2000 آيلول |
1421 جمادي الثاني |
49 العدد |
مجلة النبأ |
الفكر الاقتصادي للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) |
محمد آدم |
الاقتصاد في الغرب رأسمالي يعطي الأهمية للفرد، ويفتح الطريق أمامه للإثراء والاحتكار والاستغلال والتسلط. أما في الشرق فهو مادي بحت، تسوده حرب الطبقات، وهو بيد الدولة، وتطغى فيه مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد. أما الاقتصاد الذي يتبناه الشهيد الشيرازي (قدس سره) فهو اقتصاد إنساني عالمي يعتمد على الشريعة الإسلامية السمحاء وتراعى فيه مصلحة الفرد إلى جانب مصلحة الجماعة دون افراط أو تفريط، وهو اقتصاد واقعي حر، عقدي، لا تحده إلا حدود الشريعة وله ضوابط أخلاقية على خلاف الأنظمة الأخرى وأن المتأمل في كتاب الاقتصاد الإسلامي للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي يجد هناك ربطاً رائعاً بين الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت عع وبين المبادئ الاقتصادية الغربية لتكون حافزاً في توجيه المجتمعات الإسلامية المعاصرة نحو تنظيم اقتصادياتها تنظيماً إسلاميا متكاملاً لذلك فإن هذا الكتاب، يعتبر مدخلاً إلى دراسة المبادئ الاقتصادية الإسلامية ووضعها في مكانها الطبيعي المتقدم في دراسة علم الاقتصاد في العالم المعاصر. إن الحقيقة الساطعة التي يتناولها الشهيد الشيرازي (قدس سره) هي أن الإنسان في محاولته وسعيه إلى تنظيم مجتمعه، من جميع النواحي، قد بعد كثيراً عن القواعد التي بشر الأنبياء بها. فغرق في بحر تتلاطم فيه الأفكار التي لا نفع فيها، بالرغم من رونقها وبريقها. وبكلمات أخرى، كان الإنسان يبحث باستمرار عن السعادة فهو يبتعد عنها بالرغم من أنها بين يديه. إن هذا الكتاب سفرٌ أكاديمي يقوم على أسس الدراسة والاستقراء والتحليل والمقارنة والنتائج ليؤكد من خلال مقدمته أن الإسلام يعطي الحرية لرب العمل أن يقدح ذهنه ويشحذ عبقريته ويصل ليله بنهاره إذا أراد، ولكنه في الوقت نفسه يحمي العامل، ويحرص على أن يوفر له العيش الكريم الذي لا يقل من حيث الاساسيات عن عيش رب العمل، لا شك إن الناس درجات في الرزق ولكن الفرص أمامهم جميعاً متكافئة للتعلم والعمل والتقدم، الإسلام اخوة وتضامن، وعلى الحاكم أن يضمن تأمين الحد الادنى من العيش الكريم لكل من رعيته عن طريق الفرد بسعيه وجده وتشبثه، وإذا قعدت به سبل الحياة عن الكسب الكافي، فبيت المال هو الكافل، وهو الضامن وللحاكم أن يعمل وفقاً لما تقضي به التوجيهات الإسلامية، وأن يتصرف عند اللزوم تبعاً لما تقتضيه المصلحة العامة، حتى ولو اقتضى أن يضع يده على كل ما يراه ضرورياً من الثروات والموارد العامة، إن لم يتوفر من يقوم بحمل اعبائها في الحقل الخاص بصدق وإخلاص وعدالة، ويؤدي الخدمات العامة بها دون تعسف أو اساءة لاستعمال الحقوق. وكل ذلك يدور ويرسو حيث تدور المصلحة العامة، ومصلحة الفرد لها قيمتها على أن لا تطغى على المصلحة العامة، ومصلحة الأفراد بمجموعها تشكل المصحلة التي هي من أهم أسس الاقتصاد الإسلامي السليم. في الإسلام عزم وعمل وتطلع إلى الأعلى مع التكاتف والتضامن وليس هناك حد لطموح الفرد إلا ما تحده حدود الشريعة الملزمة بتأمين العدالة الاجتماعية للجميع. في الإسلام الكل صفوف تتقدم وتعمل، والعمل شرف وفخر، ومن يتعثر بين الصفوف يأخذ بيده من يحيط به فيواسيه ويعينه، وهل من غضاضة إنسانية على المتعثر أن يأخذ يده أخوه في الإنسانية، وهل تخلو من متعثرين أو متخلفين ضاقت بهم السبل وهل هناك في الدنيا فردوس كما تتصور بعض الأنظمة الأخرى الحالمة؟ الدنيا عمل ونصب وتسابق وتنافس وتضامن والمتعثر تمد إليه يد العون، وعندما لا يجد من يمد إليه هذه اليد، تمد إليه الدولة يداً قوية لتحميه وتحمي غيره من العوز والمرض والعجز والشيخوخة، وتعني أول ما تعني به بإيجاد عمل له. الإسلام كفالة وضمانة للمجتمع ليبنى على افضل القواعد. وكل ما تطغى به المصلحة العامة التي يجب أن يأتلف عندها مختلف الفرقاء يحكم به الإسلام. الإسلام دين ثابت ومتطور، ثابت بنظراته الأساسية ومتطور بأحكامه الزمنية التي تنبثق عن اسسه الثابتة، لكل حالة حل، وليس هناك جمود: (ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثمّ إلى ربّهم يحشرون) سورة الأنعام: 38. |
استعراض 1- الرأسمالية 2- آراء التجاريين ظهرت هذه الآراء في نهاية القرن الخامس عشر وفي القرن السادس عشر حيث تم اكتشاف امريكا والطرق البحرية إليها والى الهند، نشطت التجارة نشاطاً عظيماً، وكثرت الثروات بين ايدي التجار حتى اصبحوا سادة العصر، واصبح ذلك العصر، عصر التجارة بعد أن كان الناس يعيشون في عالم الزراعة البدائية.. ووردت كميات ضخمة من المعادن النفيسة إلى اسبانيا صاحبة هذه المستعمرات في العالم الجديد. ورافق هذا الانقلاب الاقتصادي تطورات في الناحيتين السياسية والدينية، توحدت على أثره كثير من الولايات الصغيرة، ونشأت دول حديثة على أنقاض العهد الاقطاعي، وكانت هذه الدول الناشئة في حاجة إلى ما يدعم كيانها الاقتصادي، كما أن زوال سلطان الكنيسة على الدول ساعدها، على الانطلاق وراء الثروات الجديدة دون رادع أو وازع. ونتيجة لتدفق المعدنين الثمينين - الذهب والفضة - اللذين كانا أساس ثروة الأمم ومقياس عظمة الدول، فقد رأى المفكرون من هؤلاء التجار أن الذي يمتلك هذه النقود يستطيع أن يحصل على كل ما يحتاج إليه وطبقوا نظريتهم هذه على الدولة. ولما كانت التجارة الخارجية هي الوسيلة لانتقال المعادن النفيسة بين الدول، فقد اهتم أصحاب هذا المذهب بالتجارة الخارجية للدولة، وضرورة تدخل الدولة في توجيهها، حتى تضمن ميزاناً تجارياً في صالحها، وحرصوا على عدم تسرب الذهب والفضة إلى الخارج، ونادى أحد زعماء هذه النظرية المدعو (كوليير) الفرنسي بتشجيع الصناعة الوطنية وإمدادها بالمعونة المالية، ومنحها امتيازات عديدة وبتأسيس مصانع تابعة للدولة وفرض رقابة دقيقة على الإنتاج الصناعي لضمان جودته، وكي يزداد الإقبال عليه من الخارج، وبحكم منصبه كوزير فقد وضع اجراءات جمركية لحماية هذه الصناعة، وأعفى المواد الأولية من الضرائب، وفرضها على المواد المصنوعة في الخارج، ومنع تصدير الغلال حتى يجد المستهلكون كفايتهم، فلا ترتفع نفقات المعيشة، وتظل أجور العمال منخفضة مما يقلل من تكاليف الإنتاج... وقد رجح أصحاب مذهب التجاريين في فرنسا الصناعة على الزراعة لقدرتهم على التحكم بها، ولما كانت تعطيه من مردود كبير يفوق مردود الزراعة، كما شجعت انكلترا وهولندا التجارة وحصرت الاستيراد والتصدير من مستعمراتها بها، كما حصرت نقل المحاصيل بسفنها التابعة لها، مع تحريم القيام بعمليات صناعية في هذه المستعمرات. |
قامت في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر مدرسة جديدة من الاقتصاديين تدين بالحرية الاقتصادية وتعارض مذهب التجاريين وآرائهم. ويقوم هذا المذهب على بضعة مبادئ يمكن اجمالها فيما يلي: وجود نظام طبيعي يسيطر على الظواهر الاقتصادية سيطرة لا يمكن التخلص منها، شأنها في ذلك شأن الظواهر الفلكية والطبيعية، وقد أدت هذه الفكرة فيما بعد إلى القول بوجود قوانين علمية اقتصادية. اعتبار المصلحة الشخصية هي الحافز على النشاط الاقتصادي، والاعتقاد بأن سعي الأفراد جميعاً إلى تحقيق مصالحهم الشخصية، يؤدي في نفس الوقت إلى تحقيق الصالح العام. معارضة كل تدخل للدولة في الشؤون الاقتصادية أو بعبارة أخرى ترك الحرية الكاملة للمواطنين للتصرف في شؤونهم كما يرغبون. الدفاع عن الملكية الخاصة على أساس أنها من العوامل الدافعة إلى النشاط والعمل. وكان من نتائج الأخذ بفكرة الحرية الاقتصادية، أن تحرر الإنتاج في انكلترا وفرنسا من العراقيل والقيود القديمة، وعمّ استخدام الآلة ووجدت المناقشة من الناحيتين الواقعية والقانونية، وأدى هذا النظام الاقتصادي الجديد إلى ظهور بعض المتاعب مثل: أزمات إفراط الإنتاج، وبؤس الطبقة العاملة، مما كان له أثر في ظهور المبادئ الاشتراكية ثم جاء آدم سميث، وصاغ أفكار أصحاب المذهب الحر الذين عرفوا في التاريخ الاقتصادي باسم الطبيعيين في كتابه المعروف باسم ثروة الأمم. وقد اعتبر آدم سميث المجتمع الاقتصادي بأكمله بمثابة مصنع يقوم على تقسيم العمل، وارجع البحث عن الثروة إلى دافع نفسي جوهري، وهو رغبة الناس في تحسين مراكزهم من الناحية الاقتصادية، ولم يجعل هدف السياسة الاقتصادية خدمة مصالح فئات معينة بالذات كالصناع أو الزراع، وإنما جعل هدفها تحقيق المصالح العامة للمجتمع بأسره. وتتلخص آراء آدم سميث بنقاط ثلاث: أ. تقسيم العمل ب. التنظيم الذاتي للحياة الاقتصادية تحت تأثير الباعث الشخصي. ج. سياسة الحرية الاقتصادية. |
وقد نشأت بعد ذلك آراء جديدة تحارب الحرية الاقتصادية، كما ظهرت فيها عيوب أرادوا تلافيها بتدخل الدولة، فأفرط بعض منهم ونادوا بإحلال الدولة محل الأفراد في تملكها لجميع وسائل الإنتاج، وابرز هذه الآراء الجديدة كانت آراء ماركس. تقوم آراء ماركس على أساس فلسفي متطرف يعرف باسم: (المادية التاريخية) واساس اجتماعي متصارع يعرف باسم (الصراع بين الطبقات) وقد نقل ماركس معظم هذه المبادئ الفلسفية إلى الحياة الاجتماعية، فادعى أن المصالح المادية هي التي تسيطر على الإنسان وتثيره وأن ارتقاء الإنسان رهن بارتقاء حالته المادية (الاقتصادية) وان الأنظمة السياسية والادبية تتأثر بالظروف الاقتصادية. ويدعي ماركس أن النظام الرأسمالي لابدّ له من الانهيار، ويعلل رأيه هذا بوجود التناقض بين نظامي الإنتاج والملكية، أي أن الإنتاج يقوم به العمال، ولاحق لهم بالملكية، وبذلك يصبح العمال تحت رحمة أصحاب رؤوس الاموال الذين يستغلونهم. ولابد من أن يستمر الصراع بين العمال وارباب العمل حتى يتلائم نظام الملكية مع نظام الانتاج، فتصبح الملكية جماعية. ويعارض ماركس كل اصلاح من شأنه أن يحول دون حلول الكارثة بين هاتين الطبقتين، وينادي باستعمال العنف للتعجيل بالوصول إلى هذه النتيجة. وكان البيان الشيوعي أول ما اشتهر من كتابات ماركس، وقد نشر هذا البيان عام 1848 واشترك في كتابته فردريك انجلز وهو من أصحاب مصانع النسيج في ألمانيا وبريطانيا. وما زال هذا البيان أدق خلاصة لمبادئ ماركس. ويطلق كارل ماركس على مذهبه (اسم الاشتراكية العلمية) تمييزاً لها عن سائر الاشتراكيات التي عبر اصحابها فيها عن اقتراحاتهم ومشاعرهم النفسية، وليس عن الضرورة التاريخية وقوانينها فصاغوا مذهبهم بعيداً عن المذهب العلمي ودراسة القوى المنتجة ونموها. وفي المذهب الماركسي مرحلتان، تطالب الماركسية، من ناحية مذهبية، تطبيقها تباعاً وتؤكد من الناحية المادية التاريخية على ضرورتها التاريخية ايضا، وهي المرحلة الاشتراكية ثم المرحلة الشيوعية. فالشيوعية تعتبر من وجهة نظر المادية التاريخية أعلى مراحل التطور البشري، وأما المرحلة الاشتراكية التي تقوم على انقاض المجتمع الرأسمالي وتحتل موقع الرأسمالية مباشرة فتعتبر شرطاً ضرورياً لايجاد المجتمع الشيوعي. وأن لكل من المرحلتين، الاشتراكية والشيوعية، مصالحها الرئيسية التي تميزها عن المرحلة الأخرى. فإن المرحلة الاشتراكية تتلخص معالمها الرئيسية التي تميزها عن المرحلة الأخرى فمعالم الاشتراكية الرئيسية واركانها الأساسية تتلخص فيما يلي: أولاً: محو الطبقية وتصفية حسابها نهائياً بخلق المجتمع اللاطبقي: ثانياً: استلام البروليتاريا للإدارة السياسة بإنشاء حكومة دكتاتورية قادرة على تحقيق الرسالة التاريخية للمجتمع الاشتراكي. ثالثاً: تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج في البلاد وهي الوسائل التي يستثمرها مالكها عن طريق العمل المأجور واعتبارها ملكاً للجميع. رابعاً: قيام التوزيع على قاعدة (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) وعندما تصل البشرية إلى قمة الهرم التاريخية أو إلى الشيوعية الحقيقية، يحدث التطور والتغيّر في اكثر تلك المعالم والاركان. فالشيوعية تحتفظ بالركن الأول من اركان الاشتراكية وهو محو الطبقية وتتصرف في سائر اركانها ومقوماتها الأخرى. وبالنسبة إلى الركن الثاني تضع الشيوعية حداً نهائياً لقصة الحكومة والسياسة على مسرح التاريخ، حيث تقضي على حكومة البروليتاريا وتحرر المجتمع من نير الحكومة وقيودها، كما أنها لا تكتفي بتأميم وسائل الإنتاج الرأسمالي فحسب، كما تقرر الاشتراكية في الركن الثالث، بل تذهب إلى أكثر من هذا فتلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الفردية ايضا، وهي التي يستثمرها المالك بنفسه لا عن طريق الاجراء... وكذلك تحريم الملكية الخاصة لبضائع الاستهلاك وأثمانها، وبكلمة شاملة تلغي الملكية الخاصة الغاءً تاماً في الحقلين الانتاجي والاستهلاكي معاً. وكذلك تجري تعديلاً حاسماً في القاعدة التي يقوم على اساسها التوزيع في الركن الرابع، إذ تركز التوزيع على قاعدة (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته). |
انتقد الكثير آراء ماركس الثورية لما فيها من مادية وعنف وخيال، وأدت هذه الانتقادات إلى ظهور آراء في الاشتراكية تنادي بفائدة الاعتماد على جهود الأفراد كمعاونين ايجابيين في خلق المجتمع الاشتراكي. وأهم هذه الآراء هي: أ. آراء الاشتراكيين الطوبائيين حاول هؤلاء الاشتراكيون إيجاد مجتمعات تقوم على المبادئ الاجتماعية الفردية، وكانوا يكرهون العنف... وقد حاولوا تحقيق اهدافهم بالمنطق والاقناع، أما الناحية الاشتراكية من تعاليمهم فتقوم على رغبتهم في انشاء مجتمعات تقوم على المساواة، ويجري الإنتاج فيها لمصلحة المجتمع بمجموعه لا للربح وقد قاموا بتجارب عديدة في الحقل الاشتراكي وكانت امريكا الشمالية أهم مسرح لتجاربهم، ولم تتبن آرائهم دولة كما تحقق لآراء كارل ماركس. ب. آراء الاشتراكيين الفابيين إن اسم الفابية مقتبس من اسم القائد الروماني فابيوس الذي حارب هيجل، واستخدم في حربه معه أساليب التأخير حتى أنهكه وهدّ قواه. ولهذا اختار هؤلاء الاشتراكيون هذا الأسلوب أي أسلوب التطور لا الثورة سلاحاً لهم، وشدد الفابيون على ما في الرأسمالية من ظلم وبخاصة سوء توزيعها للدخل وقرروا أن معظم الشرور تعود إلى الملكية الخاصة للأرض. وتذهب النظرية الفابية إلى أن تحقيق الاشتراكية يجب أن يتم بواسطة قوانين يصدقها البرلمان (المجلس التمثيلي للشعب). ولقد قامت الحكومة العمالية البريطانية على أساس هذا المبدأ بتأميم صناعات الفحم والفولاذ والنقل في الفترة التي تسلمت زمام الحكم في بريطانيا، اثر الحرب العالمية الثانية وكان من انصار هذا المذهب الفيلسوف البريطاني المشهور برناردشو. ج. الآراء الفاشية والنازية كانت الفاشية والنازية في كل من ايطاليا - وألمانيا في واقع الأمر - نظاماً يقوم على سيطرة الحزب الحاكم الكاملة على الحياة الاقتصادية، وتسخير هذه الحياة في سبيل الأهداف العسكرية والسياسية، وهو نظام دكتاتوري يضع السلطة في أيدي أقلية من الناس وينكر على الأكثرية الساحقة كل حق سياسي. وهذا النظام لا يلغي الملكية الخاصة، ولكنه لا يقوم على حمايتها، ويعتبر صاحب الملكية وصياً على ما يملك نيابة عن الامة، وكان يعمد هذا النظام إلى مصادرة الأملاك الخاصة كلما وجد ذلك في مصلحته. |
ظهر هذا النظام نتيجة للعوامل التي أثرت على النظرية الرأسمالية، والجأتها إلى قبول فكرة تدخل الدولة في توجيه النظام الاقتصادي، فنشأ عن ذلك نظرية الاقتصاد الموجه. وقد عمدت أغلب الدول التي لم تأخذ بالنظام الاشتراكي إلى تقييد الحرية الاقتصادية، ورسم الخطوط العريضة، التي تلزم رعاياها بالمحافظة عليها، وتدخلت في الاسعار واشرفت على الاستيراد والتصدير وحماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية، واختلف أثر هذا التدخل باختلاف الاتجاه الحاكم في هذه الدول، فمنها من أخذ ببعض الأفكار الاشتراكية وذلك بتأميم بعض مصادر الإنتاج الكبرى، ومنها من حافظ على ولائه للنظام الرأسمالي بعدم التدخل الواسع في الحقل الاقتصادي تاركاً الحرية للمنافسة تعمل عملها مع ابقاء الرقابة الحكومية عليها قدر الامكان. |
يتفق علماء الاقتصاد في العالم الغربي على أن هناك مشكلة اقتصادية عامة تواجه جميع المجتمعات في كل مرحلة من مراحل تطورها - إنها المشكلة التي تترتب على عجز الموارد المختلفة التي توجد في أي مجتمع عن إشباع جميع حاجات أفراده الإشباع الأمثل. وبذلك يعتبر هؤلاء العلماء أن جميع المشاكل الاقتصادية الآنية التي يعانيها أي مجتمع والتي يمكن أن تتخذ صوراً واشكالاً مختلفة تبعاً للعوامل الخاصة التي تحيط به في كل مرحلة من مراحل تطوره ليست في الواقع إلا فروعاً للمشكلة الاقتصادية العامة - مشكلة ندرة الموارد وكثرة حاجات البشر وتزايدها المستمر نتيجة نمو السكان والتطور الحضاري الذي يؤدي إلى خلق حاجات جديدة وتطوير بعض الحاجات القديمة. إلا أن اتفاق العلماء على تشخيص المشكلة لم يمنعهم من الاختلاف حول الطريق التي يحسن أن تتبع لمواجهتها، ويجب أن نأخذ في اعتبارنا أن مواجهة المشكلة لا يعني التخلص منها أو القضاء عليها وانما يعني وضع الأسس العامة التي يجب أن يتوافق عليها المجتمع لتحريك النشاط الاقتصادي ودفعه إلى العمل المنتج الذي يؤدي إلى النمو المنشود. بالإضافة إلى الأسس العامة التي يجري وفقاً لها تبادل السلع والخدمات بين أفراد المجتمع منتجين ومستهلكين. وتبعاً لهذا الاختلاف نشأت المذاهب الاقتصادية المختلفة التي يحاول كل منها وضع المبادئ العامة والأسس التي يجب أن يتبعها المجتمع لتنظيم حياته الاقتصادية في مواجهة المشاكل المختلفة التي تتفرع عن المشكلة الاقتصادية العامة وبمعنى آخر يحاول كل مذهب وضع الأسس العامة التي يجري تبعاً لها الإنتاج والتوزيع والتبادل بين أفراد المجتمع والتي يعتبرها المذهب الطريقة المثلى التي يجب أن تتبعها المجتمعات لتحقيق الإشباع الأمثل لحاجات أفرادها ودفع النشاط الاقتصادي في مجموعه نحو النمو المنشود الذي يمكن أن يساير نمو السكان والتطور الحضاري. وفي هذا الصدد يعتبر علماء الفكر الاقتصادي الرأسمالي أن جهاز السوق الحر قادر على تحقيق الطريقة المثلى لمواجهة المشكلة وبمعنى آخر يعتقدون أن السوق الحرة للعرض والطلب قادرة على تحديد الأسعار المثلى للسلع والخدمات، وبذلك يتحقق التوزيع الأمثل للمواد الخام وللمنتجات النهائية بين المستهلكين وبهذا التوزيع الأمثل يتحقق التوافق بين مصالح المنتجين ومصالح المستهلكين، ويكون هذا التوافق عاملاً هاماً بين العوامل المختلفة التي تحقق النمو الاقتصادي، وبذلك يستطيع النشاط الإنتاجي مواكبة التطور الحضاري وتحقيق الإشباع الأمثل للحاجات المختلفة التي تترتب على هذا التطور. أما علماء الفكر الاقتصادي الاشتراكي فيعتقدون أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج مقترنة بجهاز السوق الحر لابد أن تؤدي إلى ممارسات احتكارية يترتب عليها تناقض بين مصالح المنتجين ومصالح المستهلكين وتفاوت في توزيع الدخول وتقلبات دورية تدفع إلى البطالة حيناً والى التضخم حيناً آخر وبهذه النتائج مجتمعة لابد أن يصل النشاط الاقتصادي إلى مرحلة الركود وعدم القدرة على متابعة النمو بالمعدلات التي تحققت عندما كان الاقتصاد الرأسمالي في شبابه وفتوّته، الأمر الذي يحفزه إلى معالجة شيخوخته بمحاولة توظيف جميع مؤسساته المدنية والعسكرية في قهر الشعوب الضعيفة وخلق المنازعات بينها حتى يتسنى له السيطرة عليها وامتصاص خيراتها وسلبها القدرة على النمو التي هي في أشد الحاجة إليه لتحقيق المستوى اللائق لمعيشتها. لهذا يعتقد هؤلاء العلماء أن التناقض الكامن في النظام الرأسمالي لابد أن يؤدي في النهاية إلى تحول المجتمعات إلى النظام الاشتراكي حيث تجري مواجهة المشكلة الاقتصادية على أساس الملكية العامة لوسائل الإنتاج وادارة الدولة للنشاط الاقتصادي في مجموعه وفقاً لما يقرره جهاز التخطيط والتوجيه الذي يعتبر المحرك الوحيد لهذا النشاط. وبمعنى آخر لا يكون جهاز السوق حراً، وإنما يكون خاضعاً لتوجيه جهاز التخطيط المركزي، وبهذا تتحدد أسعار السلع كما تتحدد اجور الخدمات وفقاً لتوجيه هذا الجهاز وتصوره لمصالح المجتمع في مجموعه ولا شك أن علماء الفكر الاقتصادي الاشتراكي يدركون أن ما يقترحونه علاجاً للمشكلة الاقتصادية العامة سوف يقضي على حوافز العمل والنشاط وبذلك يتراجع عامل اساسي من عوامل النمو الاقتصادي الذي ينشده أي مجتمع، إلا انهم يعتقدون أن ممارسة النظام الاشتراكي لحياته الاجتماعية والاقتصادية سوف تخلق حوافز جديدة يمكن أن تأخذ مكان الحوافز الرأسمالية، ولذلك لا يخوضون في انعدام الحوافز الرأسمالية والأثر السلبي لذلك على حركة النشاط الاقتصادي ونموه. يتضح من هذا العرض الموجز لتشخيص الفكر الاقتصادي الغربي للمشكلة الاقتصادية وكذلك الأسس العامة التي يقترحها لمواجهة هذه المشكلة إن علماء الاقتصاد في العالم الغربي وقعوا ضحية المادية المطلقة التي تسيطر على الحضارة الغربية وان مدارسهم الفكرية جاءت بالنتيجة عاجزة عن تحقيق المواجهة الصحيحة، وليس اكثر دلالة على ذلك من الانحلال الاجتماعي والأخلاقي الذي يعم المجتمعات الغربية، وكذلك انغماسها في صراعات عسكرية تستنزف مواردها ولا تستطيع أن تضع حداً لها حيث اصبح التسلح والانفاق المتزايد عليه هو المخرج الوحيد للاختناقات الاقتصادية التي تعانيها. وحتى نستطيع أن ندرك التشخيص الخاطئ للمشكلة الاقتصادية وبالتالي المواجهة الخاطئة لها والتي تقدمها مدارس الفكر الاقتصادي الغربي، نحاول الإجابة على الأسئلة التالية والتي صاغ افكارها ذلك الجهبذ المفكر الاقتصادي الشهيد الشيرازي (قدس سره): أولاً: كيف يمكن أن نتفق مع علماء الاقتصاد في العالم الغربي في أن الموارد التي وهبها الله للبشر لا تسد حاجاتهم؟ كيف يمكن أن نوافق على هذا الرأي ونحن نشاهد كيف استطاع الإنسان بعلمه وعمله أن يكتشف القارات، وان يزرع الصحارى وان يغوص إلى قاع المحيطات ليجدها مليئة بكل ما هو نافع، وان يحول اشعة الشمس إلى طاقات يمكن أن تستخدم في أغراض مختلفة، بالغة الأثر، وان يضيف إلى الكثير من الموارد ما يمكن أن يأخذ مكانها كيمائياً، وان يحقق التبادل السريع بين مختلف اقطار العالم ليحد من العجز الغذائي في أي قطر منها، وان يتغلب على الجاذبية الأرضية ويصعد إلى الفضاء ليحاول غزو الكواكب المختلفة، وان يتفهم كثيراً من الخصائص الخاصة بالحيوانات والحشرات والأحياء الأخرى البالغة الصغر فيستفيد من كل ما يعود عليه بالنفع ويجد الدواء لكل ما هو ضار فيها، وان يدرك حقيقة الكثير من الأمراض فيعرف علاجها وكيفية استئصالها. يقول الله في كتابه الكريم (الله الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار) (سورة إبراهيم آيات 32-34). وتفسيراً لذلك يقول الله تعالى أنه قد وضع للبشر كنوزاً في السماء، وعلى سطح الأرض وفي جوفها، وعلى سطح البحار والأنهار وفي جوفها، وفي الأشجار والشجيرات والنباتات والحشائش، وفي الدواب والزواحف والطيور، وفي تركيب مختلف المواد وجزيئاتها المتناهية في الصغر والتي أصبحت تعرف بالذرات. كذلك تتضمن الآيات القرآنية الاشارات الواضحة حيناً والمستترة حيناً آخر إلا أنه تعالى لم يضع هذه الكنوز وضعاً عشوائياً اعتباطياً وانما وفقاً لقواعد رياضية محددة وتبعاً لأسس وخصائص وارتباطات علمية ثابتة، وعلى الإنسان أن يحاول الوصول إلى هذه القواعد والأسس بالمعرفة والبحث العلمي الدؤوب حتى يستطيع أن يحدد موضع كل كنز من الكنوز العديدة التي تتضمنها زوايا الكون وانحاؤه المختلفة، وقد يكون في هذا البحث الحثيث والمتواصل ما يوفر للإنسان لذة المعرفة والاكتشاف والنجاح في الوصول إلى ما يبحث عنه ويرغب في تحقيقه من تطبيقات لأفكاره ونظرياته. ولا ننكر أن الإنسان كان في جميع مراحل وجوده في سعي متواصل لفهم الحقائق العلمية المختلفة التي يزخر بها الكون، وقد فهم الكثير منها حتى اليوم، إلا أنه كان كلما فهم حقيقة من هذه الحقائق عمل على توظيفها بدرجة كبيرة في أعمال الشر والعدوان والهدم والتخريب حتى أصبحت المنافسة قائمة على قدم وساق بين دول العالم الغربي لتحديث اسلحتها وجعلها اكثر فتكاً، كما أصبحت شعوب هذه الدول تتفاخر بكل ما تصل إليه من وسائل الدمار الباهضة التكاليف والتي لا يبرر انتاجها إلا مدى ما تحققه هذه الوسائل من قتل وسفك للدماء وتدمير لما أنجزه الغير من تعمير وبناء بأقل الجهود وبأدنى الخسائر الممكنة من جانب المعتدين ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن الحضارة الغربية ليست في الواقع إلا حضارة مادية انانية شعارها القتل وسفك الدماء والتدمير وتمجيد القوة الغاشمة أليس في ذلك تفسير للآية القرآنية التي تقول (إن الإنسان لظلوم كفار) (سورة إبراهيم، آية 34) ذلك أن الإنسان بهذه الأعمال الوحشية يكفر بالنعم الإلهية التي غرسها الله تعالى في كل شيء يوجد في الكون الفسيح والتي سخرها لمصالح البشر وهي المصالح التي تتحقق عن طريق الخير والتعاطف والتعاون بين الأفراد وبين المجتمعات والتي تؤدي إلى أن يصبح المجتمع الإنساني كأعضاء الجسد الواحد إذا اشتكى بعضها يسهر له البعض الآخر بالحمى والسهر حتى يتحقق الشفاء للجسد في مجموعه. وإذا كان الإنسان يكفر بنعم الله عندما يستنزفها ويدمرها في أعمال الشر والعدوان، فإنه يعمل كذلك على تخريبها بصورة مستمرة بظلمه لأخيه الانسان، ذلك لان الفئة القلية الحاكمة والمسيطرة سياسياً واقتصادياً في كل مجتمع تعمل على اشباع حاجاتها الضرورية والكمالية وتبالغ في ذلك بغطرسة ونهم وتفاخر حتى أصبحت القصور الفاخرة والملابس المتأنقة والحفلات الماجنة والسيارات الفارهة وكل الأشياء الباهضة التكاليف رمزاً لهذه الفئة القليلة - ولا شك أن إشباع هذه الفئة من هذه الكماليات يستنزف الموارد المتاحة للمجتمع في مجموعه وبذلك لا يتبقى لإشباع حاجات الشعب العامل إلا النزر اليسير الذي لا يكفي لسد هذه الحاجات بالشكل الأمثل، وبالنتيجة يسوء توزيع الناتج القومي بين فئات المجتمع ويسود علاقاتها الاجتماعية الحسد والرغبة الجامحة في الانتقام التي تتأجج في القلوب حتى تنقلب إلى ثورة مدمرة. وتتوالى الثورات ويتوالى التدمير حتى يصبح الصراع الطبقي مرضاً عضالاً يفتك بدعائم المجتمع ويعرقل نشاطاته المختلفة ويؤخر نموه وبذلك تبدو ندرة الموارد وعدم كفايتها لسد الحاجات عنصراً أساسياً من عناصر المشكلة الاقتصادية كما يشخصها علماء الاقتصاد الغربي. فإذا امكن تخليص الإنسان من كفره بنعم الله وظلمه لأخيه الانسان، واصبح مسلماً حقاً لا يسيء استخدام ما رزقه الله من موارد وخيرات ولا يكون معتدياً على حقوق غيره من المسلمين، وإذا كانت الموارد المتاحة للبشر وافرة ولا يمكن احصاؤها لماذا لا يستطيع الإنسان حينذاك أن يحصل على كل ما يريد دون مقابل كالهواء؟ لقد وزع الله الموارد المختلفة في أنحاء الكون بأشكال لا يمكن أن تحقق الاستهلاك المباشر للإنسان، وهي لذلك تحتاج إلى استخدام وتحويل ونقل من مكان إلى آخر أو من فترة زمنية إلى أخرى وأخيراً إلى توزيعها على مستهلكيها، وبمعنى آخر تحتاج إلى أن يبذل الإنسان جهده حتى تصير صالحة للاستهلاك. وبذلك يتحقق هدفان الأول هو أن يكون للإنسان أهداف في حياته يعمل من اجل تحقيقها وبذلك ويتوفر له الاستمتاع بلذة العمل والسعي المتواصل إلى المعرفة، وكل منا يدرك تماماً الفراغ الذي يحسه الإنسان والضيق والملل الذي يترتب على ذلك عندما يتعطل عن العمل أو عندما يتقاعد وهو قادر على العمل والسعي من اجل الرزق. فالعمل هو حياة الإنسان، وهو الوسيلة الوحيدة لتحقيق وجوده وهو الأداة التي يحقق بها انتصاره على الطبيعة وهو الطريق إلى إثبات ارتقائه على المخلوقات الأخرى، لذلك كان لابد أن يحقق الله للإنسان هذا الحلم، أن يكافح ليحقق لنفسه التكامل وان يعود إلى احسن تقويم (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) (سورة 84 الانشقاق آية 6). (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) (سورة 9 التوبة آية 106) أما الهدف الثاني فهو دفع الإنسان إلى التعاون مع أخيه الإنسان، حيث لا يستطيع أن يحقق جميع حاجاته وحده. ولذلك اتجه إلى التخصص وتقسيم العمل والى ادراك الفوائد الجمة التي يستطيع أن يحصل عليها عندما يتعاون مع غيره من البشر في تحقيق حاجاته المختلفة إلى الطعام والكساء والسكن والتعليم والتداوي والترفيه. الأمر الذي دفعه إلى التوسع في التخصص وتقسيم العمل حتى أصبحت المجتمعات الحديثة تقوم بالدرجة الأولى على ضرورة أن يكون هناك تكامل تام بين جميع افرادها مهما كانت الأعمال التي يقومون بها وسواء تقع في الدرجات الدنيا من سلم الوظائف المتتابعة أو في درجاتها العليا ولا ريب في أن شعور الإنسان بسيطرته الكاملة على عمله يدفعه إلى ادراك حقه في تملك الإنتاج الذي يترتب على هذا العمل، وبالتالي في المطالبة بثمن لهذا الإنتاج إذا أراد الغير الحصول عليه، أي بحقه في الحصول على مقابل ما ينتجه مع غيره من البشر. لذلك لابد أن يكون لكل سلعة تنتج ثمن يعادل مجموع الأجور التي دفعت للعمال الذين تعاونوا بالتتابع في استخراج المواد الأولية وفي تحويل هذه المواد إلى سلع قادرة على إشباع حاجات البشر وفي نقلها إلى المستهلكين الذين يرغبون في شرائها لسد حاجاتهم أي الذين تكاملت اعمالهم حتى يتحقق الإنتاج الكامل للسلعة بوصولها إلى المستهلكين إلا أن الإنسان كان دائماً ينزع إلى الشر والاعتداء وسلب الغير حقوقهم الثابتة. ولذلك مرت المجتمعات البشرية بمراحل متواصلة من العبودية كان فيها الأقوياء جسدياً ثم ذوو النفوذ والسلطة لا يدفعون للعاملين حقوقهم كاملة وهي الحقوق التي تترتب للعاملين جزاء ملكيتهم للانتاج الذي يترتب على اعمالهم، وذلك تحت ظل شعارات مختلفة مثل حق العامل في ضمان حاجاته فقط إذ أن العمل ليس إلا واجباً اجتماعياً يؤديه الفرد للمجتمع الذي هو الاطار الأساسي الذي يتضمن بداخله الأفراد كخلايا متفاعلة سوياً فتستمد كل منها وجودها وحيوتها من خلال هذا التفاعل الذي لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن هذا الإطار العام، أو الشعارات القائمة على الحق الإلهي للملوك والنبلاء. أما الإسلام، دين العدالة المطلقة والحقيقة الناصعة، فلا يعترف بأي ملكية تقوم على أي أساس آخر غير العمل وصراع الإنسان من اجل الرزق صراع خير (وقل إعملوا فسيرى الله عملكم) (سورة 9 التوبة آية 106) (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) (سورة 84 الانشقاق آية 6). (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه احدا) (سورة الكهف 18 آية 110) لذلك يؤكد الإسلام حق الإنسان في ملكية كل ما يكون نتيجة عمله، ومبادلة ما يمتلكه بالأجر العادل حيث حرم الله الربا ولكنه حلل التجارة. لذلك يكون لكل سلعة ثمن يحصل عليه الذي امتلكها نتيجة عمله في كل مرحلة من مراحل انتاجها، أما الأشياء التي تتوفر في الطبيعة والتي لا يمتلكها أي من العاملين نتيجة عمله يستطيع البشر جميعاً الحصول عليها دون مقابل. فالهواء كما هو في الطبيعة يحصل عليه البشر دون مقابل، أما عندما يمتلكه عامل في أي صورة من الصور باجراء عمل عليه بضغطه وحفظه في اسطوانات يصبح حقاً له بامتلاكه، وبذلك يستطيع أن يطالب الغير بثمن عادل له عند مبادلته معهم إذا رغبوا في شرائه. وننهي هذه المناقشة بالتأكيد على أن ندرة الموارد، والسلع التي يعتبرها علماء الاقتصاد الغربي عنصراً اساسياً من عناصر المشكلة الاقتصادية ليست في الواقع إلا ندرة ظاهرية فقط اوجدها الإنسان بكفره بنعمة الله عليه حيث يوظف الموارد المتاحة له وقوة عمله التي وهبها الله له في أعمال القتل والتخريب والتدمير، وكذلك بظلمه لأخيه الإنسان حيث يحاول الأقوياء وذوو السلطة والنفوذ احتكار الموارد لإشباع حاجاتهم الخاصة ولا يتركون للجماهير الكادحة إلا القليل منها. هذا الظلم وهذا الكفر بنعمة الله هما الصفتان الاساسيتان للحضارة الغربية، وهما ينتقلان بالعدوى والتقليد إلى دول الشرق مهد الأديان السماوية عن طريق مختلف وسائل الاعلام ووفقاً لتخطيط غربي وفي ظل صراع حضاري يهدف إلى القضاء على كل ما هو نبيل وعادل في الحضارة الإسلامية وعلى كل القيم السامية التي جاءت بها جميع الأديان. والسؤال في هذا الصدد هو - كيف تميزت الحضارة الغربية بالاغراق في المادية والابتعاد عن كل مقومات الإنسانية المؤمنة بالرغم من وجودها في دول تدين بالمسيحية التي جاءت اساساً لتحقيق الحب والتسامح بين البشر جميعاً؟! لقد نشأت هذه الازدواجية في سلوك الإنسان الغربي نتيجة الإرهاب الذي ساد القرون الوسطى المظلمة حيث سيطر رجال الدين في ذلك الوقت سيطرة غاشمة فحاولوا خنق كل محاولات البحث والمعرفة ظناً منهم أن التقدم في هذا المضمار سوف يؤدي إلى تقليص سيطرتهم ونفوذهم فأشاعوا أن كل هذه المحاولات ليست إلا نوعاً من السحر والشعوذة وشكلاً من أشكال الإلحاد. ولذلك بعد أن استطاعت المجتمعات الغربية أن تتحرر من السيطرة الجاهلة لرجال الدين في عصر الظلام وبعد أن أخذت ترسخ دعائم عصر النهضة كانت الصفة الأساسية لهذا العصر انفصام العلاقة بين الدين وبين جميع المظاهر الدنيوية الأخرى والتي تتعلق بالحكم والعلم والثقافة والمعرفة والسلوك الحياتي والتطلعات البشرية نحو مستقبلها. وقد نتج عن هذا الانفصام أن فقدت المجتمعات الغربية إطارها الديني العام وفقدت بذلك جميع القيم المسيحية السامية التي جاء المسيح من أجل إيقاظها وترسيخها في النفوس. كذلك اصبح كل من التطور الاجتماعي والاقتصادي، والبحث العلمي والتكنولوجي تتحقق جميعاً دون أي ارتباط بالمفاهيم الدينية الأساسية ودون أي هدف غير العودة بالانسان الغربي إلى غرائزه وحيوانيته المتأصلة في نفسه. وقد نتج عن ذلك أن أندفع هذا الإنسان في غطرسة يبحث ويخترع كل الآلات والأدوات التي تسهل له القتل والتخريب والتدمير، كما اندفع متعالياً نحو تأكيد سيطرته على البشر في جميع أنحاء العالم وسلبهم ثرواتهم التي أتاحها الله لهم وقتل قيمهم الحضارية. كذلك اصبح هذا النظام يتجلى بوضوح في حرص الإنسان الغربي على ممارسة المناسك الدينية السطحية وعلى إضافة بهرجة صارخة إليها دون أن يكون للقيم المسيحية الحقة أي اثر على سلوكه وشؤونه الحياتية وتطلعاته الحقيقية وهي تتركز جميعاً حول قيم وأهداف مادية مدمرة لراحة نفسه واطمئنانها. وقد نتج عن ذلك جيل من الشباب الغربي الذي فقد نفسه واصبح يعيش في غربة دون أن يستطيع الخروج منها وقد لا أكون مغالياً إذا قلت أن الحضارة الغربية بمفاهيمها المغرقة في المادية والمجون قد فقدت ديناميكيتها وقوة الدفع التي هي في اشد الحاجة إليها كي تستمر وتتصاعد، ولعل هذا الجيل من الشباب الغربي مؤشر واضح يؤكد هذه النهاية المرتقبة. ثانياً: لا يمكن الاتفاق مع علماء الاقتصاد الغربي في أن تعدد حاجات البشر وتزايدها المستمر نتيجة نمو السكان والتطور الحضاري تشكل سوياً عنصراً اساسياً ثانياً من عناصر المشكلة الاقتصادية. ذلك لأن تشخيص هؤلاء العلماء لهذا العنصر للمشكلة ينبع اساساً من الإطار اللا ديني الذي يحيط بحياتهم وبالتالي من انغماسهم في المادية التي تطبع الحياة في الدول الغربية بطابع لا إنساني. كما أن مفهوم التطور الحضاري عند هؤلاء العلماء يتم إما عن سذاجة مفرطة أو عن رغبة شديدة في التضليل الذي يخدم مصالح أصحاب السلطة السياسية والاقتصادية. فإعطاء التطور الحضاري مفهوماً مادياً يحول المجتمعات إلى مجتمعات استهلاكية يتكالب فيها البشر على الشراء دون أن يكون لديهم حاجة حقيقية إلى ما يشترون حيث تلعب الاعلانات دوراً هاماً في هذا الصدد. وحتى ندلل على هذا الرأي نشير أولا إلى أن حاجات الإنسان الأساسية لم تتغير عبر القرون الطويلة التي مرت بها البشرية على ظهر الارض، فلا تزال هذه الحاجات تنحصر في الغذاء والكساء والسكن والعلم والدواء، ولا يزال الإنسان يستطيع أن يعيش بأبسط وأقل ما يمكن من الأطعمة والملابس، بل إن البساطة في هذين البندين تتفق تماماً وآراء الأطباء حول عوامل الصحة الجيدة، فالمعدة بيت الداء والحمية خير دواء. ولا ريب في أن الصحة الجيدة تنقص كثيراً من حاجة الإنسان إلى الطبيب والعلاجات المختلفة. إلا أن الإنسان اصبح يأكل في نهم ويغالي في ملابسه ويحيط نفسه بالجدران العالية فيبتعد بذلك عن الطبيعة وعن الحياة البسيطة التي تتفق معها فأصبح ضعيفاً لا يستطيع أن يقاوم تقلبات الطقس أو انتشار كثير من الامراض، ولذلك اصبح الدواء يلازمه لعلاج معدته وأرقه وتصلب شرايينه وآلام رأسه وأسنانه وتداعي عظامه واعصابه. هذا هو إنسان الحضارة الغربية يولد مريضاً ويعيش مريضاً ولا يجد الراحة من كل امراضه النفسية والجسدية إلا في المخدرات فيصبح غريباً عن مجتمعه. وبذلك يتحول إلى خلية فاسدة تنتقل عدوى فسادها إلى الخلايا الأخرى. وقد زادت مشاكل هذا الإنسان وتعقدت احواله المرضية بعد انتشار السيارات وغيرها من الآلات الحديثة التي ترتب عليها مكننة الانتاج، إذ حولته هذه الاختراعات إلى إنسان قعيد قليل الحركة غير قادر على هضم الأطعمة الدسمة التي يملأ بها معدته في الصباح ولكنه يعود إلى ملئها من جديد بعد الظهيرة ثم في الليل. وبتأثير الاعلانات المتطورة التي تلاحقه في الصحف ودور السينما وعلى شاشات التلفاز أصبح يشعر بالحاجة إلى كثير من السلع والأدوات فيندفع إلى شرائها وتكديسها في منزله ثم تمر الأيام فلا يجد لها أي منفعة لديه حيث يتبين أن لديه أشياء شبيهة تؤدي نفس وظائفها. وهكذا يتكرر الشراء الاستهلاكي من وقت إلى آخر بسبب الاختراعات المتتالية التي لا يترتب عليها إلا بعض التغييرات السطحية والتحسينات الشكلية دون أن يكون لها منفعة حقيقية لمستهلكها بل أن بعض هذه التغييرات السطحية يعلن عنه بصور تثير غرائز الجماهير وترضي الرغبة في التجديد الزائف، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع التي بها هذه التغييرات فترتفع أثمانها ارتفاعاً يستنزف دخول الأسر وموارد المجتمع عامة. هذا فضلاً عن الإعلانات التي تمجد استهلاك بعض السلع التي ثبت ضررها مثل السكائر والمشروبات الروحية المختلفة وغيرها من المشروبات الغازية. فهذه الإعلانات تصور الرجولة والخلاعة مرتبطة باستهلاك هذه السلع والتهافت على شرائها. وعندما تشعر الحكومات بالتناقض الصارخ بين نشر هذه الإعلانات وبين الأبحاث العلمية التي تنشر من حين إلى آخر عن اضرار هذه السلع وخطرها البالغ على صحة مستهلكيها تضطر في بعض الدول إلى إضافة جملة تحذير تافهة مع الإعلان في مكان غير بارز منه حتى لا تثير الاهتمام وحتى تستحيل قرائتها عندما تتوالى صور الإعلان سريعاً على شاشة السينما أو على شاشة التلفاز، وبذلك لا يكون لها أي تأثير على المعلن لهم. بذلك نستطيع أن نؤكد أن منح الأفراد في أي مجتمع حق التعبير عن حاجاتهم ونزواتهم في حرية تامة لا يتفق مع مصلحة المجتمع في مجموعه. بل إنه في بعض الأحيان لا يتفق ابداً مع مصالحهم الخاصة، حيث أن الإنسان في كثير من الأحيان لا يستجيب لعقله بقدر استجابته لغرائزه البهيمية. كذلك نستطيع أن نؤكد أن منح المنتجين حق انتاج ما يطلبه المستهلكون في حرية تامة لا يتفق مع مصلحة المجتمع في مجموعه، إذ أن مثل هذا السلوك الإنتاجي لابد أن يؤدي إلى اساءة توظيف المستخدمات الإنتاجية واستنزافها على مر الزمن، وبذلك تبدو الموارد التي وهبها الله للبشر نادرة لا تكفي حاجاتهم الأساسية. لذلك لا يمكن أن نتفق مع دعاة الاقتصاد الحر لأن الشعارات البراقة لهذا الاقتصاد تؤدي في النهاية إلى تحطيم الإطار الديني العام الذي يحفظ للبشر انسانيتهم وتعاطفهم وتكافلهم ويخلصهم من نزواتهم ورغباتهم البهيمية وبالتالي يحقق الاستخدام الأمثل لمواردهم. كما لا نستطيع أن نتفق مع دعاة الاقتصاد الموجه الذي يفرض على الناس سلعاً معينة ويقتر عليهم في استهلاكها وذلك في سبيل ارضاء غرور الذين في السلطة السياسية أو الاقتصادية بالإعلان عن إنجاز مشروعات انتاجية ضخمة في أقصر وقت ممكن - وفي كلتا الحالتين يصور الحكام الحاجة إلى التسلح كحاجة ماسة وأساسية فيغالون في اشباعها بانتاج الأسلحة الفتاكة ويتبارون في ذلك إلى حد بعيد، وهم يعلمون أن تكديس الأسلحة في المخازن قد يكون العامل الأساسي في تصدير المنازعات والحروب إلى مختلف أنحاء العالم. خاصة بين الدول الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة. والشيء المستهجن حقاً أن تنشر على الشاشات المختلفة صور الأطفال الذين انتفخت بطونهم وهزلت أرجلهم حتى لم تعد تقوى على حملهم فيقعون على الأرض ويذهبون في غيبوبة طويلة فلا يستطيعون إبعاد الذباب الذي ينتشر حول أجسادهم بكثافة ويبقون هكذا حتى يلفظون النفس الأخير. وتنشر الهيئات الدولية المعنية هذه الصور البشعة لإيقاظ ضمير الشعوب في مختلف أنحاء العالم ولاستدرار عطفهم على مجاميع كبيرة من البشر يموتون جوعاً. إلا أن هذه الصور ما تكاد أن تنشر حتى ينسى بشاعتها المترفون والمتخمون ورجال الدين في مختلف أنحاء العالم، حيث يستمر سعيهم إلى إشباع حاجاتهم من القصور الرحبة والملابس المزركشة الفاخرة والسيارات الباهضة الاثمان التي قد لا تحميهم من غضب الفقراء وسخط أصحاب الضمائر الحية الذين ينتشرون في كل مكان في الشوارع التي نزدحم بالجماهير الكادحة التي تأكل خبزها بعرق جبينها. ويمر الزمن وتبقى الاوضاع المأساوية التي تعيشها الشعوب في أنحاء العالم على ما هي عليه. بل تزداد تفاقماً وتدهوراً. وبالرغم من التحذيرات المتتالية والتنبؤات القائمة على أسس علمية ثابتة وصحيحة بأن الجوع سوف يعم قطاعات متزايدة من السكان في مختلف أنحاء العالم في السنوات القليلة المقبلة. بالرغم من هذه التحذيرات يبقى المترفون والمتخمون وكبار رجال الدين ينعمون بكماليات الحياة في قصورهم الحصينة مكتفين ببضع كلمات وعظات جوفاء يوزعونها من وراء الجدران العالية على مختلف أنحاء العالم في المناسبات الكبرى لتبرير وجودهم ولتذكير الشعوب بهذا الوجود الطفيلي وكان الأجدر بهم أن ينزلوا إلى الشوارع التي تضج بالجماهير المتعبة لعلهم يجدون في داخل قلوبهم ما يدفعهم إلى العمل من أجل تخليص الكادحين والمشردين والذين نسيهم اخوانهم في الانسانية، ويكون ذلك بوضع حد لفجور الأغنياء واستنزافهم لموارد المجتمع في إشباع حاجاتهم. لذلك إذا امعنا النظر في حياتنا اليومية التي اصبحنا نحياها دون تأمل أو مراجعة يتبين لنا بوضوح أن معظم حاجاتنا التي نسعى إليها والتي نبذل ماء وجوهنا وكرامتنا في سبيل اشباعها ليست في الواقع حاجات أساسية بالنسبة لنا، واننا عندما نعتبرها كذلك يكون ذلك حباً في الظهور أو تقليداً لغيرنا من المترفين المتخمين أو محاكاة لما نراه في الصور البراقة التي تنشرها اجهزة الدعاية في الصحف والمجلات وعلى شاشات السينما والتليفزيون أما حاجاتنا الأساسية التي تتفق وتعاليمنا الإسلامية والتي تؤيدها النتائج التي وصل إليها الأطباء والعلماء في بحوثهم المتواصلة حول أسباب كثير من الأمراض هذه الحاجات ليست من الكثرة التي نتخيلها، كما أن اشباعها لا يشكل في الواقع مشكلة بالنسبة لنا حيث أن الموارد التي أنعم الله علينا بها والتي لا يمكن حصرها تكفي لتحقيق هذا الإشباع. على أن ذلك لا يعني انعدام مشكلة إشباع الحاجات بالنسبة لجميع فئات المجتمع، حيث نستطيع أن نميز ثلاث فئات في كل مجتمع، فئة قادرة بما تتمتع به من قدرات ومواهب فكرية وعلمية وطاقات عملية تطبيقية أن تحصل على الدخول التي تحقق لها إشباع حاجاتها وفق المستوى اللائق الذي تريده، وفئة ثانية لا تستطيع بعملها أن تحقق إلا اشباعاً متواضعاً لحاجتها الأساسية، وفئة ثالثة يقعدها العجز البدني أو التخلف العقلي أو البطالة ولذلك لا تستطيع إشباع حاجاتها الأساسية، ولا ريب في أن تكون الفئة الثالثة في احتياج إلى أن يمد لها المجتمع يد العون وفقاً لمبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي الذي تنص عليه التعاليم الإسلامية وتعتبره ركناً اساسياً من اركان المجتمع المؤمن. والخلاصة إن الإنسان يبالغ في تصور حاجاته متأثراً بالقيم المادية والمفاهيم اللا أخلاقية التي تنشرها وتدعمها الحضارة الغربية بكل وسائل الدعاية والترغيب. لذلك اصبح الإنسان يشعر بالظلم والحرمان عندما يجد أن مواردها غير كافية لإشباع جميع حاجات افرادها الإشباع الذي يتحقق في المجتمعات الغنية ويسود هذا الشعور بالظلم والحرمان والتخلف عند المقارنة مع المجتمعات الغنية التي استطاعت أن تحقق المستوى الذي وصلت إليه بسيطرتها على العالم وسلبه موارده أو استنزافه في حروب وصراعات اقليمية تستخدم فيها ما انتجته من أسلحة متقدمة. لقد بالغت هذه المجتمعات الغنية في خضوعها للقيم المادية اللادينية والمفاهيم اللا أخلاقية حتى أصبحت تخصص الجزء الأكبر من موازناتها للانفاق على التسلح، وبذلك بلغت أرقام هذا البند درجة من الضخامة التي تذهل المؤمنين في جميع أنحاء العالم. ولعله من المؤسف حقاً أن ينطلق علماء الاقتصاد الغربي من المفاهيم المادية اللا أخلاقية عن الحاجات التي ترغب فئات مختلفة من البشر في اشباعها فيعتبرون كثيراً من السلع التي تضر بصحة الإنسان ووجوده الواعي سلعاً نافعة طالما أنها تشبع هذه الحاجات. مثل الأسلحة والسجائر والمشروبات الكحولية والمخدرات التي يتعاطاها الشباب دون تصريح من الأطباء لقد فقدت المنفعة مفهومها الإنساني السليم واصبحت صبغة لجميع الأشياء التي تشعر بعض الفئات بالحاجة إليها والتي يقبل المنتجون على انتاجها وتوزيعها وفقاً لمفهوم الاقتصاد الحر، الأمر الذي يتعارض تماماً مع الرفاهية الاجتماعية بمفهومها الذي يقوم على تحريم الأعمال التي قد تحقق ربحاً لفئة من المجتمع وضرراً لفئات أخرى. |
تناول الشهيد الشيرازي (قدس سره) في كتابه الموسوم بـ(الاقتصاد) محاور عديدة في الاقتصاد الإسلامي، الفرد في نظر الإسلام، الملكية الفردية، نطاق الملكية الفردية فكرة الإسلام عن الملكية. الربا، الترف الحرام استحباب الزيادة، مع القوانين والعطاء، البنوك، القرض، البنوك الإسلامية المكاسب المحرمة الجزاء بلا عمل - الغش - السرقة - الجزاء على الحرام فكرة الحرام، الاكتساب بالحرام، الجزاء على الفرائض لا تعلق الواجبات، الرشوة، الاحتكار الامتيازات الملكية العامة، الحمى، برامج العمل، الصيد، إحياء الموات، استخراج المعادن، المضاربة، المزارعة والمساقاة، العمل بأجر، الهدايا والهبات، الصدقات، مهمة الصدقات، حكمة الصدقات، منابع ثروة بيت المال، الزكاة، حدود الزكاة، موارد الزكاة، مقدار الزكاة، مصارف الزكاة، الزكاة كفاية، زكوات مسنونة، صدقات شتى، حق يوم الحساب، حق معلوم، بين الزكاة والضرائب، تعاليم للجباة، الخمس، مصادر الخمس، توزيع الخمس، الجزية، الانفال، مال الخراج، المقاسمة، وظائف بيت المال، محاربة الفقر والرأسمالية، نظام الإرث، توزيع التركة. إن كل مفردة مما ذكرناه تحتاج إلى بحوث في مفاهيمها ومؤشراتها كدليل ونهج عمل اقتصادي سليم ولكننا اختصاراً سوف نركز على خصائصها. الخاصية الأساسية - الاقتصاد الإسلامي فريد في نوعه ومستقل عن غيره ونسيج وحده. الخاصية الأولى: الأرض تتسع لبني البشر مكاناً ورزقاً مع امتداد الزمن. الخاصية الثانية: المالك هو الله سبحانه وتعالى وليس الإنسان. الخاصية الثالثة: حق الملكية المنسوب للإنسان مقيد بشرع الله. الخاصية الرابعة: المصلحة العامة هي المصلحة التي تتفق وشرع الله. الخاصية الخامسة: الحق المعلوم في المال لغير مالكه. الخاصية السادسة: مشروعية المال وحله. الخاصية السابعة: وضع المال في محله. الخاصية الثامنة: تحريم تعطيل الطاقة البشرية. الخاصية التاسعة: مصارف توزيع الثروة وعدم جواز انحصارها بأيد قليلة. الخاصية العاشرة: وجوب تداول الثروات وعدم جواز انحصارها بأيد قليلة. الخاصية الحادية عشرة: الاقتصاد الإسلامي جزء لا يتجزأ من حياة الأمة الإسلامية. الخاصية الثانية عشرة: الاقتصاد الإسلامي اقتصاد موجّه. الخاصية الثالثة عشرة: الاقتصاد الإسلامي اقتصاد اخلاقي. الخاصية الرابعة عشرة: الاقتصاد الإسلامي اقتصاد إنساني عالمي. الخاصية الخامسة عشرة: الاقتصاد الإسلامي اقتصاد واقعي. الخاصية السادسة عشرة: الاقتصاد الإسلامي اقتصاد عقائدي. الخاصية السابعة عشرة: التعامل في الاقتصاد الإسلامي حرّ ما لم يصطدم بمانع شرعي أو يتعدّ حقوق الآخرين. الخاصية الثامنة عشرة: الاقتصاد الإسلامي لا يأبى الاقتباس من غيره فيما لا يتعارض مع خصائصه الذاتية. وتناول الكتاب الضوابط الأخلاقية للاقتصاد الإسلامي: الأخاء الاحسان التضحية الاستقامة التقوى وقد تناول مداليل الاقتصاد الطبيعة ورأس المال والعمل والتنظيم إضافة إلى كيفية توزيع الإنتاج بين عناصره التي ساهمت في إيجاده والتعامل والتداول النقدي في الإسلام لا يزال العالم كله يتطلع إلى اقتصاد يخلو من العيوب، تحكمه قواعد ثابتة لا تؤثر فيها المصالح الشخصية والمنافع المادية، وتدعمه شريعة ربانية خالدة يستوي أمامها الناس جميعهم، فيه من المرونة وإمكانية الاستيعاب والتفريع مع المحافظة على القصد وسلامة الاتجاه، ما يواكب العقول البشرية في تفتحها على سنن الله في خلقه وتسخيره لهم ما في السماوات وما في الأرض وليس غير الاقتصاد الإسلامي يستطيع أن يحقق هذه الغاية، لأنه لا يتعارض في خصائصه مع الجهد العلمي الذي حصلت عليه الإنسانية خلال تطور تاريخها الحديث. لقد أخذ بعض المفكرين الأوربيين يدركون هذه الحقيقة أيضا، ويلمحون إليها معترفين بأن مفاهيمهم لا تتفق مع طبيعة العالم الإسلامي... واذكر كمثال على ذلك (جاك اوستروي) فقد سجل هذه الملاحظة بكل وضوح في كتابه (التنمية الاقتصادية في الإسلام) أو (الإسلام في مواجهة التطور الاقتصادي) إن اتجاه إنسان العالم الإنساني إلى السماء لا يعني بمدلوله الاصيل استسلام هذا الإنسان للقدر واتكاله على الظروف والفرص، وشعوره بالعجز الكامل عن الخلق والابداع، بل إن هذا الاتجاه لدى الإنسان المسلم يعبر في الحقيقة عن مبدأ خلافة الإنسان في الأرض فهو يميل بطبيعته إلى ادراك موقفه في الأرض باعتباره خليفة الله ولا اعرف مفهوماً أغنى من مفهوم الخلافة لله في التأكيد على قدرة الإنسان وطاقاته التي تجعل منه خليفة السيد المطلق في الكون كما لا نعرف مفهوماً أبعد من مفهوم الخلافة لله عن الاستسلام للقدر والظروف، لان الخلافة تستبطن معنى المسؤولية تجاه ما يستخلف عليه، ولا مسؤولية بدون حرية وشعور بالاختيار والتمكن من التحكم في الظروف، وإلا فأي استخلاف هذا إذا كان الإنسان مقيداً أو مسيراً ولهذا قلنا أن إلباس الأرض إطار السماء يفجر في الإنسان المسلم طاقاته ويثير امكاناته، بينما قطع الأرض عن السماء يعطل في الخلافة معناها، ويجمد نظرة الإنسان المسلم إلى الأرض في صبغة سلبية. فالسلبية لا تنبع عن طبيعة نظرة إنسان العالم الإسلامي إلى السماء، بل عن تعطيل قوى التحريك الهائلة في هذه النظرة بتقديم الأرض إلى هذا الإنسان في إطار لا ينسجم مع تلك النظرة. ولم يغب عن الشهيد الشيرازي (قدس سره) درس متناقضات الغرب ولكي يقف بمواجهة الغرب محققاً في الوقت نفسه وجهته الاقتصادية، عمد إلى ادخال قيمة الأخلاق في الاقتصاد. وكما حدد مؤشرات تنبئ (بأن الرأسمالية سوف تسقط وسوف تسقط الشيوعية العالمية.. ويندحر الاتحاد السوفياتي في يوم قريب وقريب جداً)(1).. وفعلاً انفجر الاتحاد السوفياتي من الداخل وانهار صرحه كما توقع السيد الشهيد الجليل الشيرازي قدس سره. |
لعل من يقرأ كتاب (الاقتصاد) يخرج بظن. أن كل ما جاء فيه ليس إلا مبادئ مثالية وبحدود القرآن والسنة النبوية الشريفة ولا تلبي حاجات الواقع الحياتي الذي يعيشه البشر اليوم، وانها مجرد آراء نظرية لا يمكن تطبيقها عملياً. هذا التصور يدل دلالة واضحة على مدى ابتعاد الناس جميعاً عن التعاليم الدينية بالرغم من انهم يمارسون مناسكه المختلفة ويظهرون الورع والتقوى في دور العبادة عند سماع أحاديث رجال الدين في المناسبات المختلفة. لذلك اعتقد أن الإنسان بالرغم من التطور العلمي الذي حققه، وكذلك بالرغم من التجارب السيئة التي مرّ بها، لا يزال في داخله عند نقطة البدء، النقطة التي كان عندها متأثراً بالغيبيات راغباً في استطلاعها ومتشوقاً لسماع تفاصيلها، لذا فهو لا يرى في الدين إلا القصص والأساطير التي تروي له حكايات المجتمعات الأولى، فيعطف على بعض ابطالها ويشعر نحوهم بالحب العميق ويمقت البعض الآخر الذين يتجسد في سلوكهم الشر بصوره المختلفة. ولعله من المؤكد أن هذا السلوك الإنساني قد استمر على مر الزمن باستثناء بعض الفترات القصيرة التي استطاع فيها الأنبياء وبعض من خلفائهم أن يجعلوا البشر يدركون أن الدين هو التنظيم الذي يرتضيه الخالق لحياتهم سواء بالنسبة للأحوال الشخصية أو بالنسبة لعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية. إن بني البشر عندما ادركوا ذلك وعملوا به بإيمان صادق صنعوا ما نسميه اليوم بالمعجزات وهي ليست كذلك وانما هي النتائج الحتمية لما يمكن أن يحققه الإنسان لو سلك طريق طالب العلم المخلص الذي يعمل بعلمه طالما أنه يجد فيه الخير المؤكد لحياته والسبيل الصحيح لسعادته وطمأنينته وفي هذا الصدد نورد وعد الله (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (سورة العنكبوت 29 آية 69). وكذلك قول المسيح (لو أنك عملت بما تعلم، لكشف لك الله علم ما لا تعلم) وأيضا وعد الانجيل (اطلبوا تجدوا، دقوا على الباب يفتح لكم). إن كل ما نص عليه القرآن وكل ما أوصى به النبي في احاديثه عن الشؤون الاقتصادية، يبين المبادئ الاقتصادية الرشيدة التي يجب أن يأخذ بها البشر جميعاً لتنظيم علاقاتهم ومبادلاتهم المرتبطة بتدبير امورهم المعيشية. لماذا لا يثق الناس بهذه المبادئ وينطلقون منها لتنظيم امورهم المادية؟ لماذا يعتبرون هذه المبادئ مثاليات لا يمكن تطبيقها عملياً؟ لماذا يأخذون بغيرها من المبادئ بالرغم من أنها تقودهم إلى ابواب مغلقة لا يمكن أن ينفذوا منها إلى سعادتهم الحقة؟ إن اجابة هذه الأسئلة تكمن في نفس الإنسان الامارة بالسوء الذي يتمثل في أنانيته وحبه للعنف والسيطرة والتملك الظالم. وبقاء هذه الغرائز متأصلة في نفس الإنسان يدل بوضوح على أن رجال الدين قد فشلوا في تأدية واجبهم نحو توعية البشر لحقيقة دينهم، وأنهم اختصروا على اظهار براعتهم في مناقشة الغيبيات ورواية القصص والأساطير، وأن أجهزة التعليم قد أهملت واجبها الأساسي نحو تربية الأطفال والشباب تربية دينه كاملة، وان الاسر قد أنجرفت في تيار المادية فكانت نموذجاً فاسداً للناشئين، وبكلمات أخرى اصبح الإطار الاجتماعي العام الذي تنتظم حياة البشر على اساسه لا علاقة له بأية قيم دينية. لقد أوضح الشهيد الشيرازي (قدس سره) أن النصوص الاقتصادية الإسلامية لا يمكن أن تحقق اهدافها في تنظيم العلاقات الاقتصادية للبشر تنظيماً عادلاً ورشيداً إلا إذا طبقت ضمن إطار إسلامي عام يقوم على قيم اخلاقية اسلامية وعلاقات اجتماعية اسلامية وطموحات اسلامية تأخذ في الاعتبار التوازن بين ما يستطيع الإنسان أن يحققه في دنياه وما يجب أن يتركه لآخرته. يؤكد الشهيد الشيرازي (قدس سره) أن كل شيء في الدين الإسلامي واضح وسهل، ولا يحتاج الأمر إلا إلى التذكير والسعي المتواصل ودون التعقيد في الأمور للأخذ به وترسيخه في نفوس البشر. إن كتاب الاقتصاد للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس الله سره) تاريخ وثقافة ومنهج علم وعمل اقتصادي إسلامي يحس القارئ أنه أمام علم وراف كدليل طريق.
|
1 - كتاب الاقتصاد: للسيد الشهيد الشيرازي(قدس سره)، ص236. |