونوا مبسوطي اليد فهذا الأمر يرتبط بالإمكان حتى في جانب النبوة فالنبي(ص) في مكة ما كان مبسوط اليد وتمكن في المدينة فاقام الحكومة العادلة.

وأما الثالث: وهو الإصلاح وهو من مهام الأمة كلها الا انه اظهر الافراد فيها ويشترط فيها الظهور وفي الغيبة يقوم بها العلماء والقائمون بالأمور.

أما الرابع: الهداية والأمر بالمعروف فقد القي على عاتق العلماء إذ هو من مهام الأمة كلها حيث قال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) (2) ونسبة هذا الأمر للأمام باعتباره اظهر الأفراد ويقوم بذلك العلماء وبقية الأمة.

وأما الخامس: فكما هو مجعول من قبل الرسالة ومن قبل الله تعالى فكذلك ارجع الأمة إلى نوابه بالنيابة العامة كما كان يرجع الأئمة من ذي قبل الناس إلى الثقات من الرواة فقد ورد عن الرضا(ع) حين سأله أحدهم عن يونس بن عبد الرحمن: آخذ عنه معالم ديني؟ قال: (نعم ثقة خذ عنه معالم دينك). وكذا ورد عن غيره فكذلك هنا ارجع الإمام إلى الرواة وقد ورد في حديث (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه) فيكون الرجوع في زمن الغيبة إلى أمثال هؤلاء الذين اوقفوا حياتهم على العلم لخدمة الدين وخدمة المسلمين وحل مشاكلهم والقيام بالمهام الظاهرية والوظائف الدينية.

وعلى هذا فالغيبة لا تنافي الامامة كما لا تنافي النبوة حيث أن عيسى حينما رفع إلى السماء بقيت نبوته ودينه مستمرة حتى ظهر نبينا محمد(ص) فيما كان عيسى غائبا عن قومه ما يقارب 530 سنة ومع ذلك لم يشكك أحد في نبوته فالذي يضر بالامامة ترك الوظائف تماما ولم يحصل هذا مضافا إلى امكان الالتقاء به لبعض مهام الامور في الغيبة الصغرى مع انه كان قد عين نواباً يرجع إليهم بالنيابة الخاصة.

وكان الأول منهم عثمان بن سعيد والثاني محمد بن عثمان والثالث حسين بن روح النوبختي والرابع محمد بن علي السمري ثم جاءت الغيبة الكبرى وقد التقى به في الغيبة الكبرى في كل عصر عدد من العلماء وكثير من الناس ونقلت أخباره في كتبنا عن طريق ثقات العلماء الذين شاهدوا وعاصروا كثيرا من اصحاب القصص بما لا يمكن تكذيبه لانه من المتواتر الموجب للقطع واليقين.

قيل في سبب تدرج الغيبة

وانما قد تدرجت الغيبة من الصغرى إلى الكبرى المستمرة إلى يومنا هذا لان الناس كانوا قد اعتادوا اللقاء بالامام وسماع الاحكام وخصوصا اعتادوا خلال قرنين من سماع الإخبارات الغيبية والاحكام الشرعية فلما قدرت الغيبة في الحكمة الالهية جاءت التقادير الظاهرية جارية على عزل الإمام عن الناس ظاهرا وبدأ ذلك من زمان الإمام موسى بن جعفر(ع) حيث سجن في بغداد وحصلت العزلة بينه وبين شيعته الا أن الكتب ما كانت تنقطع وكان السجن في خلال سبع وقيل أربع عشرة سنة وكذلك ما حصل للإمام الرضا(ع) واحضاره في خراسان، وبعده الإمام الجواد، في بغداد تحت نظر السلطة العباسية وبعده الإمام الهادي(ع) في سامراء وكذا الأمام العسكري ففي خلال قرابة 85 سنة أي قرابة قرن فإن الناس قلما كانوا يلتقون بالإمام وكان بين فترة واخرى يحصل بينهم وبين الإمام فراق إلى أن حصلت الغيبة سنة 260 هـ سنة وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) ولكن لم يكن الناس قد انقطعوا تمام الانقطاع بل كان النواب يتحملون مسؤولية حل المشاكل المرتبطة بالشيعة لمراجعتهم للإمام فكان الناس قد تهيئوا للفصل الظاهري عن الإمام(عج) وبذلك لم تحصل الفجوة ولم يحصل ما يوجب اختلال الوضع المعتاد عليه فجرت المقادير حسب تقديرات موافقة للحكمة الإلهية فحصلت بعد ذلك الغيبة الكبرى ولكن الناس لم ينقطعوا فيها تمام الانقطاع بل كان يحصل الفوز باللقاء لبعضهم.

فلسفة لقائه(عج) مع الآخرين

مما لا ريب فيه وجود التواتر الموجب للقطع واليقين في انه قد حصل اللقاء بالامام وفائدة ذلك اللقاء على وجوه:

1) انه(عج) أوصى جماعة بالالتزام بالدعاء له وللفرج العام

2) دعاهم أن يوصلوا وصايا للناس بالالتزام بالنوافل والمواظبة على قراءة بعض الزيارات مثل الجامعة وآل يس وزيارة الحسين(ع).

3) اوجب الهداية لبعض العلماء الذين كانوا على مذاهب أخرى مثل لقاء بعض علماء الشافعية به ورجوعهم إلى مذهب اهل البيت(ع).

4) حضهم على الايمان حتى تطمئن القلوب بوجوده وبلطف نظره لهم.

5) كان لنجاة شعب كالبحرين في قضية الرمانة التي لبسها على الحاكم الوزير ضد الشيعة فكشف الإمام له مكره وخديعته وبذلك ارتفع العذاب عنهم.

6) لشفاء بعض المرضى والدعاء لهم وكما عرفت قضية إسماعيل الهرقلي واشتهرت.

7) للدفاع عن الاشخاص في قضايا شخصية وخلاصهم من الخطر الذي هم فيه.

8) توجيهات لبعض العلماء في أعمالهم وتأييد لبعضهم الآخر.

9) رفع اليأس والملل الحاصل في طول الغيبة بين فترة وأخرى.

10) اشتراكه في بعض الشعائر حتى يتم الحفاظ عليها لاهتمامه بها.

وبذلك يعلم اهتمامه بالناس وعدم اهماله لهم وهذه من أهم الفوائد واعظمها في زمن الغيبة وهذه تعد من الوظائف الظاهرية، وهناك فوائد باطنية وغير ملموسة وقد أشار إليها هو(ص) حين سئل عن فائدة وجوده في الغيبة قال: وأما فائدة وجوده في الغيبة فكالشمس من وراء الغيوم فكما أن الغيوم لابد أن تزال ولاتبقى فكذلك الغيبة وكما أن الغيوم لا تؤثر على وجود النهار مع كون الشمس خلف الغيوم فكذلك غيبته لا تؤثر في المؤمنين بل يلتفتون إلى وجوده الشريف.

وكما أن الغيوم موجب لفصل الشمس عن اعين الناس مؤقتا فكذلك الغيبة وكما أن الغيوم تنبه الغافلين على وجود الشمس فكذلك الغيبة تنبه الناس أن لهم اماما ويلتفتون إلى قدره فلربما يكون الإنسان في نهاره وهو غافل عن وجود الشمس واهميتها فكذلك الغيبة.

وكما أن الغيوم قد توجب الغم لفقدان الشمس فكذلك الغيبة قد توجب الغم لعدم اللقاء، وكما أن الشمس من وراء الغيوم يمكن الاستفادة منها بل فائدتها عامة وشاملة فكذلك فائدة وجوده حتى في زمن الغيبة. وبذلك يظهر أن وجود الشمس لا يساوي العدم فكذلك وجوده الشريف حتى مع الغيبة لا يساوي عدم وجوده لكثرة فوائد وجوده حتى مع الغيبة.

حقيقة الانتظار

أن مسألة انتظار المصلح العام ليست مسألة مختصة بطائفة من المسلمين بل هي عامة تهم المسلمين اولا لان مسألة المهدي في الفكر الإسلامي قضية مسلمة ومتفق عليها وانه هو الذي يملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا كما مرت علينا الأحاديث.

وثانيا أن هذه المسألة توجد في كل الاديان ولكنها تختلف في تطبيق المصلح على المصداق أو الشخص فالمسيحيون ينتظرون رجوع السيد المسيح(ع) ونحن أيضا نقول برجوعه وانه كما تقول احاديث المسلمين يصلي خلف المهدي.

بل هذه العقيدة ليست من معتقدات الديانات السماوية فقط بل حتى الأديان الأخرى كلها تعتقد أن يوما من أيام الدهر سيكون منطلق الفرحة لتحقيق الأمل المتوقع من انتشار العدالة والحكومة الموحدة بل أن بعض المذاهب الأيديولوجية مثل الاشتراكيين لهم أمنية يعتقدون بأنها ستحقق يوماً ما وهي أن تسود الأرض الاشتراكية وتكون الأرض كلها جنينة واحدة ولعل هذه الأمنيات البشرية تتماشى مع الفطرة السليمة والطباع المستقيمة حيث يشعر الإنسان بفطرته أن هناك امنية كبيرة لابد أن تتحقق يوماً ما ويسود السلام والسعادة على كل الأرض ويزول الظلم والفقر والجهل. أما من هو المحقق لها فكل يذهب حسب ما تقتضيه عقيدته ونحن نقول هو الخليفة الذي اعده الله تعالى لنصرة دينه مع ما له من اوصاف وارتباط بالله وقدرة وحكمة وإدارة لشؤون العباد والبلاد فهو الذي يحقق الاماني فلذا جاء في الحديث الشريف عن النبي(ص): (افضل اعمال أمتي انتظار الفرج) وورد حديث اخر عن النبي(ص): (افضل العبادة انتظار الفرج).

ولعل الانتظار ليس هو الانتظار والجلوس، بل حقيقة الانتظار لتحقيق الأمنية تكون مصحوبة بإيجاد الأوصاف المساعدة للانتظار فكما أن الإنسان الذي ينتظر ضيفه يتهيأ بإعداد ما تتطلبه الضيافة فكذلك انتظار الإمام لا يكون إلا بإعداد النفس. أولا بقبول أوامره والتسليم له وثانيا: إيجاد الأرضية المناسبة لذلك أي يشترك بإعداد الآخرين لذلك، وثالثا: الجانب الإعلامي لذلك والتحدث عنه لئلا ينسى هذا الأمر، ورابعا:تفهم الناس خطط الأمام وما يريده من تحقيق العدالة غير المضرة بأحد تنطلق من قاعدة لا ضرر ولا ضرار فهي تجري في حدود الحريات الإسلامية، وخامسا: بيان الصورة الناصعة والصحيحة له ورفع التشويه الاعلامي المخادع بأنه سيقتل ويصلب ويسجن ويجلد وغير ذلك بل يعمل عمل الأنبياء لاصلاح النفوس ورفع الامراض وارجاع الصحة والامان ونشر العدالة ورفع الظلم، فهو كما قال امير المؤمنين(ع) واصفا رسول الله(ص): (كان طبيبا دوارا بطبه)، فاذا اراد قتل احد فانما يقطع الجراثيم المعدية من المجتمع لئلا يسري الفساد فلم الخوف منه بل لابد من التباشر به وبهذا نعرف سر كون الانتظار من افضل الاعمال ولذا عبر عنه النبي الاكرم(ص) بافضل الاعمال لان الانتظار عمل وليس جلوساً وسكوتاً فلذا ورد: (من مات منتظرا لهذا الامر كان كمن هو في فسطاط المهدي.. ) ولا يكون بهذه الدرجة في الفسطاط إلا بالعمل والإعداد لا السكوت والجلوس.

بعض ما جاء عن المهدي في كتب اهل السنة

وردت حول المهدي احاديث كثيرة في كتب اهل السنة سواء في الصحاح او غيرها وقد جمع بعض ما جاء في الصحاح في كتاب (المهدي في السنة) لآية الله السيد صادق الشيرازي وجاء مجموع خاص منها في (القول المختصر في الأمام المنتظر) لابن حجر طبع اخيرا وكتاب (الملاحم والفتن) لابن مندة وغيرها من الكتب الكثيرة، وقد جمعت (موسوعة الأمام المهدي عج) اكثر الأحاديث في عدة مجلدات ووصلت الاحاديث عن الأمام(عج) إلى قرابة ستة آلاف حديث على ما قاله الشهيد السيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في كتابه (بحث حول المهدي) وجمع كثيرا من هذه الأحاديث كتاب (من هو المهدي) لابي طالب التجليلي في فصول خاصة عن كتب أهل السنة، وأشار المرحوم العلامة السيد كاظم القزويني إلى مجموعة من الكتب والاحاديث المعتبرة عند اهل السنة في كتابه (المهدي من المهد إلى الظهور). وهناك كتب أخرى في هذا الموضوع وقد نقل السيد الجلالي في كتابه (احاديث المهدي في مسند احمد) اكثر من مئة وثلاثين حديثا عن المسند.

 واليك بعض النماذج المختلفة مبوّباً ذلك للتوضيح:

1- انه يملأ الأرض قسطا وعدلا

مستدرك الحاكم ج4ص558 بسنده عن سعيد الخدري انه قال: قال رسول الله(ص): (تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي يملك الأرض سبعا أو تسعا فيملأ الأرض قسطاً وعدلا) وفيه أشار إلى انه من العترة الذين قال عنهم (انهما لن يفترقا كتاب الله وعترتي) ونقل قريباً منه كل من مسند احمد من ج3 ص17 ومسند ابي داوود ج4 ص152 وتذكرة الحفاظ ج3 ص838 وفرائد السمطين ج2 ص334 وغيرهم.

2- ان له غيبة:

جاء في فرائد السمطين ج2ص335 بسنده عن امير المؤمنين(ع) قال: قال رسول الله(ص): (المهدي من ولدي يكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا).

3- في وصفه

في الصواعق المحرقة ص98 بسنده: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم اسرائيلي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى بخلافته اهل السماء والارض والطير في الجو يملك عشرين سنة –انظر إلى الحديث أولا انه من ولد النبي(ص) وثانيا انه خليفة (يرضى بخلافته) وفي بعض الأحاديث انه من ولد فاطمة وفي أخر انه من ولد الحسين وفي بعض انه التاسع من ولد الحسين وبذلك تعرف أن ذلك ينطبق على الأمام الحجة الذي نعتقد به تماما دون شك ولا ريب.

4- إنكاره موجب للكفر

جاء في فرائد السمطين عن النبي(ص): من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما انزل على محمد(ص) ومن انكر نزول عيسىفقد كفر …الخ، فلهذا ورد في بعض الأحاديث أن عيسى يصلي خلفه وفي آخر: من انكر المهدي فقد انكرني.

5- انه طاووس اهل الجنة

نقل ابن الصباغ في الفصول المهمة باسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص) (المهدي طاووس أهل الجنة) والجنة مظهر جمال الله تعالى والطاووس مظهر الجمال ايضا فيكون مظهر جمال الجنة وهي مظهر جمال الله تعالى ولا يتنافى ذلك مع كون النبي(ص) افضل منه إذ لكل منهم درجة ومظهر وقد ذكر ذلك النبي(ص) حتى بين مقامه عند الله تعالى وفي الآخرة والجنة.

6- عناية الله بامره

(الحاوي للفتاوى ج2 ص78 ط مصر) عن النبي(ص): (المهدي يصلحه الله تعالى في ليلة واحدة) ومعناه كما جاء في احاديث أخرى يصلح الله امر المهدي في ليلة اوفي عشية بمعنى يهيئ له أسباب الظهور ولا يحتاج ذلك إلى وقت كثير عند الله تعالى إذ هو الذي يتولى ذلك.

7- صلاة عيسى بن مريم خلفه

نفس المصدر السابق ص81 عن حذيفة قال: قال رسول الله(ص): (يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم صل بالناس فيقول عيسى انما اقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من ولدي).

8- البركة والخير ورفع الفقر به وظهور الإسلام وتأييد الملائكة له

مختصر تذكرة القرطبي ص127 ط مصر، (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يليهم رجل من اهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام ويكثر المال فياتيه الرجل فيقول يا مهدي اعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله).

9- احتوائه للمعارضات باجمعها

الصواعق ص98 ومنتخب تاريخ دمشق ج5 ص284 ط روضة الشام بالسند المذكور عن ابي الطفيل قال: سمعت عليا(ع) يقول (إذا قام قائم آل محمد(ص) جمع الله له اهل الشرق والغرب فيجتمعون كما يجتمع فزع الخريف) - فيه إشارة إلى أن غيم الخريف متفرق فيجتمع فكذلك تجتمع الطوائف المتفرقة والمتشتتة تحت لوائه وطاعته لادراكهم العدالة والرحمة وتحقيق الاماني به.

10- بعدله يُنزل الله المطر وتخرج الأرض بركاتها والجميع يتمنى زمانه

تذكرة الحفاظ، ج3، ص838، بسنده عن ابي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله(ص) بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي اهل بيتي فيملأ به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ولا تدع الارض من نباتها شيئا إلا اخرجته حتى تتمنى الأحياء والأموات أن تعيش في ذلك...

خاتمة المطاف اشكالات وردود

هناك اشكالات قد تطرح وحيث أن السائل لم يسمع لها جوابا فقد يتصور انها اشكالات عميقة ولا جواب لها واقعا فتضر بالاعتقاد بها وفي النهاية لابد من الرجوع عنها فنستعرض أهمها ونجيب عنها وان كان قد يفهم جوابها من الأبحاث الماضية دون أن ينتبه لها القارئ فلنفردها بالجواب، منها -.

الأول: إن مسألة السرداب وكون الأمام فيه من الأوهام والخرافات.

وجوابه أن السرداب هو المكان الذي يحفر تحت الأرض في الاماكن الحارة عادة يكون بعيداً عن الشمس وقريباً من الرطوبة يكون بارداً وقد كان ذلك من القديم ولكن اعتقاد الشيعة به ليس لاجل انه يسكن فيه الإمام حيث لم يتفوه بذلك أحد قط بل لاجل انه كان في بيت الأمام الهادي والإمام الحسن العسكري(ع) وان الإمام الحجة كان في اوائل عمره فيه لأجل كونه تراثاً فيه ذكريات الأئمة نحترمه واما كون الأمام يسكن فيه فهو تهمة مفتراة وهي ليست تهمة مستحدثة بل كانت من القديم.

نعم هناك رواية واحدة تقول أن الإمام حينما هجموا عليه بعد الصلاة على ابيه التجأ إلى السرداب وغاب عن الانظار ولكن ليس معنى ذلك انه مقيم فيه إلى الآن، يقول الشاعر:

عيسى اختشى شر النصارى فاختفى***وهو اخشــــــــى من شركـــــم ما بانـــــــــا

هـــذا كـــذاك وانــــــتـــم كـــأولئـــــك***حرفـــــاً بحـــرفٍ لا نزيـــــــد بيـــــانــــــــــا

ولم يقل أحد أن سيظهر من السرداب بل تردد في الأحاديث انه يخرج في بيت الله الحرام نعم قد وردت زيارة في السرداب كما وردت زيارات في اماكن أخرى بل تستحب زيارته في كل مكان وفي كل زمان.

الثاني: أن مسألة الإمامة عقلية وطرحها بعض العلماء بعنوان اللطف والمسائل العقلية قابلة للخلاف.

وجوابه أن الذين بحثوا مسألة الإمامة من الناحية العقلية وقالوا لابد من وجودها في كل زمان لم يحصروها بالبحث العقلي بل ارادوا تاييد الادلة الشرعية النقلية بذلك حتى تكون المسألة اقوى عندهم والواقع أن المسألة ترتبط بالشارع المقدس وانه قد قال رسول الله(ص): (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) وهو حديث معروف يروى في الصحاح والسنن عن عبد الله بن عمر ومعناه أن من مات لابد أن يكون له امام يعرفه والحديث مطلق يشمل كل زمان ومكان فكل انسان يعيش في ايّ بقعة من بقاع الأرض لابد أن يكون يعترف بامام زمانه ويعرفه ومَنْ مِن ادوات العموم كما قال أهل الأدب والأصول، يعني كل انسان مكلف في كل زمان وفي أي مكان لابد أن يعرف امام زمانه ونحن في هذا الزمان إن لم يكن لنا امام زمان يكون موتنا على الجاهلية مع التزامنا بالاحكام الشرعية وهو باطل.

وبما أن الحديث صحيح نعرف من اطلاقه انه لابد لكل زمان من امام وما زعمه البعض انه إذا وجد الأمام فلابد من معرفته وان لم يوجد إمام فلا يلزم ذلك غير صحيح.

لان الحديث عام مطلق ويفهم منه أهل اللسان بانه عام ولكل فرد مكلف، ومطلق يشمل كل زمان مع ضميمة قوله(ص) في حديث الثقلين حيث قال فيه (كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) فنفى الافتراق فلا يمكن أن يوجد الكتاب بدون العترة القرينة له فالامام الذي نتكلم عن وجوده في كل زمان هو الذي يكون من العترة وقريناً للكتاب وهذا المعنى مردود قد فهمه ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 149 حيث يقول بعد ايراد الحديث: وفي احاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا اماناً لاهل الأرض ويشهد بذلك الخبر السابق: في كل خلف من امتي عدول من اهل بيتي الخ.

الثالث: عدم وجود نصوص تدل على ولادته وانه الإمام الحسن العسكري.

وجوابه يعلم مما سبق وقد نقلنا النصوص المتعددة عن كتب اهل السنة القائلين بولادته سنة (225هـ) مضافاً إلى مئات النصوص من طريق الامامية الدالة على ذلك فراجع (من هو المهدي) في فصول نسبه حيث يبين انه من ولد النبي ومن ولد فاطمة ومن ولد الحسين وإنه ابن الأمام الحسن العسكري ففيها التواتر الذي لا شك فيه وبه تطرد الشكوك والشبهات عن ذهنك حول نسبه.

الرابع: لو قلنا بالمهدي لا نقول ولد بل هو سيولد قبل ظهوره بما يقدر الله له من سنوات.

الجواب لا بد من القول بولادته لأنه قد ثبت انه ابن الإمام الحسن العسكري دون ريب مع القول الصحيح بوفاة الأمام الحسن العسكري سنة (260هـ) مضافاً إلى انه لابد من أن توجد فيه صفات الإمامة التي منها ميراث علم رسول الله(ص) كابراً عن كابر فلابد أن يكون قد ولد واخذ ذلك من والده لئلا يلزم أنه إما أن يكون جاهلاً غير ممتازٍ عن الناس أو يكون يتلقاه عن طريق جبرئيل وحيث الأول باطل لأنه لابد أن يكون عالماً بالكتاب والسنة ويجيب عن كل ما يسأل عنه فلا يصح منه الجهل وأما تلقيه عن طريق جبرئيل فهو طريق غير متعارف حيث أن جبرئيل يرتبط بجانب النبوة والوحي إلا ما كان نادراً مثل نزوله على مريم وغير ذلك وحيث هو غير متعارف فلا يصح الاعتماد عليه فلا بد أن يكون مولوداً وحياً حين وفاة والده. ولعل قائل يقول مات والده وسوف يحيا ويرجع للدنيا وبعدها يولد أو أن الإمام مات وسوف يرجع يقال في كلا الفرضين يلزم ما ذكر في الإشكال السابق من عدم وجود إمام زمان وهو باطل.

وأما القول بحياة والده لحد الآن فلم يقل به أحد مع انه يلزم منه أن يقال ما الفرق بين حياة والده وحياته فليكن هو موجود وبالنتيجة ليكن الاعتراف بحياة والده وطول عمره مع كونه غائباً وهذا ما أراد الفرار منه فمن الأدلة الماضية تعرف انه لابد من أن يكون موجوداُ ولابد من الاعتراف به ومعرفته وإلا يكون الموت دون معرفته ميتة جاهلية.

الخامس: أن مسألة المهدي مختصة بالشيعة ولم يقل بها أحد.

وجوابه يعلم مما سبق بان الأمة الإسلامية كلها من القديم كانت على عقيدة المهدي حتى تواترت عنهم الروايات في ذلك وان انكاره موجب لانكار النبوة كما مضى في ذلك الحديث بل قد كتبت الكتب الكثيرة في ذلك وأشرنا إلى بعضها من كبار المحدثين والحفاظ حتى نقل أن عدد الأحاديث في المهدي بمختلف شؤونه من ولادته ونسبه إلى حكومته وعلامات ظهوره حتى سنين حكمه بل حتى في الاخرة بلغت ستة الآف حديث فكيف يمكن انكار ذلك؟

وفي نهاية المطاف نقول أن الاعتقاد بالمهدي وحياته وغيبته وطول عمره وانتظار ظهوره يعد من الإيمان بالغيب الذي هو من صفات المؤمنين المتقين الذين ذكرهم الله تعالى في أول كتابه الكريم بقوله تعالى (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب..) وهذه من صفات المتقين وذلك لان الايمان به وهو غائب ايمان به عن طريق الدليل الشرعي الذي تلقيناه من الشرع المقدس الذي اخبر به قبل ولادته وعن كل اطواره فهو ايمان بالغيب الذي اخبرنا به.

وبذلك ظهر لك أن هذه الفكرة من صميم الإسلام بل من اصعب موارد الامتحان التي يمر بها الإنسان.

1- التوبة، 122.

2- آل عمران، 110.