2000   آيلول

1421  جمادي الثاني 

49   العدد

مجلة   النبأ

حقوق الإنسان

نظرة في المقدميات

المحامي حيدر البصري

بين الحق والقانون

الحق

الإنسان

قراءة في المفاهيم

تمهيد

أقسام الحقوق الخاصة

الحقوق الخاصة

كيفية ثبوت هذه الحقوق

الحقوق غير السياسية

أنواع الحقوق

تمهيد

إن الدولة تستند في تنفيذ مشاريعها في تسيير أمور البلاد على الشعب ـ الذي يتكون في مجموعه من الأفراد ـ أي أنها تعتبر أن لها حقاً في عنق الشعب يتوجب عليه من خلال هذا الحق وضع نفسه تحت تصرف الدولة ـ بما يخدم الأغراض التي قامت لاجلها ـ وكما أن الدولة تعتبر لنفسها هذا النوع من الحقوق، فإن للفرد في قبال هذه الحقوق حقوقاً توجد أساساً مع الإنسان يتوجب على الدولة مراعاة البعض منها، ذلك بالنسبة للحقوق الطبيعية التي لا تدخل للدولة في إيجادها، كما يتوجب عليها إنشاء البعض الآخر من الحقوق التي يتوقف إيجادها، ونشوؤها على تشريع الدولة لها.

والحال أن الكثير من المشاكل التي تنشأ بين الحكومات والشعوب إنما يعود سببها ـ في الغالب إلى أمرين الأول: هو تجاوز الحكومات حقوق الشعوب ـ التي تعي طبيعة تلك الحقوق ـ واهتضامها، مما يقود إلى مطالبة تلك الشعوب بحقوقها وبين اخذ ورد بين الشعوب والحكومات تنشأ المشاكل، والاضطرابات، إن هذا الأمر إنما يتجسد عادة في الشعوب الأكثر وعياً ورقياً.

الأمر الثاني: تجاوز الحكومات حقوق الشعب ـ الذي يجهل ابسط حقوقه التي تتعلق في ذمة الدولة ـ ومصادرة تلك الحقوق، وهذا الأمر وإن كانت ردود الفعل من قبل الشعوب تجاهه تتصف بالبطء نوعاً ما ـ جراء جهل الشعوب بحقوقها ـ إلا أن المحصلة هي حصول قناعة لدى الشعوب ـ وبطريقة ما ـ بمصادرة حقوقها مما يدفعها للتحرك الذي يؤدي إلى نشوب الاضطرابات.

ولو أن الشعوب اتصفت بالقدر اللازم من الوعي الذي تعرف بموجبه حقوقها التي يتوجب على الدولة مراعاتها، في قبال ما تفرض عليها من واجبات لما تجرأت الحكومات على التقرب نحو هذه الحقوق ومصادرتها إن المشكلة الآن تتركز غالباً في مجتمعاتنا التي تعاني أكثر من غيرها من بقاع الأرض من هذا النوع من المشاكل التي قادت إلى تركيز السلطة ـ في اغلب دولنا ـ في يد جماعة معينة توجه هذه الشعوب حسب مصالحها، بناءاً على ذلك يقع لزاماً علينا توعية الناس إلى حقوقهم.

قراءة في المفاهيم

ابتداءً لابد لنا من وقفة عند كل من مفهومي الإنسان، والحق إذ انهما يساهمان كثيراً في تحديد معالم هذا الموضوع.

الإنسان

ورد في الكتب اللغوية في مورد مادة (الإنسان) أن الأصل فيها هو (إنسيان) معللة ذلك بأن العرب قاطبة تصغره بصيغة (أنيسيان).

(وهو ـ إنسيان ـ إما فعليان من الإنس، والألف فيه فاء الفاعل، وأما أعفلان من النسيان، حتى لقد قيل أنه سمي إنسانا، لأنه عهد إليه فنسي والإنسان للذكر والأنثى)(1).

وكيف كان الأصل في كلمة الإنسان فإنها تطلق اصطلاحاً على أفراد الجنس البشري، أي أن الإنسان يطلق ويراد به مجموعة الأفراد الذين يتكون منهم المجتمع البشري.

الحق

هناك تعاريف كثيرة سبقت من قبل فقهاء القانون، والباحثين في هذا المجال فقد عرف الحق بأنه:

(مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون).

كما عرف بأنه:

(مصلحة معترف بها ومحمية بقاعدة من قواعد الحق، أو أنها كل مصلحة يكون احترامها واجباً، والإخلال بها خطئاً).

(ولعل التعريف التالي أكثر التعاريف شمولاً: الحق هو (كل معلمة، أو منفعة، تمنح بحكم القانون لشخص بأي طريقة كانت)(2).

لقد ادعى البعض بان هذا التعريف الأخير يعد اكثر التعاريف شمولاً مما سبقه من تعاريف للحق معللاً ذلك بانه (يشمل في الحقيقة؛ (الحقوق) و(الحريات) و(السلطات)(3).

إن هذا التعريف وإن كان قد ادعي بأنه اشمل التعاريف إلا أن هذا القول لا يمكن القبول به لمكان ما يرد عليه من المآخذ والتي يعد من أهمها واقواها المأخذ التالي:

يقول التعريف بأن الحق هو (كل مصلحة، أو منفعة، تمنح بحكم القانون،...).

أي أن هذا التعريف لا يعترف بالحقوق إلا بمقدار ما يقره القانون فحسب، وبعبارة أخرى أنه بمقتضى هذا التعريف يكون القانون هو المنشئ للحق فما أقره يكون حقاً، بخلاف ما عداه، وفي هذا خطأ فادح وإشكال لا يمكن للتعريف أن يتجاوزه.

فهذا التعريف أهمل جانب البعض من الحقوق الفطرية التي تولد مع الإنسان بمنحة إلهية منذ ولادته والتي لا دخل للقوانين فيها، والتي سنمر عليها في ثنايا البحث لاحقاً وهذا يعني أن التعريف بخلاف ما ادعي من كونه اشمل التعاريف واوسعها دائرة، بل نجد واضحاً أن التعريف قد ضيق من دائرة حقوق الإنسان وحصرها في نطاق ما تقره القوانين وتعترف به.

أما التعريف الادق من بين التعاريف التي مر ذكرها فهو التعريف الثاني منها، وهو التعريف الذي قدمه الأستاذ سموند (Salmond) والذي يعرف الحق فيه بأنه: (كل مصلحة معترف بها ومحمية بقاعدة من قواعد الحق، أو أنها كل مصلحة يكون احترامها واجبا، والإخلال بها خطئاً).

فمن خلال الفقرة (يكون احترامها واجباً، والإخلال بها خطئاً) يمكن الاستفادة من أن التعريف يشير في هذه الفقرة إلى الحقوق التي تولد مع الإنسان، تلك التي أهمل جانبها التعريف الذي ادعى البعض شموليته على غيره.

بين الحق والقانون

هناك خلط كثيرا وقع فيه الكتاب والباحثون فضلاً عن عامة الناس بين مفهومي الحق والقانون، حتى لقد عد المفهومان مترادفين يمكن استخدام أحدهما محل الآخر وذلك ما دفع إلى تسمية الكليات التي تعنى بدراسة موضوعات كهذه باسم كليات الحقوق تارة، وكليات القانون تارة أخرى.

ولكن اعتبار كون المفهومين مترادفين من الأخطاء الكبيرة لمكان الفرق والاختلاف بينهما.

فالحق كما سبق أن عرفناه هو مصلحة أو منفعة للإنسان يراعيها القانون أو ينشئها، أما القانون فهو مجموعة القواعد العامة التي تحمي المصالح، والمنافع، أو تنشئها، وبما أن الكليات، والجامعات إنما تعني بدراسة هذه القواعد في الأغلب فقد تعين أن تسمى هذه الكليات بكليات القانون، وهذا الأمر دفع إلى التنبيه لمثل هذا الأمر مما قاد إلى تغيير التسمية من الحقوق إلى القانون.

أنواع الحقوق

هناك أنواع كثيرة من الحقوق التي تترتب للفرد إزاء الدولة، فمنها ما نشأ مع الإنسان وولد معه أي أنه منحة إلهية ليس للقوانين دخل في إنشائها، وكل ما للدولة فيها يتوقف عند حدود مراعاتها حسب تلك المراعاة التي ذكرت في تعريف الحق في قوله: (أو أنها كل مصلحة يكون احترامها واجباً).

ومن هذه الحقوق حق الإنسان في الحياة..

ومن الحقوق ما أنشأه القانون والتي ذكرت في التعريف الأخير بالقول: (كل مصلحة أو منفعة تمنح بحكم القانون.. ) ومن قبيل هذا النوع الحقوق السياسية كحق الترشيح..

لقد جرت العادة في تقسيم الحقوق إلى:

1ـ الحقوق السياسية: تذكر الحقوق السياسية ويراد بها (تلك الحقوق التي يقررها القانون العام(4) والتي تمكن الأشخاص من القيام بأعمال معينة تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤون المجتمع السياسية)(5).

ولسهولة معرفة وحفظ الحقوق السياسية يمكن درج أقسامها في النقاط التالية:

أ: حق الانتخاب: ويعني هذا الحق إعطاء الفرد كعضو في الدولة الحق في انتخاب ممثليه السياسيين من قبيل رئيس الدولة ـ بالنسبة للأنظمة التي تعتمد النظام الانتخابي ـ، أو أعضاء البرلمان.

ب: حق الترشيح: وهذا الحق يشمل كلا من الترشيح لرئاسة الجمهورية، أو الترشيح للمجالس النيابية (البرلمان). ولكن هذا لا يعني أن كل شخص من الشعب يمكنه الترشيح لتولي المنصبين من دون توفر شروط معينة، لأن هذا يعد مخالفاً للعقل، ولكن يجب الالتفات إلى أن هذا الحق، هو حق لكل أفراد الشعب ولكن مع توفر الشروط التي اقرها الدستور فيمن يروم الترشيح لكل من المنصبين السابقي الذكر.

ج: (حق تولي الوظائف العامة: وفي العادة تقتصر هذه الحقوق على الوطنيين ـ يعني بذلك المواطنين فهي لا تقرر لجميع الناس بل لفئة محدودة منهم)(6).

مع الالتفات إلى أن بعض النظم في بعض الدول تسمح للأجانب بتولي بعض الوظائف العامة وذلك حسب الشروط والضوابط التي تضعها قوانينها لهذه الأمور.

2ـ الحقوق غير السياسية:

وتوضع هذه الحقوق في قبال الحقوق السياسية ويراد بها: (تلك الحقوق اللازمة للإنسان باعتباره فردا من أفراد المجتمع، ولا يستطيع الاستغناء عنها)(7).

الفرق بين الحقوق السياسية، والحقوق غير السياسية:

هناك اختلاف جوهري بين هذين النوعين من الحقوق يتمثل في أن الإنسان يمكنه العيش في مجتمع ما مع حرمانه من بعض الحقوق السياسية السابقة الذكر، أو مع حرمانه منها جميعاً، في حين لا يتسنى للإنسان الاستغناء عن حقوقه غير السياسية التي سيأتي ذكرها بعد قليل.

الحقوق غير السياسية وأقسامها

سبق أن قدمنا بأن الحقوق غير السياسية هي الحقوق التي لا يتسنى للإنسان العيش دونها، أو دون البعض منها.

أقسام الحقوق غير السياسية:

ينقسم هذا النوع من الحقوق إلى قسمين هما:

1ـ الحقوق العامة: وهذا النوع من الحقوق هو ما يطلق عليه اليوم بحسب الاصطلاح القانوني بـ(حقوق الإنسان) أو (الحقوق الطبيعية)، وهي الحقوق التي سبق أن قلنا بأنها تولد مع الإنسان، وتوجد معه، وأن لا دخل للقوانين في إنشائها وهي (لاحقة بشخصه وموجودة معه منذ الأزل)(8).

ومن أقسام هذا النوع الحقوق التالية:

أ: حق الإنسان في الحياة.

ب: حق الإنسان في إبداء الرأي.

ج: حق الإنسان في الاعتقاد.

د: حق الإنسان في الحرية.

هـ: حق الإنسان في المساواة.

و: حق الإنسان في الاجتماع.

كيفية ثبوت هذه الحقوق

يرى الكثير من فقهاء القانون الوضعي بأن هذا النوع من الحقوق ـ الحقوق العامة غير السياسية ـ إنما يثبت ويتحدد وفق القانون حيث قيل في ذلك (فأما الحقوق العامة فهي الأخرى تحددها بعض فروع القانون وعلى الأخص القانون الدستوري)(9).

إن هذا القول يعني فيما يعنيه أن حق الحياة مثلاً أو غيره من الحقوق السابقة الذكر إنما نشأت بحكم القانون الدستوري، وهذا يعني في النهاية بأنه لولا إقرار القانون الدستوري لحق المرء في الحياة، فانه لا حق له في الحياة، وهذا مما يخالف العقل، ولا يقبل به حتى القائل به، ولكنه إنما قال بهذا القول أما غفلة منه لهذا الإشكال الذي يرد عليه، أو تنكراً للاديان التي ترى أن هذه الحقوق هي منحة إلهية توجد، وتولد مع الإنسان.

وقد يقول قائل بأنهم لا يعنون بقولهم ما ينتج عنه مما ذكرنا، ونحن مع هذا القائل لو لم يقللوا من أهمية القول الديني الذي يرى بأن هذا النوع من الحقوق يولد مع الإنسان.

فقد قالوا (وقد تثبت هذه الحقوق ـ الحقوق العامة غير السياسية ـ للإنسان بمجرد وجوده.. )(10).

وهذا القول ـ كما سبق أن قلنا ـ يقلل من أهمية رأي الأديان في المسألة، كما أنه يدل بوضوح على انهم ـ فقهاء القانون ـ يعنون ما يقولون، من أن هذه الحقوق إنما تثبت، وتحدد بحكم القانون الدستوري وبعض فروع القانون العام.

هذا هو القسم الأول من الدراسة التي خضنا فيها عالم الحقوق التي تترتب في ذمة الدولة للفرد، والتي يتوجب على الدولة بناءاً عليها أما إنشاء بعضها، أو مراعاة البعض الآخر الذي لا علاقة للقوانين الوضعية بوجوده اصلا، وإنما ولد ـ بحسب رأي الأديان ـ مع الإنسان جنباً إلى جنب، ذكرنا البعض من هذه الحقوق في هذا القسم لإيقاف الفرد على حقوقه تجاه الدولة، والتي كانت ولا زالت ـ في الكثير من الدول ـ عرضة للانتهاك والمصادرة، ومما ساهم في انتهاكها، ومصادرتها جهل الشعوب بهذه الحقوق.

الحقوق الخاصة

أما القسم الثاني من الحقوق غير السياسية فهو ما يسمى بالحقوق الخاصة، أو ما يسمى بالحقوق المدنية، فهي الحقوق التي تقررها فروع القانون الخاص(11)، وعلى الاخص القانون المدني(12).

طبيعة الحقوق الخاصة

قلنا بأن الحقوق العامة حقوق مختلفة الطبيعة فمنها ما يتقرر بحكم القانون كحق ابداء الرأي - على سبيل المثال - وحق الترشيح، وحق الانتخاب،...الخ.

ومن الحقوق العامة ما لا دخل للقوانين فيه إلا بمقدار مراعاة هذا الحق أو ذاك، وإلا فنفس الحق ثبت للإنسان منذ الولادة، فهو هبة إلهية كحق الإنسان في الحياة...

أما الحقوق الخاصة فهي - بموجب القوانين الوضعية - ما تقررها القوانين للإنسان أي أنها إنما منحت له بموجب القانون.

هذا بالنسبة للقوانين الوضعية، وآرائها في طبيعة الحقوق الخاصة، أما وجهة نظر الدين الإسلامي في الموضوع فهي تختلف عما هي عليه في القوانين الوضعية.

ففي الوقت الذي تتفق فيه الشريعة الإسلامية مع القانون الوضعي في أن بعض الحقوق إنما تقررت من قبل القوانين للفرد، تختلف عن القوانين الوضعية في أن البعض من الحقوق الخاصة إنما منحت للفرد منذ الولادة، أي أنها حق طبيعي له.

فحضانة الطفل - على سبيل المثال - هو حق طبيعي للام، ولم يكن ذلك الحق قد تقرر لها بموجب القانون، إنما نظم القانون أحكام هذا الحق ليس إلا.

أقسام الحقوق الخاصة

1- حقوق الأسرة

2- الحقوق المالية

حقوق الأسرة

عرف فقهاء القانون الوضعي هذا النوع من الحقوق بأنه (الحقوق التي تثبت للشخص نظراً لمركزه في الأسرة التي ينتمي إليها، أو يتصل بها)(13).

يؤخذ على هذا التعريف بأنه - علاوة على افتقاره للدقة المنطقية في التعريف - قد أهمل الجهة التي تمنح الإنسان هذا النوع من الحقوق فلم يبين فيه ما إذا كان هذا النوع من الحقوق يمنح من قبل القانون أم أنه من حقوق الفرد الطبيعية التي ولدت معه ولا دخل للقانون فيها إلا في نطاق ذكرها ومراعاتها.

صور حقوق الأسرة

هناك صور مختلفة تتضمنها حقوق الأسرة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

1- حقوق الزوج قبال الزوجة.

2- حقوق الزوجة قبال الزوج.

3- (حقوق الأب (أي سلطاته) على أبناءه في التأديب والتربية)(14).

4- حقوق الأبناء تجاه الأب في وجوب رعايته لهم والإنفاق عليهم.

5- حقوق الأسرة قبال المجتمع والدولة

علاقة حقوق الأسرة بالنظام العام

هناك علاقة وصلة وثيقتان تربط كلا من حقوق الأسرة والنظام العام، فالبعض من حقوق الأسرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام العام بحيث خرج عن سلطة الفرد، وسيطرته مع أنه يتعلق به مباشرة.

يترتب على هذه العلامة الوثيقة، والترابط القوي بين حقوق الأسرة، والنظام العام أنه لا يجوز للفرد التنازل عن بعض حقوق الأسرة لمكان ارتباطها بالنظام العام.

ففي الوقت الذي يحق للزوجة فيه التنازل لزوجها عن مهرها المؤجل باعتباره حقاً شخصياً لها لا يمكن للمرأة ذاتها التنازل، واسقاط حقها في حضانة طفلها الصغير، وذلك لأن هذا الحق - حق الأم في حضانة طفلها الصغير - يتعلق بالنظام العام، وهذا هو عين المقصود بأن البعض من هذه الحقوق - حقوق الأسرة - لا تخضع للتعاقد، فان هذا يعني بعبارة ادق وأوضح بأن الفرد لا يستطيع - وإن كان مريداً وبكامل ارادته - التنازل عن بعض الحقوق التي تفرضها له قواعد الأحوال الشخصية، كل ذلك في غير المسائل المالية الصرفة التي تنتج عن الروابط العائلية.

ومما تجدر الإشارة إليه من القضايا في هذا المقام هي أن هذه القضايا - قضايا الأحوال الشخصية - وإن كانت تدرج تحت إطار القانون المدني، وقواعده، بحيث تعتبر جزءاً من القانون المذكور إلا أنها لا زالت قواعد، وقضايا تتمتع بالاستقلالية التامة عن القانون المدني في الكثير من البلدان الإسلامية.

الحقوق المالية

تشكل الحقوق المالية القسم الأساسي من الأقسام التي يتكون منها القانون المدني، بل اكثر من ذلك يعدها البعض من فقهاء القانون بأنها هي القانون المدني المتعارف عليه في كل من العراق ومصر وسوريا.

لقد عرفت هذه الحقوق بأنها: (سلطات يقررها القانون المدني، وتخول اصحابها القيام باعمال معينة لتحقيق مصالح يمكن تقويمها بالنقود).

تبين لنا من خلال الاطلاع على التعريف المتقدم بأن الحقوق المالية في القانون الوضعي إنما تقررت بحكم القانون المدني، بحيث لو لم يقر القانون المدني هذه الحقوق للفرد لم يكن الفرد ليتمتع بمثل هذه الحقوق، بخلاف الحال بالنسبة للشريعة الإسلامية التي اعتبرت الإنسان مسلطاً على ماله فبناءاً على هذا تكون الحقوق المالية للفرد في الدين الإسلامي محكومة بالقاعدة:

(الناس مسلطون على أموالهم)

فهذه القاعدة هي من القواعد العامة التي تنضوي تحتها جميع أقسام الحقوق المالية، والتي تشير إلى كون الحق المالي هو من حقوق الفرد الطبيعية التي تمكنه من القيام بجميع ما يتعلق بهذا الأمر ولا يحد من ذلك الحق سوى واجب عدم الاضرار بالآخرين أو استغلالهم.

أقسام الحقوق المالية:

تقسم هذه الحقوق عادة على ثلاثة أقسام هي:

1- الحقوق العينية

2- الحقوق الشخصية

3- الحقوق الأدبية

الحقوق العينية

عرفت هذه الحقوق بأنها (الحقوق التي تخول صاحبها سلطة قانونية مباشرة على شيء معين) كما عرفت بأنها الحقوق التي تفرض واجباً على الناس جميعاً لا على شخص معين)، وهذا التعريف كان ناظراً بالدرجة الأساس إلى جهة ما يترتب على الناس من وجوب احترام وعدم معارضة من يمارس حقوقه العينية، إلا أن التعريف أهمل جانب صاحب الحق العيني ولم يشر إليه من قريب أو بعيد.

وقد قسم الفقهاء هذا النوع من الحقوق إلى قسمين هما:

1. الحقوق العينية الاصلية: كحق الملكية للدار التي اشتراها الإنسان بصورة قانونية أو شرعية.

2. الحقوق العينية التبعية: كحق الانتفاع بالدار التي تملّكها الإنسان بعد شرائها.

الحقوق الشخصية

ويراد بهذه الحقوق (الحقوق التي تقوم على أساس وجود رابطة اقتضاء بين شخصين يلتزم أحدهما قبال الآخر بأداء شيء معين، أو القيام بعمل من الأعمال، أو الامتناع عن عمل).

وتختلف الحقوق الشخصية عن الحقوق العينية السابقة الذكر في كون الحقوق العينية بقسميها الأصلية، والتبعية كانت قد وردت في القوانين على سبيل الحصر لا المثال، أي أن المشرع قد أحصى تلك الحقوق وحددها بما لا يدع مجالاً لإنشاء أنواع من الحقوق العينية غير التي نصت عليها القوانين، في حين كانت الحقوق الشخصية من السعة بمكان بحيث يتعذر على المشرع حصرها، وعليه تجده اكتفى بوضع القواعد الأساسية التي تنظم هذا النوع من الحقوق.

كما تختلف الحقوق الشخصية عن العينية في أن الأولى تفرض تكاليفها، وواجباتها على شخص معين أو مجموعة معينة من الاشخاص، في حين تفرض الحقوق العينية واجباتها على جميع الناس بوجوب عدم اعتراض من يمارس حقوقه العينية ما دام لم يخالف القانون في ذلك.

وأمثلة الحقوق الشخصية كثيرة يعسر حصرها من قبيل حق الاجير قبال من استأجره، وحق من استأجره قباله، وكذلك حق صاحب الدار قبال من استأجرها في وجوب دفع الأجرة والمحافظة على العين المستأجرة، وفي قبال ذلك حق المستأجر قبال صاحب الدار في وجوب تمكينه من الانتفاع بالدار وهكذا.

بين الحقوق الشخصية وحقوق الشخصية

هناك تشابه بين نوعين من الحقوق قد يقع الخلط بينهما من قبل الافراد، من هنا كان لابد من التنويه إلى ما بين هذين النوعين من الاختلاف.

فالحقوق الشخصية تقدم الكلام عنها فكان لابد من الحديث عن حقوق الشخصية فنقول:

يقصد بحقوق الشخصية (الدلالة على تلك الحقوق التي تنصب على مقومات وعناصر الشخصية في مظاهرها المختلفة، بحيث تعبر عما للشخص من سلطات مختلفة وارادة على هذه المقومات، وتلك العناصر بقصد تنمية هذه الشخصية وحمايتها اساساً من اعتداء الأفراد أو الأشخاص الآخرين(15)، وإذا استبعدنا حقوق الأسرة نظراً للخلاف حول دخولها في هذه الحقوق نجد الاتفاق قائماً بين جمهور الفقهاء - فقهاء القانون - على رد الشخصية بمعناها الدقيق إلى فرعين اولين يعكسان وجهي الشخصية، وما ترتكز عليه من مقومات مادية ومعنوية على السواء، والى فرع ثالث يتعلق بنشاط الشخصية ذاتها، وما يستوجبه من حماية)(16).

إذن فحقوق الشخصية تتناول موضوع شخصية الإنسان ذاته، ومقوماتها، ومدى سلطة الإنسان وحقه على جسده. ولكن هناك (حيرة وتساؤلاً حول ما إذا كان يوجد للإنسان حق على جسده شأنه في ذلك شأنه بالنسبة لحقوقه على الأشياء الأخرى التي يمتلكها، وإذا لم يكن هذا فما هو نوع الحق المترتب للإنسان على جسده؟ وهل ينبغي الكلام في هذا الصدد عن الحرية الجسدية الطبيعية والفيزيائية)(17).

لم تقف القوانين الوضعية بالنسبة لسلطة الإنسان وحقه على جسده حائلاً بين الإنسان وبين الإضرار بجسده، أو إتلافه، لذلك تجد الانتحار كآخر صورة من السيطرة، والتسلط على هذا الجسد في حين وقف الدين الإسلامي حائلاً بين الإنسان وإضراره بالجسد الذي تحل فيه روحه حيث حرم الإسلام الإضرار بالجسد أو اتلافه.

الحقوق الأدبية (الملكية الفنية أو الأدبية)

ويقصد بهذه الحقوق (سلطات يتمتع بها شخص (أو من يقوم مقامه) على فكرة ابتكرها، أو اختراع اخترعه أو اكتشفه، أو أية مزية أخرى نتجت عن عمله الفني، وذلك بقصد تمكينه من احتكار المنفعة المالية التي يمكن أن تنتج عن ذلك)(18).

وهذا النوع من الحقوق يشمل الحقوق التالية على سبيل المثال:

1- حقوق الاختراع.

2- حقوق الملكية الفنية.

3- حقوق الملكية الصناعية.

4- حقوق الملكية الأدبية.

اختلاف الحقوق الأدبية عن كل من الحقوق الشخصية والعينية

تتميز الحقوق الأدبية عن الحقوق الشخصية - التي تفرض تكاليفها وواجباتها على شخص معين أو اشخاص معينين - في أنها تفرض واجباتها على الناس جميعاً، وهي بهذا تلتقي مع الحقوق العينية التي تفرض واجباتها على جميع الناس. كما أنها تتميز عن الحقوق العينية كذلك في كونها - الحقوق الادبية - لا ترد على شيء مادي معين كما هو الحال في الحقوق العينية.

حماية الحقوق الادبية

هناك سؤال يمكن أن يثار بعد هذا الحديث عن مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، مؤدى هذا السؤال هو: ما هو القانون الذي ينظم أحكام الحقوق الادبية، وبعبارة أخرى تحت أي قانون من القوانين تندرج الحقوق الادبية؟

إن الحقوق الادبية (تنظمها عادة قوانين خاصة(19) تبين كيفية استعمالها، والمدى الزمني الذي يمكن استعمالها خلاله)، ولكن ما هو الحل، وكيف يمكن للقضاء تنظيم الحقوق الأدبية فيما لو لم يكن هناك قانون خاص ينظم أحكامها؟

قبل تقديم الإجابة على السؤال الأخير لابد من مقدمة ننتقل بعدها للاجابة فنقول: بأن هناك أمراً في القانون الوضعي يجب الالتفات إليه، وهذا الأمر هو أن القضاء ليس له مطلقاً (أن يرد الدعوى أو يمتنع عن اصدار الحكم بشانها بزعم أنه لا يجد نصاً صريحاً يمكن تطبيقه على الوقائع المعروضة أمامه)(20).

فإذا كان القضاء - وفقاً للكلام المتقدم - محكوماً، وملزماً بتقديم حكم لكل ما يعرض امامه من الوقائع، فكيف يتصرف يا ترى بغياب النص؟

إن القاضي الذي يريد البت في أمر ما مع غياب النصوص التي تحكم ذلك الأمر، لابد له من حماية أصحاب الحق - عند ذلك - من خلال الاستعانة بمبادئ العدالة(21)، والقانون الطبيعي(22).

ما تقدم من البحث، تناولنا فيه حقوق الفرد إزاء الدولة والمجتمع بصورة مجملة، آملين أن نوفق إلى الخوض في كل حق من الحقوق المتقدمة الذكر كلا على حدة، وبشيء من التفصيل.

1 - حقوق الإنسان/ عبد الهادي عباس: 1/7.

2 - مبادئ اصول القانون/ عبد الرحمن البزاز: 291.

3 - نفس المصدر/ 291.

4 - القانون العام: ويطلق في قبال القانون الخاص ويعرف بأنه مجموعة القواعد التي تنظم الروابط التي تكون الدولة طرفاً فيها على اعتبارها صاحبة السيادة.

5 - مبادئ أصول القانون/ 299.

6 - نفس المصدر: 299-300.

7 - نفس المصدر/ 300.

8 - نفس المصدر/ 300.

9 - نفس المصدر/ 300.

10 - نفس المصدر/ 300.

11 - القانون الخاص: مجموعة القواعد التي تنظم روابط الأفراد بعضهم ببعض في حياتهم الاعتيادية سواء تعلقت تلك الروابط بالأسرة أو شؤونهم المالية أو تعلقت بالدولة باعتبارها شخصية حكمية تتصرف كما تتصرف باقي الشخصيات الحكمية.

12 - القانون المدني: ويراد به مجموعة القواعد التي تنظم الروابط الخاصة بين أفراد المجتمع سواء تعلقت تلك الروابط بشؤون الأسرة أو بالمعاملات المالية.

13 - مبادئ أصول القانون: عبد الرحمن البزاز/ 300-301.

14 - نفس المصدر/ 301.

15 - يقصد بالأفراد، الأفراد المتعارفون من بني الإنسان، أما الأشخاص فيقصد بهم الأشخاص المعنويون من قبيل الدولة أو المؤسسة التي تتمتع بالشخصية المعنوية بحكم القانون.

16 - نظرية الحق: د. عبد الحي حجازي 24-46.

17 - حقوق الإنسان والمواطن: لورفت ريتشر/ 224.

18 - مبادئ أصول القانون: عبد الرحمن البزاز/ 303.

19 - لا يعنى بالقوانين الخاصة (القانون الخاص) الذي سبقت الإشارة اليه، وإنما تعني القوانين الخاصة مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أحكام موضوع ما كقانون المرور.

20 - مبادئ أصول القانون: د. عبد الرحمن البزاز/ 141.

21 - مبادئ العدالة: وهي المثل السامية التي يقرها العقل السليم، ويوحي بها الانصاف، وهي تعد مصدراً من مصادر القانون الوضعي، والتي يرجع إليها القاضي حين لا يجد مستنداً آخر يمكنه الركون إليه.

22 - القانون الطبيعي: يعرف القانون الطبيعي بأنه القانون السرمدي الخالد الذي يكشف عنه العقل البشري، ويخضع الناس جميعاً لسلطانه، وهو يوجههم لما فيه خيرهم، وصلاحهم.