|
ذكرياتٌ
مع جدي |
العلامة السيد هادي المدرسي |
(1) |
كان
عمري في حدود السابعة، و كان عمر جدّي
قرابة السبعين، و كان يتعامل معي، و مع
أقراني، و كأننا رجال كبار.. فإذا دخلت
مجلساً، كان –
رحمه الله –
يقف لي إجلالا و احتراماً.. و
كان لا يخاطبني كطفل، و إنما كشخص كبير،
ولا أتذكر أنّه خاطبني بصيغة المفرد و لا
مرة واحدة.. |
(2) |
عندما
كنت ادرس في «الكتّاب» و أنا في مقتبل
عمري، كنتُ اذهب إلى بيت الجدّ «رحمه
الله» بعد خروجي من «الكتّاب» و اطرق
عليه الباب و كما أتذكر ففي الأغلب كان هو
الذي يفتح لي الباب، ثم يقودني إلى غرفته
التي يطالع فيها و يكتب، و يأخذ بالسؤال
عني، و عن دراستي، و كان ما دمت عنده
مشغولاً بي، ثم عندما أريد الذهاب كان
يناولني مبلغاً من المال، و على الأغلب
كان «أربعة فلوس» الذي كان يكفي لشراء
بعض الحلويات. كان
ذلك يحدث في كل يوم تقريباً. و
كنت أحس بلذة كبيرة في ذلك، فقد كنت احصل
منه ـ رحمه الله تعالى ـ على الاحترام، و
التسلي، و المال.. |
(3) |
سافرت
مع شقيقي الأكبر إلى إيران، و كنت في حدود
الثانية عشرة من عمري، و في زيارتنا
لمدينة «قم» ذهبنا إلى مسجد المرحوم
السيد آية الله البروجردي، وصلينا خلفه
صلاة الــــمغرب و العشاء و لما علم
بوجودنا في الصلاة دعانا إليه، و احترمنا
كثيراً ـ باعتبارنا من أحفاد السيد الجد
ـ رحمه الله ـ و أصرّ على ضيافتنا في
اليوم التالي، لكننا اعتذرنا عن ذلك،
لأننا كنّا على وشك السفر صباح اليوم
التالي.. و
لمّا عدنا إلى كربلاء، و في أول لقاء
بيننا و بين المرحوم جدّي كان أول سؤال
طرحه علينا: هل زرتم السيد البروجردي؟
كان هاجسه، أن يبقى بعد وفاة السيد
البروجردي هرباً من مسؤولية المرجعية
العليا.. و
لقد مات قبل موت البروجردي بأربعين يوماً
فقط. |
(4) |
نقلت
لي خالتي الصغيرة ـرحمها الله ـ ليلة
وفاة السيد الجدّ، و كان جثمانه لا يزال
مسجى على الأرض في صحن الدار.. أنها رأته
ليلة الخامس عشر من شعبان يدعو الله
كثيراً، و يطلب منه تعالى حسن العاقبة، و
السلامة في الدين و الدنيا. فتقول قلت له:
يا أبت هلا دعوت أيضا لطول العمر؟ فرفض
ذلك و قال: «يكفيني هذا العمر، فإذا كانت
أعمالي صالحة فلنذهب لاستلام جوائزنا، و
ان لم تكن صالحة فلماذا أزيد في عقابي»؟ و كان وفاته بعد ذلك تلك الليلة بثلاثة عشر يوماً فقط. |