2000

تموز

1421

ربيع الثاني

47

العدد

النبأ

مجلة

 

 
 
 

العمل الإداري..

 
 

من التفويض إلى فريق العمل

 
 

[email protected]

فاضل الصفّار

معالجة الأزمة

المشاورات وحلّ المشاكل

نحو فريق العمل

إدارة الآخرين

أدوار أخرى للمدير

فهم تصرفات الآخرين

مهمات أخرى

عرّف المتخصصون الإدارة بأنها: القدرة على اتمام عمل ما بواسطة الآخرين وهذا التعريف في التحليل المنطقي يعرّفها بأنها:

1ـ قدرة واستعداد ذاتي أو مكتسب ينبغي توفرهما في كل مدير.

2ـ أنها لا تتقوم بشخص المدير أو قابلياته الذاتية بل لابد لها من اذرع وقنوات حتى تكتمل مقومات العمل الإداري هذا من ناحية الشكل والهيكل وأما من ناحية المحتوى والمضمون فإن العمل الإداري يبقى ناقصاً ما لم تكمّله عوامل أساسية أخرى.. فإنّ الإدارة ليست تعاطياً مع آلات ومكائن بل هي فن التدبير وحسن التعامل مع الناس في خطوات متتالية للوصول إلى الأهداف المرسومة.

وللتعاطي مع الناس بطريقة لائقة ومحسوبة لابد من الالتفات إلى النقاط التالية:

1ـ النجاح في اختيار الأشخاص المناسبين للعمل.

2ـ التخطيط والسعي الحثيث إلى تدريبهم وتشجيعهم على المنافسة في أداء الأدوار.

3ـ تقييم أعمالهم والنفوذ إلى شخصياتهم ومعرفة طريقة تصرفهم في الفعل وردّ الفعل والعوامل التي تدفعهم إلى هذا العمل أو ذاك.

إنّ هذه المكوّنات في المجموع تكوّن الرؤية الصائبة للمدير وتساهم في إنجاز أعماله بطريقة ناجحة عبر إدارة متكاملة وفعّالة.

وقد كان الحديث في العدد السابق عن طريقة فاعلة للإدارة الناجحة.. وتلك هي تفويض الأدوار والمهام وهناك طريقة أخرى ربّما تكمل تلك. وتطوّرها.. وهي تشكيل فريق عمل فاعل يبدل مهمّات الإدارة من العمل الفردي إلى الجماعي كما يحوّل الإدارة إلى مؤسسة قائمة بالمجموع لا بشخص أو أشخاص... لأنّ تفويض الأدوار يساهم في تمشية الأمور من جهة كما يساهم في بناء كادر جديد ويرفع من مستوى الأفراد العاملين من جهة ثانية وثالثة ومن الواضح أن الحفاظ على المستوى التصاعدي للأفراد والسعي الحثيث من أجل الحفاظ، على حماسهم واندفاعهم نحو العمل يتطلب أن نفتح لهم مجالات اوسع وأفضل في ممارسة الأدوار بحريّة أكثر ومساهمة أكثر فاعلية في القرار الإداري..

ولعلّ أفضل طريقة لهذا هو اسهامهم في فريق عمل يقوم برسم الخطط وفي نفس الوقت يشرف على التنفيذ..

ومن هنا تتجلّى أهمية الاختيار المناسب والتنمية والتدريب بل ويظهر أثرها على قرارنا الفعّال..

نحو فريق العمل

لقد أثبتت التجارب المختلفة ـ على صعيد الحكومات أو التجمعات والمؤسسات ـ أن فريق العمل هو أكمل صيغة لإنجاز الأعمال سواء السريعة والطارئة منها أو الجذرية الدائمة.. لذلك يتخذه الجميع أسلوباً ناجحاً في مختلف الأصعدة وهو ما يعبّر عنه في العرف الديبلوماسي الهيئة أو اللجنة وفي الاصطلاحات السياسية بالكتلة أو الجماعة أو الفريق وفي الاصطلاح العسكري باللجنة المشتركة ويقيمون لها غرفة عمليات وحتى في المباريات الرياضية فان المجاميع تشكل فرقاً والفريق المتعاون اقدر على الفوز وكسب النتيجة.

ولعلّ من أبرز النقاط الجوهرية التي تشكّل فريق العمل ثلاثة:

1ـ الهدف المشترك.

2ـ المصلحة المشتركة.

3ـ المهام المشتركة.

ولا يمتنع أن تجتمع كلّها أو بعضه في تشكيل الفريق.

ولعلّ الكثير من المدراء يشكّلون لهم فريق عمل من أجل تسيير الأمور وتدبيرها.. إلا أنّه تبقى معاناتهم شديدة في الوصول إلى الفريق الأفضل تماسكاً والأكمل دوراً.. وللحصول على فريق عمل متماسك على المدير أن ينظّم توزيع الأعضاء حسب الكفاءة والاستعداد لكلّ منهم وفق التسلسل التالي.

1ـ القائد.. وهو الشخص الذي يدفع الفريق نحو التقدم لإنجاز الأعمال في الوقت المناسب. وهو قد يكون شخصاً واحداً وقد يكون جماعة أو لجنة قياديّة.. ولعل ما ورد في الخبر عنهم(ع) (إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم) يشير إلى هذه الجهة ولو في الجملة فانه لابد لمسيرة العمل من أن تمشي وتتحرك والحركة لابد لها من محرّك والمحرك هو الذي يتولى زمام التوجيه والقيادة سواء كانت مهمته بالتعيين أو بالواقع والتصدي للعمل..

نعم، من اللازم مراعاة الجهات المعنويّة والفنّية في الموقع القيادي من الوجاهة والاعتبار والمهارة القياديّة والقدرة على الدفع والاقناع والشجاعة والقدرة على القرار. فربّ قائد يتّسم بالمعنوية أكثر ممّا يتّصف بالمهارة والفن وربّما بالعكس ومن الواضح انّ القيادة الأكمل هي التي تجمعهما معاً وهنا قد يتعذّر علينا وجدانها في شخص واحد لذا فإنّ الجماعة الجامعة للقدرتين معاً هي الأكمل دوراً..

2ـ الأذرع والمساعدون وهم الذين يقومون بتبنّي القيادة وحماية قراراتها وأداء الأعمال وفق الخطّة المرسومة.

3ـ المفكّرون.. وهم أولئك الذين يرتقون بمستوى الأداء ويسلكون طرقاً فريدة لإنجاز الأعمال. وفي بعض الأحيان يضعون خططاً بارعة للاداء التكتيكي أو الاستراتيجي.

4ـ المصلحون وهم الذي يهتمّون بعلاقات الفريق الداخليّة ويحلّون المشاكل ويحفظون الحماس أو يزيدونه في نفوس الأعضاء وبالتالي فهم الذين يحافظون على التماسك الداخلي بين أعضاء الفريق.

5ـ الرابطون.. وهم الذين يوجدون جسور الربط والتنسيق والتكامل مع المؤسسات والجماعات الأخرى..

فانّ من الواضح.. أنّ العمل الناجح لا يتقوّم بقدراته الداخلية فقط بل لابدّ وأن يحفظ نفسه بحماية خارجيّة وبمستوى جيّد من الثقل والاعتبار في صفوف المنافسين بل انّ العمل الناجح بحاجة إلى الصعود المستمر فانّ المراوحة في المكان أو المستوى تعد خسارة وتراجعاً بمرور الزمن لانّ سير الزّمان تصاعدي فمن لم يتطوّر معه يكون في تراجع (فانّ من تساوى يوماه فهو مغبون ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون) أي مطرود من الرحمة والتوفيق كما فسّره بعض العلماء ومن هنا فإن كل مؤسسة من المؤسسات بحاجة إلى المزيد من التكاملية والتنسيق من أجل سد الثغور ورفع النواقص وحلّ الأزمات وهذا ما يتوقّف على إيجاد روابط وعلاقات جيدة مع الآخرين في الخارج وعلى فريق عمل يقوم بإنجاز المهمات في الداخل..

إنّ تحديد المواهب والقدرات المختلفة وتوزيع الأدوار والمهام على جماعة من الناس للعمل بفعّالية وحماس يساعد في إنشاء فريق عمل متماسك يتكامل فيه دور القائد والمفكّر والعامل بشكل كبير.

المشاورات وحلّ المشاكل

لا تكتمل مهمّة المدير الفعّال بتشكيل فريق العمل وتوزيع الأدوار ما لم يقم بمهمة أخرى في غاية الأهميّة وهي المشاورات وحلّ المشاكل.. وفي الغالب يصاب العاملون بأزمات نفسيّة أو إداريّة قد تسبّب لهم الفتور في الهمم وقلّة الحماس أو الانسحاب من العمل نهائياً وهذا أمر ينبغي أن يتداركه المدير الماهر قبل أن يستفحل فحين يمنى الأفراد ببليّة أو أزمة يلاحظ عليهم ظهور بعض التغيّرات في السلوك الفعلي أو الانفعالي وتبدو واضحة من خلال تعاملهم مع الآخرين.. وإن كانت تختلف في مظاهرها من فرد لآخر.. فالبعض ينتابه اليأس والإحباط والبعض الآخر يميل إلى الانعزال والانطواء والبعض الآخر تبدو عليه بعض المسحات الانفعالية العنيفة فيتفجّر غضباً بين آونة واخرى كما أن الفرد الهادئ والمستقر أكثر يبدأ بالانسحاب عن العمل شيئاً فشيئاً فإن لم يجد الحلّ إليه طريقاً فانّ انسحابه يكتمل.

ومن هنا يبدأ الدور المهم للمدير الفاعل.. يبدأ من رصد هذه الحالات النفسيّة والسلوكيّة للأفراد أوّلاً ثم تحديد المشكلة وأسبابها ودوافعها ثانياً ثم العمل على معالجتها بشكل هادئ وسليم ثالثاً..

إنّ تحديد المشكلة الأساسية التي تقف وراء سلوك الأفراد الانفعالي من أهم الخطوات التي تنتهي إلى حلولها.. والمدير الحكيم هو الذي يبدي تعاطفاً مع الفرد لدى معرفته بالمشكلة ثم يفتح أمامه باب الحوار والمشورة لمعرفة الأسباب والدوافع التي أدّت به إلى المشكلة..

فانّه بهذا الأسلوب يكون قد أشعر الفرد بأنّه مهتم به وبمشاعره وبأزماته وهذا أمر في غاية الأهمية لأنه يعود عليه بالمزيد من الرضا والمحبّة والاستقرار وفي نفس الوقت الذي يكون قد اختصر مسافات طويلة للاهتداء إلى الحلّ المناسب فإن أصحاب الأزمات هم أفضل من يقدر على التعبير عنها وشرح أسبابها وكوامنها في الغالب. إذ لا يؤلم الجرح إلا من به ألم.

إذن فلنأخذ وقتنا وجهدنا ونحن ندير الأعمال ونبدي المزيد من المتابعة والرصد للعاملين معنا من أجل إدارة أفضل.

معالجة الأزمة

ثم بعد ذلك تبدأ الخطوة الثانية في اتباع طرق المعالجة.. ولعلّنا نلخّص بعض هذه الطرق في أمور..

1ـ تحديد المشكلة والسعي لاكتشاف الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها.

2ـ مساعدة الواقعين فيها بإلفاتهم إليها ثم اشعارهم بالمزيد من اهتمامنا بهم من أجل وصفها ثمّ مشاورتهم لأجل الاهتداء إلى الحلّ الأنسب.

3ـ وربما يكون إيجاد الحلول المؤقتة التي تساعد على حل المعضلة بشكل تدريجي أمر مهم بعض الأحيان فإن الأزمات والمشاكل نوع من الأمراض وإن اختلفت في الأسباب والمظاهر.. والأمراض تعالج بالتدرج لا بالمفاجآت ولا تنسى أن العافية بالدرجات على ما يقول المثل.

قد يتصوّر البعض أنّه غير مسؤول عن حلّ مشاكل الآخرين.. وربّما يتصور البعض انّ الاهتمام بالآخرين يعد نوعاً من التطفّل أو التدخل في شؤونهم الشخصيّة إلا أنّ الإسلام والقيم الإنسانية ترفض هذا النوع من التصوّر.. فإنّ المسلم أخ المسلم يهتمّ به ويرعاه ومن حقوق المؤمن علىالمؤمن أن يعمل من أجل قضاء حوائجه وكشف كرباته والتنفيس عن همومه وغمومه ومن نفس كربة لأخيه المؤمن نفّس الله سبحانه كربته يوم القيامة أليس كذلك؟

فكيف به إذا كان المؤمن رفيقاً في الدرب وشريكاً في الهدف؟

فإذا كنت مديراً لا تنسى أن من الأولويات في سياسة المدير الناجح هو معالجة المشاكل لأنك إن لم تقم بذلك لن تتمكن من انجاز أعمالك ولا تحقّق طموحاتك مثلما تحب وتريد.

ومن هنا نذكر.. أن فريق العمل لا يكتمل دوره بشكل فاعل ما لم نعطه المزيد من الاهتمام في حل مشاكل أفراده ورفع معرقلاته.

فهم تصرفات الآخرين

ونؤكد هنا.. بأن معالجة مشاكل الآخرين يتطلّب منّا فهم تصرفاتهم بشكل منطقي ومنصِف.. ونسميّه (منصف) لأنّ كل شخص يرى الدنيا بطريقة قد تختلف عن الآخرين.. وربّما يفسّر الأمور تفسيراً مغايراً وهذا أمر طبيعي لأنّ الرأي الشخصي لا يأتي من الغيب بل تتدخّل جملة من العوامل والأسباب في تكوينه فكلّ شخص يرى الأمور حسبما هو عليه من الشخصية والتجارب وربّما المزاج وهذه أمور بطبيعتها تملي عليه موقفه وسلوكه الخاص، وإنّ من أبرز سمات الإدارة المميّزة هو فهم نفسيّات الناس ومعرفة كوامنهم الذاتية فانّ هذا من شأنه أن يعيننا على اقتلاع جذور سوء الظنّ أو فهم الآخرين من منظار سلبي.. فإن اعرف الناس من عرف الناس وخبر كوامنهم..

إنّ من أكثر الأمراض انتشاراً في الأوساط الإدارية سوء الظن بالآخرين أو سوء فهم تصرفاتهم..

ولابدّ لكل مدير من أن يعالج هذا المرض في نفسه أولاً ثم في نفوس معاونيه من أجل أن يحفظ المزيد من التماسك والتعاطف والحماس.. وأوّل طريق نسلكه في هذا محاولة فهم الآخرين بطريقة منصِفة ومتعادلة بلا إفراط ولا تفريط..

ولكي نتمكن من هذا السلوك المعتدل علينا معرفة الأسباب التي تجعلنا نسيء فهم الآخرين.. ولعلّ الأمثلة تقرّب لنا الكثير من الأمور في هذا الاتجاه مثلاً.

* قد نسيء فهم الآخرين عندما ننظر إلى الأمور من خلال ما نحن نريد ونتوقّعه فقط متناسين ما يريده ويتوقعه الآخرون.

* وربما نتسرّع في الاستنتاج من تصرفات الآخرين فنحكم عليهم بالسوء مع قلة المعلومات المتوفرة بأيدينا لتحليل سلوكهم بشكل منطقي ودقيق.

* وربما للنّظرة الشخصية تأثير كبير على الحكم على الأشياء والأمور العامّة. كما أن للانعزال أو لقلة الحوار مع الآخرين دوراً كبيراً أيضاً في إيجاد الفهم السيء تجاههم.

وعليه فإن كنّا نرغب في فهم الآخرين وانصافهم في الحكم وبالتالي كسب ودّهم وتعاطفهم ومعالجتهم بشكل ايجابي وفعّال علينا أن نحسن الظن بهم ونسعى حثيثاً من أجل فهم تصرفاتهم وتقدير مشاعرهم ومواقفهم.. والحلّ يكمن في خطوات:

1ـ بدلاً من أن نحكم عليهم أو نحصر رؤيتنا فيما نريده نحن فلنضع أنفسنا مكانهم وننظر إلى الأمور.

2ـ أن نخوض معهم حواراً مباشراً ونستمع إليهم بدقّة واهتمام فإن الحوار كفيل بإزالة الكثير من الغوامض والابهامات في الغالب.

3ـ أن نبدي اهتماماً بوجهات نظرهم ونسعى لفهم ما يريدون.

4ـ أن نحاول النظر إلى الأمور من منظارهم هم لا من منظارنا كطريق للتفاهم معهم.

فعندما نعي سبب تصرّف الآخرين بطريقة معيّنة نتمكّن من مشاركتهم آرائهم تلقائياً وبالتالي نتجنّب التسرع في الحكم على الأمور أو الجزم بالآراء الذي يعود علينا في كثير من الأحيان بسوء الفهم أو سوء الظن.

ولنعلم انّ اصعب شيء في معالجة الآخرين هو دفعهم إلى تغيير تصرفاتهم السيّئة والاصعب منه هو تحويلها إلى تصرفات إيجابية بنّاءة فإنّنا بهذا نكون قد حوّلنا الهزيمة إلى نصر والتراجع إلى تقدّم.. أو قل حوّلنا الاواصر المفككة إلى فريق متماسك ومتعاطف.

وبامكاننا الوصول إلى هذا إذا أجهدنا انفسنا بالنظر إلى الأمور بعقلية منصِفة وبمنظار معتدل يراعي الآخرين ويتفهّم مايريدون.

وإذا أردت أن تعرف مدى مهارتك الإدارية في توجيه الآخرين ودفعهم إلى الإمام هناك أسئلة يمكن أن تطرحها على نفسك.. وأنت تمارس دورك:

* هل أفهم أهميّة اختيار الرجال المناسبين؟

* هل أقيّم أعمالي وأفرادي من أجل دفعهم نحو الأفضل؟

* هل أدرك أنّ العمل الجماعي عبر ـ التفويض ثمّ فريق العمل ـ هو أفضل طريقة للإدارة الناجحة؟

* هل استمع إلى مشاكل الآخرين واسعى لحلّها؟

* هل أقدّر وجهات نظرهم واحترم مشاعرهم وهل أسعى لفهمهم؟

فإنك إذا عرفت أن عملك يتقوّم بفريق عمل متماسك وفعّال وعرفت كيف تفهم الآخرين واستطعت أن تدخل إليهم عبر فهم وجهات نظرهم تعرف أنّ إدارة الناس من أروع الأعمال الجبّارة وأكثرها لذة وحلاوة.

أدوار أخرى للمدير

كلنا يعلم أن الإدارة ثمرة من ثمار العقل المختمرة بالتجربة.. والإدارة البنّاءة تعتمد على الكيفية التي تتصرّف فيها لتسيير الأمور.. وهنا ينبغي أن نذكّر ثانية بأن الشخصية الذاتية للمدير لها الأثر البارز في حياة فريقه ومعاونيه.

ومن هنا فانّ أول مظاهر الإدارة ينبغي أن تظهر على الشؤون الشخصية للمدير إذ ليس من المعقول أن ندير الآخرين في الوقت الذي نعجز عن إدارة أنفسنا فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون.

ومن هنا يقولون: انّ أول بوادر قدرة المدير وحنكته تظهر في مظهره الشخصي وسلوكه اليومي.

فليست الإدارة تتوقف عند التعاطي مع الناس وإدارة أعمالهم.. بل تشمل حتى الاهتمام بشؤونك وخصوصيّاتك.

فإذا لم نعط لأنفسنا الوقت الكافي للاهتمام بأنفسنا وشؤوننا الخاصّة فإنّا لا نجد من يهتمّ بنا في الغالب وهناك عدّة أمور ينبغي أن نقسّم الوقت عليها حتى نحفظ لأنفسنا سلوكاً متوازناً وناجحاً منها ـ على سبيل المثال ـ:

* تحديد الأشياء التي نود القيام بها والأخرى التي نطمح في الوصول إليها.

* الاهتمام بأنفسنا من حيث الشكل والتنظيم والتفكير والمحاسبة المستمرين والضبط لخطواتنا وعلاقاتنا.

* أن نعيش حياة متوازنة ومعقولة.

إن أهم شيء يتجلّى في حياة المدير الناجح هو إقامة التوازن بين العمل والراحة حتى يتمكن من الاستمتاع بالاثنين معاً.

صحيح انّ الزهد مطلوب بل هو كمال لكلّ إنسان كما أنّ الاهتمام بالجذور هو الآخر كمال يضاف إلى مراتب كمالات البشر إلا أن الغالب من الناس لا يقدرون على التجرّد من شواغل الجسد وهموم الدنيا والحل الأمثل فيه هو الجمع بينهما معاً بطريقة متوازنة بلا إفراط ولا تفريط ولعلّ قوله سبحانه: (وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)(1) يشير إلى هذا. ومن هنا فإن من الإفراط الانشغال في هموم العمل تاركين وراءنا حياتنا الخاصة بلا نظم ولا توازن.. فانّ هذا يخرجنا عن التوازن وفي بعض الأحيان يكون ظلماً لمن يعيش معنا ويشاركنا الحياة في الأسرة والعائلة والعلاقات العامة كما أنّ من التفريط الانشغال بهمومنا اليومية وحياتنا الخاصة على حساب العمل والانجازات الأهم.. لأنه ظلم أيضاً من جهات أخرى وفي بعض الأحيان يكون أفظع. ولا ننسى أن الطابع الشخصي للمدير ينعكس في الغالب على جماعته ومعاونيه أيضاً فالمدير المنظم أقدر على خلق فريق عمل متكامل ومنظم والعكس صحيح أيضاً وعليه فإنّنا إذا أوجدنا توازناً معقولاً بين الأمور الشخصيّة والادارية نكون في افضل حال كما سيكون العاملون معنا في راحة وطمأنينة ولا ننسى أن الإدارة تعتمد على الاستفادة من الوقت لأكثر درجة ممكنة.. ويقول بعض الحكماء: (توزيع الوقت توسيعه) وعلينا أن ننجح في تحديد أولوياتنا اليومية والاسبوعية والشهريّة حتى نضمن نجاحاً باهراً في الصعيدين الشخصي والاداري معاً.

ولعلّ هذا يتم عبر امضاء بعض الوقت في الأمور التالية:

1ـ توزيع الوقت خلال اليوم بطريقة تجعلنا ننتفع منه لأقصى درجة ممكنة في البعدين الشخصي والعملي.

2ـ اكتشاف الأعمال التي تسبب لنا ضياعاً في الوقت دون فوائد.. ونكون أكثر حزماً إذا تمكنّا من ايقافها عند حدّها.. وجنّبنا أنفسنا الوقوع فيها.

3ـ اكتشاف الأوقات التي تهدر منّا رغماً عنّا والسعي لإملائها بالنافع والمفيد مثل: مشوار الطريق إلى العمل أو البيت، مراجعة الدوائر التي تتطلب المزيد من الانتظار، ركوب الطائرة أو القطار ونحوها.

إن البعض يملأ وقته بالمطالعة في أمثال هذه المجالات إلا أن هذا ليس متيسّراً للجميع ولا ممكناً دائماً ويمكن أن يشغله الإنسان بالتفكير في قضايا هامّة أو التخطيط لعمل مهم.. ويمكن ملئه بالاتصالات عبر الهاتف الجوّال أو التحدّث إلى زميل في أمور مهمّة ونحو ذلك.. فانّنا إذا حسبنا مقدار الوقت المهدور رغماً عنّاً لوجدناه كثيراً وربّما يحصي فترة طويلة من عمرنا فما لم نجهد من أجل استثماره في الايجابي فانّه سوف يهدر في السلبي.

4ـ برمجة الوقت وتوزيعه على الأدوار والمهمّات لتخصيص فترة جيدة للتفكير بالمشاريع المستقبليّة أو الاجتماعات الدوريّة أو اتخاذ قرارات فيما يتعلّق ببعض الأمور.. فإن الوقت كالسيف لانك إن لم تقطعه بالنافع قطعك.. كما في مضمون الرواية الشريفة.

5ـ وإذا شعرنا أن الإدارة مهمّة مستحيلة أو صعبة فقد يكون السبب في ذلك عدم ادارةشؤننا بطريقة إيجابية اولأنّنا نقوم بكلّ شيء بأنفسنا بدلاً من تفويض الأدوار إلى الآخرين. لذلك لنمضي بعض الوقت في إدارة شؤوننا الخاصة لكي يستفيد الجميع تلقائياً عبر انتظامنا واتزاننا نحن.. إنّ الانتفاع من الوقت من كبريات الأمور التي في الغالب نغفل عنها فمن الضروري أن نتذكّر أن الحياة ليست كلّها عمل.. بل على المرء أن يرتاح ليتمكّن من الانطلاق بروح نشيطة من جديد..

فإنّ للنّفس إقبال وإدبار.. وعلى المؤمن أن يتزوّد في فترات الإقبال ويقلّل في فترات الإدبار.

إدارة الآخرين

ولنعرف دائماً: إنّ موقفنا من الآخرين هو موقف محوري في الإدارة لأنّ الإدارة عبارة عن انجاز الأعمال عن طريق الناس.. وقد نبنيها على فكرة مغلوطة فنكون سلبيّين في تعاملنا مع الآخرين معتقدين انّ العمل أمر مكروه لذا ينبغي أن نفرض أنفسنا على الناس بالقهر والصرامة حتى نحصل على الإنتاج المطلوب!! كما انّ بإمكاننا أن نبنيها على فكرة ايجابيّة صحيحة بحيث نستقر في قلوب العاملين معنا ونجدهم متشوّقين إلى العمل والمساهمة فيه بجديّة واخلاص.. ولدينا الخيار الكامل لننتخب الموقف الذي نريده في التعامل مع الآخرين فالعلاقات السليمة تقوم على الاحترام والمصالح المشتركة وتتخذ طابعاً ايجابياً متوازناً بينما تقوم العلاقات السلبيّة على الرّهبة والسيطرة فتفقد الثقة والاخلاص والمحبّة.

اذاً الاستفادة من الوقت تساعدنا في انجاز أعمالنا الضرورية على الصعيدين الشخصي والاداري ووفق الأولويات، كما أن الاهتمام بالآخرين هو الآخر طريق للاستفادة منهم ولذا فمن المهم أن نعتمد اسلوباً ايجابياً إن كنّا نطمح إلى تحقيق أهدافنا عبر إدارة متوازنة وفريق عمل متماسك وفعّال ولذلك فلنسأل أنفسنا ونحن ندير الأمور:

* هل أعرف كيف أوزّع وقتي بالتحديد؟

* هل أوزّعه بطريقة متوازنة؟

* هل أنا ايجابي في التعامل مع الآخرين؟

* وبالتالي.. هل أنا استمتع بأدواري الإدارية؟

وسنعرف إننا في حال افضل إذا:

* شعرنا بأننا نؤدي مهماتنا التي يتوجب علينا القيام بها.

* شعرنا بأننا ندير أنفسنا وشؤوننا الخاصة.

* تعرفنا على الأشياء التي تهدر أوقاتنا وتضيع جهودنا.

* وزعنا أوقاتنا بشكل منطقي متوازن.

* حسّنا علاقاتنا بالآخرين.

* استمتعنا بالادارة..

مهمات أخرى

وتبقى الإدارة عملية شاقة وفن جامح ويتطلب منا المزيد من الدقة والعناية والتدبير.

فأن الأمور لا تجري دائماً مثلما نريد بل أن كنت تتوقع أن سير الأمور يمشي حسب خطتك دائماً فهذا تصور مغلوط.

فإن هناك أمور نحدث لم تكن بالحسبان قد تغيّر مجرى الأمور على خلاف ما نريد لذلك فإن الأفضل في هذه الحالة أن نواجهها بشجاعة وحكمة ومشاورات من اجل معالجتها بحنكه ومهارة متقبلين التغيرات التي قد تطرأ في أي وقت.. فإننا أن لم نفعل هذا سيفوتنا القطار وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

فإن الإدارة جزء مهم من الحياة يصعب الاستغناء عنه.. وهي تقوم على الانتفاع من الموارد البشرية والفكرية المتوفرة لدينا سواء كنا ندير منزلاً أو نزاول اعمالاً كبرى..

وإذا لم نتمكن من الإدارة الجيدة سنمضي وقتاً طويلاً وثميناً ونبذل جهوداً كبيرة من أجل حل المشاكل أو التكيّف معها لنتخلص أو نتهرّب منها.

ولكي نتمكن من الوقوف أمام كل ذلك عليك أن تدير كل شيء بطريقة سليمة بدلاً من أن نخوض في هوامش الحياة محاولين القيام بالأمور الصغيرة خوفاً من المهام الصعبة.

1 القصص/ الآية 77.

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 47

الصفحة الرئيسية