|
الإعلام التجريبي السلبي.. |
فلسفات ونوايا |
جبار محمود |
في.. اللحظات الحاسمة من التاريخ، تتعرّض الحقائق الدامغة أحيانا إلى تدخل الإعلام المأجور ليغلفها بغش معلومات وتفاصيل ليس لها أي مصداق على أرض الواقع.. وهذا التحدي الإعلامي المفضوح ضد الأمانة التاريخية، غالباً ما تقف خلفه السلطات السلبية المستفردة بوسائل الإعلام في بلدانها، والتي لا تتوانى من إظهار صنعة أكاذيبها (القصيرة الأمد) لكن ذلك لا يمنع من المكاشفة، بأن استقراء جادا للظرف الإعلامي الحاضر بكل مواكباته وعلى وجه الخصوصية منه بما هو سائد في معظم بلدان النماء يوصلنا إلى حافة الفاجعة الإعلامية وتقبل سخرية أقدارها على مضض. |
يمتاز.. نشاط ومخططو الفكر البرجوازي الغربي المشرفون بصورة مباشرة على إدارة شؤون الإعلام التابع، سواء من داخل السفارات الغربية المختارة بدقة مخابراتية في بعض عواصم البلدان النامية، أو من خارج حدود تلك البلدان.. بالمراقبة الكاثبة لتطورات الرأي العام لدى المجتمعات النامية، وفي مقدمتها مجتمعات العرب والمسلمين. وقد هال أولئك المفكرين البرجوازيين غداة انتهاء الحرب الكونية الثانية أواسط سني الأربعينيات، تنامي مبادئ الحرية والاستقلال والسيادة بين صفوف الجمهرات الشعبية.. وتبلور درجات عزم الحركات السياسية السرّية والعلنية المتصاعدة، وبالذات في البقاع العربية والإسلامية. فقاموا بترويج الاطروحات الدعائية المضادة.. المستهدفة محاصرة فكر الإنسان في الأقطار العربية والإسلامية، وإعاقة إعلاء شأنه في وطنه... فأي مواطن من أقصى البلدان العربية والإسلامية لم تطرق مسامعه بعد دعاية الفكر البرجوازي الغربي، التي أطلقت بشكل واسع لتقبّل أمر احتلال فلسطين، والقائلة ـ أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أراضيهم لليهود بمحض الإرادة ـ ثم غادروا فلسطين غير مجبرين، وبعد ذلك توجهوا مُطالبين العرب الآخرين، لمحاربة المالكين اليهود الذين دفعوا ثمن ما اشتروه بالأموال والتراضي...! فهل ردّ أي جهاز إعلامي في طول وعرض البلدان العربية والإسلامية بصورة مبكرة آنذاك، لمقارعة تلك الدعاية الخبيثة؟! من.. المتيقّن ا ن التاريخ لم يتحدث ولو مرة واحدة أن شعباً ما قد باع قرية صغيرة من وطنه.. لذا فلياكة تلك الدعاية الشفاهية لم تكن اكثر من فلسفة لتبرير (الهزيمة المقررة) للأنظمة العربية والإسلامية التابعة سنة 1948م.. ومحاولة تجريبية لتحييد الرأي العام المحلي في كل قطر عربي واسلامي، من صراع المقاومة التي أبدتها الجماهير الفلسطينية العزلاء أمام بطش وجرائم العصابات الصهيونية المسلحة المصدرة من دول الغرب.. صانعة مجازر قرية (دير ياسين).. وغيرها. أما الموقف الشعبي داخل الأوطان العربية والإسلامية فحافظ على حضوره وفسّر تلك الدعاية كونها إشارة سياسية غير معلنة، تبغي ضمناً استمرار اعتراف الحكومات العربية والإسلامية التابعة بالحامية العسكرية البريطانية.. المتواجدة آنذاك بفلسطين التي حولوها من حامية عسكرية عادية، لتكون قاعدة عسكرية متقدمة للنظام الرأسمالي الغربي في قلب المنطقة العربية والإسلامية، ولكن تحت لافتة (دولة إسرائيل). |
وإذ.. حاولت معظم أجهزة الإعلام العربية المحلية تسجيل ـ براءة اختراع ـ خلق فلسفة هزيمة أنظمتها، جرّاء نكبة فلسطين أواخر سنّي الأربعينيات فان العمل اللاحق للإعلاميات العربية اتسم بالسبق لصنع الفلسفات الجديدة بـ(التواني) و(الانبطاح) اتجاه الأحداث المحدقة بالمصلحة العربية العُليا، ولمّا كانت أنظار المجتمعات العربية قد توجهت بثقة إلى بعض الدول والبلدان العربية المحاذية الحدود مع أرض فلسطين المحتلة، كونها تتحمل المسؤولية الأدبية الأكبر في عملية الصراع العربي ـ الصهيوني، بحكم يُسر استطاعة تفعيل الواقع الجغرافي عسكرياً ضد فروض القوة الصهيونية، أخذت تلك الإعلاميات أداء دور المستخرد للآمال العربية المشروعة. فعلى سبيل التذكير بدلاً من أن تحرج إعلاميات العرب الرسمية والأهلية حكوماتها، قُبيل اندلاع حرب حزيران 1967م كي ترسل جيوشها لدعم الاستعدادات العسكرية العربية، ومشاركة بقية الجيوش العربية الوطنية في جبهات المعارك، تنفيذاً لـ(اتفاقية الدفاع العربي المشترك).. فقد كانت اكثر وسائل الإعلام العربية والإسلامية، تتناقل الأخبار حول مجريات حشود الجيوش العربية على حدود فلسطين، ببرود كأي أنباء عادية تتعلق بما يجري ويحدث في بلدان بعيدة كـ(الدومينيكان.. وساحل العاج...!) بحيث بدا المشهد والمسمع الأخير، وكأن إعلاميات العرب والمسلمين قد أصيبت بعدوى فيروس مرض السكوت عن الحق في لحظة واحدة0 واثناء.. اندلاع المعارك في حزيران 1967م بين جيوش عربية مع قوات قاعدة العسكرة الغربية ـ إسرائيل ـ وبغض الانطباع عن ملابسات ومباغتات ما أسفرت عنه، انبرت إذاعات عربية تابعة ورددت نقلاً عنها إذاعات إسلامية معروفة، متخذة على عاتقها إتلاء البلاغات العسكرية، والبيانات السياسية، والتحركات الميدانية.. المتحدثة عن انتصارات وهمية للجيوش العربية في عمق فلسطين. ولم يكد الشعبان العربي والإسلامي يسمعان بنتائج إيقاف الحرب واحتلال أراضي جديدة لصالح القوات الصهيونية الغربية الغازيّة واحتلال كامل (القدس) حتى انصعقا في صميم معنوياتهما وانتبها إلى لعبة تلك الإذاعات العربية والإسلامية المكشوفة، التي ركنت ودون أي اكتراث مشاعر الجُموع الغفيرة من الجماهير الواعية ـ .. المتأهبة لحمل السلاح ومنازلة الأعداء المحتلين. وبذا أثبتت تلك الإذاعات موقفاً أقل ما يقال بحقه، انه موقف افتقر إلى الحد الأدنى من امتلاك شرف الكلمة الإعلامية. هذا وبعيداً عن تمحيص الادعاء بالاستقلالية الإعلامية فقد فشلت كل محاولات تكحيل نكسة حزيران بفلسفات إعلامية جديدة سواء التي أطلقها الكادر الإعلامي البرجوازي الغربي، أو التي تبنّتها الإعلاميات العربية والإسلامية التابعة، إذ ولدت الفلسفات الآنفة ميّتة بسبب مسك المجتمعات العربية والإسلامية، لناصية الاستقراء الجيّد والصحيح ليس لحال نكباتهما السياسية، بل ولدور الإعلاميات المحلية المضادة لمصالح العرب والمسلمين. |
خلفية مبدأ (التدفق الحر للمعلومات ) |
لم.. يزل مفكرو الإعلام البرجوازي الغربي منذ ما تجاوز النصف قرن من السنين، ينشطون في التبجح بتكرار ادعاء أفضليات البث والنشر الحر ـ السائر على الطريقة الغربية المعتمدة لدى الأنظمة الرأسمالية، وعلى خلفية اعتقاد أنها وسيلة ناجحة للتأثير الفعلي المُراد للسيطرة على سايكولوجية المجتمعات الأخرى، وفي أوّلها مجتمعات العالم النامي، المستهدفة اكثر من غيرها في بنود الخطط الإعلامية والسياسية الغربية المرسومة فمثل هذا الادعاء ليس هو طرح اليوم.. إذ تشير توثيقات الإعلام أن منتصف أربعينيات القرن العشرين المشرف على سنته الأخيرة (2000م) قد شهد عشية انتهاء الحرب الدولية الثانية، تصريحات خطيرة لكبار ساسة الغرب ممن لم يترددوا من الإدلاء لما يبيّتوه من نوايا سلبية اتجاه المجتمع البشري، فوزير الخارجية الأمريكي الشهير(جون فوستر دلاس) قد صرح علناً سنة 1946م: (لو خُيرت بحق اختيار قرار واحد فقط، لأجل فعالية سياستنا الخارجية، لجعلت من تصعيد ـ التدفق الحر للمعلومات ـ مبدأ أولوياً بذاك) ومن واقع احترام الدروس النابعة من التجربة الإعلامية المُعاشة والمواكبة، لا توصّل الباحث المحايد أن كلمة (الحر) الواردة في نص مبدأ (التدفق الحر للمعلومات) إلاّ لمعنى آخر معاكس تماماً هو.. التدفق المشروط من قبل الدولة الرأسمالية المعنية. فمهما كان مصدر التشويهات الإعلامية الغربية، فليس هناك شك بأنها تتدفق وفقاً لتعليمات مُقيّدة، يشرف عليها قادة إعلام غربيّون ينسقون المواقف المسبقة مع حكّام دولهم. فاطروحات.. الغرب في مجال الإعلام والمعلومات، لا تزال تدور حول محيط ثلاثي مرتكزاته الثلاثة هي مرتكز قيادة هيمنة النظام الرأسمالي، ومرتكز تبعية وخنوع الدول النامية المعنية ومرتكز نشر الجهل سياسياً في العالم وبتنفيذ خطة هذه الأطروحة الشيطانية تمكن الغرب أن يشهر صفة قوّته بين قاطبة المجتمعات، لأجل نيل مؤكد لحصصه من خيرات وامتيازات بلدان النماء. لذلك فلا مندوحة من التيقّن تماماً، أن توجهات الغرب الذي وجد في الإعلام معولاً لتخريب النفوس من دواخلها يوازي في خلاصة نتائجه، ما تلحقه الأسلحة الفتاكة بالإنسانية من هلاك ودمار0 إن بروز الإعلام كقوة وعي وثقافة، أو كسلطة تمويه وتجهيل، لا يسد منافذ التناهي لمعرفة أو تخيّل الكيفية الممكن أن يستفاد منها الأفراد والمجتمعات من العروض الإيجابية، وتركين العروض اللا مرغوبة، فإذا ما استطاعت الأذهان الراجحة التمييز الحقيقي بين اللغو الإعلامي والبرنامج الإعلامي الإيجابي، فسيكون ذلك خطوة فكرية وثقافية واجتماعية حقه بالاتجاه الصحيح والمأمول.. فهذا الزمن المتشابك الرحى لا يعفي الجمهور أيضاً من مسؤولية التفكر، بما تعرضهُ عليه وسائل الإعلام المحلية والدولية من ماهيات نتاجاتها. |
يقول.. الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرّي: وللإنسان ظاهر ما يراه وليس عليه ما تخفي العيوب ويبدو.. أن عدداً كبيراً من أصحاب القرار في الدول الغربية والدول النامية التابعة على حد سواء، يتخذون من المعنى الحرفي لمثل هذه المقولة الشعرية عند (المعري).. منهاج عمل إعلامي. لذلك فإنهم لا يترددون في الإيعاز من اجل السعي لعمل شيء سلبي، يؤدي لتغفيل عقول الجمهور المتعامل مع الإعلام، ولعل مما يترك أثراً سلبياً فعلاً في نفوس المستمعين والمشاهدين للنتاجات الإعلامية بشكل عام، أن أصحاب القرار المعنيين لا تعتريهم ذرة من الحياء، حين يأمرون أو يوافقون أو يغضون النظر.. ويطلقون على بعض البرامج الإذاعية (المسجلة على أشرطة في أوقات أو أيام سابقة).. والمأخوذة أصلاً من نداءات تليفونـــية مطلبيه للمواطنين، تسمية برامج (البث المباشر).. وحيث أن اكثر قصد هذا النوع من البرامج الإذاعية هو دعائي بحت، يهدف لمحاولة تبييض (السجل الأسود) لبعض الحكومات. لكن الانطباعات الشعبية اللا معلنة بهذا الشأن، تؤكد أن ذلك لن يجدي شيئاً، أمام تجربة المجتمعات ومعرفتها بنزق اغلب تلك الحكومات. ولعل استبدال تسمية (البث المباشر) الذي هو من نوع البث اللا مباشر.. إلى تسمية مثل (شكاوى المواطنين على الأثير).. مع الإشارة في كل حفلة أن البرنامج الإذاعي المذكور يجيب على الشكاوى المستلمة في أوقات أو أيام سابقة، فبتلك المصداقية تكسب وسائل الإعلام مزيداً من احترام الجمهور لها بعيداً عن أي مطبة أو فضيحة أو مزايدة للاستهلاك المحلي ،وطبيعي فهذا ليس اقتراحاً إعلاميا، بقدر ما هو موضع تنبيه وتساؤل. إن.. إثبات أثر مصداقية التعامل الإعلامي، لا يتطلب الالتفاف على الوقائع، فجمهور الإعلام أذكى بكثير مما يعتقد سلباً عن تمحيصاته واستيعاباته أيـــضا، إذ ما زالت تسمية الأشياء بأسمائها تشكّل مطلباً فردياً واجتماعياً دائماً، وبالذات لدى مجتمعات البلدان النامية عموماً والبلدان ذوات الخلفية الحضارية على وجه الدقة. ففي دراسة إعلامية وثقتها منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).. سنة 1983م جاء فيها: (أن الدول العربية تستورد ما بين (31%) إلى (57%) مما تعرض محطات التلفزيون الغربية).. ومن البديهي فهذه نسبة عالية جدا، ولها مخاطر جدية تُهدد القيم الروحية والأعراف والتقاليد الحضارية للمجتمعات العربية، ويفترض أن لا تكون الإعــلاميات العربية الحكومية محايدة اتجاه مثل هذه النسب العاليـــة من العروض الآنفة، إذ من المؤكد أن تأثير ضررها سيتخطى كل مكتسب نفعها. |
إذ.. يحتسب الإعلام بمثابة غذاء روحي وتربوي وثقافي وحضاري، لذا فأي نغمات نشاز يعتمدها إعلام ما فالكلام عنها.. يجري تداوله بطريقة وأخرى بين الجمهور في اللقاءات والجلسات الخاصة، والجمهور الواعي لا يتردد ولو للحظة هينة من توجيه إلصاق إدانته بالسياسة الإعلامية لدولة معينة، قبل إدانة أجهزة إعلامها السلبية ذاتها، وعلى اعتبار أن السياسة الإعلامية هي التي تقود وسائل الاعلام وليس العكس، وكم تحاول حواضر الإعلاميات الغربية وذيولها من الإعلاميات النامية التابعة، لأجل فرض أن يكون هناك شيء من معنى مؤيّد لنشاطاتهما الإعلامية المشتركة، لكن حقيقة هذا لم يظفر به بعد ساسة الغرب، وأعوانهم من ساسة الارتزاق في قيادات بعض الدول النامية، الذين يقفون في مراكز الرقابة الخفية، لمعرفة كل صغيرة وكبيرة تتبناها وتقدمها النشاطات الإعلامية المختلفة. واليوم فلأنّ المطلوب من الناس في الأوطان العربية والإسلامية والنامية، أن ينسوا دوماً.. ولا يتحدثوا بالحقائق المرة الدائرة الرُحى حولهم، والنادّة لتطلعاتهم السياسية والحياتية المشروعة، حتى لو كانت تلك الحقائق تسير بسرعة البرق بين الدانين والقاصين.. فمثلاً إذا أراد المرء التكلم عن مظلمة واقعة على مجتمعه، وما تجرّه ذاتية المظلمة من مضاعفة المعاناة على كاهل بني جلدته، فعليه أن يعلم جيداً انه تحت ظل حكم لا يجيز لاحد الأعراب أن له أو لغيره حقاً ثابتاً، كي يعيش بكرامة محفوظة يرعاها القانون داخل وطنه ومن الضروري في نظر أغلب ولاة الأمر.. أن يفهم كل امرء من المواطنين ممن ينشد حياة هانئة، أن يستحصل أولاً نيل رضى دولته، ولا يجازف بالتدخل في شؤونها، وإلاّ فسوف يعرض مصير حياته للخطر، ويتم ترحيله عن هذه الدنيا قبل حلول موعد مغادرته إياها. أما وسائل الإعلام المنسقة مع توجيهات ولاة الأمر فليس لديها عندئذٍ ما تضيفه لما وقع، اكثر من التأييد لقرار سحب صفة (المواطن الصالح).. من ذاك (المخالف) الذي سولت له نفسه، وتدخل بالسياسية وكأنه في دولة لا يحكمها السياسيون).. فأصبح برحيله إلى الآخرة عبرةً للغير! وفي حين.. كانت إعلاميات العديد من الدول تبدو وكأنها في حالة منافسة وسباق، لتقديم افضل النتاجات الإعلامية كما يبدو، فان كثرة التنوع الإعلامي يسهل حشر المادة الإعلامية المُخلة فيه ومن ثم تمريرها بشكل ليفاجأ بها الجمهور على حين غّرة أثناء وقت عرض ذاك النتاج الإعلامي الملغوم، واقرب مثال بهذا الصدد حين يزيغ (الرقيب الإعلامي) ويصدر قرار موافقته لعرض أفلام أجنبية في صالات السينما، وعلى شاشات التلفزة المحلية، مع علمه أن تلك الأفلام تقدم مجرمي المخابرات الأجنبية والجواسيس المحليين خونة شعوبهم، بصورة الأبطال الشجعان الذين لا يقهرون، إن المُراد بهذا الإعلان هو أن أي حسبان لمشاعر الجمهور الوطنية، لم يعد قضية، قائمة في النوايا الإعلامية الحكومية المعنية. |
لكل.. السلوكيات الطبيعية أعراف وقواعد... ولعل الشعور بالمسؤولية هو من ارقى ما يمكن أن يُشذّب السلوك المتشنج المغرور، عن حالة لا يُفضّل السكوت عليها، وما ينطبق على شتى نواحي النشاطات الإنسانية، يسري ذاته في الجانب الإعلامي أيضا. فقد لوحظ في الهند.. الدولة العضوة العتيدة في (منظمة دول الرابطة ـ البريطانية ـ الكومونولث) أن المشهد الإعلامي المجرّب فيها مقلوب على الرأس، والقصة تبدأ حين قامت صحيفة (اينديان اكسبريس) بنشر أخبار تنتقد فيها وقوع عمليات فساد في بعض مرافق إدارة الدولة الهندية وتدعو لضرورة معالجتها سريعاً، لكن الحكومة الهندية اعتبرت نشر تلك الأنباء مجرد مزاعم! وبحسب ما نقلته وكالة (رويتر) يوم 2 أيلول 1987م، عن لسان أحد محرري الصحيفة ويدعى (أرون سورى).. أن قوة من الدرك والشرطة قوامها ثلاثون عنصراً، اقتحموا مقر الصحيفة وسط (دلهي) وفتشوا أقسامها وعرّضوا محرريها للمعاملة الخشنة وتبيّن بعد ساعات أن عدد المكاتب الفرعية.. للصحيفة البالغة (11) مكتباً في عموم الهند، قد تعرّضت لمداهمات تعسفية مماثلة أيضا. فهل بقي أمل حقيقي لدى المواطنين الهنود، ممن لم يجدوا مأوى سكن لهم ويفترشون في الليل أرصفة شوارع (دلهي) و(بومباي) وغيرهما من المدن؟! لقد.. توغلت في عموم وسائل الإعلام ومراكز المعلومات الدولية والنامية فلسفات ونوايا واتكاليات وتخوفات، وهذا ما جعل إبداء التضحيات الحقة عند اغلب صحافيي العالم ليس ضمن أولويات همومهم، ومن هنا تبدأ سفرة تجافي الحقيقة والابتعاد عن الالتزام.. الأخلاقي برسالة الإعلام عند كافة الإعلاميات السلبية. |