ألا هل وفيت؟

الشهداء هم الشهداء وإن تقادم الزمن وعلا التراب أجسادهم وخفت أقدام الزائرين إليهم، لأن المبادئ التي حملوها سنابل خير بين أضلاعهم، وسقوها بدمائهم، لم تزل واقفة لن تنكسر أغصانها، ولن تنحني للرياح الصفراء، فمن يبتغي وجه الله في الحياة، لن تطأ جبهته أرض الدنيا عند الممات وإن شدوها بحبال القهر، إذ يأبى الله إلا أن تكون السنابل منارات هدى على رؤوس الأشهاد مهما حاول الأقزام ضرب الأرض بأقدامهم لتميل تلك المنارات عن استقامتها.

ولما كان معلم الشهيد الذي ارتشف تلميذه من نبعه كل قطرة خير، وأخذ عنه كل حبة عطاء لم يزل هو المعلم الذي كتب على صفحات قلب تلميذه مبادئ علي)عليه السلام( كآيات من كتاب الله يتلوها في كل مكان، وعلمه كل حروف حب علي)عليه السلام( حتى أمست كالماء البارد على كبده، وأحلى من العسل على شفتيه فلماذا إذن يحاصر معلم الشهيد أبا ذر.

سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى هل تغيرت مبادئ الشهيد أم معالمه التي أخذوها عن علي)عليه السلام( أم أن وجوه الذين قتلوه هي التي تغيرت، أم أن أعداء الأمس قد أصبحوا بنعمة الله إخواناً فألف بين قلوبهم، أم تغير النبع الذي كان أبو ذر يعبئ منه قربته، ليسقي بها نخيل علي )عليه السلام( العطشى في أرض الله الواسعة، أم هي ديمقراطية معاوية الكاذبة التي أوحت إلى سجانيه بتضييق الحصار على حجر بن عدي عندما لم يوافق على سياسته، أم تراهم السجانون هم الذين تغيروا طبقاً لسياسة المرحلة التابعة لحوار الحضارات وما قبلها؟

لقد كان سلاح أبي ذر إيمانه بالله وكلمة محمد)صلى الله عليه و آله و سلم( وكلمة علي)عليه السلام( وكلمة المهدي )عجل الله تعالى فرجه الشريف( في مواجهة خلفاء بغداد شعراً ونثراً وخطابة يلهب بها قلوب العاملين في سبيل الله، لتبقى جذوة الخير متقدة فيها إلى الأبد.

ولما كانت الكلمات لا تكفي للرد على تحركات أبي ذر، فقد ارتأى الطغاة سجنه والتنكيل به حتى كان الموت منه قاب قوسين أو أدنى لولا رحمة الله، فمن يؤمن بالله ويتوكل عليه يجعل له مخرجاً من السجن من حيث لا يحتسب.

ولم يكن أمام الشهيد أبي ذر إلا الخروج من أرض فرعون، فخرج منها خائفاً يترقب حتى حط الرحال إلى الربذة يحمل معه عياله وفكره شعراً ونثراً يزرعها ورداً وسنابل خير في بلاد الشام وأفريقيا.

إلا أن رجال بني الأشعث الذين اعتادوا الإرتزاق على الغدر ضد الإمام علي )عليه السلام( والحسن والحسين )عليهما السلام( ومسلم بن عقيل أبت إلا أن تمد أعناقها وتركب حصان غدرها وتجرد سيوفاً قادمة إلى بيروت... وكانت الجريمة، فدمدم الحق وعلا صهيل جواده، يشق الأفق مخضباً بدمه كجده، يُلقي السلام على أرض الطفوف، السلام عليك يا بن رسول الله.. يا جداه.. ألا هل وفيت؟.

 حسن الرماحي