ما إن تسمع بالقدس حتى يقفز بك
الفكر إلى أعماق الزمن، وأغوار التاريخ
الموغل في القدم وربما عاد بك إلى اكثر من
خمسة آلاف عام مضت، وذلك لأن التاريخ المدوّن
يتحدث عن هذه الأرض منذ ثلاثة آلاف سنة قبل
الميلاد ونحن اجتزنا الميلاد المسيحي بألفي
سنة كما هو معروف الآن..
ولذلك قيل أن القدس أو أريحا أو
دمشق أو غيرها من المدن من اقدم مدن الدنيا
لأن تاريخها الحقيقي لا يعرفه إلا الله خالق
الزمان والمكان ويقول الأستاذ جعفر الخليلي..
(الباحث في تاريخ القدس لا يستطيع أن يقطع
بمبدأ هذا التاريخ، ويعرف كيف نشأت هذه
المدينة أول ما نشأت، وكل ما يمكن التثبت منه
هو أن هذه المدينة موغلة في القدم، وليس إلى
معرفة اصلها في الواقع العملي سبيل..) ().
أما ما سطره المؤرخون ورجال الفكر
والحضارة الإنسانية فهو أن أول من بنى هذه
المدينة المقدسة هو ملك اليبوسيين المدعو (ملكي
صادق) أي ملك الصدق، ويستشعر من أحاديث
وروايات المؤرخين عن ذاك الرجل أنه كان رجلاً
صالحاً وصادقاً مع نفسه وشعبه كذلك..
وهو يرجع إلى القبائل العربية
النازحة من نجد الجزيرة وهم (الآراميون)
القبائل العربية القادمة من البادية إلى ارض
الشام وتعني أهل الجبال.. والمدقق بالتاريخ
يجد أن اسم العرب جاء من بلاد ما بين النهرين
عندما اجتازوا نهر الفرات باتجاه الغرب..
فـ(عمورو... عريبي... عرب.. هم أهل ما
بين النهرين و(عمورو) تعني (أهل الغرب) أي غرب
الفرات.. و(عريبي) باللغة السامية يعني (الغربيون)
وبلادهم (مات عريبي) أي بلاد العرب() وملكي
صادق الذي أسس مدينة القدس وحفيده (إيلياء)
الذي أكمل بناءها هما بالحقيقة يرجعان إلى
شيخ الأنبياء نوح(ع) وكل ذلك يرجع إلى (2500-3000)
سنة قبل ميلاد المسيح(ع) وتسمية البلاد كلها
باسم فلسطين تعود إلى ذاك الزمن وهناك أربعة
أقوال في ذلك..
1) لفلسطين بن سام بن إرم بن سام بن
نوح(ع).
2) لفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن
نوح(ع).
3) لفلسطين بن كسلوخيم بن صدقيا بن
كنعان بن حام بن نوح(ع).
4) لفلسطين بن كيسوحين بن لقطين بن
يونان بن يافث بن نوح(ع). ().
فالروايات الأربع تعيد سبب
التسمية إلى ولد من أولاد نبي الله نوح
الأربعة (سام - حام - يافث - فلان) والمهم أن
تاريخ واسم تلك البلاد عربياً بدأ منذ أن نشأ
العرب في أقدم العصور وإلى الآن.. وبالعودة
إلى تاريخ القدس نجد أن إبراهيم الخليل(ع)
هاجر إليها (فلسطين) في حوالي (1900-1850)ق.م.
والفترة (1417-1362)ق.م. هي مرحلة حكم
الملك الكنعاني الشهير (عبدي - خيبا).
* وفي (1304-1237)ق.م. تم خروج بني
اسرائيل من مصر بقيادة نبي الله موسى(ع)
فراراً من فرعون وطغيانه، وفي صحراء سيناء
كان التيه الاسرائيلي الذي دام 40 سنة في مسافة
لا تتجاوز 8 أو 16كم فقط كما تحدث القرآن الكريم
عن تلك الرحلة الاسرائيلية فهي تعود إلى ذلك
الزمن وهو أول عهد للاسرائيليين في فلسطين..
وأنشأوا دولة في تلك الربوع قوية بعد ذلك..
* والفترة (1125-1025)ق.م. هي مرحلة حكم
القضاة الاسرائيليين لفلسطين العربية.
* والفترة (1010-791)ق.م. هي فترة حكومة
نبي الله داود(ع) ومن بعده الملك العظيم
سليمان(ع) الذي بنى الهيكل المقدس وذلك في
حوالي (960)ق.م.
* واحتلها الآشوريون في حوالي عام
(721)ق.م. ودام حكمهم عليها حتى 678ق.م.
* وكذلك الكلدانيون في حوالي عام
(587)ق.م. بقيادة نبوخذ نصّر الذي دمّر دولة
اليهود تماماً وأخذهم سبايا وأسرى إلى عاصمته
في العراق.
* واحتلها الفرس في نهاية القرن
السادس قبل الميلاد.
* أما اليونانيون فقد دخلوها عام 320ق.م.
بقيادة الاسكندر الكبير ومعاونيه..
* السلوقيون دخلوها عام 168ق.م.
بقيادة (أنطيوخيوس) الرابع.
* والرومان في حوالي عام (325م) إلى أن
اعتنق الرومان الدين المسيحي بعهد
الامبراطور (قسطنطين الأول) الذي بنى كنيسة
القبر المقدس.
* وكان لأمه فضل كبير على
المسيحيين، ولها دور بارز إذ قامت ببناء
كنيستين هما من اقدس المقدسات المسيحية إلى
هذا العصر حيث بنت:
1- كنيسة الميلاد في بيت لحم (مكان
ولادة السيد المسيح(ع)).
2- كنيسة القيامة في القدس الشريف..
ومنذ ذلك الحين راح المؤمنون من
المسيحيين يحجون إلى تلك الأماكن المقدسة..
وفي مطلع القرن السادس الميلادي
بزغ نجم الإسلام في هذا الوجود معلناً السلام
ومبشراً بالنور ودحر الظلام.. وفتحت القدس وما
حولها في حوالي عام 15 للهجرة الشريفة أي في
حوالي (636م) وذلك في عهد عمر بن الخطاب ثاني
حكام بلاد المسلمين بعد ارتحال الرسول الأعظم(ص)
المؤسس والباني الأول لدولتهم.
وللقدس مكانة عظمى في الفكر والروح
والعقائد الايمانية الإسلامية، فقد كانت
قبلة أولى لهم لما يزيد على ثلاثة عشر عاماً
أي الفترة المكية كلها وحتى السنة الثانية أو
الثالثة للهجرة المقدسة حيث نزل قوله تعالى
لرسوله(ص): (فلنولينك قبلة ترضاها..)
واليها كانت رحلة الاسراء للنبي
الخاتم(ص) وفيها صلى(ص) بالرسل والملائكة
أجمعين ومن صخرتها كانت رحلة المعراج إلى
سدرة المنتهى حيث بلغ مقاماً كقاب قوسين أو
أدنى.. فأوحى إليه الجليل ما أوحى.. وأراه من
آيات ربه الكبرى..
ولمكانتها وقدسيتها وعظمتها في
الدين الإسلامي فقد فتحها خليفة المسلمين
شخصياً بعد أن طُلب من المدينة المنورة،
فاستجاب لهم وأعطاهم ميثاقاً وعهداً حفظ فيه
الدين والدنيا لكل سكانها دون استثناء..
وفي العهد الإسلامي تم بناء المسجد
الأقصى الشريف الذي كان يتسع لثلاثة آلاف
مصلي، وهو إلى الآن يتحدى الجبارين من اليهود.
وكذلك تم بناء قبة الصخرة التي تحطّم عليها
الظلم والطغيان إلى هذا الزمان.
* وفي عام 1099م احتلها الغرب بعد
موجات الحروب الصليبية العنصرية الغاشمة.
* وفي عام 1260م احتلها المماليك
المصريون..
* وفي عام 1516م احتلها الأتراك
العثمانيون الذين دام حكمهم اربعة قرون
متواصلة..
* وفي عام 1917م احتلها الانكليز
الذين اقتسموا تركة الرجل المريض العثماني مع
شركائهم الفرنسيين والألمان والروس وغيرهم
من الدول الاستعمارية الطامعة..
* وبنفس العام 1917م أعطي وعد بلفور
المشؤوم لليهود من أجل السماح لهم ببناء وطن
قومي لهم يجمعهم على ارض فلسطين، فأذلوا
أنفسهم كمسيحيين، وجرحوا قلوبنا كمسلمين إلى
هذا الوقت فمنعوهم من الحج ومنعونا من الأقصى
والأرض..
* وفي عام 1948م أعلنت دويلة اسرائيل
ونكب العرب وظهرت كغدة سرطانية استفحلت في
جسم الأمة العربية والإسلامية.. إلا أن الأمة
وجسمها يرفضانها رفضاً قاطعاً ولو دامت فيهما
ألف سنة - لا سمح الله - فإنها ستبقى بؤرة مرض
للجسم ولابدّ له من التخلص منها إن عاجلاً أو
آجلاً.
* وبنفس السنة 1948م احتل الصهاينة
قسماً من القدس الشريف، وفي عام 1967م احتلوا
البقية وهي اليوم كما ترون وتقرأون وتسمعون
في كل يوم وفي كل مكان فلا حديث إلا حديث القدس
الشريف.
ومن هذه اللمحة الموجزة وهذا
السّرد السريع لبعض التواريخ الفاصلة
والهامة من تاريخ فلسطين عامة والقدس خاصة
يتأكد لدينا كذب الدعوة اليهودية، ويدحض
الافتراء الصهيوني بشكل لا يدع مجالاً للشك
في إسلامية البلاد والقدس وعروبتها بكل معنى
الكلمة ومبناها..
فالعرب الكنعانيون واليبوسيون هم
من بنوها، وقبل دخول بني إسرائيل بألفي سنة،
وسكنها الإسرائيليون وهم وافدون عليها غرباء
عنها وليسوا من السكان الأصليين للبلاد..
واللافت للنظر أن القدس عربية في كل الكتب
الإسرائيلية وعلى رأسها كتابهم التوراة
المزوّر حالياً..
ففي سفر التكوين - أقدم أسفار
التوراة - يطلق على سكان فلسطين الاوائل اسم (الكنعانيين)
ويقول:
(أنهم جاؤوا من الجزيرة العربية
عام 2500ق.م. ) وفي الاصحاح الثالث والعشرين من
سفر التكوين يتكرر ذلك بتسمية (أرض فلسطين)
التي يسكنها الكنعانيون.. وفي سفر يشوع في
الاصحاح التاسع يقول صراحة: إن قبائل اليهود
الذين كانوا يهيمون في الصحراء اصطدم (غزوهم)
لفلسطين بأعمال البطولة التي اتصفت بها
فلسطين وقصمت ظهر بني إسرائيل.. وسنقصمه ثانية
هذه الأيام باذن الله.
وفي الاصحاح الرابع من سفر صموئيل
تبرز تلك الحقيقة بعبارات أكثر وضوحاً حيث
يقول: (واصطفّ الفلسطينيون للقاء اسرائيل،
واشتبكت الحرب فانكسر بنو إسرائيل أمام
الفلسطينيين) وفي موضع يقول: (فحارب
الفلسطينيون وانكسر بنو إسرائيل وهرب كل واحد
منهم إلى خيمته، وكانت الضربة عظيمة جداً،
وسقط من إسرائيل ثلاثون ألف رجل وأخذ
الفلسطينيون تابوت الرب.. ) ().
|
وسنعيدها ونقتل منهم ثلاثة ملايين
أو أننا لن نبقي منهم احداً باذن الله وعونه.
ففلسطين إسلامية وعربية منذ أقدم
العصور، والقدس عاصمتها وهذا هو الأصل الصحيح
للمسألة، أما اليهود والاسرائيليون فهم
غرباء (غزاة) متسلطون باعتراف كتابهم التوراة..
وأما الصهاينة فهم متطفلون وعدوانيون لكل بني
البشر ولا رب لهم ولا اله إلا مصالحهم
التافهة، وأهواؤهم الشريرة.
|