اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000

 

التكنولوجيا والاقتصاد

في خدمة الإنسان والتنمية

محمد آدم

الاهتمام الحكومي بالتكنولوجيا

نقل التكنولوجيا

التكنولوجيا وعملية التنمية

الشركات متعددة الجنسيات

الحركة العامة للتكنولوجيا

التعاون التكنولوجي بين الحكومات

نقاط عملية لنقل التكنولوجيا

التكنولوجيا والأمن الوطني

قبل التوغل في الموضوع كان علينا أن نوضح بعض المفاهيم الواردة للتكنولوجيا التي جاء بها المفكرون الاجتماعيون والاقتصاديون حيث يبدو أن تعريف التكنولوجيا كان موضوع جدل ولا زال، لأنها بحكم طبيعتها وآثارها السلبية والإيجابية كثيراً ما تحمله من تعاريفها موقفاً سياسياً أو اجتماعياً معيناً، ولعل من اكثر التعاريف شيوعاً أن التكنولوجيا (هي معرفة الوسيلة في حين أن العلم هو معرفة العلة) وتعددت المفاهيم والتعاريف للتكنولوجيا وتركزت حول وجهة النظر التقنية والاقتصادية، فمن الناحية الفنية نجد أن مفهوم التكنولوجيا هو عبارة عن التطبيق العلمي للاكتشافات والاختراعات العلمية المختلفة التي يتم التوصل إليها من خلال البحث العلمي، ومن الوجهة الاقتصادية فان مفهوم التكنولوجيا هو عبارة عن تطوير العملية الإنتاجية والأساليب المستخدمة فيها بما يحقق خفض تكاليف الإنتاج أو تطوير الأسلوب وهناك بعض التعاريف لعدة باحثين واقتصاديين واجتماعيين نورد بعضاً منها: قال الباحث الهنديّ (ايتمار إيم) أن التكنولوجيا هي معرفة الوسيلة، والعلم معرفة العلة، فالعلم ينتج المعرفة أما التكنولوجيا فتساعد على إنتاج الثروة. وهذا الدكتور حسن عباس يُعرّف التكنولوجيا على أنها عبارة عن أفكار تتعلق بتطبيقات علمية في مجال الصناعة ويترتب عليها تقدم واضح في مستوى الفن الصناعي، وذلك بالقياس إلى الحالة السابقة لاكتشاف الفكرة، وهذا تعريف آخر على أنها التطبيق العملي للاكتشافات والاختراعات العلمية المختلفة التي يتم التوصل إليها من خلال البحث العلمي، وهناك من عرفها أنها عبارة عن مجموعة المعارف والخبرات المتراكمة والأدوات والوسائل المادية والإدارية التي يستخدمها الإنسان في أداء عمل ووظيفة معينة في مجال حياته اليومية لإشباع حاجته المادية.

التكنولوجيا وعملية التنمية

يثير موضوع العلم والتكنولوجيا اهتماماً متزايداً ومتعاظماً لدى الأوساط السياسية والعلمية، خاصة في ظروف التنمية الاقتصادية باعتبارها القوى المحركة للتقدم الاقتصادي والتطور الحضاري في خضم التطورات العلمية والتكنولوجيا، نجد عملية التنمية المحرك لمجمل قطاعات الاقتصاد الوطني ويحتل العلم والتكنولوجيا المكانة الأولى والرئيسية باعتبارهما المحرك الأساسي لتسريع هذه العملية، ودفع عجلة تطورها إلى الإمام، الأمر الذي يجعل تبني العلم والتكنولوجيا وما يتبعه ويترتب عليه من طرق إنتاجية وأساليب ووسائل عملية ومعارف فنية، وتطبيقه لحل المعضلات التي تثور خلال مسيرة التنمية أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للبلدان النامية. فحاجات المجتمع المتطورة والمتنامية باستمرار على الصعيدين الكمي والنوعي يستطيع البحث العلمي والتكنولوجي أن يساهم مساهمة كبيرة وفعالة في تلبيتها وسد قسم كبير منها بسبب تأثيره في الإنتاج، وكونه الشرط الأول لزيادة إنتاج السلع والخدمات النافعة للبشر تمر الأقطار النامية كوسيلة لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق التنمية المنشودة.

إن ضرورة اهتمام الأقطار النامية في استخدام التكنولوجيا كإحدى الوسائل الأساسية في التنمية الوطنية، لهُ كل المبررات لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار نتائج الأبحاث والدراسات العلمية التي أجريت حول معرفة التأثير العلمي والتكنولوجي في التطور الاقتصادي ومساهمة التقدم التكنولوجي في زيادة إنتاجية العمل، ففي الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن تقدم التكنولوجيا يساهم بنسبة تتراوح ما بين 80 إلى 90% في زيادة إنتاجية العمل.

نستنتج من ذلك أن التقدم التكنولوجي قد أثر على إنتاجية العمل، وأولت الدول المتقدمة الاهتمام البالغ لهذه المسألة فنجد أن ما ينفق في المتوسط ما بين 2 إلى 3.5% من الدخول القومية على البحوث العلمية والتكنولوجيا، ونستخلص القول أن التطور العلمي والتكنولوجي أدى إلى اختراعات جديدة وذلك للتخفيض من عبء العمل الجسدي، بل تجاوز هذا حتى إلى الأدوات التي تمارس العمليات الذهنية، كذلك ساعد في تطوير وتحديث الإنتاج سواء الزراعي أو الصناعي، وإلى تقدم ملحوظ في مجال التعليم وخصوصاً الكوادر والفنيين، مما يدفعهم إلى إيجاد طرق وسائل التنمية، وعلى هذا يتحتم على الدول النامية أن تهتم بتهيئة المستلزمات الأساسية المساعدة على ربط التقدم العلمي والتكنولوجي بالتعليم، وبذلك يصبح لهُ خدمة للإنتاج وقوى الإنتاج، وعلى البلدان النامية أن تطور البنية التكنولوجية للاقتصاد الوطني بغية دعم وتعزيز معدلات نموَّ إنتاجية العمل ورأس المال وفقاً لخطة العلم والتكنولوجيا على عدة مؤشرات.

نقل التكنولوجيا

نقل التكنولوجيا يعني تبادل المعلومات التقنية بشكل يسهل معه تطبيقها تطبيقاً علمياً، وبصورة عامة فان انتقال التكنولوجيا وذيوعها انما هو عملية ثقافية واجتماعية وسياسية وليست مجرد تقليد صناعي للبلدان المتقدمة. وتعتبر التكنولوجيا وليدة واقع وظروف اقتصادية واجتماعية معينة فالتكنولوجيا في الدول الصناعية قد ارتبطت وتفاعلت مع مجمل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإنها نشأت بالاستناد إلى بيئة متوازنة منحتها الدعم وأمدتها بعناصر التطور اللازمة.

وعلى هذا الأساس فان عملية نقل التكنولوجيا ليس بوسعها العلاج النهائي والشافي لمشكلات البلدان النامية ما لم تقترن بسياسة تنموية واضحة المعالم ومحددة الأهداف يتم من خلالها تهيئة المستلزمات الأساسية التي تمكن من ممارسة الاستيعاب والتكييف والتطوير. وهذا يعني إجراء التعديلات اللازمة على التكنولوجيا المستوردة بذلك الشكل الذي يجعلها اكثر انسجاماً وتفاعلاً مع ظروف وحاجات البلد، ويتحقق ذلك بشكل أساسي من خلال إحداث مزج متلائم للعناصر التكنولوجية المستوردة والعناصر المنتجة محلياً.

التكنولوجيا خلقت عالماً متواكلاً (يتكل بعضه على بعض) INTERDEPENDENT WORLD وهذه الظاهرة بدأت منذ زمن بعيد، عندما تعلّم أجدادنا في بداية الأمر أن الصوان FLINT اللازم لصنع الأدوات والأسلحة، يمكن الاتجار به مع الآخرين مقابل الملح والبارود ومع مرور الزمن ازدادت هذه الاستراتيجية تعقيداً، وبدأت تظهر فوائدها المتنوعة وآثارها الاجتماعية فالفينيقيون ابتدعوا الاقتصاديات المنظمة في تجارتهم لما وراء البحار، والبريطانيون جلبوا (نسيج مانشستر) و(سكاكين شيفيلد) للملايين من أولئك الذين لم يأبهوا للحاجة لأي منها في الماضي، وبدأوا يهتمون بأساليب ترويج مخزونهم من الفرو والعاج والشاي والعبيد.

ومع استمرار التطور التكنولوجي نمت القرى إلى مدن، وصاحب ذلك نمو مواز في قطاعي الصناعة والنقل، زادت ظاهرة التواكل الدولي نمواً حتى بلغت مرحلة الخطر، وانبثقت اثر ذلك سياسة التوسع COLONIALIOWS كعربة لنقل المواد الأولية الرخيصة من البلدان المستعمرة من جهة، وللسيطرة على أسواقها التي روجت فيها بضائعها المصنعة من جهة أخرى، ونشأت الشركات متعددة الجنسيات، وكانت شركة شرق الهند EAST INDIA COMPANY من أولها، ثم توسعت هذه الشركات بسرعة لتشمل قطاعات أعمال المناجم والتصنيع والاتصالات، ثم وضّحت جملة من الابتكارات كالتلغراف، والكابل البحري، والراديو، مدى الحاجة إلى الاتفاقيات الدولية التي تضمن التعاون التقني الضروري لتحقيق الفوائد القصوى من هذه الابتكارات، واتضح اثر هذه التطورات أن للتكنولوجيا (شهية) عالية للطاقة والمواد الأولية، ورؤوس الأموال والخبراء، واصبحت هذه العوامل تمثل القوى المحركة لقاعدة التواكل الدولي، كما تُعد مصدراً لمعظم التوترات الدولية والاجتماعية التي تركت آثارها السلبية في كافة قطاعات الحياة المعاصرة.

الاهتمام الحكومي بالتكنولوجيا

تهتم الحكومات بتسخير التكنولوجيا لتحقيق أقصى الفعالية في أداء الأعمال المختلفة كتشييد الطرق، والمطارات، وإطفاء الحرائق، والصيانة، وإرسال البريد، وتقديم الخدمات الثقافية وما إلى ذلك وبسبب هذا التنوع الكبير في التطبيقات التكنولوجية، سعت الحومات إلى تشجيع الابتكارات التكنولوجية (دعم قطاع البحث والتطوير )بتمويله من الخزانة العامة، ولا يقتصر الهدف من هذا الدعم على صنع وحيازة البضائع التكنولوجية اللازمة لإنجاز المهمات الحكومية، بل تعدى ذلك إلى هدف اشمل يتمثل بخلق قاعدة تكنولوجية عريضة وكافية لتحقيق الأماني الوطنية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية سعت وزارة الزراعة خلال القرن الماضي، إلى تمويل كل الأبحاث والتحسينات التكنولوجية التي تقف الآن وراء اقتصادها الزراعي المتميز بإنتاجيته الهائلة، وخلال الأعوام الخمسين الماضية، شاركت وكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا NASA) والمعاهد التابعة لها، في تطوير التكنولوجيا المتعلقة بتصميم وصنع الطائرات على نطاق واسع، وانفقت لجنة الطاقة الذرية التي أصبحت في ما بعد (إدارة تنمية وتطوير أبحاث الطاقة) مليارات الدولارات خلال ربع القرن المنصرم، من اجل تطوير استخدامات الطاقة النووية، وما يزيد عن عشر وكالات فيدرالية أخرى، تكفلت بدعم قطاع الأبحاث والتطوير.

ولكن هذا الدعم الحكومي لم يكن إلا واحداً من الأساليب الكثيرة التي كانت تقدم وفقها التشجيعات والحوافز للابتكارات التكنولوجية. ونذكر من بين أهم هذه الأساليب الإعفاءات الضريبية التي استفادت منها قطاعات التطوير التكنولوجية، والمساعدات الحكومية في مجال تشجيع التصدير، واعداد وتعليم المهندسين والعلماء، وباقي فئات الحرفيين المهرة الذين لا غنى عنهم لتسيير مختلف القطاعات التكنولوجية.

من جهة أخرى، تتدخل الحكومات عادة في طرق الاستفادة من التكنولوجيا باسم الصحة والأمن، وتضمن أيضاً أن لا يحتكر القليلون فوائدها على حساب الكثيرين، فالتركيبة الشرعية والإدارية توسعت من اجل ضمان نقاء الأغذية وفعالية الأدوية، والتحكم بالتلوث البيئي واستغلال الثروات الطبيعية ومنح براءات الاختراع والتصريح بتحديد استعمالات ترددات الراديو، ومراقبة تصدير السلع التكنولوجية الحساسة، ووضع مصطلحات موحدة للإنتاج وفي بعض الأحيان، تلجأ الحكومات لتبني عملية التمويل الضرورية لتطوير منتوجات تكنولوجية جديدة، عندما ترى انها تقدم فرصاً لزيادة عوائد التصدير، وتدعيم الاقتصاد الوطني، ومن أمثلة ذلك اشتراك المملكة المتحدة وفرنسا في إنتاج طائرة (الكونكورد) الأسرع من الصوت، والمخصصة للنقل التجاري واشتراك فرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة في إنتاج (الحافلة الجوية AIR BUS واشتراك ألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة في ابتكار وتطوير تقنيات الغاز الطارد لاغناء اليورانيوم وبقي الحكم على درجة النجاح في مثل هذا التعاون التكنولوجي أمرا صعباً ذلك أن الزبائن الرئيسيين لهذه المنتوجات المتطورة ما زالوا يقتصرون على الحكومات المشاركة نفسها، أو الشركات العامة التي تخضع لرقابة هذه الحكومات (كشركتي (اير فرانس) و(بريتيش كاليد وينان) اللتين تستخدمان طائرتي (الكونكورد والحافلة الجوية) كما اتضح فيما بعد أن تكاليف تصنيع هذه المنتوجات مرتفعة للحد الذي تطلب استمرار وزيادة الدعم الحكومي للهيئات المكلفة بتصنيعها .

التعاون التكنولوجي بين الحكومات

التعاون الرسمي بين الحكومات في الحقول التكنولوجية، يمكن أن يخدم العديد من المصالح الفردية (لكل حكومة) فهو يكمل النشاطات الوطنية في مثل هذه الحقول وتكون فوائده وفقاً لما يلي:

1ـ يسرّع من إمكانات تبنّي وتقبل واستيعاب التكنولوجيات الجديدة ويجعل تحقيقها وتطبيقها عملياً أكثر سهولة مما لو كانت الجهود المبذولة في هذا الصدد فردية.

2ـ يؤدي إلى تركيز الجهود المتعلقة بالبحث والتطوير، وتوجيهها لتحقيق أعلى الفوائد.

3ـ يوسع ويعمم قواعد فهم التكنولوجيا وانتشار الخبرة.

4ـ يؤدي إلى تعزيز شامل للجدارة والكفاية العلمية والتكنولوجية، ويشجع التعاون في الحقول الأخرى ذات العلاقة بها.

5ـ يضمن الاستخدام الأمثل لجمهرة العلماء والمهندسين وذوي الخبرات هذه الميزات المجتمعة شجعت الحكومات على بذل الجهود الكبيرة التي تهدف إلى خلق الظروف الملائمة لتكريس التعاون التكنولوجي بين الحكومات.

ضرورات التعاون الدولي في مجالات العلوم والتكنولوجيا، تطلبت تأسيس المنظمات الدولية المتعددة الأطراف الإقليمية منها والعالمية التي تهتم بوضع الأشكال العديدة للسياسات التكنولوجيا، وهي تعكس المعنى الأعم للتعاون الحكومي في هذه المجالات، ونصنفها وفقاً لوظائفها واهتماماتها على النحو التالي:

1ـ المنظمات المهتمة بتطوير التكنولوجيات التي تدعم الاهتمامات الفردية الخاصة للحكومات وهي تضم العدد الأكبر والأكثر أهمية بين التنظيمات الدولية ومنها على سبيل المثال:

ـ منظمة الأغذية والزراعة (FAO) التابعة للأمم المتحدة، التي تأسست عام 1945م، وتهتم بتشجيع وتطوير الأبحاث المتعلقة بالزراعة والتغذية.

ـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) التابعة للأمم المتحدة تأسست عام 1954م وتهتم بالأبحاث المتعلقة بالاستخدامات السليمة للطاقة الذرية، كما تشرف على الأمن النووي المدني وتقع ضمن مسؤولياتها في هذا الصدد جميع دول العالم بما فيها تلك التي لم توقع على معاهدة خطر انتشار الأسلحة النووية.

ـ الهيئة الاستشارية الدولية للاتحادات العلمية (ICSU) وهي منظمة غير حكومية، بدأت نشاطها عام 1918م وهدفها تطوير التقدم العلمي، ودعم المشاريع العلمية في مختلف أنحاء العالم.

ـ المنظمة الدولية للمياه (IHO) تأسست عام 1889م وهدفها العمل على تشجيع التعاون بشأن وضع السياسات المتعلقة بالأعمال المائية، وتنظيم وتطوير أمن الملاحة البحرية.

2ـ المنظمات المعنية بوضع وتطبيق المقاييس (STANDARDS) الضرورية للاستخدامات الدولية للتكنولوجيا ومنها.

ـ الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) الذي تأسس عام 1865م ويهتم بوضع القيم الدولية لترددات الراديو.

ـ المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO) التي تأسست عام 1944م وتهتم بتطوير وتخطيط الأساليب الدولية للملاحة الجوية المدنية ومراقبة حركة الطائرات.

ـ المكتب الدولي للأوزان والمقاييس (IBWM) تأسس عام 1876م ويهدف إلى وضع معايير دولية موحدة لوحدات القياس المستعملة.

3ـ المنظمات المعنية بتطبيق التكنولوجيا لحل المشاكل العامة. منها:

ـ منظمة الصحة العالمية (WHO) التابعة للأمم المتحدة، وهي وكالة متخصصة وتشغل العديد من المختبرات والبرامج الميدانية المتخصصة بصيانة الصحة العامة.

ـ المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) التابعة للأمم المتحدة ويعود تأسيسها إلى عام 1878م وتشرف على تشغيل منشآت ومعدات مختلفة لجمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالطقس وتوزيعها على دول العالم.

4ـ المنظمات المعنية بتطوير السياسات الوطنية في مجالات العلوم والتكنولوجيا ومنها:

ـ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO) التي تأسست عام 1914، وتشمل نشاطاتها المتعددة الاهتمام بتطوير السياسات الفكرية بشكل عام، واستطاعت أن تصدر نشرات كثيرة وهامة في هذا الصدد.

ـ منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) التي أنشئت عام 1961م، وتضم أهم البلدان التجارية في العالم من اجل التشاور في مجموعة كبيرة من المشاكل المتعلقة بالسياسات الاقتصادية، وتتفرع عنها عدة لجان أهمها ـ لجنة السياسة العلمية والتكنولوجية، ولجنة البيئة، ولجنة الصناعة، ووكالة الطاقة النووية.

هذه المنظمات ساهمت بتطوير الأهداف التكنولوجية، وقصّرت المسافة بين الأماني الاقتصادية وهو ما مكن التحقيق إلا أن بعض عوامل الفشل التي صاحبت بعض نشاطات هذه المنظمات حملت الكثير من الحكومات على اللجوء للتعاون الثنائي بوصفه بديلاً مفضلاً بالرغم من أن بعض المصالح الحكومية الفردية لا يمكن تحقيقها وفقاً للأسس الثنائية ومن أمثلتها ضرورة توحيد مواصفات الكثير من المنتوجات على المستوى العالمي. في عام 1976م، أقامت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقيات ثنائية رسمية للتعاون في المجالات العلمية والتكنولوجية مع ما يزيد على عشرين دولة، وكانت مرتبطة مع الاتحاد السوفيتي (السابق) وحده بإحدى عشر اتفاقية تتضمن بنودها المختلفة تبادل النتائج العلمية، وزيارات العلماء المتبادلة لفترات تتراوح بين بضعة أسابيع وسنة. والمشاركة في الندوات والملتقيات والتعاون المباشر في إنجاز بعض المشاريع للأبحاث، ومن شأن تعزيز مثل هذه الاتفاقيات تقريب وجهات النظر في القضايا السياســـية، وبالتالي فأن لها هدفاً سياسياً عالمياً.

الحركة العامة للتكنولوجيا

إذا كان المفهوم القديم للتجارة يعني بيع وشراء السلع كالأغذية والمواد الأولية، والوقود، ومنتوجات التكنولوجيا فان هناك نوعاً جديداً من (البضائع) في التجارة الدولية بدأ يتخذ أهمية متزايدة من نهاية الحرب العالمية الثانية واصبح الآن يمثل الشغل الشاغل لمختلف الحكومات عبر العالم وهو يتمثل بالاتجار ببراءات الاختراع والعلامات المسجلة (TRADE MARK) والتصاميم الخاصة، وأسرار كيفيات الصنع، واصبح هذا النوع، من التجارة يلعب دوراً هاماً فيما يسمى بالحركة العالمية للتكنولوجيا INTERNATIONALk MOVEMENT OF TECHNOLOY حيث يقصد من مفهوم (الحركة) انه يمثل المعنى الأعم لمفهوم (النقل TRANSFER) النقل الدولي للتكنولوجيا عبر القنوات الاقتصادية والصناعية اصبح يعد المؤشر الرئيسي في العلاقات الدولية بسبب المشاكل والقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الهامة التي يطرحها0

تنتقل التكنولوجيا الصناعية دولياً بطرق متنوعة من أهمها الانتقال من المنتجين إلى المستعملين عن طريق بيع واستعمال المنتوجات التي تتجر فيها التكنولوجيا، ومن الناحية الكمية يعد مقدار التكنولوجيات المنقولة بهذه الطريقة كبيراً جداً وذا تأثير هائل على شبكات التطور الصناعية والاقتصادية عبر العالم.

انتشار تكنولوجي مماثل في حجمه تحقق كنتيجة للتجارة الدولية في عناصر ومؤلفات الدارات الإلكترونية، وعلى الخصوص أجهزة أنصاف النواقل بما فيها الترانزيستورات، والدارات التكاملية والمثال الثالث يتعلق بنقل التكنولوجيا الذي يصاحب الاتجار بالأحداث الآلية والآلات المتنوعة وتنتقل التكنولوجيا أيضاً من خلال الترخيص باستغلال بعض الابتكارات التكنولوجية في الدول التي لم تتمكن من إحرازها عن طريق بيع براءات الاختراع وتصاميم الإنتاج وأساليب التشغيل وباقي طرق التسيير الخاصة.

وتعد الشركات متعددة الجنسية أهم آلة للنقل الدولي للتكنولوجيا (إنها ظاهرة هامة لمناقشة القضايا السياسية التي طرحتها والتطور المأساوي الذي شهدته في الآونة الأخيرة (المصدر جون جرانجر ص71).

التجارة الدولية بالتكنولوجيا أبرزت عدداً من المسائل السياسية على المستوى الوطني للولايات المتحدة الأمريكية والدولي فعلى المستوى الوطني تركزت المخاوف الناتجة عن تصدير التكنولوجيا في خمس نقاط رئيسية:

1ـ الخوف من أن يؤدي تصدير التكنولوجيا الصناعية عن طريق الشركات والهيئات الوطنية (عبر الترخيص أو المشاركة المباشرة بالإنتاج) إلى تصدير فرص العمل إلى الخارج، خاصة إذا وافقت الشركات الوطنية على مبدأ بيع تراخيص الإنتاج إلى الدول الأجنبية والتزمت باستيراد المنتوجات نصف المصنعة. ففي هذه الحالة، لابد أن يظهر فائض العمالة في اكثر القطاعات اختصاصاً لها.

2ـ الخوف أن يسرع تصدير التكنولوجيا في تعزيز قدرة الدول الأجنبية على منافسة الصادرات الأمريكية في السوق الدولية.

3ـ هناك اعتقاد سائد في أوساط الهيئات المعنية بقضية تصدير التكنولوجيا بأن مسؤولي الشركات والاقتصاديين والسياسيين، لم يتمكنوا حتى الآن من تقييم وتسعير التكنولوجيات المصدرة ويعتقد هؤلاء بأن هناك خللاً كبيراً بين الفوائد التي تجنيها الدول المستفيدة والضرر الذي يلحق بالولايات المتحدة الأمريكية.

ـ يتخوف المسؤولون في الولايات المتحدة من أن يؤدي تصدير التكنولوجيا إلى ظاهرة (التقسيم الدولي للعمل) الذي من شأنه أن يضيّق قاعدة الاقتصاد الوطني المبنية أساسا على التنوع الكبير للصادرات، وفي هذا خطر كبير على كل من الأمن الاقتصادي والعسكري.

5ـ الخوف من أن تتحول التكنولوجيا المصدرة عن أهدافها المدنية إلى الأهداف العسكرية عن طريق استغلال الإمكانات التكنولوجية المحلية للدولة المستوردة.

الشركات متعددة الجنسيات

ما من محاولة لتحليل ودراسة دور التكنولوجيا في العلاقات الدولية يمكن أن تتجاهل التأثير الكبير للشركات متعددة الجنسيات في هذه العلاقات، ووفقاً لمقاييس وتعدد نشاطاتها وحريتها النسبية في رسم وتخطيط استراتيجياتها الخاصة. فان دورها في التأثير على العلاقات التكنولوجية الدولية اصبح اكثر أهمية في دور الحكومات نفسها، كشركة (آي. بي. إم IBM) أو انترناشونال بيزنيس ماشينز كوربوريشن تتمتع باحتكار اكثر من 60% من سوق الحاسبات (الكومبيوترات) في كل واحدة من الدول التي تمتلك فيها حقوق التصنيع والتسويق، ما عدا المملكة المتحدة التي تبلغ فيها نسبة مشاركتها 40% والشركات متعددة الجنسيات في مجموعها تتحكم بأكثر من خمس (1.5) المنتوجات ذات التكنولوجيات العالية (في أسواق المجموعة الأوروبية).

هناك الكثير من الطرق التي يمكن أن تحدد المقصود من تعبير (الشركات متعددة الجنسية) وانسجاماً مع أهداف هذا البحث التي ترتكز على المسألة التكنولوجية يمكن القول أن الشركات متعددة الجنسيات هي ورشات عمل ميدانية تمارس التحكم المباشر، أو المشاركة على اقل تقرير، في التصنيع والتسويق والتشغيل في واحدة أو اكثر من الدول الأجنبية. وهذا التعريف المحدد يتجاهل مثلاً تلك العمليات التي تتم فيما وراء البحار، والتي تتضمن الخبرة المحدودة وعمليات التجميع كصناعة أنصاف النواقل، وتجهيز أجهزة الراديو والتلفزيون التي تديرها بعض الشركات الصناعية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في كل من سنغافورة وتايوان وهونغ كونغ والمكسيك، بالإضافة للمنظمات التي تهتم بإنجاز العمليات التجارية البحتة، أو الوظائف ذات الخدمات كالبنوك، وشركات التأمين وشبكات الفنادق وغيرها وحتى وفقاً لهذا التعريف المحدد، فأن الشركات متعددة الجنسيات تظهر تنوعاً معتبراً ليس فقط في خطوط الإنتاج والتسويق وترتبات التوزيع، ولكن أيضا في طبيعة ودرجة التحكم المحلي في الإدارة والتسيير، فشركة (آي. بي. إم) مثلا تمارس نشاطها بطريقة عالية التكامل، وتستخدم أنظمة عالية التطور في التسيير في كافة البلدان الأجنبية التي تعمل بها وشركة (أي. تي. تي. ITT) التي تأسست في أوربا، ثم عادت ملكيتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وشركة (فليبس PHILIPS) التي تأسست في هولندا تعملان بوصفهما شركتين متباعدتين للتجمع من اجل استثمار رؤوس الأموال وتوزيع الأرباح، ولمثل هذه الاستراتيجيات في المشاركة تأثير كبير في العلاقات التكنولوجية الدولية.

تتمتع الشركات متعددة الجنسيات بوضعية السيادة في كافة قطاعات صناعة المنتوجات ذات التكنولوجيا العالية، ووفقاً لكافة الاعتبارات (يستثنى من هذا الحكم صناعة الطيران والفضاء التي استبعدت عنها هذه الشركات بسبب ارتباطها بقضايا الدفاع والأمن الوطني وتمتلك الشركات متعددة الجنسيات - كمجموعة- اكثر الشركات اتساعاً في حقول عملها، وتبذل هذه الشركات قدراً كبيراً من الجهود في مجالات البحث والتطوير، وتحتكر اكبر قدر من الصادرات، وتستفيد من أعلى نمو للأسعار على مستوى أسعار البيع المحلية أو أسعار التصدير ويقول عدنان عظيم انه بالرغم من المشاكل العويصة التي خلقتها الشركات متعددة الجنسيات للحكومات فان من الضروري الإبقاء عليها، وهناك الكثير من الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأنها سوف تستمر في الاحتفاظ بموقع الريادة على مستوى الإنجازات التي حققتها خلال العقود الماضية. فالإحصائيات التي أجرتها المجموعة الأوروبية عام 1975م أفادت بأن، هناك ما يقارب عشرة آلاف من الشركات متعددة الجنسيات عبر العالم و2570 شركة منها تأسست في دول المجموعة الأوروبية.

وهذه المجموعة الأخيرة من الشركات تمتلك 49256 فرعاً في دول العالم بينما تملك المجموعة الأولى من الفروع و173 من الشركات متعددة الجنسيات للمجموعة الأوروبية، تملك فروعاً في اكثر من عشرين بلداً مقابل 113 من الشركات الأمريكية التي تمتلك نفس القدرة على الانتشار.

في عام 1983م، بلغ عدد الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات العاملة في 1708، بلغت جملة مبيعاتها اكثر من بليوني دولار أما الشركات الأوروبية العاملة في نفس القطاع فبلغ عددها 3442 وبلغت مبيعاتها اكثر من ثلاثة بلايين ونصف دولار في نفس العام مثل هذه الإحصائيات من شأنها أن تعطي فكرة عن أحجام الشركات المتعددة الجنسيات التي تأسست في أمريكا وأوروبا والفروقات في عوائد استثماراتها المالية.

وتجدر الإشارة إلى أن نفس هذه الإحصائيات قد أشارت، إلى أن مجمل مبيعات مائتين من اكبر الشركات متعددة الجنسيات في العالم تجاوزت ثلث (3/1) الدخل القومي الإجمالي لدول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، كما أن الشركات المتعددة الجنسيات ككل تشغل (8/1) القوة العاملة الكلية لبلدان منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي

تختلف الشركات متعددة الجنسيات عن باقي ورشات العمل التي تمارس نشاطها في بلد واحد من عدة اوجه. أحد أهم الاختلافات يكمن في وجوب خضوع هذه الشركات للقوانين، والتشريعات، والتنظيمات السارية المفعول في الدول المضــيفة وللتصورات والمبادئ السياسية والوطنية لهذه الدول، ونظراً لكون هذه الهيئات الوطنية المختلفة تعتنق مجموعة واسعة ومتباينة من الأنظمة الاجتماعية والنظامية، فان التحديات التي واجهت الشركات متعددة الجنسيات في مجال الإدارة والتسيير كانت على جانب كبير من التشابك والتعقيد، ولم تتمكن أي من هذه الشركات من تخطي هذه التحديات لو لا القدرة الفائقة على (التكيف) التي ميزت الاستراتيجيات، ولعل من اكثر عناصر هذه السياسات تأثيراً هي درجة التعقيد الإداري في مجال إنجاز العمليات الخارجية، ومقدار التسهيلات الممنوحة في تعريفات الاستيراد، ونظام الإعفاءات الجمركية للسلع التجارية المستوردة وطبيعة شبكة التنظيم الحكومية وهذه العناصر مجتمعة، هي التي نطلق عليها في المصطلحات الاقتصادية (نظام المعالجة الوطنية NATIONAL TREATMENT SYSTEM) ووفقاً لهذه التعقيدات، ينبغي على الشركة متعددة الجنسيات أن تقدر وتوازن بين تأثيرات هذه العوامل منفردة ومجتمعة قبل اتخاذ القرار النهائي بتوظيف استثماراتها في الخارج، كما أن هذه العوامل تحمل في طياتها مدى التأثير على خصائص، ومدى تعقيد التكنولوجيا المنقولة إلى الدولة المضيفة عبر الشركات متعددة الجنسيات.

التكنولوجيا والأمن الوطني

إحدى أهم الحقائق التي برزت إلى الوجود خلال العقود الماضية تتمثل في أن التكنولوجيا أصبحت تعد العامل الأساسي الذي يحدد مدى القدرة العسكرية لأمة من الأمم، وبالتالي قدرتها على ضمان أمنها الوطني ـ التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ وتكنولوجيا أعماق البحار شـــكلت العوامل الأساسية في قضية التوازن الاستراتيجي خلال العقدين الماضين على الأقل، وتغيرت القدرات في مجال التكتيك الحربي بشكل عميق اثر التطورات التي طرأت في ميادين الطيران، والاتصالات، وأجهزة الإنذار الإلكترونية، والكومبيوترات والأسلحة الخفيفة.

وبالرغم من أن التكنولوجيا الحديثة التي تجسدت في الأسلحة النووية والصواريخ المتطورة المخصصة لحملها قد غيرت من مفهوم التفوق العسكري، فان هذا لم يمنع من بقاء ونمو القوى العسكرية التقليدية، فقد بيّن معهد ستوكهولم للدراسات الاستراتيجية (SISS) بأن واحداً من كل خمسة من الرجال الأصحاء الذين هم في سن العمل هو الآن تحت السلاح، ويذكر المؤلف بأن هذه التطورات كانت نتيجة حتمية لمسألة الصراع على مناطق النفوذ التي استلزمت زيادة مضطردة في سرعة التطور التكنولوجي.

العلامة الوثيقة بين التفوق العسكري والتفوق التكنولوجي، دفعت الدول العظمى إلى تركيز الجهود على قطاعات البحث والتطوير ووضع سياسات مدروسة لتصدير منتوجاتها التكنولوجية المتطورة وفرض القيود على تصدير التكنولوجيات التي ترتبط بقضايا الأمن الوطني بصفة مباشرة وغير مباشرة ووفق سياسة التوازن وجعل الدول الكبرى تحتفظ بالتفوق التكنولوجي ولذلك تضع شروطاً قاسية وملزمة للدول التي تستورد سلاحا وفيه تكنولوجيا متقدمة وفي حالة ضيقة ولدول حليفة تخضع لشروط الدولة العظمى بائعة السلاح كما أن الولايات المتحدة بالنسبة للتكنولوجيات المتميزة بحساسية عسكرية خاصة يجب على الولايات المتحدة أن تمنع خروجها وتصديرها بكافة الوسائل وحسب مقتضيات مصلحتها القصوى.

كما تقدم أن نقل التكنولوجيا لا يعدو أن يكون عاملاً مساعداً لا يمكن أن يؤدي دوره إلا في ظل شروط معينة، وهذا يعني أن الاقتصار على مجرد نقل استعمال التكنولوجيا لا يمثل سوى نقل واستعمال قدرة إنتاجية معينة في حين أن النقل الحقيقي للتكنولوجيا يتعدى حدود هذه العملية إلى محاولة امتلاك التكنولوجيا من خلال التأثير في العناصر المكونة لها وبعبارة أخرى عدم الاقتصار على استقبال واستعمال التكنولوجيا، وإنما محاولة التعرف على مكوناتها واجزائها ومتطلباتها الفنية والسعي إلى إدخال عنصر المساهمة الوطنية لتكييف وتطوير التكنولوجيا وفقاً لموارد يمكن أن تقسم إلى نوعين.

1ـ العمليات الأفقية لنقل التكنولوجيا التي تتمثل:

ـ في نشاطات البحث والتطوير اللازمة لتكييف وتطوير التكنولوجيا المستوردة إضافة.

ـ في النقل الكافي للتكنولوجيا، أي نقلها من بلد إلى بلد آخر ولا سيما فيما يتعلق باستيرادها من الخارج.

2ـ العمليات العمودية لنقل التكنولوجيا التي تتمثل في نشاطات البحث والتطوير اللازم لتكييف وتطوير التكنولوجيا المستوردة، إضافة إلى النشاطات المتعلقة بابتكار وتوليد أنماط جديدة للتكنولوجيا الوطنية والملاحظ أن النوع الأول من النقل التكنولوجي هو السائد في أنحاء العالم والبلدان النامية بالأخص، في حين أن النوع الثاني يجري في حدود ضيقة جداً وهذا خطأ كبير وقعت فيه الدول النامية.

ويمكن القول أن المشكلة الأساسية التي تواجه البلدان النامية في مجال نقل التكنولوجيا هي القصور في عمليات توطين وتطوير التكنولوجيا وبالتالي فان هذه البلدان تعتمد في كثير من الأحيان على النقل الجاهز للصفقات التكنولوجية دون مراعاة لمدى قدرتها على الاستيعاب والتطوير، وبالإضافة إلى هذا الجانب هناك جانب آخر هو تجاهل مصادر التكنولوجيا الوطنية مما يفضي إلى جعل عملية نقل التكنولوجيا تأخذ بعداً ضيقاً ينحصر في شراء الآلات والمعدات واستعمال القدرات الإنتاجية المنقولة بشكل يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الدول الصناعية المتقدمة وتعميق التبعية التكنولوجية لهذه الدول.

وبذلك فان التعامل مع نقل التكنولوجيا لابد أن يستند بالأساس على تطوير القدرات الذاتية من كوادر علمية وتقنيه ومؤسسات وهياكل ارتكازية بغية توطين التكنولوجيا بما يتلائم والظروف الاقتصادية والاجتماعية ويلبي الحاجات الأساسية للمجتمع.

ويجب علينا أن نضع نصب أعيينا عندما نتحدث عن التكنولوجيا أو التقدم العلمي ثلاثة ميادين.

1ـ أن نعد أنفسنا للتعامل مع التكنولوجيا والعلم ونستوعبهما بشكل جيد، ولذلك لابد أن نهتم بمراكز البحوث والتطوير واعداد الكوادر الوطنية، ولابد من الاهتمام بآخر منجزات العلم والتكنولوجيا.

2ـ تكييف التكنولوجيا وطنياً وتكييف اتجاهات استخدام العلم فلا يجب أن نأخذ كل مبتكرات العلم والتكنولوجيا ونضعها في الاستخدام دون أن نأخذ بعين الاعتبار ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية.

3ـ يجب أن نضع التصنيع بطريقتنا الخاصة وبما يتلائم مع أهدافنا وطموحاتنا وظروفنا الذاتية والموضوعية، وهذا لا يعني أن نغلق على أنفسنا باباً من حديد، ونسد كل نوافذ العلم والمعرفة، التي يمكن الاستفادة منها من الخارج، ولا نصنع إلا ما يمكن صناعته وبما يتلائم مع إمكاناتنا ولا نشتري إلا ما لا يمكن صنعه محلياً. ولما أضفناه بشأن احتكار الدول العظمى والشركات المتعددة الجنسيات للتكنولوجيا بصفة أو أخرى وحيث أن تبادل التكنولوجيا بين الدول الكبرى يتم في اتجاهين حيث تكون مصدرة ومستوردة في نفس الوقت، أما بالنسبة للدول النامية نجد أن انتقال التكنولوجيا يتم في اتجاه واحد فقط، حيث تقوم باستيراد التكنولوجيا في البلدان النامية فان ذلك يرجع في الغالب إلى نشاطات الفروع والشركات التابعة للمجموعات المتعددة الجنسية في البلدان النامية في السوق التكنولوجية التقنية. ومن مظاهر احتكار الشركات المتعددة الجنسيات سيطرتها على أجمالي استيرادات الدول النامية من المنتوجات المصنوعة وشبه المصنوعة التي تتكون من الآلات والمعدات ووسائل النقل والمنتجات الكيماوية والحديد والصلب وكذلك المنتجات، الغذائية، كما انها تقوم بدور هام وأساسي في الاستيرادات ما بين الأقطار النامية.

ولا شك أن نشاط الشركات المتعددة الجنسيات واحتكارها التام للتكنولوجيا الحديثة المعقدة وصعوبة تصديرها للبلدان النامية قد ساهم بشكل فعال في زيادة الفقر والبطالة والتوزيع غير المتكافئ للدخول في البلدان النامية.

نقاط عملية لنقل التكنولوجيا

إن النقاط العملية والإجراءات التي تحقق النقل السليم والتكييف والتطوير السريع في مجال نقل التكنولوجيا يستلزم دراسة النقاط التالية:

1ـ رسم سياسة تخطيطية عامة لنقل التكنولوجيا، ويراعى فيها أن ترتبط النشاطات العلمية والتكنولوجية مع الأهداف المرسومة والمقدرة للخطة وأن يركز الاهتمام على تنمية القدرات التكنولوجية القائمة فعلاً.

2ـ ضرورة التأكيد على قيام رابطة قوية بين الأجهزة العلمية المتخصصة وبين الوحدات الإنتاجية وأن يركز الاهتمام على المشاكل القائمة فعلاً والاحتياجات الخاصة بالإنتاج.

3ـ إنشاء جهاز للمعلومات التكنولوجية يتولى تجميع وتحليل وترجمة ونشر هذه المعلومات.

4ـ دعم ورعاية العلماء والتكنولوجيين والخبراء.

5ـ العناية بالتدريب والبحوث وخاصة التطبيقية منها والاستفادة القصوى من مراكز البحوث القائمة والجامعات والمعاهد الفنية ومواقع الإنتاج والحقول.

6ـ تشجيع الاتجاهات التي تؤدي إلى إيجاد البيئة الصالحة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والاستخدام السريع لنتائجها وطنياً.

7ـ الاهتمام بالتصنيع الجزئي والتدريسي للمواد والأجهزة التي تساهم في التطوير العلمي التكنولوجي بدلاً من سلوك الدروب السهلة دائماً لاستيراد الأجهزة والآلات والمعدات الجاهزة من الدول المتقدمة، أي طريق شراء التكنولوجيا.

8ـ إيجاد المناخ الملائم لبعث روح الابتكار والاختراع.

9ـ تشجيع الاتجاهات التي تؤدي إلى زيادة نسبة اعتماد مشاريع الخطة عن طريق أسلوب التنفيذ المباشر.

10ـ الاهتمام بإعداد المدربين الذين سيعملون في مراكز التدريب من ناحية الكيف وتنوع الاختصاصات.

11ـ توسيع مجال الرعاية العلمية في مختلف المجالات لا سيما في نطاق المراسلات الإنتاجية وتقديم المنح والمكافآت للأعمال الجديدة.

 

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية