اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000

 


من هدي المرجعية


الاستفادة من عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

(عاشوراء) موسمُ العطاء الرباني..

موسم الفضيلة والتقوى والأخلاق..

موسم العلم والمعرفة، ورمز لانتصار مبادئ الحق على جيوش الضلال.. وإذا كان عطاؤه قد بلغ (غاندي) محرّر الهند الذي تعلمَ من الحسين … كيف يكون مظلوماً لينتصر، فإنّ المسلمين عامة وشيعة الإمام… خاصة أولى بهذا العطاء.

إن المطر الذي ينزل من السماء ليحيي الله به الأرض بعدَ موتها، إن استفيد منهُ على الوجه الأكمل، أعطى مختلف الثمار والأزهار، وملأ الأرض بالرياض، والقلوب بالبهجة، فإذا هبطت نسبة الاستفادة من المطر هبطت نسبة الأرباح التي يُتوقّع حصولها أيضاً.

فإن لم يستفد منه فانّه يتسرّب إلى باطن الأرض، وبذلك يخسر الإنسان النعمةَ التي أسداها الله إليه.

وربّما اجتمع في المنخفضات ليتحوّل إلى ماء راكد وآسن يحملُ الأوبئة والجراثيم التي تكون مصدراً لكثير من الأمراض، وكذلك كثير من نعم الله.

والعنب ـ مثلاً ـ قد يكون طعاماً وغذاءاً وقد يستفاد منه في علاج بعض الأمراض وتقوية الناقهين، وقد يهمل ليلقى في القُمامة، وقد تصنع منه الخمرة الضارّة.

فالأول: من مصاديق ( وكُلُوا واَشْرَبُوا... ) (1).

والثاني: ( يَأخُذُوا بِأحْسَنِها…) (2 ).

والثالث: إسراف وتبذيرٌ وقد نُهي عنه، قال تعالى: ( َولا تُسْرِفُوا) (3) و( إنَّ المُبَذِّرينَ كانُوا إخْوانَ الشَّياطين... ) (4).

والرابع: تبديل نعمة الله كفراً، فيكون مصداقاً لقول الله سبحانه: ( ألَمْ تَرَ إلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً... ) (5)، هذا في الجانب المادي، والأمر في الجانب المعنوي أيضا كذلك، كما قال سبحانه بالنسبة إلى القرآن الحكيم: ( وَنُنَزِّلُ مِن القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنينَ ولا يَزيدُ الظّالِمينَ إلاّ خَساراً) (6) و( قُلْ هُوَ لِلّذينَ آمَنوا هُدىً وَشِفاءٌ وَ الّذين لا يُؤمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمى…) (7).

وعشرة عاشوراء كالمطر، فقد يحوّل العصاة والطغاة هذه المناسبة الدينية إلى نقيض أهدافها المثالية، وذلك حينما تُستغل لقتل الناس الأبرياء وحرق المساجد والحسينيات والمؤسسات والاعتداء على المواكب العزائية وتكريس الفرقة والاختلاف، كما تفعله بعض الجماعات في بعض الدول الإسلامية تنفيذاً لمخطّط الاستعمار (فرِّق تَسُد).

وقد يستغلها بعض العصاة ـ والعياذ بالله ـ لاقتراف بعض المحرّمات والإسراف في المأكل والمشرب وتضييع الأوقات في اللهو واللعب.

وقد يستفاد منها لإحياء ذكرى سيد الشهداء… وما يحتفُ بها من المزايا المتعارفة ـ ولا شك انّه من أفضل القربات الموجبة لخير الدنيا والآخرة ـ.

لكن قول الله سبحانه: ( يَأخُذُوا بِأحْسَنِها... ) (8) يقتضي الاستفادة من هذا الشهر الحرام افضل استفادة واكمل استثمار وفي شتّى الأبعاد.

ونظير هذا، قول الله سبحانه وتعالى في باب التمثيل: ( أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسْجِد الحَرامِ كَمَنْ آمَنْ باللهِ وَاليَوْم الآخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ اللهِ…) (9)، فإنّ (السقاية) و(العمارة) من افضل القربات عند الله سبحانه، لكن تكريس الإيمان والجهاد في سبيله سبحانه والعمل وفق سننه، أفضل من السقاية والعمارة، بدرجات كبيرة.

(والاستفادة من عاشوراء) يهدف إلي بيان الطريق الأمثل والأشمل للاستفادة من هذه المناسبة ولاستثمارها على الوجه الأحسن لخدمة الدين والإنسانية ولإنقاذ البشرية من التخلّف والضلالة.

(اقتلوا كربلاء) مقولة صرّح بها لينين، الغايةُ منها القضاء على كربلاء المعنوية بتأريخها الحافل بالبطولات بمقارعة الجبابرة والطغاة، وبمعنوياتها الأخلاقية والإنسانية.

فما دامت (كربلاء) حيّة في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للإشعاع الديني، ومدرسة للعلماء والخطباء والكتّاب، ومركزاً للفضيلة والإيمان والأخلاق والتقوى و… كل ذلك مما يناقض أسس الشيوعية.

لم يكن ذلك كلام لينين وحدهُ وانّما صرّح بذلك قبله (يزيد) و(الحجّاج) و(هارون) و(المتوكّل) و(الحكومة العثمانية) و(البهلوي الأول) وعشرات الطغاة الآخرين، من أمثال (البكر وصدام) حيث هدما الحوزة العلمية في النجف وكربلاء، وقتل الثاني منهما في (الانتفاضة) اكثر من ثلاثين ألف إنسان، وهدّم المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات والمستوصفات ومقابر العلماء والوف الدور والبساتين والأسواق والمراكز التجارية، وضرب بمدافعه قبّة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس… .

وارتكب مجزرة بشعة في الحرمين المطهّرين يندى لها الجبين، فكانت الدماء تلطخُ كل مكان، كما فعل جيش يزيد بالمدينة المنوّرة وحرم الرسول الأعظم (ص) ، وفعل الحجّاج بالمسجد الحرام بأمر الخليفة الأموي.

لكن سنّة الله في الحياة إعلاء راية الحق وإظهاره وإزهاق الباطل واندحاره، لذا ذهب الطغاة والجبابرة ( واُتْبِعُوا في هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيامَةِ) (10) وبقيت كربلاء حيّة نقية، مصدراً للإشعاع الديني والفكري، ومنبعاً للأخلاق والفضيلة والحركة.

وبقيت كربلاء نبراساً للمجاهدين والأحرار، وسراجاً للأمم والشعوب، ومدرسة لتربية العلماء والمبلّغين وحملة الأقلام، منذ استشهاد الإمام عليه السلام والى يومنا هذا والى يوم ظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).

وكما قالت عقيلة الهاشميين زينب (سلام الله عليها) للإمام زين العابدين… : (وينصبون ـ الناس ـ لهذا الطف علما لقبر أبيك سيّد الشهداء… لا يُدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً) (11).

وقالت (سلام الله عليها) ليزيد:

(فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تُميت وحينا) (12).

وسيذهب صدام قريباً بإذن الله، كما ذهب من قبله الطغاة والجبابرة ( وَسَيَعْلَم الَّذينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (13).

إن الواجب علينا إن أردنا الله واليومَ الآخر أن نصبّ اهتمامنا لإحياء كربلاء وبقية العتبات المقدسة مادياً ومعنوياً، وأن نكثر الاستفادة من هذا السراج الوهاج، الذي ينير الدرب لكل من يطلب السعادة في الدنيا، والفوز بالجنّة في الآخرة فـ(الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).

وعاشوراء أهم موسم لتحقيق كل ذلك، والله المستعان.

من كتاب

(الاستفادة من عاشوراء)

لسماحة المرجع الديني الأعلى الإمام السيد

محمد الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف

1 ـ الأعراف: 31.

2 ـ الأعراف: 145.

3 ـ الأعراف: 31.

4 ـ الإسراء: 27.

5 ـ إبراهيم: 28.

6 ـ الإسراء: 82.

7 ـ فصّلت: 44.

8 ـ الأعراف: 145.

9 ـ التوبة: 19.

10 ـ هود: 60.

11 ـ كامل الزيارات: ص362.

12 ـ ورد في زيارة السيدة زينب عليها السلام.

13 ـ الشعراء: 277.

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية