2000 تشرين الاول |
1421 رجب |
العدد |
|
مجلة |
|
|
فاضل الصفّار |
ولعلّ بمراجعة بسيطة لسيرة اكثر الناجحين في الحياة توصلنا إلى هذه الحقيقة إذ لا يعدم الإنسان من الحاجة إلى مرشد أو مساند أو حامي يقف وراءه ويعطيه من معنويّاته الكثير ويأخذ بأيديه لتحقيق الكثير.. وهذا أمر أكّده علم النفس الاجتماعي في مجالات عدّة. ومن هنا.. فإن العمل الإداري يبتدأ بإدارة الأفراد أوّلاً ويحقّق نجاحه إذا استطاع أن يحشّد المجموع لتحقيق الهدف بروح متفائلة وبأيدي متعاضدة وعلاقات متماسكة إذن، لا غنى للعمل عن الأفراد كما لا غنى للأفراد عن بعضهم البعض وبالتالي لا غنى للمجموع عن المجموع.. إذ من الخطأ أن نتصوّر أن بعض الأفراد ينفعون وبعضهم لا ينفعون بل الجمع نافع إذا عرفنا كيف نتعامل معه وكيف نفجّر طاقاته ونضعها في موضعها.. هذا هو الأصل الذي ينبغي أن نؤمن به كحقيقة ونعمل عليه كأسلوب وهدف أيضا.. إلا أن على الرغم من ذلك فقد نشعر بأن هناك بعض الأشخاص في مكان العمل نفضّل العيش من دونهم لكن في نفس الوقت نجد أن الاستغناء عنهم أمر مستحيل أو صعب للغاية وهذه أزمة كبيرة تؤلمنا من جهات عدة.. هي: * جهة الضرورة إلى التفاهم معهم كأخوة وأصدقاء مهما كلّف الأمر. * مضافاً إلى جهة الحاجة إليهم كطاقات وكفاءات. * ولكن من جهة أخرى نتألم لما يسببونه لنا من ضغوطات روحية واجتماعية وإدارية بسبب ما يفعلونه أو ما يتّصفون به من صفات سلوكيّة وأخلاقيّة أو ربّما فكرية من شأنها أن تستفز الآخرين وتعكّر عليهم صفو العمل.. وبعكس أولئك الأشخاص الذين يتمتّعون بصفات عالية ونفوس كبيرة تضفي على العاملين والعمل المزيد من الروح والمعنوية والتفاؤل والمحبّة والوئام طبعاً لا ينبغي أن ننسى دائماً أن كل عمل مقرون بالمشاكل ومحفوف بالازمات ما دمنا نعيش في الدنيا ونواكب أبنائها على اختلافهم لذا علينا أن نتلقى الشخصيات الصعبة تلقياً طبيعياً حتى نتمكن من تجاوز الأزمة معهم بسلام.. لأن الخلافات من طبايع الأفراد وأحياناً من ضرورات العمل وبما أن العمل الإداري متقوّم بإدارة الأفراد إذن لا يعدم أن يتوفّر في أجوائه الأنماط المختلفة من الطبايع والأمزجة.. وهنا تتجلّى مهمّة المدير والإدارة والعاملين فيها بل وكفاءتهم - سواء كانوا من أصحاب المناصب والمسؤوليات العالية أو دونهم - في كيفية التعامل مع هؤلاء الأفراد ولتحويل سلبيّاتهم إلى ايجابيات واضرارهم إلى منافع.. ولعلّنا إذا نظرنا إلى الأعمال الجماعية في المؤسسات بل والدّول أيضا والوزارات نجد أن صفات العاملين فيها تنعكس على أعمالهم - في الأغلب - بشكل مباشر أو قل أن صفات العاملين تصبغ المؤسسات بصبغتها وتعطيها صفاتها بل ونتائجها في النجاح والفشل والمرونة والشدّة والانضباط والتسيّب من هنا فأن لدى التفكير في معالجة الأوضاع الإدارية لأي مؤسّسة لابد من إقامة تحليل أوّلي لأنماط الأفراد العاملين فيها ودراسة حالاتهم النفسيّة حتى يمكن أن نضع كل شيء في نصابه وبشكل عام فانّ طبايع الأفراد تتنوع حسب شخصياتهم ومستوى تفكيرهم وآدابهم والعمل الإداري هو أوسع ميدان يكشف طبايع الأفراد ويظهر نقاط قوّتها من نقاط ضعفها كما يميّز الأفراد الناجحين من غيرهم.. فان الأفراد في الكثير من الأحيان لا تنكشف أحوالهم ولا طبائعهم في حياتهم العادية فإذا استلموا بعض المسؤوليات والأدوار أو اعترتهم بعض الأزمات أو الانتصارات تظهر حقائقهم وتكشف معادنهم ولعلّ ما ورد في المأثور: (عند الامتحان يكرم المرء أو يهان)(1) وكذا: (في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال)(2) و(الرجال مخابر لا مظاهر) ونحوها تشير إلى بعض هذا لأن من الواضح أن إدارة الأعمال هي مجال اختبار كما أن تقلّباتها من حال إلى حال ومن أزمة إلى رخاء ومن شدة إلى ضعف يكشف جواهر العاملين ويدلّنا على مخابرهم في منأى من المظاهر والمجاملات التي يمكن أن تؤدّى في كلّ يوم وصارت عند البعض وظيفة لا أدب وعادة لا ملَكَة.. ولعلّنا بالتحليل الأولي لأيّ عمل جماعي يمكن أن نقسم الأفراد إلى اقسام حسب طبايعهم أو حالاتهم النفسيّة. أبرزها ما يلي: 1) المتعقّلون: وهم الذين يتسمون بالاعتدال والتعامل مع الأمور حسب متطلباتها وضروراتها ويسعون لتدبير امورهم بتوازن ورضا بلا افراط ولا تفريط. 2) الخاملون: وهم الذين لا يتمتعون بحماس لانجاز الأعمال ولا يبدون مزيد اهتمام للحاجات والضرورات. 3) العاطفيّون: وهم الذين ينقادون وراء العواطف والاندفاعات الفورية سواء في الايجابيات أو في السلبيات وفي الغالب يستغلون كوسيلة لمآرب الآخرين.. 4) الطموحون: وهم أصحاب الآمال والطموحات العالية وفي الغالب تتحكم في أعمالهم ومستوى آدابهم واهتماماتهم معاييرهم الخاصة فيسلكون افضل الطرق واسرعها للوصول إلى الهدف. 5) المصلحيّون: وهم الذين ينقادون وراء المصالح الاعم من النوعية والشخصية وإن كان في الغالب تصبح المصلحة الخاصة هدفهم الأول أما غيرها من الاهداف الأهم والأسمى فتصبح في الهامش أو تأتي في الرتبة الثانية. 6) المتوترون: وهم الذين يستثارون لأدنى الأمور وينصدمون لأبسط المواقف أيضا ومن الغالب لا تحكم تصرفاتهم معايير خاصة للتوازن ولأن طابعهم العنف والقسوة ففي الغالب يخلقون القلاقل والأزمات مع الأصدقاء وغيرهم. 7) المثاليّون: وهم الذين ينظرون إلى الأمور من زاوية بعيدة عن الواقع وضروراته ولعل نظرتهم هذه تنشأ من قلة التجارب أو الطموحات المرتفعة التي تفتقد إلى حكمة التكتيك وخبرة العمل. 8) الوظيفيون: وهم أولئك الذين لا يهمهم سوى أداء الدور الذي انيط بهم والخروج من عهدة الالتزام بسلام ولا يخفى أن هذا التقسيم ليس منطقياً كاملاً بمعنى انه ينفي غيره من الاقسام بل هو استقرائي ناقص ركّزنا فيه على ابرز الصفات والأفراد لا جميعها ولعلّ هذه التسميات توضّح صفات كل واحد منهم إلا انه تبقى هناك نقاط مشتركة بين بعضهم فيكسب بعضهم صفات الآخر كما أن هناك أسباباً وعللاً تؤدي إلى ظهور هذه الصفات مضافاً إلى طرق المعالجة. فمثلاً: العاطفيّون يتّصفون بالحماس المندفع لإنجاز الأعمال في آن من الآنات ثمّ إذا فتر الحماس وبردت العاطفة عاد إلى طبعه الأوّل.. وإن بعض المدراء يشعرون بالقلق تجاه هكذا أفراد لأنهم يكلفونهم المزيد من المتابعة والتحضير لأجل إنجاز المهمات وفي نفس الوقت يشكلون موضع إثارة وضغط إذا وقعوا تحت تأثيرات الآخرين وفي الغالب تتسم اعمالهم بالمرحلية والوقتية وتشتد حين اشتداد العاطفة وتبرد حين برودها. وفي الغالب الفرد الخامل من أصحاب الطبايع العاطفيّة حينما يصابون بصدمة غير متوقّعة أو فشل في تجربة ونحو ذلك فيقعون في أزمة نفسيّة تعود عليهم بفتور الهمّة والشعور بعدم جدوى العمل أو الهزيمة النفسية فيبقى في مكانه يعاني مساوئ الخمول وألم الانعزال.. والطموحون أيضا قد تؤدي بهم الأزمات إلى الانضواء في صفّ المصلحيين أحياناً إذا لم يجدوا فرصاً سانحة لتحقيق طموحاتهم وفي وقت أسرع.. ومن الواضح أن الطموح حالة ايجابية في الإنسان وعلى قول الشاعر: ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل وكلما كان الطموح أرقى واسمى كان الأداء والتقدم على مستواه إلا أن الجدير بالملاحظة أن الطموح إذا لم يلازمه التعقّل والهدوء ولا تحكمه التوازنات فإنه قد يكون أداة هدم وانحراف بل وتخريب لحياة بعض الأفراد الأسرية والعملية فإن العديد من أصحاب الطموحات الكبيرة كانوا أناساً جيدين ومستقيمين وهدفيّين أيضا في بادئ أمرهم إلا انهم انحرفوا في آخر المطاف بسبب صعوبة الظروف وقساوة الحاجة وانسداد الأبواب أمام طموحاتهم فإن من الواضح أن فرص التقدّم مع الانحراف وسلوك الطرق الملتوية قد تكون أسرع أحياناً وهذا ما يغري بعض ذوي الطموحات العالية إلا أن المشكلة في أن آثار هكذا أعمال ودوامها أيضا سريعة الزّوال وإذا انكشفت فنتائجها أسوء. لكن حيث أن في الغالب يغفل الإنسان عن النتائج فيقع في مطبّات خطيرة تنتهي به إلى الضّياع.. والحاصل: فإن أصحاب الطموحات قد يقفون في صف المتعقّلين إذا انطلقوا بالعقل والحكمة والتدبير ليحقّقوا طموحاتهم بطرق ايجابية وصحيحة فيصلون إلى أهدافهم بشكل سليم وعميق.. وقد تتعجّلهم طموحاتهم في غياب من التوازن فيقفون في صف المصلحيين الذين يريدون تحقيق اهدافهم بأي ثمن وبأي طريق كان.. والمثاليّون.. أيضا قد يقعون في صف المتوتّرين إذا تجردت مثاليتهم عن المنطقية والاعتدال أو قل إذا ما استطاعوا أن يجمعوا بين النظرة المثالية للأمور والواقعيات الخارجية التي قد تحول - كما في الغالب - دون تطبيق المثالية بشكلها الكامل في المدى المنظور فيشعرون بالانفصام الداخلي فيما يفكّرون به ويطمحون إليه وبين ما يجدونه على صعيد الواقع من أزمات وصعوبات أو حواجز قاسية.. وبالتالي فأمّا يعيش المثالي حالة من التوتّر العصبي فينصدم بالمدراء والمسؤولين ثم بالعمل والعاملين ويصبح مصدر التوتر الدائم والأزمات المستعصية وإما وفي أحسن حالاته يقع في صف الخاملين الذين لا يجدون جدوى للعمل ولا فائدة للكلام ولا تقبل المسؤولية.. وطبعاً لا نقصد من المثالي هنا.. الفرد الذي ينظر إلى الأفكار المجرّدة فقط بل حتى أولئك الذين توقّعاتهم كبيرة أو حسّاسيتهم شديدة وينظرون إلى الأمور - نظرة مجردة عن الواقع - بشكل عام هم مثاليّون في نظرتهم أو موقفهم لذلك نجد أن البعض منهم بين مدّة وأخرى تظهر عنده حالة عدم ارتياح من هذا الفرد أو ذاك أو من هذه الفكرة أو تلك وربّما يظهرها في صورة صدام أو في صورة انعزال وزعل.. فهو لا يجد للمشكلة عذراً ولا يقبل للأفراد اعتذاراً أو تبريراً.. وأما الوظيفيّون فهم في الغالب خيّرون محبّون يطمحون إلى رضا أصحابهم والعاملين معهم ولا يتفاعلون في الغالب مع الانتصارات كما لا يتأثرون كثيراً بالهزائم بشكل واضح وجلي وتظهر قدرتنا الحقيقية كإداريين ويتجلّى سموّنا الروحي ورشدنا الفكري كأصدقاء ومؤمنين ومقتدين بمنهج الصالحين(ع) في الفكر والعمل إذا جعلنا الحدود المثلى والطموحات العالية نصب أعيننا وجعلنا المصالح الكبرى أهدافاً وسلكنا سبيل التعقل والمنطقية للوصول إليها فإنا بهذا نحقق افضل ما نريد ونتجنّب اضرار ما نحذر مع سلامة في الدين والدنيا وفي كل هذه الصّور فإن علينا وفي أي مستوى من مستويات الإدارة كنّا علينا أن نتعامل مع الجميع بطريقة ايجابية وبصدور رحبة فنعالج النواقص ونشدّ على الكمالات.. حتى يكون الواحد منا مدارياً بالمعنى الذي ورد في الروايات الشريفة وكانت من أبرز السمات الكمالية لرسول الله(ص) والأئمة الطاهرين(ع) حيث يقول(ص) وهو الحاكم الأعلى لبلد امتدّت مساحته إلى آلاف الكيلومترات: (أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بالفرائض)(3) ويقول: (اعقل الناس اشدهم مداراة للناس وأذلّ الناس من أهان الناس)(4). وقال(ص): (إن الأنبياء إنما فضّلهم الله على خلقه بشدة مداراتهم لاعداء دينهم وحسن تقيّتهم لأجل إخوانهم في الله)(5). أقول: هذا ما كان للأعداء فما بالك بالإخوان والأصدقاء؟! وعن مولانا أمير المؤمنين(ع): (سلامة العيش في المداراة)(6) وفي حديث آخر (من هجر المداراة قارنه المكروه)(7). |
|
إذن لا ينبغي للعاملين أن ينقموا على حالات الأفراد بمقدار ما يفكّروا في معالجاتها.. لأن ضرورات العمل بل ومقتضى إنسانية الإنسان فضلاً عن تديّنه والتزامه واقتدائه بهدي الطاهرين(ع) هو معاملة الإخوان بالحسنى والتعاطي معهم بالمحبّة واهداء العيوب واسداء النصائح من أجل حياة أفضل في أي صعيد كان.. ولعلّ من هنا كان للأخ والصديق حقوقاً على المؤمنين يجب عليه أدائها إليهم.. وابرز هذه الحقوق تظهر في ميادين العمل والاحتدام المتزايد ووجود دواعي الاختلاف والنزاع.. إذ الفضل ليس في أن لا تتنازع مع الإخوان في حياتهم العادية التي لا مساس فيها ولا اعتراك.. بل الفضل كلّ الفضل في أن تصبر وقت انعدام الصبر وتضبط نفسك في وقت جماحها وتهذّب لسانك في ساعة انفلاته وتتعامل بالحسنى في وقت الغضب وترعى الحقوق في أوقات ضياعها.. وتبدي المرونة في زمن القسوة وتفتح قلبك في وقت الانغلاق وتلوّح بالجذب والانسجام في أوقات التنافر والخصام فأنت كما قال بعضهم: تعلّم العيش مع الأشخاص الآخرين هو أحد أكثر جوانب الحياة اجهاداً. وعن مولانا أمير المؤمنين(ع) (ستة تختبر بها عقول الناس الحلم عند الغضب والصبر عند الرهب والقصد عند الرغب وتقوى الله على كل حال وحسن المداراة وقلة المماراة)(8). إن اكثر الأفراد الذين صنّفناهم في الأقسام المتقدّمة لا ترجع مواقفهم بالضرورة إلى خلاف ما يعتقدون أو يهدفون بل في الغالب تنشأ الانقسامات من حصول بعض الشبهات في الفكر أو الاختلالات في مقدمات التفكير أو ظهور بعض النواقص في السلوك والعمل هي التي تسبّب ذلك التصنيف وهنا تبرز أهمّية الإدارة وموقعية المدير في العمل الجاد المستمر على معالجة الأمور بروحيّة عالية وتفكير متوازن بلا افراط ولا تفريط.. فيحاول سد الثغرات الفكرية عند الأفراد كما يملأ الفراغات الروحيّة والمعنوية التي قد تسبّبها لهم ظروف العمل وهذان الجانبان أي الفكر السليم والمعنوية العالية هما الجناحان اللذان يطير بهما أي عمل ناجح ويوعز الخبراء.. اكثر الهزائم إلى اختلال أحد الجناحين. كما يوعزون الانتصارات إلى تحالفهما معاً. وكيف كان.. فإنا سنحاول حصر الكلام في الشخصيات المتوترة وهي التي نسميها بالصعبة أما لأنها أكثر الشخصيات ايلاماً للعمل والعاملين أو لأن الشخصيات الأخرى تصبح متوترة وصعبة أيضا إذا لم نتوصل معها إلى صيغة للتفاهم أو الحل في البعدين الفكري والعملي.. |
|
قد يعمل بعضنا مع زملاء أو أصدقاء يثبّطون العزائم ويغيظوننا إلى درجة شديدة حتى نشعر بالملل من التعامل معهم.. ونحسّ وكأنّهم عقبة كبيرة في طريقنا أو طريق أهدافنا وإذا لم نتعامل معهم بسعة صدر ومرونة ومداراة مستمرة سنلتقي معهم في يوم ما ونصطدم معهم لأبسط الأمور وربّما لاتفه الأسباب وبالتالي نفقدهم كأصدقاء ثم كطاقات وكفاءات يمكن أن تعطي العمل المزيد ولكن ماذا نصنع وأسلوبهم أو سلوكهم يسبّب لنا المزيد من المعاناة فهم: 1) يمارسون دور المخذّل أو الناقد الفج الذي يحكم على الأمور بقسوة وشراهة إلى الإيلام.. بقصد أو دون قصد. 2) يحاولون السيطرة علينا أو على الآخرين وخصوصاً في أوقات الاجتماعات إذ يعرّضوننا إلى الاحراجات أمام الآخرين فيسعون للهيمنة على الأجواء واصدار الأوامر أو الحكم علينا بالفشل أو التباطؤ أو الكسل ونحو ذلك. 3) لا يفصحون أبداً عمّا يجول في خواطرهم وأمامنا لا ينفتحون علينا ولا يحدّثوننا بصراحة.. وفي غيابنا ينالون منّا أو من العمل سوءاً. 4) يشعروننا بالتضجّر من شدّة عصبيتهم وكثرة تذمّرهم وتباكيهم المستمر على أوضاعهم ومشاكلهم وحاجاتهم أو على عدم تحقيق ما يريدون أو يتوقعون. 5) بعضهم عدائيون على من هم اضعف منهم ولا يراعون كرامة لمن هو فوقهم في ساعة الاحتدام. 6) لا يجدون للأمور مبرّراتها فما يرونه هو الصّحيح وما يراه الآخرون خطأ ولا يقبل التبرير وهذه الصفات ليست حصرية إلا إنها تظهر معاناة العاملين من الأفراد المتوترين في هذه الحالات الخاصة.. وطبعاً هذه لا تختص بالعاملين بل قد يكون المدير نفسه أحياناً وربما الأعلى منه موقعاً يتّسم بهذه الصفات فيسبّب للعاملين معه معاناة حقيقيّة وبالتالي فإن التوتر حالة مرضية وليست سليمة لذا ينبغي أن نفكّر دائماً باكتشاف المفاتيح التي يمكن أن تسهّل التعامل معهم وتبدّل اوضاعهم من العسر إلى اليسر ومن الصعوبة إلى السهولة ومن التوتر إلى المرونة والهدوء والتوازن. |
|
طبعاً لا ينبغي أن ننسى بأننا جميعاً قد نتحوّل إلى أشخاص صعبين ومتوترين تجاه الآخرين يوماً ما إذ ما منّا أحد إلا وفيه خصوصيات عالية من الإيجابية تبعث على السعادة والارتياح في نفوس الآخرين وربّما فيه بعض الخصوصيات الأخرى التي تبعث على التضجّر والقلق أو الالم عند آخرين. إذن كل واحد منّا معرّض لأن يكون سهلاً لطيفاً ومقبولاً أو لأن يكون صعباً قاسياً مؤذياً للآخرين المحيطين به كما يعبر عنه علماء النفس (بالجاذبة والدافعة في الأفراد) إلا أن العاقل ينبغي أن يبحث دائما عن الكمالات والفضائل فيجهد نفسه للتحلي بها ويتخلى عن الرذائل ليكون مقبولا عند الله أولاً ثم عند نفسه ثم عند الناس، من هنا يتبيّن أن فهم ذواتنا وصفاتنا وطريقة تعاملنا وفهم الدوافع الكامنة وراء تصرّفاتنا بشكل جيد ودقيق هما من أولى الخطوات التي يجب علينا القيام بها لتحسين علاقاتنا مع الأفراد في مكان العمل مع السعي للتخلي عن مناطق الخطر أو مواقع التوتر فإن قوّتنا وقدرتنا الاخلاقية تظهر ليس في أن لا نتوقّع من الآخرين أن يؤذوننا أو إذا آذونا أن نعاملهم بالصبر واللطف والمرونة، بل القوة والقدرة المعنوية الحقيقية تظهران في معالجة الموقف وإدارته بالتي هي أحسن. وأهم خطوة في هذا الاتجاه أن تطفئ إثارات الطرف وتمنع من استفزازه.. لأن الإثارة والاستفزاز يزيده توتراً ويصاعد عنده الثورة والغضب فيرتكب ما لا يحمد عقباه عاجلاً أو آجلاً.. إذن تركيزنا المستمر على متابعة أخلاقنا وتصرفاتنا نحن كفيل بحل الكثير من التوترات فيكون بمثابة الكمّادات التي يضعها الطبيب على جبهة المحموم لخفض درجات حرارته ومن الواضح أن الغضب وعدم الشعور بالرّضا والنقمة والتذمر والضجر وغيرها من صفات في جوهر واحد هو العنف فينعكس إما على صعيد العمل الفرد المتوتر صدامياً أو على صعيد الفكر إذا كان من المفكرين أو على صعيد العاطفة والعلاقات فيعيش الفرد العزلة والتراجع إلى الوراء. فلنتعامل مع المتوترين بمرونة وهدوء وفي نفس الوقت الذي نسعى للتحلّي بالكمالات نسعى لتجاوز الرذائل ونسعى دائماً للدخول إلى الآخرين من أبوابهم ومفاتيحهم التي تشعرهم بالمزيد من الراحة والاطمئنان والرضا متجاوزين حالات التوتر والاستفزاز. |
|
لكن تبقى ضرورة معرفة الأفراد المتوترين واكتشاف كوامنهم من أهم عناصر القوة والكفاءة الإدارية. لقد دلّت التجارب على أن هناك نماذج أربعة للأشخاص الصعبين في مكان العمل ربّما يكون هؤلاء الأشخاص المدير نفسه أو الفرد المسؤول في أي موقع كان وربّما يكون زميل منافس أو مضاهي في الرتبة والدور وربّما يكون شخصاً من العاملين لديك.. وفي الغالب تتكون جماعة الأفراد الصعبين من العناصر التالية: 1) الشخصيات المثيرة للغضب. 2) الشخصيات اللا متوازنة - إفراطاً وتفريطاً -. 3) الشخصيات العدائية. 4) الشخصيات المضطربة أو القلقة. وسنحاول التوصّل إلى تعيين هوية الفرد الصعب اولاً ثم تفهم الدوافع التي تكمن وراء تصرفاته والأسباب التي تحفّزه لذلك ثم نبحث في بعض طرق التعاطي معه ومعالجته كحل معقول يضمن لنا وله السلامة وللعمل المزيد من الهدوء والتقدم إن مما يؤسف له حقاً أن البعض منّا يفكر في أن اسلم طريق لمعالجة مثل هكذا أفراد هو الاستغناء عنهم وهذا الأمر ربما يكون سهلاً في بادئ الأمر إلا انه لا يخلو من قسوة وفقدان للأصدقاء بل ومردوده السلبي على الأفراد الآخرين أيضا من شعورهم وانعدام الثقة مضافاً إلى المساوئ التي يمكن أن تنتج بعد الانفصال واضح لدى الخبراء بالإدارة وفن التعامل مع الناس إذ أن من الواضح أن لكل فعل رد فعل فإذا شعر الفرد بالاهتضام في وضعه - وإن كان في نظره هو - فإن رد فعله سيكون اعنف وآثاره اكثر ضرراً.. هذا مضافاً إلى منافاته للمبادئ الاخلاقية الكريمة وروح الالتزام بآداب الدين والاقتداء بسيرة الطاهرين(ع) لذلك علينا أن نسلك الحلول بالمعالجات لا بالعزل أو الفصل وامثالها من طرق قد نراها سهلة وسريعة إلا إنها تزيدنا ازمات فوق أزمات. وطبعاً علينا أن نعرف قبل هذا أنه لا يوجد هناك سلوك نمطي أو نموذجي كنظام ثابت لا يقبل التغيير أو التبديل في الحلول بل ما دام الإنسان عاقلاً ومفكّراً ومختاراً وتتحكّم في سلوكه محفّزات ودواعي عديدة ومتغيّرة تبقى الحلول الأخيرة والنتائج الأفضل بيد المعالجين في كيفية التعامل والتعاطي لكن الشيء الثابت الذي ينبغي أن نراعيه دائماً في تعاملنا مع الأفراد كأصول واسس هي: * المرونة وسعة الصدر والوفاء والمحبة كأخلاقيّات ينبغي أن نتّسم بها. * والحوار والتفاهم والمصالحات وأحياناً القبول بالحلول النصفيّة كأسس للتعامل مع الآخرين. * بل وينبغي أن نضع أقدامنا دائماً في الاتجاه الذي يصبّ في خدمة الهدف لأن نسيان الهدف هو أول نقاط التراجع والضياع والتفريط بالمزيد من الثروات ثم الفشل.. كما إليه يرجع الكثير من الأزمات والحلول القاسية لذلك.. لا يوجد حلّ واحد للمشاكل ما دامت هي الأخرى متعدّدة ومتنوّعة لذلك علينا دائماً أن نجعل خيارات متعدّدة نصب أعيننا قبل الشروع في أي خطوة. * وأيضا علينا أن نعرف انه لا يستجيب جميع الأفراد لطريقة واحدة في الحلول خصوصاً إذا تكررت في تجارب عديدة وباتت واضحة أو معروفة لأنها ستكون فاشلة إذا كان سوء الظن وانعدام الثقة هو سيد الموقف. إذن علينا أن نعرف أن قلوب الناس صناديق وكلّ صندوق له مفتاح فينبغي علينا أن نجد لكلّ قلب مفتاحه ولكلّ شخص الطريقة الفعّالة التي تليّن من مواقفه أو تحيّدها. فبعض الأفراد تفتح قلبه الابتسامات الهادئة وعبارات الثناء وبعضهم تجديه العناية الخاصّة وبعض الامتيازات وبعضهم الآخر تنفعهم الفرص المتزايدة للمشاركة وتحمّل المسؤولية وبعضهم يكتفي بالموعظة الحسنة أو تذكيره بالهدف وبعضهم يقنعه الترشيد الفكري وإلى آخره. |
|
إن معرفة النزعة السلوكية للأفراد الصعبين هي أولى الخطوات للتعاطي مع أزماتهم بشكل ايجابي ناجح، لأن المدير مهمته مهمة الطبيب وإن اختلف الاهتمام، لأن مهمة الطبيب هي معالجة البدن ومهارته تظهر في قدرته على المعالجة لتشخيص المشكلة وأسبابها كذلك المدير، مهمته اكتشاف نوازع النفس وبواطن الأفراد واسبابها من أجل أن يضع لها الحلول المناسبة وهذه مهمة أشقّ من الأولى وأصعب كما هو واضح. إذن إذا واجهنا موقفاً صعباً أو فرداً متوتراً علينا أن نفكّر في دوافع الموقف ونزعات الفرد لا الفرد نفسه، أي علينا أن ندرس الموقف كظاهرة لا كفرد. فإنا في هذا نربح المعالجة لأن التركيز على الفرد ذاته يزيدنا ألماً ويزيد المشكلة أعضالاً لأنّنا قد نركّز التوجيه والغضب إلى الفرد نفسه وبذلك نخسر المعالجة ونخسر الفرد أيضا، بينما الحلّ المنطقي أن نعالج النزعة ونركز على الدوافع بغض النظر عن تجلياتها في الفرد فإنا بهذا نربح الحل ونربح الفرد نفسه أيضا.. ولا يخفى أن خصوصيات الأفراد لها دخل كبير في بروز الأزمات معهم إلا أن الحلول لا ينبغي أن تحصر القضية بالفرد بما هو بل تعالج الأزمة كأزمة فإنّا بهذا نضمن لانفسنا علاقات جيدة مع الفرد كما نصفّي الأجواء من الحقد والتنافر وغيرها من الآلام الروحية التي يشتبه فيها العاملون أحياناً فيجمعون بين الفرد وبين أزماته وينظرون إليهما بنظرة سواء فلا صديقاً يكسبون ولا مشكلة يحلون.. لذلك.. علينا أن نفصل بين الأزمة وبين الفرد، وهذا شأن المعالجات الجذرية للأمور سواء في هذا البعد أو في الأبعاد الأخرى، فإن التركيز على الأسباب والدوافع خير وأنفع من التركيز على المظاهر. وكيف كان فأنه يرى بعض الاختصاصيين أن الشخص المثير للغضب يتسم سلوكه بالعديد من الصفات المثيرة منها - على سبيل المثال -: * العناد أو اللجاجة. * الفظاظة وأحياناً اللسان اللاذع. * الانتقادات العنيفة.. وعدم المبالاة بما يقوله المصلحون إذا دخلوا معه في حوار. * لا يرضى بالحلول المنصفة فإمّا تستجيب له أو أنت مخطئ، وبالتالي فإنّ معاييره ورغباته هي الصحيحة وغيرها خطأ محض.. * قد تتحوّل المناقشات معه إلى خلافات، حتى الجلسات الودّية يمكن أن تتفجّر فيها بعض المفرقعات أو الاثارات، معك أو مع غيرك. * يجبر نفسه على العمل بمشقّة أو البقاء في موقعه، لا لأجل انجاح المهمة أو اسداء المزيد من الخدمة والعطاء بل من أجل ثبات نفسه أو الوقوف بوجه الآخرين. * يفتّش دائماً عن المؤاخذات ويمسك بالآخرين من نقاط ضعفهم من أجل أن يخرسهم فيما إذا احتاج إليها يوماً ما، وخصوصاً أصحاب النفوذ والقدرة، أو المنافسين. وأنت ترى أن هذه صفات من شأنها أن تستفز حفيظة الآخرين وتبعث فيهم القلق إذن علينا أن نفكّر في الخطّة أو طرق العمل للتعاطي مع هذا الوضع غير المرغوب فيه ومعالجته معالجة بنّاءة. |
|
تؤكد بعض الدراسات النفسية لأمثال هذه الحالات، أن الفرد المثير للغضب يريد غالباً أن يحظى بموقع خاص بين الآخرين فيسعى دائماً لإظهار ما يثير الإعجاب والتأييد.. ولأنّه في الغالب ينقاد إلى هذا الطبع أو السلوك تصبح أحكامه قاسية ومتحيزة إلى ما يريده هو فيخلق وضعاً متوتراً سلبياً. كما تؤكّد أيضا أن السلوك الصعب لدى الأفراد يتعزّز في كثير من الأحيان بالمكافآت لأن الأفراد يحظون بالمكافآت لدى نجاحهم أكثر من العقوبات في فشلهم.. وبما أنه يفرض نفسه على العمل فقد يتعزز موقعه بذلك. والمشكلة أن الفرد المثير للغضب يستأسد فكرياً بهذه المعززات لأنه في الغالب يتمتع بالذكاء وسرعة البديهة وعدم النسيان ويصل إلى القمة بفضل هكذا سلوك وهذه هي المكافأة التي يريدها وتشبع حاجاته. لأن المؤسسة أو الجماعة التي يعمل معها تكافئه من خلال التقدير والترقية فتنشأ معاييره غير قابلة للتسوية وعناده واصراره على ما يريد يساعده على مواصلة مسيره وهذا يفسّر حاجته إلى السيطرة على الوضع وإنجاز العمل بنفسه لأنه لا يجد أحداً يوافقه على معاييره القاسية وهذا أمر يعز له جانباً فيؤدي إلى صدور أحكام قاسية تشوبها العيوب تجاه الآخرين مما يفضي إلى نفاذ صبرهم وبالتالي لا يعدم الجمع من وجود من يصطدم معه.. كما لا يعدم العمل من مواضع تبعث على المواجهة. فتظهر مستويات متدنية من الأخلاق واحترام الذات وتصبح التفاعلات الرديئة ضمن الفريق العامل محتمة وتتنازل نسبة التعاطف والمحبة والأداء الوظيفي إلى أدنى المستويات. |
|
وخصوصاً إذا كان الفرد الصعب من أصحاب المناصب والمسؤوليات العالية.. فأنه يشكل طاقة كبرى على العاملين.. لأن المرؤوسين هم اكثر الناس معاناة من سلوك المدير أو الرئيس الفظ وصفاته الصعبة.. لأنه يحكم العمل بقبضة من حديد ولا يظهر رضاه على موظفيه والعاملين معه ولا يشعرهم بمحبة أو وداد مهما كانت الأعمال التي أنجزوها مهمّة أو كبيرة.. ولذا يصبح العاملون اتكاليين يرجعون إليه في كلّ صغيرة وكبيرة من أجل كسب رضاه أو ضمان احترام أنفسهم في مقابل فظاظته ولسانه اللاذع. وهذا وضع يقتل الطاقات ويحطّم الكفاءات ويعود على الجميع بالهزيمة النفسية. لذلك يفضل العاملون مع هكذا مدير فظ الانتظار حتى يخبرهم بما يجب فعله حتى في الجزئيات البسيطة بدلاً من التصرف المؤدي إلى غيظ محتمل نتيجة أداء العمل بطريقة خاطئة أو ناجحة إلا أنها لا تعجب المسؤول. ومن الواضح أن في هكذا جو من العمل ينخفض مستوى المعنويات إلى اقصى حدوده ويستولي على العاملين شعور باليأس قاتل، وشعور بالألم الشديد من سلوكه كمدير أو مسؤول، بل تتقهقر نوعية القرارات المتخذة أيضا لأن الأفراد يحجمون عن التحدث جهاراً أمام هكذا شخصيات مثيرة إذ يخشون أن يبدون حمقى أو يعاملوا بطريقة ساخرة أو لاذعة لا تعرف كرامة لاحد ولا احتراماً. وهكذا يشعر العاملون بأنّهم خاضعون إلى مراقبة دائمة ويرفضون فرصة المشاركة في القرارات التي تطالهم وتصبح مستويات الإبداع مكبوتة، وخصوصاً إذا كانوا منتمين إلى مؤسسة أو جماعة لا ترغب بفقدان مثل هذا المدير اللامع الذي ربّما يحقّق لها نتائج مذهلة في بعض المجالات إلا أن خسائره في الآجل أكبر وأعمق أثراً. |
|
1 - غرر الحكم ودرر الكلم، ص100، ح1746. 2 - مجموعة ورام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج2، ص39. 3 - معاني الأخبار، ص385، ح20. 4 - البحار، ج72، ص52، باب42، ح5، ط. بيروت. 5 - البحار، ج72، ص401، باب17، ح42. 6 - الغرر، ح10181، ص445. 7 - أعلام الدين، ص309. 8 - غرر الحكم، ج1، ص395، ح59. |