اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية

شباط 2000م

مجلة النبأ ـ العـد د  42

ذو القعدة 1420

                                     

الاعلام..

                                       

وتفعيل وعي الأمة

عبد العزيز الناصري

السينما وأصحاب القرار السياسي

المسرح وأهميته الاعلامية

الاعلام المرئي.. لماذا؟

مقدمة

الاعلام المرئي والخطاب الثقافي الاسلامي

التلفزيون والدور المتميز

من بعض خطوات السينما الأمريكية


مقدمة




عرّف بعضُ الدارسين الثقافة بأنها نتاج تفاعل الناس مع الطبيعة وتفاعل بعضهم مع البعض الاخر، عبر قيم وتجارب وسلوك وأخلاق وعادات. بينما رأت فئة أخرى بأن الثقافة هي حصاد اجتماعي يشمل المعارف والتقاليد والفن وكل ما يكتسبه الفرد من حوله.

ولعل هناك تعاريف اُخر، لكن ما يهمنا هو أن الثقافة في كل الاحوال تعمل على تفعيل الوعي الجماهيري وتسعى لتكثيف الموجودات الحية العاقلة مع البيئة التي تعيشها لتصبح بعد حين سلوكاً اجتماعياً يوجه وعي الامة.

وللثقافة معطياتها التي تعرف بها والتي من طبيعتها التحرك المستمر والنمو والانتقال من بيئة إلى أخرى فتأخذ منها أو تعطيها، فهي أذن تبحث دوماً عن الوسيط الملائم لانتقالها، هنا وهناك. وما من غير الاعلام وبشتى صوره، سواء المسموع أو المقروء أو المرئي افضل وسطاً ينقلها بين مجتمع وآخر، أو بين شرائح المجتمع الواحد. بيد أن الانتشار عن طريق الإعلامين المسموع والمقروء يظل منحسراً حيال الانتشار الذي يتم بواسطة الاعلام المرئي ومن خلال وسائله المتاحة: السينما، المسرح، التلفزيون وسواها.


الاعلام المرئي.. لماذا؟




يكتسب الاعلام المرئي ميزته الخاصة، وأهميته الخطـــيرة لكونه يتعامل مع الصورة والحدث ومن خلال أشد الحواس الإنسانية تأثراً بما حولها ألاّ وهي حاسة البصر والعين البشرية تنقل الصور عبر امتدادات بصرية إلى أعصاب الحس البصري لتملأ بها خلايا الإدراك الذي ينقلها بدوره إلى مراكز الحس الوجداني والتي تعزز انفعالات شعورية عكسية. وتخزن الصورة المنقولة في الذاكرة لاستدعاءها بعد حين. وتمتاز الصور التي تنقل عبر العين البشرية بأنها حقيقة ومثالية، وبالتالي تكون ردود الفعل الشعورية المتأثرة بتلك الصورة تكون حقيقة هي الأخرى.

فمن يرى مشهداً مرعباً مخيفاً، لا تفرز حياله مراكز الحس الشعوري إلاّ خوفاً وهلعاً. كذا يكون الحال بالنسبة للمشاهد المفرحة أو المحزنة والمضحكة تفرز فرحاً أو حزناً أو ضحكاً.

والعين على العكس من باقي الحواس لا تحتاج إلى دليل أو برهان بل تتوحد وتعرض الصور عندها حتى وان توزعت لاكثر من رائي، وكذلك تتوحد لدى الجميع حالة الإفراز الشعوري ما لم نأخذ بنظر الاعتبار المزاج الشخصي لكل فرد.

وثمة مثال يجسد الحالة ويؤكدها، لو أن هناك خطيباً يلقي أمام جمع من الناس خطبة يتحدث بها عن واقعة بطولية قام بها بعض الفدائيين ضد العدو الصهيوني. فأن الصور التي تنقل إلى ذهن كل فرد وهو يستمع لحديث الخطيب تظل احتمالية تشوبها الضبابية وعدم الوضوح، وتختلف من شخص لآخر، وبالتالي يتباين أيضاً الإفراز الشعوري وحالة التعاطف مع ذلك الحديث.

ولو افترضنا أن المتحدث عزز ما يقوله بشريط فيديو قد صور الحادثة كما هي فبالتأكيد تكون الصورة ولدى كل من يشاهدها واحدة وحقيقية ويكون تفاعل الجميع معها واحداً إن لم يشوب البعض حالة المزاج المتغير.

إذن... هكذا تأتي خطورة الاعلام المرئي. فهو يستطيع وبقوة توحيد الأحاسيس والشعور لدى المتلقين من خلال ما يعرضه في وسائله المتاحة والمنتشرة هنا وهناك. مثل السينما. والمسرح. والتلفزيون.. وسواها.


المسرح واهميته الاعلامية




يعتبر المسرح من اقدم الفنون التي عرفها الإنسان فيمتد تاريخه بعيداً في عمق التاريخ البشري. فقد أظهرت بعض الاكتشافات الأثرية للأقوام الغابرة لا سيما الإغريقية منها أن تاريخه يرجع إلى ما قبل الميلاد.

وفي العصر الوسيط، عصر هيمنة الكنيسة آنذاك على السلطتين الدينية والدنيوية نجد ، للمسارح أهمية خاصة وقد بنيت بعضها إلى جانب أبنية الكنائس ودور العبادة. وقد أظهرت دراسة بعض المخطوطات التي عثر عليها في الآثار اليونانية، بأن الكنيسة وهي تسوس المجتمع ديناً ودنيا وظفت المسرح لترويج أفكارها ومفاهيمها وذلك عن طريق عروض مسرحية تستل فكرتها من الكتب المقدسة لديهم آنذاك، ومن تعاليم السيد المسيح… .

وصارت هذه العروض بعد حين طقوساً عبادية تفرض وبشيء من الإكراه، على الذين يأمون الكنيسة للصلاة والتزود بالمعرفة الدينية لتصبح لهم دروساً عملية تنفعهم في حياتهم اليومية.

وما من ريب، أن الكنيسة لم تفرض مثل هذه الطقوس العبادية، كما وأنها لم تولي أبنية المسارح كل هذا الاهتمام إلا بعد ما لمست وعن قرب أهمية المسرح في التأثير المباشر والحقيقي على نفوس المــتلقين، ووجدت مسلكاً أفضل من إلقاء المواعظ شفاهية والتي تنسى بعد حين.


السينما وأصحاب القرار السياسي




لعل ما توصلت إليه الكنيسة في العصر الوسيط إلى أهمية المسرح وهو أحد وسائل الاعلام المرئي، قد توصل في بدايات القرن العشرين أصحاب القرار السياسي الغربي إلى الحقيقة ذاتها وقد ابهرهم اختراع جديد و وسيلة أخرى بل ومن أخطر وسائل الاعلام المرئي ألا وهي السينما.

وبالرغم من أن السينما في خطواتها الأولى صامتة تعتمد الحركة والإيماءة وتوصل الفكرة والمضمون عن طريق القدرة الإبداعية للممثلين. لكنها وبوقت قصير من ظهورها استطاعت وبشكل ملفت للأنظار استقطاب الناس من حولها. مما دفع أصحاب القرار السياسي آنذاك من تبني هذه الصناعة الجديدة.

وقد اعتبر هؤلاء أن السينما وهي أم الفنون ـ كما يسمونها ـ قادرة على التغيير الذي ينشدونه، وسلاح ماض ضد أعدائهم، فاهتموا بإنمائها لتزدهر وتتقدم من أجل إيصال أفكارهم إلى أكبر شريحة في المجتمع.

ولعل أولى الخطوات التي خطتها السينما الأمريكية وهي تتبنى هذا المشروع الجديد هو تغيير الخارطة التاريخية لسكان القارة الأمريكية الأصليين وهم الهنود الحمر، فأنتجوا وفق هذا السياق، أفلاما تصور هؤلاء السكان بأنهم أوباش قطاع طرق ينتهكون الحرمات ويسطون على أموال الغير، وهم يعيشون حياة بدائية تعود إلى قرون من الزمن، ولاجل إيجاد مسوغ لإبادتهم أظهروهم بأنهم لا يريدون التطور والتقدم بل يحاربون أولئك البيض الذين جاءوا فاتحين من أجل بناء حضارة يسودها السلام! فنمت في نفوس أجيالهم بذرة الحقد والكراهية على أولئك السكان واعتبروهم من الخارجين على القانون. وهكذا رأتهم الشعوب الإسلامية من خلال ما يعرض فيها من أفلام الكابوي والتي صورت الرجل الأمريكي ذا القبعة هو رجل لا يقهر.

وبعد أن استطاعت السينما الأمريكية مسخ هوية هؤلاء الأقوام، خطت خطوة أخرى حيال العنصر الزنجي، وصورته بابشع الصور، ورسمت له شخصية منحرفة لا يعرف إلا التسكع والإدمان على الخمر والجريمة فمثل هؤلاء يجب أن يرمى بهم إلى مزبلة التاريخ، ولا يصلحون إلا عبيداً أرقاء في بيت الرجل الأبيض الذي باركته السماء!


من بعض خطوات السينما الامريكية




ومن اجل تبرير الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين، عمدت الإمبريالية والصهيونية العالمية إلى توظيف السينما الأمريكية ودعمها بأرصدة غير محددة، لانتاج أفلام دعائية تصور الرجل اليهودي مغلوبا على آمرة لا يريد الا العيش بسلام في أرض الأجداد والمعاد! وإزاء ذلك صورت الرجل الفلسطيني بأنه ينشر الرعب والإرهاب في المنطقة، وهو الذي اغتصب القدس وسواها بعد أن كانت موطناً آمناً لليهود.

وقد أتقنت السينما الغربية إظهار هذه الكذبة الكبيرة بشكل واقعي واكثر إقناعا. فبعض الأفلام تظهر بطلاً يكابد ويعاني من أجل عقيدته التي يؤمن بها والتي تظل طوال الفلم غامضة مبهمة... بل وبمشاهد مأساوية تجعل المشاهد يتعاطف مع هذا البطل، وحيناً تُذرف الدموع لاجله...

وقبل أن ينتهي الفلم للحظات وحينما يقتل هذا البطل يعرف المشاهد أنه يهودي. وبمثل هذه الأفلام استطاعت السينما الأمريكية دعم الصهيونية العالمية والترويج لها و إقناع البعض للتعاطف معها.

وبخطوة أخرى راحت السينما الأمريكيــــة بل الغربية عموماً تنتج أفلاما تنشر الرذيلة والجريمة وتسوقها إلى البلدان الإسلامية لإشاعتها بين صفوف الناشئين لا سيما البعيدين عن قيم ومبادئ دينهم. مما جعل الكثير منهم يقع في وحل الرذيلة والجريمة ومما يؤسف إليه أن مثل هذه الأفلام تعرض دون أن تتعرض لقص الرقيب بل أسست شركات أهلية لتسويقها و الترويج لها بعد أن راحت تدر عليهم آلاف الدولارات.


التلفزيون والدور المتميز




ربما لا يجهل أحد لا سيما في وقتنا الراهن دور التلفزيون في تفعيل الوعي الجماهيري، وإرساء قواعد جديدة تصبح ديدن أجيال متعاقبة. ومما لا ريب فيه، أن جهاز التلفزيون صار واحداً من أهم الضروريات المنزلية، ويكاد أن لا يخلو منه بيت في أرجاء المعمورة ومن هنا جاء دوره المتميز ولكونه وسيلة إعلامية مرئية يمكن الاستفادة منه أو الإفساد فيه، فهو سلاح ذو حدين شأنه شأن كل الوسائل الإعلامية المرئية.

ولعل النظام العالمي الجديد، والذي يدعو إلى عولمة العالم لا سيما عولمة الاعلام... جندت الإمبريالية والصهيونية التلفزيون في نشر مفاهيمها الجديدة والتي أرادت لها أن تكون سلوكاً عاماً لشعوب الأرض ليسهل أمامها تسييسها وفق أهواءها وأطماعها التوسعية.

وان الفضائيات التي غزت البيوت ومنها الإسلامية صارت منابر يتبارى عليها أصحاب الأيدلوجيات المختلفة لنشر أفكارهم المنحرفة والتي تغلف السم الزعاف بالعسل الشهد. ومن منطلق أن أصحاب القرار السياسي الغربي يعلمون جيداً أن قيم ومفاهيم الدين الإسلامي الحنيف إن سادت الأرض يوماً فستمحق ما يأفكون، وتسحق ما يبنون، وتمحو ما يخططون، لذا كان هدفهم من توظيف التلفزيون هو محاربة هذه القيم وزرع بذور التفسخ والانحلال في نفوس ناشئتنا.. بل خطو خطوة أكثر خطورة ولاجل إحكام طوق المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين أنتجت أفلاما للأطفال وعلى شكل صور متحركة والتي يعشقها الصغار ولوثوها بأفكارهم الخبيثة.

وهكذا صار التلفزيون خطراً يعيش معنا، قنبلة موقوتة تفجر صرح قيمنا ومبادئنا وينشئ جيلاً ينأى عن دينه ميمماً وجهة شطر الرذيلة والانحراف.


الاعلام المرئي والخطاب الثقافي الإسلامي




وبعد هذه الجولة السريعة والموجزة لوسائل الاعلام المرئي الأكثر خطورة نتساءل ما دور الخطاب الثقافي الإسلامي حيالها؟ وهل هناك ثمة مشروع وجاهي إن صح التعبير يقف بوجه تلك الهجمة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين؟

ربما تصدمنا الإجابة عن تلك الأسئلة، ونحن نجد أن الخطاب الثقافي الإسلامي وهو الأجدر من سواه من استيعاب كل متطلبات العصر وتحدياته، نجده يظل قصي الجانب عن كل هذا. بل راح البعض يفتي علناً أو سراً بحرمة هذه الأجهزة الإعلامية لأنها تسوغ لانتشار الفساد والإفساد وتفعل فعلتها دون رادع أو منافس يحاربها.

لقد فات أصحاب الرأي هذا، بأن تلك الوسائل الإعلامية بقدر أنها ذات خطورة وأهمية كبيرين. فهي جامدة لا تعي ولا تدرك، شأنها شأن القدح الفارغ الذي يستوعب السائل الذي نريده نحن أو كالحاسوب الذي يظهر على شاشته ما بُرمج فيه مسبقاً وحسب.

أو ربما فات هؤلاء الدور الذي تلعبه العروض المسرحية أيام شهر محرم الحرام... كيف تنغرز في نفوس الناس وتجعلهم في عويل وبكاء صادقين؟ ولعل بعض مشاهدها تظل في ذاكرة الإنسان طوال حياته؟.. بينما قد سمع في حياته عدداً لا يستهان به من الخطب العصماء لكنها سرعان ما نًسيت تماماً وصارت أثرا بعد عين؟

أو ربما نتساءل من المسؤول عن الانحراف الأخلاقي والسلوكي لدى البعض من الشباب المسلم؟ ولعل حقيقة لا تخلو من مرارة مقيتة أن بعض شبابنا المسلم لا يدري عن دينه الا اسمه لأنه قد درج في هويته الشخصية ـ ولا يعلم عن عقيدته شيئاً قط ـ وأمام هذا نجده يعرف كل شيء عن آخر ما عرض فـــي هوليود من أفلام الجنس والجريمة، ويعلم كثيراً عن حياة المطرب فلان أو الممثل علاّن... وقد ملأت جدران غرفته بصور المطربين والفنانين العرب والأجانب.

ترى من المسؤول؟ هل هو البيت؟.. أم المدرسة؟.. أم أصحاب الخطاب الثقافي الإسلامي؟

نرى أن الجميع مسؤول عن هذا.. لكن أكثرهم مسؤولية أصحاب القرار الذين لهم اليد الطولى في عملية التغيير... فهم أولى من سواهم في تبني السلاح الذي يحمي أبناءنا من هجمات تلك الفضائيات وأفلام السينما الغربية... ولعل استطاعتهم تلك بتبني نفس السلاح الذي حوربنا به... وتبني قضية الاعلام المرئي فهو الخندق الآمن لنا، ومنه يمكن أن نهاجم أو ندافع.



 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية