معالم علم النفس 

في القرآن

   
   
   

الاكتئاب والعلاج القرآني

   

د علاء الدين القبانجي

تمهيد

لم يكن علم النفس يوماً وليد النهضة الأوربية كما يقال، ولم يكن على الإطلاق أحد إفرازات الحضارة الغربية، ولكن شاء الكثير من الباحثين في علم النفس أن يتركوا أو يتناسوا التاريخ والغور في معالم النفس البشرية ولربما مالوا كل الميل ولا نقول بانحيازهم كل الانحياز إلى ما كتب حديثاً وتسهلت طباعته وتيسر نشره، ولم تكن تهمهم تلك الجذور النفسية الموجودة في خضم الفكر القرآني والحضارة الإسلامية والتي تأصلت لتبني الإنسان الذي يستطيع معالجة أعتى وأشد أمراض الكهولة والشيخوخة وسن اليأس النفسية وبدوافع ذاتية دونما استخدام للحبوب المهدئة أو استسلام للعقاقير المحرّمة على الرغم من أنها قد تزرع السرور والحبور في النفس لفترات قصيرة. كما لم يكن يهمهم الرجوع إلى الجذور القرآنية التي تمثل أساس علم النفس الإسلامي منذ أيام النزول الأولى.

في الحلقتين السابقتين (1)، (2) النبأ العدد 43 والعدد 45 تطرقنا إلى بعض من معالم علم النفس في القرآن الكريم وتحت منظار النفس الهلوعة، وهيت لك، وإن بعد العسر،...

في هذه الحلقة سنتحدث عن الاكتئاب فقط، إذ انه المرض المزمن لجميع أفراد البشرية ولربما في كافة مراحل حياتهم وليس بعضها، ولئن كان مرض الإيدز الذي أقام الدنيا وأقعدها يصيب بعضاً من البشرية فإن مرض الاكتئاب يشملها كلها وهو من الأصالة في النفس كأصالة النفس في البدن ووجودها.. ولا غرو إذا وجدنا الله جل وعلا خص في كتابه المجيد كل تلك العناية والعلاج للنفس الكئيبة.

والحقيقة إن تراجع علم النفس القرآني في كتابات وتفاسير الأولين لم يكن متأتياً من قصور في علم النفس ذاته أو علاجه بل كان لقصور في أقلام المفسرين وباعهم الذي غالباً ما يقتصر على الفهم اللغوي والسرد التاريخي للعلوم القرآنية من دون تحليل.

الاكتئاب

إحساس يكون فيه الفرد نهباً للشعور الداخلي السلبي والفشل وخيبة الأمل، واختفاء الابتسامة والحبور والانشراح، وظهور العبوس وعدم الابتهاج والأسى الممزوج بالآهات والتنهدات بدون مبررات جسمية أو بيئية وفقدان الهمة والتقاعس عن الحركة والعزوف عن بذل أي نشاط حيوي ولربما العزوف عن الحيوية والحياة بكاملها. ولربما يتصاعد الاكتئاب وذلك الإحساس ليصل إلى مراتب اليأس من فرص الحياة الطيبة في المستقبل والنظر للأمور بمنظار قاتم متشائم إذ يصبح عندئذ كل جهدٍ ممقوتاً وكل طاقات الجسم مفقودة مبعثرة وكأنها نضبت حتى عن تحفيز الجسم للقيام بأبسط الحركات والنشاطات كالاستحمام وغسل الفم والأسنان وحتى الابتسام والسلام الضروريين إذ يشعر الفرد معه عندئذ بحاجة لذرف دموع الحزن والأسى بدون سبب ويود لو أنها تنزلق من مآقيه على الرغم من عدم وجودها.

والاكتئاب تراجع في الفكر وضمور ينتهي في الفراغ الحاصل فيه ليشلّ الدماغ والخلايا العصبية فيه عن ممارسة دورها السليم في التحليل والتمييز وإصدار التعليمات لباقي أعضاء الجسم وغدده لإفراز أنزيماتها الوظيفية المعتادة مثل مادة الأمينات الأولية (monoamines) والتي تعمل بمثابة الزيوت التي تيسر التفاعلات المتنوعة والمتعددة الخاصة بالانفعال والفرح والحبور والتي تنقص عادة بالمخ في حالات كثيرة ليصاب الإنسان بالاكتئاب علماً بأن ازديادها يسبب الفعل العكسي وهو الهياج وكثرة الحركة والسعادة المفرطة المؤقتة.

ومن هنا نجد مصاحبة بعض الأمراض الفسيولوجية لهذا المرض النفسي مثل القرحة وسوء الهضم ووجع المفاصل والصداع والأرق... وغيرها الكثير. إن أهمية العلاج النفسي القرآني للاكتئاب يتمثل في كونه البديل المناسب لمئات من أنواع الأدوية والعقاقير المهدئة التي قد يتعود عليها الجسم فتكون مرضاً أدهى وأمر من الاكتئاب ذاته ولربما تتدهور الحالة النفسية ليصل الاكتئاب إلى أعلى درجات الحزن وفراغ الفؤاد والهلع والخوف المشوب بالهستريا ومحادثة النفس بشكل يوحي بالجنون الناتج عن ضغوطاته والحقيقة إننا لا نتكلم هنا عن الاكتئاب السريري أو الناتج عن ضغوطات الحياة اليومية والخوف والإرهاب والمرض والحزن المصاحب لوفاة عزيز... إذ أن هذا النوع من الاكتئاب كثيراً ما يزول بزوال علته وانتفاء سببه ولو بعد حين وعادة ما يكون هذا النوع من الاكتئاب قصير الأمد سهل العلاج. ولكن من الاكتئاب ما لا يعلن عن أسباب واضحة لإثارته ولا طرق متميزة لمعرفة وجوده فالاستيقاظ من النوم متجهماً هو أحد صور هذا الاكتئاب مثلاً. وقد يتخذ هذا الاكتئاب أشكالا مختلفة من اللوم وتأنيب النفس والتشاؤم والملل من الحياة وحتى الانتحار كما قد يحدث بصورة دورية عند الأفراد لمجرد مجابهة مشكلة بسيطة أو معضلة عابرة ومن الجدير بالإشارة هنا هو أنه مهما كانت أنواع وأشكال الاكتئاب فإنها تتميز بعدم وحدانية العلة والأسباب المؤدية للاكتئاب فلكل فرد أسباب اكتئابه الخاصة وبهذا نستطيع القول بأن الاكتئاب مرض فردي العوارض شخصي النزعة على الرغم من إمكانية تجميع الأسباب والعلل ولكنها هي الأخرى متعددة ومتنوعة وغير قابلة للحصر الدقيق فكل فرد يعبر عن اكتئابه بمشاعره وأفكاره أو سلوكه ونظراته الخاصة.

إن دراسة موضوع الاكتئاب وعلاجه يعتبر من المواضيع الهامة في علم النفس الحديث ولكن دون جدوى إذ سرعان ما تنتهي العقاقير وسرعان ما تنتهي الرياضة ويرجع الاكتئاب إلى النفس من جديد ويمكننا الجزم والتأكيد على قصور العلاج النفسي السريري للاكتئاب في الكثير من الحالات لخلوه من التشخيص الدقيق لعله الاكتئاب أو لعدم توفر العلاج الناجع وبالنهاية لا توجد حيلة للمعالجة لأن البيئة والمجتمع وسلوكياتهما لا يسمحان بالكثير من العلاجات المتنوعة الأخرى.

ولا غرو أن نجد الكثير من السلبيات المصاحبة للاكتئاب عند المعالجة أو قبلها مثل الإدراك المشوب بالسلبية والروح الانهزامية من الأحداث الخاصة الداخلية للفرد والخارجية المحيطة به، كما نلاحظ توتر العلاقات الاجتماعية نظراً لذلك وصعوبة التعامل بشكل واضح وسليم مع الآخرين وعدم تحديد معرفتهم لأسباب الاكتئاب وعدم تقدير مواقف الشخص الكئيب من جانب آخر.

أما درجات الاكتئاب فهي متعددة ولربما يمكننا تدريجها وتنسيبها للمقياس المئوي ليكون قياسها مئوياً من صفر إلى مائة بالمائة وتلك الدرجة من الاكتئاب قد تؤدي إلى الانتحار أو الجنون وهو أقسى حالات الاكتئاب.

والحقيقة التي يجدر أن نشير إليها هنا هي أن العلاج القرآني للاكتئاب بكل درجاته ومقاييسه لم يكن سريرياً بل علاجاً تحريضياً إيحائيا للفرد من دون إعلان مسبق عن وجود مثل ذلك الاكتئاب. كما أنه علاج تحريضي سلوكي للفرد يقوم به بصورة ذاتية وثابتة حتى يصل لدرجة التلقائية.

والحقيقة الثانية التي يجب أن نشير إليها هي قساوة وشدة الاكتئاب إذا كان نافراً من كل شيء حوله فعندئذ لن يجد هذا الفرد منقذاً أو ملجأ علاجياً مقنعاً إلا الانتحار وهو ما يحدث غالباً لدى الأفراد الذين لا إيمان لهم بالله واليوم الآخر.

ويصرح في هذا المجال كل من الكاتب الإسلامي الدكتور أنور طاهر رضا والدكتورة أمل المخزومي أستاذا علم النفس في كل من جامعتي قاريونس وأزمير بأن التفاوت بين درجات الاكتئاب لدى المجتمعات تتفاوت بتفاوت واختلاف درجات الإيمان بالله وقدره وقضاءه وليس من قبيل الصدفة أن نجد زيادة عدد المصحات النفسية غير السريرية في مجتمع كأوربا، مثلاً، عنه في المجتمعات الإسلامية. كما يؤكد على أن انحسار الاكتئاب عن النفس البشرية منوط بإيمانها إذ كلما ازداد التقارب والتوجه إلى الله كان الاكتئاب معدوماً أو صفراً وهذا ما يتميز به المجتمع الإسلامي عموماً عن غيره من المجتمعات الأخرى وهي نعمة من نعم الله أضفاها على عباده المؤمنين.

كما يستعرض الله تعالى في كتابه المجيد الاكتئاب ويعبر عنه بأوجهه المتعارفة كالحزن وضيق الصدر إذ قال في سورة النحل الآية 127 (ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) وقال في سورة الأنعام الآية 125 (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقاً حرجاً كانما يصعد في السماء... ). ويقول أيضاً في سورة هود الآية 12 (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك... ).

ولاهم يحزنون

الحزن هو أحد مظاهر الكآبة النفسية وانعكاس عضلي لها يرتسم على عضلات الوجه أو العيون ولو بدون بكاء وتشنج ولربما ينعكس على العاطفة أيضاً فيزيدها تأججاً لتفشي وتفضح كوامنها المكبوتة. وكثيراً ما يقترن ضيق النفس بالحزن والكآبة ويترادفا معاً فحيثما وجد الضيق وجدت الكآبة والحزن معاً وبالعكس ولقد عبر الله تعالى في كتابه المجيد وفي مواقع متعددة عن الكآبة والاكتئاب بلغة الحزن وفراغ الفؤاد وضيق النفس والصدر والسأم أو الملل والخوف إذ قال في سورة القصص الآية 10 ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لو لا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين).

إن رفع الاكتئاب والحزن المصاحب له وعلاجه القرآني من الناحية النفسية منوط بالعديد من السلوكيات الفردية الذاتية التي يحرض الله تعالى عباده على أدائها وكل من هذه السلوكيات يؤدي الغرض نفسه ولو اجتمعت في شخص لنأى عنه الاكتئاب أبدا. ومن تلك السلوكيات العلاجية النفسية التي يحرض الله تعالى عليها هي:

1. التقوى: إذ قال في سورة الزمر آية 61 (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) وقال في سورة الأعراف 7 آية 35 (فمن اتقى واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

2. الإيمان بالله: إذ قال في سورة الأعراف الآية 48 (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال أيضاً في سورة المائدة الآية 69 (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال في سورة آل عمران الآية 139 (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون إن كنتم مؤمنين) وقال أيضاً في سورة الأحقاف الآية 12 (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال في سورة الروم الآية 15 (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون).

3. الولاية لله: إذ قال في سورة يونس الآية 62 (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وأتبع في الآية 63 (الذين آمنوا وكانوا يتقون) ويلاحظ هنا الربط بين العناصر الثلاث التقوى والإيمان والولاية لله لتكون علاجاً شافياً للحزن والاكتئاب النفسي وقال في آية أخرى بلغة التبعية لله سورة البقرة الآية 38 (قلنا اهبطوا منها جميعاً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وبديهي أن نجد هذه الآية تجمع بين عناصر العلاج النفسي الثلاثة للاكتئاب ولربما تزيد على ذلك لتوحي وتقول أن عباد الله من البشرية أجمعين الذين اتبعوا هدى الله تعالى وتعليماته لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهنا نجد أن العلاج النفسي يوجه للأفراد حتى من غير المسلمين والذين يعتبرون اخواناً في الخلقة والإنسانية.

4. الاستقامة والعمل الصالح: لقد قرن الله كلاً من الاستقامة والعمل الصالح بالإيمان والتقوى لرفع حالة الاكتئاب المذكورة وذلك عن طريق الاطمئنان النفسي الذي تخلقه كل من السلوكيتين المذكورتين فالاستقامة والعمل الصالح في عصورنا هذه بحاجة إلى جهاد نفسي وقناعة راكزة وإيمان راسخ يزيد من إفرازات الامينيا الأولية في الدماغ بصورة ذاتية معتدلة لينتفي الاكتئاب ويحل الفرح والحبور بديلاً عنه.

تلك هي التوصية القرآنية الدائمة والمتواصلة لعلاج الاكتئاب النفسي غير السريري في هذه الحياة الدنيا كما تشير إليها الآيات الكريمة المذكورة سابقاً.

5. التسبيح، السجود، العبادة: إذ قال في سورة الحجر الآية 97-99 (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

ولربما تمثل العمليات الثلاث السابقة علاجاً نفسياً وعملياً سريرياً للاكتئاب الداخلي للفرد بما في ذلك من حركات جسمية منشطة للخلايا الدماغية والمتوجهة إلى الله تعالى.

إلا ليعبدون

العبادة مجملاً ليست محصورة بالصوم والصلاة والحج فقط بل أنها مجمل الحركات الموجهة لله تعالى وحده ولربما نذهب إلى اكثر وأدق من ذلك لنقول أن العبادة ليست هي مجمل الحركات فقط بل هي مجمل الحركات والتصورات الذهنية الموجهة لله تعالى فالتفكير بالله وحده عبادة والاعتكاف عبادة والعمل العلمي في سبيل الله عبادة والحقيقة يمكننا أن نقول أيضاً بأن النية الطيبة في سبيل الله عبادة وخلاصة القول إن توجه العبد إلى الله تعالى عبادة.

من هذا المنطلق يريد الله لعباده أن يتوجهوا إليه في كل لحظات حياتهم وبهذا التوجه تكون الحركة ويكون العمل الصالح ويكون الإيمان والتقوى والولاية... الخ وينتهي في خضم هذا التوجه الكبير والخالص كل ذلك الاكتئاب والحزن الذي قد ينتاب أولئك الأفراد.

العبادة هي العلاج النفسي للاكتئاب وعلى اختلاف الاكتئاب تختلف العبادات العلاجية من التوجه الخالص فقط والنية إلى النوافل وصلاة الليل وقراءة القرآن عموماً وبعض السور خصوصاً كسورة يس ويوسف ويونس والانشراح والضحى...

وقد المح الله تعالى إلى هذه العبادة العلاجية وقرنها بسلوكيات صوتية وحركية إذ قال في سورة الحجر الآية 97-99 (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

وهنا يذكر الله تعالى التسبيح باعتباره نافياً ورافعاً للاكتئاب علاوة على السجود أو الصلاة والنوافل بصورة عامة، والحقيقة إن السجود بما فيه من حركية وضغط على الجبهة يزيد من حافزية واستشعار خلايا الدماغ لتزداد بذلك إفرازاتها الأمينية، تلك الإفرازات التي تساعد على الانشراح والانبساط النفسي اثر التفاعلات الخلوية الدماغية بعد تلك الافرازات للمادة الامينية.

الخاتمة

وكلمة أخيرة هنا نسمح لأنفسنا بالخروج عن الإطار الذي رسمناه في هذه المعالم وهي أن كثيراً من البحوث العملية العلاجية للاكتئاب تشير إلى أن السباحة والأعمال المنزلية كالتنظيف وغسيل الصحون... وهي من الأعمال الحركية التي تزيل الاكتئاب إن وفق الفرد لعملها ولكننا لا نتصور أن الفرد يضل سابحاً أو غاسلاً ليلاً ونهاراً ولكن يمكننا أن نتصور العبادة بصورة دائمية متواصلة والتسبيح ليلاً ونهاراً قياماً وقعوداً وبذلك تسمو وتتفاضل العبادة على العلاجات الأخرى رغم أهميتها السريرية.

وأخيراً لابد أن نؤكد على حساسية العلاج النفسي للاكتئاب فكثيراً ما يكون الايحاء ورضى النفس وسيلة من وسائل معالجة الاكتئاب إذ يقول الدكتور خليل فاضل في حديثه عن العلاج بالعقاقير المذكور في مجلة العالم العدد 89 أكتوبر 1985 بأن مخ وعقل الإنسان يتأثر بالإيحاء ويؤمن بما يرضيه وان ما يهدئه قد يكون مسكراً أو نشاءاً وأن الألم الناجم عن جرح قاتل يمكن أن تسكّنه حقنة ماء لا لشيء إلا لاعتقاد المجروح به وإن الإيمان بالشيء يمكن أن يؤدي المستحيل وكان هذا الاستنتاج ناجماً عن تجربة لحبوب من النشا والسكر لا تحتوي على مواد كيمياوية ذات فعالية طبية تعطى للأفراد الذين يعانون من الكآبة على أنها عقاقير مهدئة أو مسكنة وكان لها نفس تأثير العقاقير الطبية لدى 90% من المصابين.

وتعال معي أيضاً إلى سورة مريم لننظر في رحاب الآيات 3-6 إلى خوف سيدنا زكريا وكآبته إذ نادى ربه نداء خفياً قال رب أني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم اكن بدعائك رب شقياً... فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا. وأخلاقية الرضا من لدن سيدنا يحيى لأبيه زكريا كانت هي العلاج النفسي للكآبة التي أصابت سيدنا زكريا علاوة على ولاية الإرث.

وتعال أيضاً لنقرأ ـ ولا نريد أن نطيل ـ ونستعبر سوية عن دلالات الرضا وعلاج الكآبة للوالدين اللذين بلغ الكبر أحدهما أو كلاهما واقتران ذلك بقضاء الله بالعبادة والعبودية إلا إياه وهو ما المحنا إلى أهميته سابقاً إذ قال تعالى في سورة الإسراء17 الآية 23 (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما) فالإحسان والقول الكريم هي إحدى وسائل الرضى وعلاج الكآبة لدى الآباء والأجداد.

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 46

الصفحة الرئيسية