اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية

شباط 2000م

مجلة النبأ ـ العـد د  42

ذو القعدة 1420

 

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

 
       

 


من المحاضرات الأخلاقية لسماحة الفقيه المحقق


آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)


السيرة الخالدة

أثر العمل على القلب

العمل قبل القول غالباً

المواظبة على العلم

عتق رقبة

الكلام مسؤولية

العمل قبل القول غالباً       

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سبحانه وتعالى: ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة/44.

الأمر بالمعروف واجب شرعاً وهو من فروع الدين الإسلامي الحنيف وكذلك النهي عن المنكر.. ولكن هناك نقطة مهمة نريد التوصل إليها من خلال هذا البحث وهي:

أن البعض يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بوسائل متعددة منها المدرسة والمسجد والإذاعة وما شابه فيقوم بتعليم الناس بأن الصلاة واجبة والصوم واجب وهكذا باقي العبادات والمعاملات الحسنة وينهى الناس عن الإتيان بالفواحش والمنكرات ويخبرهم بآثارها الوضعية في الدنيا وما تؤول إليه النتيجة أخيرا ولكنه لا يعمل بها فقوله لا يطابق فعله والحال أن العمل بالمعروف واجب على الآمر بالمعروف كشيئين متلازمين، فواجب أن تأمر بالمعروف وواجب أن تعمل بالمعروف أيضاً والنهي عن المنكر واجب والانتهاء عن المنكرات واجب أيضاً سواء للآمر والمأمور وللناهي والمنتهي، لذا لو فصلنا بين الأمرين نكون كمن يأمر الناس بوجوب الصلاة وهو لا يصلّي والعقاب هنا يكون اشد وأكبر وفي هذا المجال ورد عن انس بن مالك قال:

(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مررت ليلة اسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل، فقال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم. وقال بعضهم أتأمرون الناس بالصدقة وتتركونها انتم وإذا أتتكم الضعفاء بالصدقة لتفرقوها على المساكين خنتم )(1).

 اثر العمل على القلب      

الكلام الذي ينبعث من القلب يؤثر في الناس فهو كلام من القلب إلى القلب وأما الكلام الذي لا ينبعث من قلب سليم فهو لا يؤثر، لأن لكل عمل عبادي أثرا على قلب أو روح الإنسان وبالتالي جسده، فالصلاة مثلاً تبعث في القلب التواضع والالتزام وحب الناس.. والصوم يبعث على الصبر والتحمل والاستقامة.. وهكذا كل عمل عبادي له أثر وهذا الأثر لا يحصل عليه الآمر بالمعروف أو المتكلم هباءً دون عناء وعمل.

وان تنازلنا وقلنا أن المتكلم يؤثر في الناس من دون عمل لحنكته وبيانه ومعرفته بكيفية السيطرة على عقول الآخرين فهو له بعض التأثير على المستمع وليس كل التأثير بمعنى أن التربية الجيدة والصالحة مع الاستقامة لا تحصل لهذا الفرد وبالتالي المجتمع ككل...

وفي كلام جميل لبعض الحكماء: اعلموا أن الناس لا يكونون كما تقولون وانما يكونون كما تكونون انتم.

 السيرة الخالدة      

الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة حسنة نقتدي به وسيرته كانت رمزا للخلق العظيم وبقيت مخلدة على مدى التاريخ وحفّزت الملايين على اعتناق الإسلام وهناك رواية يتناقلها الخطباء والناس ورغم قصرها وبساطتها فهي قمة التعليم لنا ولمعلمي الأجيال القادمة وحاصل الرواية أن امرأة جاءت مع ابنها إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً وهو جالس بين الأصحاب تطلب منه أن ينصح ابنها في اجتناب أكل التمر وكان يأكل التمر كثيراً وأثرت على أسنانه فطلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منها أن تأتي به في اليوم التالي لينصحه فاستغرب الحاضرون من فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي اليوم الثاني جاءت المرأة بابنها ونصحه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم أكل التمر وذهبت المرأة وعندها طلب الحاضرون توضيحاً للأمر فأجابهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). بجواب وهو محل شاهدنا بأنه كان قد أكل التمر يوم أمس ولو نصحه حينها لما أثّر كلامه على الصبي وفي هذا اليوم امتنع (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أكل التمر ليكون كلامه مؤثراً ونابعاً من القلب... وهذا غيض من فيض واستمرت هذه السيرة المفعمة والعطرة من بعده متمثلة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) وقد ألفت كتب عديدة في مكارم أخلاقهم (عليهم السلام) .. ولا ننسى هنا سيرة علماءنا الماضين ممن طابق قولهم لفعلهم رغم البعد الذي بيننا وبينهم فبعضهم عاش قبل 1200 سنة والبعض أقل من ذلك ولكنهم موجودون بيننا يومياً من خلال دروسنا وأحاديثنا الأخلاقية والبعض يحتفظ بمقام عالٍ يزوره المؤمنون ويتذكرون أثارهم الصالحة، وهذا الأمر ليس سهلاً لأننا لو أخذنا أي شخص من المجتمع الحالي وسألناه عن اسمه واسم أبيه وأجداده فانّه على أكثر التقادير يصل إلى ذكر جدّه الخامس أو الرابع ولو أراد التمرّن على حفظ أكثر من ذلك فالأغلب سيجد صعوبة في الأمر. أما من ترك أثراً صالحاً ولو عاش قبل مئات السنوات فهو يذكر من دون عناء زائد بالثناء والجميل.

 الكلام مسؤولية      

قال سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (2).

كل كلام يصدر من عاقل فهو مسؤول عنه، فلو كثر كلامنا كانت مسؤوليتنا أكبر وأعظم، ولو تأمّلنا هذه الآية الشريفة جيداً لقلّلنا من كلامنا إلاّ إذا كان يصدر منّا بحق، فالقول واجب في إظهار الواجبات وتعليمها.. ولكن المتكلم تقع عليه مسؤولية العمل بها أولا ثم إقناع الآخرين فما دمنا نحن المسلمون لا نعمل بتعاليم الإسلام كالحرية والاخوة والسلام والصدق.. لا يمكننا إرساء أساس الحكومة العالمية الواحدة والتي جاءت في تعاليم الشريعة الإسلامية جاهزة وواضحة المعالم لكنها تحتاج إلى فعل يطابقها وإلاّ سنقع تحت طائلة مقت الله عز وجل وعقابه سواءً في الدنيا أو في الآخرة.

أما الآخرة فكما روي (إن أناسا من أهل الجنة اطّلعوا على أناس من أهل النار فقالوا لهم قد كنتم تأمرونا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة، فقالوا: كنّا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها)(3).

وأما في الدنيا فللكلام أيضاً أثر باقٍ يستحق فيه الثواب فالولد عندما يدعو لوالده أو يقرأ على قبره آية أو سورة يكتب له ولوالديه الحسنات ويغفر لهما ذنبهما وقد ورد عن الإمام الصادق … انه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة بقل هو الله أحد فإنّه من قرأها جمع الله له خير الدنيا والآخرة وغفر الله له ولوالديه وما ولدا)(4).

فالإنسان إذا كان كلامه ذا تأثير فهو المستفيد من كلامه ولسنين عديدة ودرجات مضاعفة أيضاً.

 عتق رقبة      

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أربعة تلــــزم كل ذي حجى وعقل من أمتي، قيل يا رسول الله ما هنّ؟ قال: استماع العلم وحفظه ونشره والعمل به)(5).

فلو وضعنا هذا الحديث الشريف أمامنا وتفكرنا في أنفسنا قليلاً لنرى كم منّا عمل به، ولعله يوجد الكثيرون من بيننا قد استفادوا منه لذا ينقل في أحوال أحد الخطباء الصالحين أنه كان يرتقي المنبر الحسيني في شهر رمضان المبارك للوعظ والإرشاد فيغص المجلس بالحاضرين وكلامه كان يؤثر فيهم جداً وهذا العمل فيه مسؤولية كبيرة وصادف أن جاءه في الأيام الأولى للشهر المبارك أحد المماليك من الذين يحضرون المجلس مع سيّده وطلب من الخطيب أن يتكلم حول ثواب العتق ليتخلص من العبودية، فوعده الخطيب بأن يتكلم يوماً في هذا الموضوع 00 ومرّت الأيّام والعبد ينتظر على أشدّ من الجمر حتى أشرف الشهر المبارك على الانقضاء وكاد ينفذ صبر العبد وقبل نهاية الشهر بأيام قليلة ارتقى الخطيب المنبر كعادته يومياً وتكلّم حول العتق وآثاره.. وقد أثّرت المحاضرة في نفوس الحاضرين بحيث حصل العبد على حريته بعد ذلك المجلس، فجاء العبد إلى الخطيب ليشكره ويعبّر له عن امتنانه الكبير، ولكن بقي في نفسه سؤال أراد معرفة جوابه من الخطيب الصـــالح لعلّه يداوي قلّة صبره بالجواب.. فأجابه الخطيب مبتسماً بأنني لو لم أعمل طبقاً لما أقوله لما كان كلامي يؤثر في الناس ولم تجد حضوراً بهذا العدد والنوع.

فقصّ عليه ما لم يعلمه قائلاً: باني ذهبت يوم طلبت مني ذلك الموضوع أبحث عن عبد لكي اشتريه وبعد مدة حصلت عليه بالفعل وصحبته معي أياماً عديدة إلى السوق والمجلس وعند بعض الوجهاء ليعرف الناس ومنهم سيّدك باني أملك عبداً وبعدها أعتقت ذلك العبد وانتظرت أياماً أخر لكي يعلموا بالأمر وبالفعل تأكدت من علمهم بذلك وبالخصوص سيّدك وحينها جهزت الأرضية الصالحة للتكلم عن العتق وحصلت أنت على حرّيتك.

ولعلّ في هذه الحادثة عبرة لنا ولكل مسلم ومتحضّر يريد أن يكون إنسانا خالداً ومفيداً من هنا أيضاً قد ورد في باب الزكاة والخمس أنه إذا اخرج المالك زكاة أمواله كالماشية يستحب له أن يسلمها للساعي أو الإمام لكي يعلم بها الناس وتنتشر هذه الظاهرة التي شرّعها الإسلام في سبيل التكافل الاجتماعي.

 المواظبة على العمل      

إذن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس فقط قول وانما عملٌ أيضاً فهو تحريض على مواظبة الإنسان أوامره ونواهيه فالالتزام بالعمل صعبٌ جداً وهو يرتبط بكل حياة الإنسان وفي كل الأدوار والمستويـــات وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع): (الزاهدون في الدنيا قوم وعظوا فاتعظوا وخوفوا فحذروا وعلموا فعملوا إن أصابهم يسر شكروا وان أصابهم عسر صبروا، قالوا: يا وصي رسول الله لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كلّه ولا ننهي عن المنكر حتى ننتهي عنه كلّه فقال لا بل أمروا بالمعروف وان لم تعملوا به كلّه وانهوا عن المنكر وان لم تنتهوا عنه كلّه. وقال: أشد الناس عذاباً يوم القيامة من علم علماً فلم ينتفع به)(6).

ولعلّ ذلك: أساسه التسهيل في الأحكام إذ انّ هناك قدرات متباينة بين الناس فالبعض لا يقدر على الخطابة فيتجه نحو التدريس والبعض يجمع بين الآمرين وآخر لا هذا ولا ذاك ولكنه يعمل ضمن حدود عائلته وقد يصعب على شخص القيام في الصلاة لمرضه أو الصوم لسفره ولكنه لا يترك الأمر بالمعروف لو رأى شخصا قادرا على الوقوف ويصلي من جلوس أو يأتي بالمفطرات في شهر رمضان وهو غير مسافر.

اللّهم إنا نسألك العون على العلم والعمل في سبيل طاعتك

 ونيل رضاك يا أرحم الراحمين

الهوامش     

1 ـ مجمع البيان للطبرسي ج1، ص98، ط بيروت/دار إحياء التراث.

2 ـ الصف/2.

3 ـ تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ج2، ص135، الأعلمي، بيروت.

4 ـ البحار ج89، ص345، باب 124، حديث 5، مؤسسة الوفاء.

5 ـ البحار ج74، ص160، باب 7، حديث 169، مؤسسة الوفاء.

6 ـ إرشاد القلوب ص14، ط4 الأعلمي، بيروت.

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية