2000  تشرين الثاني

1421  شعبان 

51  العدد

مجلة  

 

المستشرقون

والاسلام

 

معالجة

منهجية

خاطئة

 
 

إبراهيم محمد جواد

هدف الغرب من المصطلح

الأصولية اصطلاحاً

الأصولية لغة

ظاهرة الأصولية الإسلامية 

المستشرقون ومصطلح الأصولية

الحركات الإسلامية والأصولية

تمهيد

لقد تداول الصحفيون العرب - بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 - ومن بعدهم الباحثون والمحللون الناطقون بالعربية، مصطلح (الأصولية) على نطاق واسع وذلك ترجمة لمصطلحين غربيين استعملتهما الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية في الغرب للإشارة إلى حالة اليقظة الإسلامية الراهنة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي والمصطلحان هما Radicalisme وIntegrisme.

والحقيقة أن هذين المصطلحين بما يحملان من دلالات سياسية وفكرية لا يعبران تعبيرا دقيقا توحي به لفظة (الأصولية) الرائجة حاليا وخاصة لجهة ما يتضمنه المصطلح الثاني من معاني الرجعية المعادية لكل تقدم، وهكذا يصبح النعت بالأصولية بمثابة شتيمة سياسية.

الأصولية لغة

قال في (المنجد) عند مادة (اصل) ما يلي:

[اصل يأصل أصالة: كان له اصل، أو كان من اصل شريف أو رسخ اصله، فهو أصيل.

والأصيل: الشريف الأصل، أو من يتصرف عن نفسه دون وكيل.

واصل رأيه: جاد، فرأيه أصيل. فأصالة الرأي جودته.

والأصل (جمع أصول) ما يقابل الفرع (جمع فروع) فالأصل: المصدر أو الوالد أو الحسب.

والأصول: القوانين والقواعد التي يبنى عليها العلم.

فيقال: أصول العلم وأصول الدين.

وعلى هذا فالاصولي أحد اثنين أو كلاهما:

الأول:المتصرف وفق الاصول فلا يحيد عنها في قول أو عمل، ولذلك فهو حسن التصرف، طيب السلوك - جيد الرأي، لا يخرج في شيء من ذلك عن اصول العلم أو اصول الدين أو اصول الفقه أو أصول السلوك.

والثاني: المتكلم في الاصول، اصول الدين أو اصول الفقه أو اصول العلم أو اصول السلوك، فيكشف قوانينها ويبين قواعدها ويرسخ أسسها ليقيم عليها بناء الفروع.

وعلى هذا فالأصولية هي التصرف أو التكلم وفق الأصول المرعية دينيا أو علميا أو أخلاقيا أو قانونيا أو وراثيا أو ما إلى ذلك، مع الالتزام بمقتضاها، دون تحريف أو تزييف.

الأصولية اصطلاحاً

الأصولية مصطلح غربي مترجم عن كلمة الراديكالية Radicalism واصلها كلمة Radical التي تعني بالعربية: اصل، جذر.

إذن (الأصولية) التي جذرها كلمة (اصل) ترجمة حرفية (للراديكالية) التي جذرها (راديكال Radical) وعلى هذا فالراديكالية - كالأصولية تعني العودة إلى الاصول والتمسك بها والتصرف أو التكلم وفقها.

لكن الغرب صبغ مصطلح الراديكالية بمعنى آخر هو التطرف وربما أضاف إليه معنى العنف والإرهاب، مستمداً ذلك من سلوك الحركات الغربية سواء منها السياسية الشوفينية، أو العرقية التي قاومت استيطان العناصر الغريبة عنها على أرضها، أو الدينية المنبثقة عن النصرانية واليهودية في صراعها فيما بينها أولاً وفي مقاومتها للمدنية الغربية وتمردها عليها ثانياً.

ومن هنا فان قاموس لاروس الصغير يعرف عام 1966 الراديكالية التي يقابلها في العربية مصطلح الأصولية بأنها (موقف أولئك الذين يرفضون تكييف عقيدة مع الظروف الجديدة). ويبين قاموس لاروس الجيب عام 1979 أن أولئك هم الكاثوليكيون الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة الجديدة،أما قاموس لاروس الكبير 1984 فيعرف الراديكالية (الأصولية) بأنها:

(موقف جمود وتصلب معارض لكل نمو ولكل تطور)، وكل الأمثلة التي يقدمها كمصاديق لهذا التعريف تستهدف الكاثوليكية، إلا أنه يضيف بعد ذلك متجاوزاً بالراديكالية نطاقها الديني لتشمل (كل مذهب محافظ متصلب في موضوع المعتقد السياسي).

أما لاروس الفرنسي الأكاديمي 1987 فيعرف الراديكالية (الأصولية) بأنها (موقف بعض الكاثوليكيين الذين يرفضون كل تطور عندما يعلنون انتسابهم إلى التراث).

وسواء اختصت الراديكالية بالكاثوليكية أو شملت كل مذهب متصلب في موضوع المعتقد، فان المكونات الأساسية لها في نظر الغرب هي الجمود على التراث أو الانغلاق على النفس، ورفض التكيف مع الظروف الحديثة ومقاومة كل نمو أو تطور(1).

وقد استعار الغرب هذا المصطلح (الراديكالية) من تلك المواقف والمذاهب، ونعت به الحركات الإسلامية ثم جاء دور المتغربين من العرب فترجموا المصطلح الغربي (الراديكالية) إلى اللغة العربية تحت اسم الأصولية. ومن هنا جاء التغاير بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي لكلمة الأصولية بسبب ما حملت في الغرب من معاني التطرف والعنف والإرهاب. يقول المستشرق البريطاني هومي بابا (أستاذ الأدب في إحدى الجامعات البريطانية): الأصولية كلمة ذات دلالات سلبية تلصق بالعالم العربي، مع أن الظاهرة عالمية لا تقتصر على ما كان يسمى دول العالم الثالث مثل الهند ومصر، بل وجدت طريقها إلى العالم الأول حيث الأصولية الإنجيلية على أشدها في الولايات المتحدة مثلاً.(6)

فمصطلح الأصولية الغربي المساوي للراديكالية معاكس تماماً لمعنى الأصولية في اللغة العربية، لأنه بدل أن يخلع على الحركات الإسلامية معاني الشرف والالتزام والأصالة في الفكر والرأي يلبسها ثوب الجمود والانغلاق ورفض التكيف.

هدف الغرب من المصطلح

إن مصطلح (الأصولية الإسلامية) مصطلح أطلق في الغرب كما يصرح المستشرق الروسي (فيتالي ناوومكين)(2). وهذا (ويلي كلاس) الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي يصرح في مقابلة له مع المجلة الألمانية (سودويتشه تسايتونغ) (إن الأصولية الإسلامية تشكل تهديداً للغرب بالقدر الذي كانت تشكله الشيوعية)(3).

وعلى هذا الأساس شرعت وسائل الإعلام الغربية والأمريكية، ووسائل إعلام المتغربين عن العرب والمسلمين في تعبئة الرأي العام ضد الإسلام، و(خطر الإسلام)، مستخدمة مصطلح الأصولية تارة ومصطلح الإسلام السياسي تارة أخرى للتعبير عن هذا الخطر المحدق.

وفي هذا السياق أشار محرر في (النيويورك تايمز) إلى أن (الأصولية الإسلامية أصبحت سريعاً التهديد الأساسي للسلام الشامل والأمن)(4) ، بينما نشرت (الأنترناشيونال هيرالد تريبيون) مقالاً جاء فيه (إن التهديد الإسلامي يشبه تهديد النازية والفاشية في أعوام الثلاثينات، وتهديد الشيوعية في أعوام الخمسينات)(5) ، ويفلسف الأمريكي (صموئيل هانتنجتون) أستاذ العلوم السياسية ومدير معهد (جون. م. أولين) للدراسات الاستراتيجية في جامعة (هارفارد) هذا العداء للإسلام في إطار بلورة فكر سياسي واستراتيجي معاد للإسلام، حينما يقول في كتابه (صدام الحضارات) : (إن النزاعات الأساسية في السياسات العالمية، ستحدث بين أمم ومجموعات لها حضارات مختلفة) ويتابع هذا الباحث السياسي الأكاديمي تحليله فيعد ما يقارب سبع حضارات في العالم يستبعد حصول صدامات بينها باستثناء الحضارتين الغربية والإسلامية(6).

وتتناول المستشرقة الإيطالية (إيزابيلا كاميرا دافليتو) هذا الموضوع بشكل أصرح وأوضح واكثر تفصيلاً فتقول: (الغرب كان وما يزال بحاجة إلى (اختراع) عدو حتى يضمن لنفسه خطاً دفاعياً ويظل مترفعاً ومتعالياً على ما تبقى من العالم لسنين طويلة أو حتى لعقود، كان هذا العدو متمثلاً بالشيوعية وبالمعسكر الشرقي، وعندما انهارت الشيوعية برز لدى الغرب التساؤل التالي: من سيكون عدونا المقبل؟!. وإذا به يسحب من خزانة تراكم عليها غبار الزمن صورة العدو التاريخي القديم المتمثل بالعالم الإسلامي. لكن الغرب كان أيضاً بحاجة إلى وسيلة لإقناع مواطنيه بمصداقية هذا الاكتشاف (الجديد والقديم)، لذا كان طبيعياً أن يحاول ترسيخ ملامح (البعبع) من خلال تقديم (الأصولية الإسلامية) في صورة (العدو العنيف)، وبهذا التحليل أكدت المستشرقة المذكورة (إن قضية الأصولية الإسلامية واجهت تضخيماً مبالغاً فيه من قبل أجهزة الإعلام الغربي)(7).

ومن هنا فان كل حديث غربي عن الأصولية الإسلامية إنما يستهدف الإسلام وشعوبه، سواء صدر عن زعماء سياسيين، أو خبراء عسكريين أو رجال إعلام أو مستشرقين أو مفكرين وباحثين أكاديميين.

الحركات الإسلامية والأصولية

إذن بعد أن عرفنا مصطلح (الأصولية)، وبينا معناه في اللغة، ومعناه عند الغرب. هل في الإسلام شيء من هذه المعاني؟

ولدى التأمل السريع نجد أن الإسلام، يطرح مقابل التطرف الوسطية:
(وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة:143

ويطرح مقابل الجمود والتحجر المرونة والتجديد:

(يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها أمور دينها) حديث شريف.

وطرح مقابل العنف الحكمة والموعظة الحسنة والحوار:

(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل:125

(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) العنكبوت 46

ويطرح مقابل العداء الدفع بالتي هي أحسن:

(ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فصلت:34

ويطرح مقابل الظلم القسط والعدل:

(وأمرت لأعدل بينكم) الشورى: 15

(ولا يجرّمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة: 8

(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء:58

(إن الله يأمر بالعدل والإحسان) النحل:90

(فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا) الحجرات:9

(وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين) المائدة: 42

(قل أمر ربي بالقسط) الأعراف:29

ويطرح مقابل التجاوز والتعدي العفو والصفح والمغفرة:

(وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) التغابن:14

(وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم) النور:22

(فاعف عنهم واصفح، إن الله يحب المحسنين) المائدة: 13

(فاصفح الصفح الجميل) الحجر:85

ويطرح مقابل التفرق والاختلاف الوحدة والأخوة والائتلاف:

(إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء:92

(إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخواناً) آل عمران:103

(وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم) الأنفال:63

ويطرح مقابل الاقتتال الصلح، ومقابل البغي الفيء إلى أمر الله:

(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) الحجرات:9

ويطرح مقابل التخاصم والتباعد عن أهل الكتاب التلاقي معهم على القضايا والأمور المشتركة:

(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) آل عمران: 64

ويطرح مقابل العصبيات القبلية، والنعرات الوطنية والقومية التعارف والتعاون بين الناس من جميع الأجناس والقوميات والأديان:

(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن اكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: 13.

المستشرقون ومصطلح الأصولية

لا تتساوى - في الظاهر - مواقف المستشرقين من إطلاق مصطلح (الأصولية) على الحركات الإسلامية. ونستطيع أن نرصد ثلاثاً أو أربعاً من هذه المواقف الشكلية، التي لا ينفذ أي منها بشكل جدي مثمر إلى عمق الموضوع.

فمن هؤلاء المستشرقين من يرفض هذا المصطلح، ويناقش فيه، ويجد إشكالية في إطلاقه على الحركات الإسلامية عموماً.

المستشرق الغربي (جاك بيرك) مثلا، يرفض أن يطلق على الحالة الإسلامية تعبير (الأصولية)، الآتي - كما يقول - من النزاعات داخل الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، ويفضل بدلا من ذلك كلمة (الاسلاموية) ثم لا يلبث أن يستبدلها بكلمة (الإسلامية) في وصف (أولئك الذين يصرون على اعتبار الإسلام فلسفة علمية في المجتمعات المقصودة)(1).ويوضح رأيه فيقول: (هناك المسلمون، وهناك الإسلاميون، الذين يشددون على قدرة الإسلام على إيجاد حلول مناسبة لمشاكل الحياة اليومية، وقدرته على بناء دولة ومؤسسات)(2). ولا ينفرد (جاك بيرك) بهذا الموقف الذي يفرق بين معنى الأصولية الغربية والأصولية الإسلامية، بل يشاركه في ذلك مستشرقون آخرون من جنسيات مختلفة.

فالمستشرق الفرنسي (دومينيك شوفالييه) (8) مثلا، يقول: (لابد من تحديد معنى المصطلح، الاصولية في فرنسا تحمل معنى التطرف الذي ميز الحركة الأصولية في الدين المسيحي، ويستخدم هذا المصطلح في الجدل السياسي الفرنسي. لابد اذن من تعريف الحركة الأصولية الإسلامية، لانها لا تشبة الحركة الأصولية المسيحية، يقدم الفكر الإسلامي الاصولي نفسه بوصفه عودة إلى الاصول، بينما يقدم إلى الفرنسيين - في الصحافة ووسائل الإعلام الغربية - تقديما يحمل بعض مواطنينا على اعتبار هذه الحركة مشابهة للحركة الأصولية الكاثوليكية بزعامة (المونسنيور لو فيفر)، إن الحركة الأصولية الإسلامية مختلفة تماما ولا مجال للمقارنة بين الحركتين)(9).

ويقول المستشرق البريطاني (روبن اوستل) أستاذ الأدب العربي في جامعة اوكسفورد (لدي أولا مثل كثيرين مشكلة مع عبارة الأصولية، فهي تفتقر إلى التحديد والدقة، وتستخدم على نحو سائب جدا في وصف أفراد وجماعات وحركات وحكومات شديدة الاختلاف في العالم الإسلامي)(10).

أما المستشرق الروسي (فيتالي ناوومكين) مدير مركز الدراسات الاستراتيجية نائب مدير معهد الاستشراق في موسكو فيقول: (ومصطلح الأصولية الإسلامية مصطلح أطلق في الغرب، ولا ينطبق بدقة على الحياة الواقعية، ومن الأصح الحديث عن ظاهرة التحرك الإسلامي أو الإسلام السياسي مع الانحراف نحو التطرف... إن الإسلام السياسي ينشط اليوم، وهناك من يرى في التحرك الإسلامي نوعاً من المعارضة للحضارة المسيحية الغربية، وللقيم التي تعتبر اليوم في الغرب شمولية...)(11).

وتلاحظ المستشرقة الاسبانية (كارمن رويت) ما يلي: (إن لفظة الأصولية مشوبة ببعض الغموض، فهي أحياناً يراد بها التمسك بمبادئ أخلاقية لا يجوز التخلي عنها، وأحياناً أخرى تأتي رديفة للراديكالية السياسية. يبدو طبيعياً أن تجد المجتمعات الأصولية هويتها في الأصولية وان ترفض الوصاية العقائدية أو الأخلاقية من مجتمعات أو معتقدات أخرى، في هذا السياق تكون الأصولية هي الفرع الديني الطالع من جذع الأصالة بمفهومها الحضاري العام)(12).

أما المستشرقة الإيطالية (إيزابيلا كاميرا دافليتو) (13) فتقول: نحن - وعلى الرغم من وجود مظاهر أصولية كثيرة في الديانة المسيحية أو الديانات الأخرى في الغرب - لا نسمع حديثاً عن (عنف هذه المظاهر الأصولية) في حين نرى هذا المنطق يطبق على العالم العربي)(14)، والإسلامي بالطبع.

وكذلك المستشرق الإيطالي (سلفاكوري بونو) (15) الذي يصرح قائلا: (إن أي معرفة موضوعية، وابسط نظرة إيجابية إلى الموضوع، تقتضي رفض ما سعت أجهزة الإعلام إلى ترسيخه في أذهان الناس من ربط بين الأصولية الإسلامية ومعاني التطرف والعنف وحتى الإرهاب، فالأصولية الإسلامية جوهرها الدين واساسها العودة إلى الجذور والاصول، واعتماد المبادئ الأساسية للأيمان)(16).

إن اكثر المستشرقين هؤلاء اقترابا من رأي (جاك بيرك) وتطابقا معه هو المستشرق الألماني الدكتور (اورو شتاينباخ)(17). الذي يقترح كذلك مصطلح (الاسلاموية) بدل الأصولية، لأنها في اعتقاده اكثر دقة (18). إلا أن تبريره لهذا الاستبدال يسوغ لنا أن نتخوف من الناحية السلبية لديه ولدى (جاك بيرك) من استخدامهما الاسلاموية بدل الأصولية في وصفهما للحالة الإسلامية. يقول (شتاينباخ): (الطريقة التي يستعمل بها مصطلح الأصولية في العالم العربي وخارجه، تجعلنا نشعر وكأن الأمر يتعلق بحركة دينية لا اكثر ولا اقل،غير أن الأحداث كشفت لنا وتكشف لنا يوما بعد آخر أن هذا الأمر ليس صحيحا على الإطلاق، بل انه معاكس للواقع، فالحركات التي انتشرت بصورة مذهلة في بعض أنحاء العالم العربي والإسلامي منذ ما يزيد على العشرة أعوام تقوم على أحداث سياسية بحتة، وهذه الأخيرة لا تخفي ابدا أن هدفها هو الاستيلاء على السلطة، وأنها ستطبق في هذه الحالة مبادئ الدين...هكذا يتحول الدين مع الأصوليين إلى نوع من الأيديولوجيا)(19).

إن هذا الكلام يخرج من نفس المشكاة التي خرج منها كلام (جاك بيرك) عندما شكك في سلامة منطلق واهداف الحركات الإسلامية بقوله (فهل نشهد نهضة دينية أم استخداما سياسيا للدين؟) ثم دعم هذا التشكيك بالتأكيد حينما قرر (لكن هؤلاء لا يقفون عند الطبيعة الدينية للإسلام).

إن كليهما، ومعهما معظم المستشرقين، يريدان منا أن نتحدث عن نهضة دينية فقط، لتكن فقهية، لتكن صوفية، لتكن ما شاء المسلمون لها أن تكون على أن لا تتحول ابدا إلى حركة سياسية تسعى لاقامة الدولة الإسلامية والمؤسسات السياسية والثقافية والإدارية التي تحمي هذه النهضة الدينية وتطورها وتضعها موضع التطبيق.

ب- ومن المستشرقين هؤلاء من لم تقم عنده أي إشكالية في استخدام هذا المصطلح (الأصولية) فاسلموا له دون أي اعتراض، منهم (مكسيم رودنسون) و(بيارتييه) الفرنسيان، و(فردهاليداي) و(ديريك هوبوود) البريطانيان و(آرتورسعادييف) الروسي، و(سيدرومارتينيث مونتابيث) الأسباني، وغيرهم.

ج- فيما تميز البريطاني (هومي بابا)، والأسبانية (مرثيدس دبل آمو) أستاذة الأدب في كلية الآداب في جامعة غرناطة بالموقف الثالث الذي يعتبر الأصولية ظاهرة عالمية،لا تقتصر على دول العالم الثالث، بل وجدت طريقها إلى العالم الأول، حيث الأصولية الإنجيلية على اشدها في الولايات المتحدة مثلا)(20)، وان التطرف (ليس حكرا على العالم العربي، بل هناك أيضا التطرف المسيحي واليهودي الذي ذكرنا به (جيل غيبن) في كتابه (ثأر الله)، وان التطرف في المجتمعات العربية والغربية خطر على حد سواء)(21).

د- وذهب المستشرق الروسي (الكسندر سمير نوف)(22) إلى ابعد من هذه المواقف الثلاثة، حين اعتبر الأصولية الإسلامية أوسع مفهوما من التطرف والتعصب الذي يميز بقية الاصوليات، يقول:(لا يجوز الخلط بين الأصولية الإسلامية والتعصب أو التطرف لأنها تعبر عن مفهوم أوسع فالاصولية الإسلامية بنواحيها السلبية، إرهاب سياسي وعنف حتى ضد المسلمين أنفسهم)(4).

إن مصطلح (الأصولية الإسلامية) في نظر هذا المستشرق يقصر التعبير على مدى عنف وإرهاب الحركات الإسلامية.

وفي النتيجة فانهم جميعا يروجون لهذا المصطلح ويجعلون منه رداء لكافة الحركات الإسلامية بل للإسلام نفسه، بما يحمل هذا المصطلح الغربي من معاني التحجر والجمود، والتعصب والتطرف، والعنف والإرهاب.

ظاهرة الأصولية الإسلامية

آن لنا أن نناقش هؤلاء المستشرقين، في تفسيرهم لظاهرة الأصولية - حسب تعبيرهم - مهما اختلف المستشرقون - ظاهرا - في مواقفهم من مصطلح الأصولية الإسلامية، فانهم يكادون يتفقون جميعا في تفسير ظاهرة الأصولية، واسباب نشأتها وانتشارها، وهم جميعا -بشكل أو بآخر - على استعداد لرد الظاهرة لأي عامل من العوامل المادية: الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية...الخ، مجتمعة أو منفردة، لكنهم لا يمكن ابدا أن يفتشوا عن العامل الروحي، العامل الديني العقائدي.

لأن الحضارة المادية الغربية المعاصرة، التي ولدوا ونشأوا وشبوا في احضانها، قد خنقت الروح في أعماقهم، وقتلت القيم الدينية في وجداناتهم، وصبغتهم بصبغتها المادية الطاغية، فلا يستطيعون أن يفهموا إلاله إلا مجسدا في شيء يلمسونه بأيديهم، أو يرونه باعينهم، أو يسمعونه بآذانهم، وهذا الإله المجسد، لا يريدونه، ربالهم، بل يريدونه خادما لاهوائهم وشهواتهم، ومطامعهم ومطامحهم الدنيوية، وحارسا لها.

ومن قلب هذا الوضع المأساوي، ومن أعماق هذا المفهوم الخاطئ عن الدين وعن الاله، انبجست نظراتهم إلى الدين الإسلامي، الحركات الإسلامية الداعية إلى هذا الدين والى تحكيمه في حياة المسلمين، وتقديمه للناس، كل الناس - كحل سليم لمشاكلهم، ونظام امثل - سياسيا واقتصاديا واجتماعيا - لكل أممهم وشعوبهم ودولهم !

ولقد كان المستشرق البريطاني (فردهاليداي) (23) أصرح هؤلاء المستشرقين واصدقهم في التعبير عن هذا الموقف حين يلخص آراء هؤلاء فيقول: (تفسير أسباب انتشار الحركات الأصولية في العالم العربي، لا يمكن أن يتم في إطار ديني، ولا بإشارة إلى أي شي ينفرد به العالم العربي، بل يجب أن يجد مرجعيته في عوامل: اجتماعية واقتصادية وسياسية)(24). ثم يزيد كلامه توضيحا فيقول: (إن هذه الحركات ذات رد سياسي جماعي على مشاكل حقيقية تعيشها مجتمعاتها: ظروف ازدحام مديني، ودول فاسدة، وتأثير وإهانة خارجيان، ومتغير ثقافي)(25).

انه يساوي في ذلك بين جميع الحركات والتجمعات السياسية التي تناشد الشعور الديني في أجزاء عدة من العالم، سواء في ايرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت، أو في الهند بين أحزاب هندوسية شوفينية، أو في إسرائيل بين قطاعات من اليمين الصهيوني، أو في الولايات المتحدة بين مسيحيين أصوليين، أو في العالم العربي بين الحركات والجماعات الأصولية الإسلامية (26)، وجميع هؤلاء - كما يقول هوليداي - لا يعنيهم إدخال الناس في أديانهم، ولكنهم يستنفرون الشعور الديني، ويستعينون بالتقاليد، لتقديم برنامج سياسي معاصر، عن التنمية الاقتصادية والاستقلال وقضايا اجتماعية..الخ بقصد بلوغ أهداف سياسية، واهم ما يعنيهم قبل كل شيء هو الوصول إلى السلطة السياسية والاحتفاظ بها، وهذه الحركات والجماعات كلها، بدرجات متفاوتة، كاذبة متعصبة، ومستعدة لاستخدام العنف السياسي في سبيل الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها.(27)

وطبعا، فإن هاليداي - وغيره من المستشرقين - لا يقدم دليلا على ما يقول، ولا يطالبه أحد بتقديم الدليل على إمكانية هذا الربط بين كل هذه الحركات والجماعات من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب في سلك واحد، رغم اختلاف نزعاتها، وتناقض منطلقاتها، وتعدد أديانها ومعتقداتها وثقافاتها، ولا على رفضه الحاسم لتفسير ظاهرة الأصولية الدينية عامة - والإسلامية خاصة - في إطار الدين والروح، وإصراره على أن يفسرها بالعوامل المادية البحتة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك، ولا على اتهامه لها جميعا بالكذب والتعصب والعنف والاهتمام بالوصول إلى السلطة السياسية والاحتفاظ بها، ولا شيء وراء ذلك.

يقول المستشرق الفرنسي (جاك بيرك): (بعد عصر السلطان عبد الحميد جاء الأخوان المسلمون، ولدينا أبو الأعلى المودودي، والخميني واتباعه، هؤلاء جميعا لديهم خطابات تجعلهم مختلفين بعضهم عن بعض، لكنهم يلتقون في الدعوة إلى الرجوع إلى الأصول، وبخاصة إلى القرآن، ويدعون إلى إعادة تأصيل القران باعتباره قادرا على تقديم الحلول للمشاكل التي يطرحها العالم المعاصر، يطرحون ذلك في مواجهة المجتمعات التي وضعت نفسها منذ مائة سنة في مدرسة الغرب، ولم تحقق النجاحات المطلوبة... فهل نشهد نهضة دينية؟! أم استخداما سياسيا للدين)؟!(28).

ويقول المستشرق الفرنسي (مكسيم رودنسون) وهو من ألمع الأسماء في عالم الاستشراق، ومن أبرز الاختصاصيين الغربيين في الشؤون الإسلامية:

(في العالم العربي، كما في أماكن أخرى، نشأ إحباط تجاه الأيديولوجيات السياسية الاجتماعية الكبرى، التي انتشرت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين)(29).

ويقول: (والآن مع استمرار البؤس في عدد من الدول العربية وتعثر التنمية، وسيطرة أمريكا على السلطة السياسية في العالم، والإحساس بذلك، ثم هناك الفشل في الانتصار على الصهيونية... إذا جمعنا كل هذه العناصر نرى أن الظروف ملائمة لكي يندفع هذا الاتجاه إلى الأقصى)(30).

ويضيف: (فعندما تسوء الأوضاع يجري البحث عن الحلول، وبما أن الحلول السابقة جربت، يأتي هذا الفريق ويقترح الحل الإسلامي والقيم الإسلامية، ويجد من يصغي إليه). مجلة الوسط عدد 96ص 14.

أما المستشرق الفرنسي (دومينيك شوفالييه) الأستاذ والمؤرخ في جامعة السوربون، فيقول:

(إن انفجاراً ديموغرافياً مثيراً حصل في هذه البلدان وان اقتصاديات هذه البلدان لم تتمكن لأسباب مختلفة من التكيف مع هذا الانفجار، وتلبية إلى الحاجات التي خلقها... إن المشاكل الاجتماعية في هذه البلدان تضافرت، وتصادفت مع أزمة الأيديولوجيات المستوحاة من الأيديولوجيات الأوربية في القرن التاسع عشر: القومية أو الاشتراكية وبخاصة الماركسية... يضاف إلى ذلك بعض أنماط الاستهلاك الصناعي الأميركي،الذي أدى إلى انتشار الفساد، وكذلك فشل النخب السياسية الحاكمة في مواجهة إسرائيل، الذي حرك الوعي الإسلامي وعزز فرص الإسلاميين)(31).

ويقول المستشرق البريطاني (هومي بابا):

(إن الحركات الأصولية تتفق في خيبة الأمل من السياسة الاجتماعية والثقافية الليبرالية الديمقراطية، ومن العقلانية الاجتماعية التي نهضت عليها هذه السياسة)(32)

والبريطاني(ديرك هوبوود) من مركز الشرق الأوسط في جامعة اوكسفورد يقول:

(إعادة تأكيد القيم الإسلامية في العالم العربي هي رد فعل على فشل الأيديولوجيات الأخرى في حل المشاكل الحاضرة،... وهي أيضاً وسيلة لإعادة تأكيد الشخصية والهوية الأساسية وحمايتها من الأمركة الطاغية التي يتعرض لها نمط الحياة.)(33).

وكذلك المستشرق الروسي (آرتور سعادييف) الاختصاصي في الفلسفة العربية وتأريخ الإسلام حيث يقول:

(إن الحركات الأصولية هي حركات احتجاج نتجت من خيبة الأمل من نتائج التحديث التي قادتها بعض الأنظمة العربية، وأدت إلى نمو التضخم والبطالة وأزمة السكن، وفي المجال الروحي إلى أزمة الهوية)(34).

والهولندي (رودولف بيترز) (35) يقول:

(جذر المشكلة يمتد إلى الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن، عندما طرحت المؤسسة الغربية خيارها في العالم العربي على يد أقليات منتقاة وليس عبر الغالبية الواسعة من السكان، متبنية أهدافاً مثل الديمقراطية والليبرالية والاشتراكية، وهي قوالب لم تكن لها جذور أو أصول في المجتمع الإسلامي والعربي)(36).

وأخيراً يقول المستشرق الأمريكي (جون إيسبوسيتو) (37).

(أعتقد أن الصحوة الإسلامية نابعة من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية التي يشهدها العالم الإسلامي... وقضايا ثقافية وأخرى تتعلق بالهوية الوطنية والشرعية السياسية وتأثير التبدل الاجتماعي السريع، إضافة إلى مسائل فساد الطبقة الحاكمة ووضع حقوق الإنسان)(38).

من هذا العرض السريع لأسباب ظاهرة الأصولية الإسلامية، والذي يؤكده _إضافة إلى الذين ذكرنا نصوصهم - كل من:

* المستشرق الأسباني (بيدرو مار تينيث مونتابيث) (39).

* الأمريكيان (روجر أوين) و(جون فول) (40).

* الإيطاليتان (إيزابيلا كاميرا دافليتو) و(دانييلا آمالدي) (41).

* المستشرقة الألمانية (آر دموته هيللر) وزميلاها (ستيفان فيلد) و(شتاينباخ) (42).

وغيرهم من المستشرقين، يتبين لنا مدى إجماعهم وتأكيدهم على العامل المادي لانتشار الصحوة الإسلامية، أو لبروز ظاهرة الأصولية في العالمين العربي والإسلامي، هذا العامل الذي تجلى في الأزمة السياسية الاجتماعية الاقتصادية، والتي أدى إليها فشل الأنظمة المتحالفة مع الغرب أو التي استوحت أيديولوجياتها منه.

هذا ما نطقت به نصوص هؤلاء، فماذا يفهم من منطوق هذه النصوص؟

أن العلة إنما هي سبب لازم لمعلولها، فان تحققت العلة ظهر المعلول، وان انتفت انتفى ولم يظهر، وعلى هذا فإذا كانت العوامل المادية التي عددها المستشرقون هي السبب وراء ظاهرة الأصولية الإسلامية، فان انتفاء هذه العوامل يعني بشكل منطقي وبديهي عدم بروز هذه الظاهرة.

وفي الحقيقة فان هذا هو المقصود الحقيقي لهؤلاء المستشرقين.

إنهم أرادوا أن يقولوا:

* لولا الانفجار السكاني وظروف الازدحام المدني الذي حصل في العالم الإسلامي.

* لولا التضخم والبطالة والفقر وأزمة السكن.

* لولا الهيمنة الغربية،والشعور بفقدان الهوية الوطنية والسياسية.

* لولا فشل النخب السياسية الحاكمة في مواجهة إسرائيل.

* لولا فساد الطبقة الحاكمة في دول العالم الإسلامي.

* لولا الإحباط الذي حل بالمجتمعات الإسلامية بسبب فشل الأنظمة الديمقراطية والقومية والاشتراكية.

إلى آخر قائمة هذه العوامل المادية لما برزت ظاهرة الأصولية في العالمين العربي والإسلامي.

ولنسي المسلمون دينهم وتجاهلوه وتجاوزوه، حتى يموت في العقول والقلوب، وعلى الألسنة والاقلام، ولما تجددت الدعوة إلى الإسلام ولما قامت له قائمة في العالمين العربي والإسلامي، وهذا الكلام - في الحقيقة - ليس بجديد، ولم يبتدعه هؤلاء المستشرقون من عند أنفسهم، انه كلام قديم، قدم التاريخ الإنساني، واجهت به كل جاهلية أنبياءها ورسلها ومصلحيها، الصراع الدائم بين العقل والشهوة، بين العلم والجهل، بين الظلم والعدل، بين الأنبياء أو المصلحين وبين القياصرة والفراعنة والاكاسرة والملوك، وعلى العموم، بين الإيمان والشرك أو الكفر.

وما الحاضر الماثل إلا صورة عن الماضي الغابر، ولن يكون المستقبل القريب إلا استمراراً لنفس الصورة وان تغيرت الرتوش وتبدل الإطار وزخرفت زواياه واركانه.

الغرب اليوم، وبعد انهيار عدوه الطارئ المؤقت المعسكر الشيوعي الذي كان متمثلا بالاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، عاد إلى عدوه الأساسي.. العدو القديم الجديد وهو الإسلام، ويتضح المغزى لدينا اكثر : حينما نضيف تأكيد المستشرق الهولندي يان بروخمان: (ومن الناحية النظرية كل المسلمين أصوليون، كما أن الإسلام هو دين ودولة).

إذن فان عداء الغرب للاصولية هو عداء للإسلام، حيث يعلم الغرب تماما أن الإسلام لا يمكن إلا أن يكون دينا ودولة معا، وإذا قامت دولة الإسلام، فستقف أمام هيمنة الغرب، وستشد إليها جماهير المستضعفين والمحرومين في العالم، وسيخسر عندئذ الغرب نفوذه وتسلطه وسينهار المعسكر الغربي كما انهار المعسكر الشرقي تماما.

وإذا كان (يان بروخمان) يؤكد أن الإسلام هو دين ودولة وأن كل المسلمين أصوليون، فهذا التأكيد ينسف كل العوامل المادية التي أراد المستشرقون أن يجعلوها الخلفية التي قامت عليها الأصولية ويوضح أن الأصولية ملازمة لظهور الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، وان قرناً من هذه القرون لم يخل من الأصولية ومن وجود الدعاة إلى الإسلام والعودة إليه وإقامة الدولة الراشدة من جديد، وهذا المستشرق الفرنسي (مكسيم رودنسون) يؤكد هذا المعنى حين يقول في معرض تفسيره الأسباب والعوامل التي تقف وراء الظاهرة الأصولية: (ومن جهة أخرى، كانت مجموعات في العالم الإسلامي تقول دائماً أن حل مشكلات العصر يتم عن طريق الإسلام، وهؤلاء يسمون اليوم أصوليين، وهم كانوا وما زالوا يطالبون بالعودة إلى صدر الإسلام، وكانوا يؤكدون أن سبب المشاكل يكمن في الابتعاد عن الحلول التي طرحها رسول الله(ص)، والتي طبقها خلال حياته، إذن يجب العودة إلى هذه الحلول، وكان هناك على الدوام في كل العصور من يطالب بالعودة إلى هذه الحقبة. هكذا عندما توافرت الظروف المناسبة، برزت المجموعات التي تنادي بهذا النوع من الحلول، مستفيدة من الإحباط الذي أشرنا إليه، آملة بتسلم السلطة عندما تحين الفرصة)(43).

وهذا كله يؤكد أصالة وجدية الدعوة إلى الإسلام. وان تحرك المسلمين وعملهم كان دائماً ذاتياً نابعاً من العقيدة المستقرة، بأن الإسلام بما هو خاتم الأديان والرسالات، فهو صالح لكل زمان ومكان، وبالتالي فانه الحل الأمثل لكل الأمم البشرية، وهو الشفاء الحقيقي مما يرزح تحته البشر في كل صقع من أصقاع المعمورة من ويلات الفواجع والمآسي والأمراض، ومصائب الصراع والتمزق والفراغ الروحي والنفسي في نطاق الفرد والمجتمع على السواء، وان هذه الدعوة لم تكن في يوم من الأيام مجرد رد فعل على هيمنة الغرب الاقتصادية والثقافية والسياسية، ولا نتيجة إحباط بسبب فشل الأيديولوجيات الغربية كالليبرالية البرلمانية والاشتراكية والشيوعية وسواها، ولا استئنافاً لصراع مع المسيحية واليهودية وسواهما من الأديان الأخرى.

إن دعاة الإسلام هؤلاء بهذه الذاتية النابعة من العقيدة الإسلامية يجب أن يعملوا على محورين أساسيين:

المحور الأول: توعية الأمة الإسلامية وتعريفها بدينها واستنهاضها لاقامة دولة الإسلام من جديد وتطبيق شريعته ومناهجه في الدولة والمجتمع الإسلاميين.

المحور الثاني: تعريف الإسلام المحمدي الأصيل للعالم كله وتقديمه للبشر كافة على أنه هدى الله وشرعته الكاملة القادرة على رفع الويلات والمحن والفواجع عن البشر كافة والسير بهم في الطريق السوي والصراط المستقيم الذي فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.

ولا شك أن هؤلاء الدعاة يتحركون على كلا المحورين في آن معاً، فرغم أن النجاح على المحور الأول وإقامة الدولة الإسلامية وبناء النموذج الفاعل للمجتمع الإسلامي سيزيد من نجاح الدعاة العاملين على المحور الثاني، لأن الدولة الإسلامية الناجحة والمجتمع الإسلامي الحي الفاعل سيكونان بمثابة القدوة والأسوة لبقية المجتمعات البشرية، إلا أن انشداد شخصيات علمية وثقافية وسياسية غربية إلى الإسلام، سيثري تجارب المسلمين ويغني مناهجهم في الدعوة، ويزيد من عدد العاملين، وينعكس إيجابياً على المجتمعات الإسلامية التي لا تزال الدعايات الغربية ومناهج التثقيف الغربي تشتت أفكارها وتشل عقولها وتوهن عزائمها للمضي قدماً على منهج الحق ودين الإسلام.



1- جريدة كيهان العربي رقم 3325 – آذار 1995 – الملحق ص 6.

2- الوسط عدد 98 – 13/12/1993 – ص68.

3- مجلة البلاد – العدد 222 شباط 1995 ص32.

4- المصدر السابق.

5- المصدر السابق وكيهان العربي.

6- المصدر السابق وكيهان العربي.

7- الوسط - عدد رقم 101 ص60.

8- مؤرخ وأستاذ في جامعة السوربون. الوسط عدد 96 ص 11.

9- الوسط عدد 97 - 6/12/1993- ص 62.

10- المصدر السابق.

11- الوسط، عدد، 98- 13/12/1993 – ص69.

12- الوسط، عدد 99 – 20/12/1993 – ص65.

13- استاذة الأدب العربي في جامعة نابولي، لها مؤلفات حول الأدب العربي المعاصر وترجمات لأعمال غسان كنفاني (عائد إلى حيفا) وحنا مينة (الشراع والعاصفة) وآخرين، وتدير سلسلة خاصة بالأدب العربي المعاصر في دار نشر معروفة في روما.

14- الوسط، عدد 101-3/1/1994 – ص60.

15- شغل البروفيسور (سلفاكوري بونو) منصب نائب رئيس المعهد الايطالي الخاص بأفريقيا، كما درس التاريخ الدستوري للبلدان الآسيوية والأفريقية في جامعتي فلورنسا وبيروجا، شارك في عدد من الصحف الايطالية، ويشغل حالياً منصب رئيس تحرير مجلة فصلية بعنوان (الإسلام: حضارة وتاريخاً).

16- الوسط عدد 101ص64.

17- الدكتور (اورو شتاينباخ) من كبار المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي خصوصاً فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والسياسية والثقافية ويشغل منذ عدة سنوات منصب مدير معهد الشرق في هامبورغ وهو اكبر مؤسسة استشراقية في ألمانيا (الوسط عدد 102- 10/1/1994 - ص56).

18- الوسط عدد 102 - ص55.

19- الوسط عدد 102 - 10/1/ 1994 - ص 55.

20- الوسط عدد 97 - ص60.

21- الوسط عدد 99- ص66.

22ـ (الكسندر سمير نوف) اختصاصي روسي في قضايا الإسلام، ومعلق سياسي في وكالة الأنباء الروسية.

23- أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

24- مجلة (الوسط)عدد 97 تاريخ 6/12/ 1993 ص63.

25- المصدر.

26- المصدر.

27- المصدر.

28- (الوسط)عدد96 ص12.

29- (الوسط) عدد 96 ص 14.

30- مجلة الوسط عدد 96 ص 14.

31- (الوسط) عدد 96 ص 16.

32- (الوسط) عدد 96 ص060

33- (الوسط) عدد 96 ص 64.

34- (الوسط) عدد 98 ص70.

35- من أبرز المتابعين في هولندا للحركات الإسلامية في مصر والعالم العربي، وهو مدرس الفلسفة الإسلامية والفلسفة المعاصرة في جامعة ليدن.

36- (الوسط) عدد 99ص68.

37- أستاذ محاضر في الدين والعلاقات الدولية في جامعة جورج تاون وهو مدير مركز التفاهم الإسلامي - المسيحي في الجامعة المذكورة.

38- (الوسط) عدد 100 ص 114.

39- انظر في ترجمته وأقواله- (الوسط) عدد 99 ص 64و65.

40- انظر في ترجمتهما وأقوالهما - (الوسط) عدد 100ص112-114.

41- انظر في ترجمتهما وأقوالهما - (الوسط) عدد 101 ص 60-61.

42- انظر ترجمتهم وأقوالهم في - (الوسط) عدد 102 ص54-56.

43- (الوسط) عدد 96 ص 14.