2000  تشرين الثاني

1421  شعبان 

51  العدد

مجلة  

هجرة 

المسلمين 

إلى أوربا

الرغبة في الاطمئنان واتجاهات الخوف

د. سعد العبيدي

الخاتمة

التعامل مع الحالة

عوامل إثارة التوتر والخوف

الواقع الحالي للمهاجرين

مقدمة

(1)

 انتشر الإسلام على الكرة الأرضية بوسائل عدة بينها الهجرة، حيث ساهم المسلمون المهاجرون على مدى اكثر من ألف واربعمائة سنة، بالتأثير على العديد من الأقوام والقبائل في الدخول إلى دين الله، وقد نجحوا بذلك في أماكن كثيرة، وبنجاحهم وفرّوا على الأمة الإسلامية الكثير من الجهد في الأرواح والاموال، وهي هجرة وترحال وتواصل لم ينقطع بمشيئة الله سبحانه وتعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها)(1) وهو مشي أو سعي لا يقتصر على مكان محدد إذ وصل المسلمون المهاجرون إلى عموم آسيا وأعماق أفريقيا وأطراف أوربا وأمريكا، وكذلك لم يتحدد بزمان معين، إذ بدأت صيغ الهجرة مع اول فوج للمسلمين وصل الحبشة بأمر الرسول الكريم(ص) مروراً بالهجرة النبوية إلى المدينة المنورة وما زالت كذلك كما جاء بالحديث الشريف (يا أيها الناس هاجروا وتمسكوا بالاسلام، فإن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد)، وهو سعي لا يقتصر أيضا على غاية واحدة، فمن السعي نوع لطلب الرزق، ومنه آخر بقصد التزود بالعلم، ونوعً للتخلص من الظلم، ورابع لغرض الدعوة وترسيخ عرى الإسلام، وهكذا... حتى وقتنا الراهن الذي يتوجه فيه آلاف المسلمين سنوياً إلى دول العالم المتقدم وخاصة أوربا سواء بقصد الرزق وتحسين مستوى المعيشة أو بهدف تأمين حياة اكثر أمناً واستقراراً، وغيرها من المقاصد والاهداف.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الإسلام ينظر إلى الهجرة في بعض جوانبها نظرة ايجابية لأنه لا يريد للإنسان أن يحبس نفسه في إطار بلده فقط، بل يريد له أن ينفتح في انسانيته على عالم آخر يجد فيه الفرص العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي لا يجدها في بلده(2).

الواقع الحالي للمهاجرين المسلمين إلى أوربا

(2)

 حاول المسلمون الامتداد شمالاً باتجاه القارة الأوربية فأسسوا دولة إسلامية في الأندلس، وكرروا محاولتهم ثانية للامتداد غرباً أبان الإمبراطورية العثمانية فوصلوا أواسط أوربا واستقروا فيها مئات السنين تاركين دولاً وجاليات إسلامية كانت قائمة حتى بداية القرن العشرين الذي مالت فيه كفة التوازن باتجاه الصالح الأوربي من نواح عدة، بينها القوة العسكرية والامكانيات الاقتصادية والكفاءة العلمية، والتأثيرات الاعلامية، وبمستوى حتم على المسلمين اسقاط خيارات القوة والمواجهة المباشرة، أو تأجيلها مع الأوربيين لتحقيق غاياتهم (المسلمون) بالمحافظة على الواقع الإسلامي من جانب، أو لمد نفوذه من جانب ثان، عندها لم يتبق لهم - أي المسلمين - من خيارات للتعامل مع الواقع غير الملائم (لهم) إلا القليل، بينها الهجرة إلى مجتمع يعيش ظروفاً يمكن النفاذ منها لنشر الدعوة الإسلامية بشكل تدريجي وموزون، أو الاستقرار فيه بقدر معقول من الرضا والاطمئنان(3). وهذا ما هو جار حالياً ولو بشكل عشوائي غير منظم، إذ يتوجهون إلى أوربا(4)، لكنهم ورغم هذا التزايد المطرد، ورغم التحسن النسبي الملموس بمستويات مدخولاتهم ومعيشتهم بالمقارنة مع تلك التي كانوا يحصلون عليها في مجتمعاتهم الاصلية، تبين النظرة إلى اوضاعهم من زوايا أخرى أن مستويات الرضا عن الحال، وكذلك درجات الاطمئنان لم تكن بالمستويات التي يدركها الأقران من غير المسلمين، أو بالمعنى الأدق الأقران من سكنة البلاد الأصليين، وهذه مسائل يمكن توقع انعكاساتها سلباً على حال المسلمين أنفسهم وعلى وضع الإسلام بصفة عامة، الأمر الذي يتطلب تناولها بقدر معقول من العلمية، أملاً في التمعن بها، وبأساليب التعامل معها خدمة للإسلام والمسلمين على كرتنا الأرضية.

(3)

 وكخطوة أولى لفهم كافة المتغيرات ذات الصلة بهذا الموضوع ينبغي الإشارة إلى الأصول السكانية والتركيبة الاجتماعية لمثل هؤلاء المهاجرين.

إذ تتركز الهجرة إلى أوربا في وقتنا الراهن من الشمال الأفريقي ذي الأصول العربية، خاصة من المغرب ومن بعدها تونس وأقل منهما موريتانيا والأقل كثيراً منها ليبيا، ومهاجرو هذه الدول هم في الغالب من الشباب الذكور، ومن الطبقات المتوسطة والفقيرة ومعظمهم لم يحصلوا على تعليم اكثر من الثانوي، وقليل جداً من بين السياسيين المثقفين، يتوجهون إلى أوربا وخاصة دول الجنوب (ايطاليا، وإسبانيا وفرنسا) وقليل منهم يتوغل إلى الداخل ليصل إلى ألمانيا وبلجيكا وهولندا ودولاً أخرى متفرقة، غايتهم في الأساس العمل وتحسين مستوى المعيشة، وهم من حيث الاقامة ينقسمون إلى قسمين، الأول من يخطط للاقامة المؤقتة حيث العودة إلى الوطن بعد انتهاء الأعمال الموسمية والقسم الثاني وهم الأكثر عدداً يحاولون الاستفادة من خبرة الابتعاد عن سلطات الهجرة ليستمروا بالإقامة في المجتمع الجديد ولو بشكل غير شرعي ولحين تيسر الفرصة المناسبة لاكتسابها أي الإقامة بتقادم الزمن ومثل هؤلاء يتمتعون بثقافة إسلامية معقولة فانهم ذوو ثقافة دينية لا تزيد عن حدود الوسط، ومستويات ترابط وتكافل اجتماعي لا تزيد عن تلك الحدود بأي حال من الأحوال.

يليهم من حيث التركيز المسلمون من اواسط افريقيا، إذ تتشكل اجناسهم في هذه المنطقة الممتدة من غرب القارة حتى شرقها، من العرب والأفارقة (الزنوج) والمهاجرون المسلمون من أبناء هذه المنطقة هم شباب الطبقة دون الوسطى والفقيرة، وإذا ما استثنينا السودانيين ذوي الثقافة الإسلامية الجيدة فان الآخرين لا يتمتعون إلا بالقدر القليل من الثقافة الدينية الإسلامية، وتغلب عليهم النعرات القبلية، وعلاقات التكافل والترابط الاجتماعي بينهم تؤسس على عوامل قبلية، اكثر منها دينية، أما دوافعهم الأساسية للهجرة فهي اقتصادية بحتة.

ثم هناك المصريون وغالبيتهم من الشباب العرب الذكور (يكون بعضهم عوائل مستقرة لاحقاً)، وغالبيتهم أيضا من الطبقة الوسطى والفقيرة، يتوجهون إلى كل البلاد الأوربية وحسب الفرص المتاحة، ولديهم استعداد مسبق للعمل بكافة الأعمال المتيسرة، ثقافتهم الإسلامية جيدة ويتمتعون بعلاقات حسنة وتكافل اجتماعي بمستويات جيدة. دوافعهم للهجرة اقتصادية، وقسم منهم هاجر لأغراض العلم والدراسة.

وهناك من بين المهاجرين أفواج تأتي من آسيا التي تختلف تركيبتها السكانية والثقافية والمذهبية والاجتماعية عن باقي القارات، وعموماً تأتي أعلى أرقام الهجرة من هذه القارة حالياً من مسلمي العراق وهم خليط من العرب والأكراد والتركمان، ومن عوائل وعزاب، ومن الشباب والأعمار الوسط وقليل جداً من الأعمار المتقدمة، ومن المثقفين وغير المثقفين، غاياتهم من الهجرة تختلف عما ورد في أعلاه، إذ يتوجه غالبيتهم إلى الغرب بسبب الاضطهاد الديني والقهر السياسي، والعوز الاقتصادي، وهم من الناحية الاجتماعية شريحة تمثل كافة طبقات المجتمع العراقي وثقافتهم الدينية الإسلامية جيدة بالمقارنة مع باقي المهاجرين، ومستوياتهم التحصيلية عالية، أما مستويات التكافل والترابط الاجتماعي فيما بينهم فهي بالمقارنة مع الآخرين دون الوسط.

وهناك الايرانيون التي تعود بدايات هجرتهم إلى عام 1979 وهم خليط أيضا من العوائل والشباب، ومن قوميات مختلفة (فارسية، كردية، عربية) وطبقات متعددة، ثقافتهم الدينية جيدة والتكافل الاجتماعي وكذلك العلاقات الاجتماعية بينهم بمستويات جيدة.

كذلك يهاجر الأفغان الشباب وقليل من العوائل إلى أوربا مدفوعين بضغوط سياسية وطائفية واقتصادية وأمنية نتيجة للحرب الأهلية الدائرة، وهم عموماً بمستويات تحصيلية متدنية وثقافة إسلامية مقبولة وتكافل اجتماعي جيد.

وهناك أيضا مسلموا جمهوريات آسيا الوسطى، وخاصة تلك التي تقع ضمن الاتحاد الروسي، وهم من أعراق وقوميات مختلفة يندفعون إلى الهجرة بسبب الاضطهاد السياسي والديني والاضطراب الأمني، وهؤلاء المهاجرون هم خليط من العوائل والشباب، ومن الطبقات الفقيرة، علاقاتهم الاجتماعية جيدة أما ثقافتهم الإسلامية فتكون في الغالب محدودة.

وهناك الهجرة التركية التي تعد من أقدم الهجرات المسلمة إلى أوربا إذ تمتد إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وغالبيتها هاجرت آنذاك بدوافع العمل وتحسين مستويات العيش، أما الهجرة التركية الحالية فتكاد تقتصر على الاكراد الأتراك، دوافعهم للهجرة أمنية وسياسية، علماً أن علاقة الأتراك مع بعضهم ومستويات تكافلهم تعد جيدة بالمقارنة مع الأقوام الأخرى، وثقافتهم الإسلامية لا تزيد عن الوسط، ولهم بوجه العموم تجمعات سكانية معروفة، خاصة في ألمانيا وهولندا وبعض البلدان الأوربية الأخرى.

هذا وتوجد هجرات ملموسة من بلدان آسيوية أخرى مثل الهند وباكستان والفلبين وبنغلادش وفلسطين، وبدرجات أقل من الدول العربية الآسيوية الأخرى مثل سوريا ولبنان واليمن، وهي هجرات بدوافع التحصيل العلمي وتحسين مستويات العيش، غالباً ما تكون من الطبقات الوسطى والفقيرة، ومن الشباب، علاقاتهم الاجتماعية مقبولة وكذلك مستويات تكافلهم، وثقافتهم الدينية الإسلامية على وجه العموم جيدة.

(4)

 وتأسيسا على ما ورد في أعلاه يمكننا في هذا المجال (الأصول السكانية والتركيبة الاجتماعية للمهاجرين المسلمين إلى أوربا) استنتاج الآتي:

آ. يشكل المهاجرون العرب المسلمون إلى أوربا نسبة ليست قليلة من بين الأقوام الأخرى المهاجرة.

ب. تكون فئة الشباب هي الفئة الغالبة من بين المهاجرين.

ج. الدوافع الاقتصادية هي التي تستأثر بالأسبقية بين الدوافع الأخرى، تليها دوافع التخلص من الاضطهاد السياسي والطائفي التي تتركز في بلدان معينة دون أخرى مثل العراق وافغانستان.

د. مستوى العلاقات والروابط الاجتماعية بين المسلمين المهاجرين ليست متجانسة، فهي بالوقت التي تؤشر مستويات جيدة عند البعض، تكون ليست كذلك عند البعض الآخر وهي علاقات تتأسس على أسس قومية أو قبلية أو طائفية وليست دينية (إسلامية) إلا في حدود ضيقة.

هـ. رغم أن غالبية المهاجرين من مستويات تحصيلية متدنية، إلا أن الملاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع نسبة المهاجرين من اختصاصات متنوعة، فهناك أدباء، وكتاب، وصحفيون، وباحثون، وأساتذة جامعيون، وأطباء، ومهندسون، وفنانون وغيرهم.

عوامل إثارة التوتر والخوف عند المسلمين المهاجرين

(5)

 لو تمعنا قليلاً بالاهداف والغايات التي وضعها المسلمون المهاجرون أمامهم عند التوجه إلى الغرب نجد أن السعي لتأمينها مكبل بالعديد من المتغيرات التي تثير الخوف والتوتر، والتي يمكن مناقشتها على النحو التالي:

آ. فالمهارون الساعون للتخلص من ضغوط الاضطهاد السياسي على سبيل المثال يندفعون إلى التخفي والعيش في زوايا معينة بعيداً عن الحياة الاجتماعية التقليدية في بعض الأحيان بسبب استمرار ملاحقتهم من قبل الدوائر الامنية لبلدهم الأصلي: والابتعاد عن المجتمع يُحمِل الفرد والعائلة أعباءً أمنية تثير التوتر المستمر، وكذلك الخوف شبه الدائم من تلك الأجهزة التي هاجروا بسبب تجاوزاتها، ومن أجهزة الدولة المضيفة خشية مخالفتها التي قد تفضي إلى ترحيلهم لمجتمع آخر، أو فرض قيود على اقامتهم.

ب. أما المهاجرون الذين قصدوا أوربا بسبب معتقداتهم الدينية (الإسلامية) فالمشكلة الأساسية التي تواجههم هي مسألة التكيف مع المجتمع الجديد، وردود أفعال ذلك المجتمع ومديات قبوله لوجودهم، إذا ما كانوا من النوع المحافظ وغير القادر على إبداء المرونة والمناورة للنفاذ في المجتمع الجديد: وصعوبة التكيف عادة ما تثير قدراً من الخوف والقلق، مصدرهما استجابة السكان الأصليين والسلطات المحلية، وهي مخاوف تزداد شدتها عندما يكون المهاجرون من المستويات الثقافية والتحصيلية البسيطة.

ج. هذا وإن مسألة الخوف والتوتر والقلق لا تتوقف على المهاجرين المسلمين بسبب الاضطهاد السياسي والديني والطائفي فقط، بل ويمكن تعميمها على باقي أنواع الهجرة ذات الصلة بالجانب الاقتصادي على سبيل المثال، لأن غالبية المهاجرين على اساسها يتجهون للعمل الموسمي وغير القانوني (الأسود) الذي تحاسب عليه قوانين الدول الأوربية بالغرامة للمهاجرين المقيمين وبالطرد خارج الحدود للآخرين غير المقيمين، ووجود الإنسان تحت طائلة المخالفة، وإن كانت بسيطة مثير كاف لترسيخ الخوف والتوتر في النفس البشرية.

(6)

إن الخوف والقلق الذي يعانيه المهاجرون لا تقتصر انواعهما على الحالات المذكورة في أعلاه، إذ يعاني البعض منهم خوفاً على الأهل والنفس من ضعف الدين واحتمالات الانحراف بعيداً عن شريعته السمحاء في المجتمع الجديد.

(7)

 إن التعامل مع مستويات الخوف والتوتر التي يعيشها العديد من المهاجرين المسلمين إلى أوربا مسألة لا يمكن اعتمادها من طرف واحد دون الأطراف الأخرى، أو بمعنى أدق من جانب المهاجر دون الهيئات والمؤسسات الأخرى الرسمية وغير الرسمية والمجتمعات المضيفة دولاً وشعوباً، لكننا وفي هذه الدراسة وبعيداً عن التشعب نرى أن العبء الأكبر في تقليل نسب الخوف عند المهاجرين المسلمين يقع على الهيئات والمؤسسات الإسلامية وعلى المهاجر نفسه، وفي مجالهما يمكن أخذ الآتي بالاعتبار:

آ. المؤسسات والهيئات الإسلامية: انتشرت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي العديد من الهيئات الإسلامية والمرجعيات الدينية في عموم اوربا، وبات لها حضور ملموس من الناحيتين المادية والاجتماعية خصوصاً في المناسبات الدينية الشائعة، وهذه المؤسسات وإن كانت طائفية المنحى في معظمها لكنها قادرة على التخفيف من حالة الخوف السائدة إذا ما أخذت بنظر الاعتبار:

أولاً: استيعاب المهاجر الجديد ومحاولة توجيهه وتنويره بالقوانين والضوابط السائدة في المجتمع الجديد بغية تجنيبه الخطأ وكثرة التفكير باحتمالاته (الخطأ) التي تثير الخوف والتوتر وعدم الاستقرار، وفي هذا المجال يمكن أن تطبع هذه المؤسسات وتوزع بعض الكراسات البسيطة باللغات الأصلية، ويمكنها أيضا اعتماد مرشدين متخصصين يلقون المحاضرات الخاصة على مراجعي وزوار هذه المؤسسات وكذلك الجوامع والحسينيات.

ثانياً: يمكن أن تشجع هذه المؤسسات الإسلامية مسألة التعاون والتكافل الإسلامي، بوضع صيغ دقيقة لتبادل المساعدة، بعيداً عن الاتكالية، على أن يساهم بها المستفيدون على طول الخط.

ثالثاً: تنظم هذه المؤسسات ملتقيات دورية تناقش فيها الأمور العامة التي تهم المهاجر بالإضافة إلى برامجها الدينية الاعتيادية.

رابعاً: أن تفرز زوايا خاصة في اصداراتها الدورية لمسائل وتوجيهات ونصائح تساعد المهاجر المسلم على استيعاب المجتمع الجديد والتكيف معه بأسرع فترة ممكنة، وبالاستفادة من المختصين في مجالي علم النفس والصحة النفسية.

خامساً: التنسيق مع بعض الفضائيات واستخدام شبكات الانترنيت لتمرير التوجيهات غير المباشرة لتقليل معالم التوتر والقلق والخوف في نفوس المهاجرين.

ب. المهاجر المسلم. إن قرار الهجرة قد اتخذه الفرد نفسه، رغم تدخل الأهل والأقارب وربما الاصدقاء في بعض الأحيان، وإن كان الأمر كذلك، فإن مسؤولية التعامل معه تقع هي الأخرى على الفرد نفسه، وعليه في هذا المجال الأخذ بالاعتبار الأمور الآتية كلما كان ذلك ممكناً:

أولاً: أن يتوجه المهاجر المسلم إلى الجمعيات والمؤسسات الإسلامية وإلى الجوامع والحسينيات في أقرب فرصة بعد وصوله أوربا، سعياً للحصول منها على رأي أو توجيه، أو حتى حضور اجتماعي يساعده في الحصول على الاطمئنان جهد الامكان.

ثانياً: أن يضع المهاجر نصب عينيه أهدافاً قريبة، وأخرى متوسطة، وثالثة بعيدة حال وصوله الأراضي الأوربية، وأن يعمل بشكل هادئ للوصول إليها، لان خلط الأهداف وتوسيع احجامها قد يستنزف جزءاً كبيراً من طاقته النفسية، ويبقيه بقدر منها غير كاف للتعامل مع الظروف المحيطة، عندها تزداد مخاوفه وتتضاعف شدة توتره(5).

ثالثاً: أن يعطي المهاجر المسلم لنفسه فسحة زمنية بسيطة يتجه خلالها لرصد المجتمع الجديد ومحاولة التعرف على الثغرات ونقاط المقاطعة مع النظم والقوانين السائدة في هذا المجتمع، قبل التوجه للاندماج فيه.

رابعاً: الابتعاد عن مناطق الإثارة والتجاوز والمخالفة بغية تقليل احتمالات المصادمة مع الجماعات المحلية المتطرفة وكذلك الشرطة والسلطات المحلية.

خامساً: التفكير في خطوات التواجد الأولى على الأرض الأوربية بضرورة التقيد والالتزام بالقوانين والضوابط الاجتماعية السائدة ومحاولة التطبع مع معطياتها، مع الابتعاد عن تلك التي لا تنسجم والشريعة الإسلامية.

سادساً الاستفادة من فرص التعلم والتحصيل والثقافة المحلية، مع التوجه المبرمج للثقافة الإسلامية عن طريق الجمعيات والمؤسسات الموجودة أو الجوامع والحسينيات، وعن طريق الفضائيات وشبكات الانترنيت.

سابعاً: أن يتآلف المسلم بعد استقراره في المجتمع المعني مع المسلمين الآخرين في مجتمعه الجديد بغض النظر عن العرق والقومية والمذهب واللون، ليشكل مع غيره قوة ضغط قادرة على تأمين حقوقه وقادرة أيضا على منحه والمسلمين الآخرين معطيات الاطمئنان.

ج. أما فيما يتعلق بالخوف على الأهل والنفس من الانحراف وضعف الدين، فلا مجال للمهاجر إلا أن يكون واثقاً من نفسه، مطمئناً إلى صلابة ايمانه، معتمداً على حصانته الدينية وإمكاناته الذاتية في حماية نفسه والقريبين منه من أي ضعف، أو انحراف.

الخاتمة

8) الخوف مشاعر مكتسبة من المحيط الذي يعيش فيه المرء(6)، وهي كذلك ليست دائمة أو بمعنى آخر ليست مستعصية على الحل، وحلها على الأغلب يعتمد في جزء منه علىالمحيط الخارجي للانسان، والجزء الآخر على الإنسان نفسه(7)، وفي موضوع كموضوعنا، لا يمكن التعويل على المجتمع المحيط كثيراً، لعدة اعتبارات بينها:

آ. إن المجتمع الجديد مجتمع رافض للهجرة المسلمة، وفيه من التيارات المعارضة لوجودها الكثير التي يحسب حساب تأثيرها.

ب. إن العديد من البلدان الأوربية المقصودة بالهجرة تعاني من بعض الاضطرابات الخاصة بالشباب والإدمان والبطالة بمستويات تحتاج إلى جهد من الدولة لا يمكن التفريط به لمساعدة المهاجرين المسلمين في تجاوز محنتهم.

ج. هناك تيارات مناهضة للإسلام في أوربا تنشط لتشويه صورته والمسلمين، وتحاول كذلك أن تبقي في ذاكرة السكان المحليين تلك المعلومات والأفكار غير الحسنة التي تكونت عمداً عبر مراحل التاريخ القديم والحديث على حد سواء، ونشاطهم المستمر سيؤثر على كم الجهد الذي يمكن أن يخصص من الهيئات الإنسانية الحكومية وغير الحكومية للتخفيف من معاناة المهاجرين ومخاوفهم.

د. وفيما يتعلق بالمحيط الخارجي ذي الصلة بالمؤسسات والهيئات الإسلامية غير الحكومية فإنها لم تصل حتى وقتنا الحالي إلى مستوى التأثير والضغط الذي تكون فيه قادرة على مساعدة المهاجرين الجدد على وجه الخصوص كما تفعل الكنيسة وغيرها.

9) وتأسيساً على ذلك يبقى الفرد المهاجر وتبقى العائلة المهاجرة محور الحل لهذه المشكلة وذلك بالاعتماد على النفس في الحركة والمرونة والقدرة على التكيف والتطبع، مستندين إلى قدراتهم على التحمل غير المحدودة التي منحها لهم سبحانه وتعالى لإعانتهم وبني البشر على تجاوز أزماتهم، إنه نعم المولى ونعم المعين.

1- الملك، 15.

2- القاضي، عادل (1999) الهجرة والاغتراب، بيروت، مؤسسة العارف للمطبوعات.

3- يتصف الأوربيون على وجه العموم بالواقعية (البراغماتية) وهي خصائص تدفع إلى الحوار وتقبل الرأي الآخر عندما يكون صائباً، وهناك أصوات في المجتمع الأوربي ترتفع تدريجيا منادية بالتعايش وعدم التمييز بين الأديان، وهذا بالإضافة إلى أن نسبة ليست قليلة من الأوربيين في الوقت الحاضر لا يدينون بأي دين، وهم في هذه الحالة صفحة بيضاء يمكن النقش أو الكتابة عليها عند تيسر الفرصة المناسبة والكاتب المناسب.

4- القاضي، عادل (1999) مصدر سابق.

5- اوتو فنخل (1945) نظرية التحليل النفسي في العصاب، الكتاب الأول، ترجمة صلاح مخيمر وعبده روفائيل رزق، القاهرة، الإنجلو المصرية.

6- الدباغ، فخري (1983) أصول الطب النفساني، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر.

7- الحمداني، موفق (ب ت) محاضرات في التعلم، بغداد، طبع على الرونيو.