الحوار والتفاوض  ..        خطوات أخرى باتجاه التعاون

فاضل الصفار

قلنا سابقاً لا داعي لخلط الأوراق ودمج الأفراد بالأزمات.. أو نضعهم في جبهة واحدة لنخلق من الصديق خصماً ومن التفاهم عراكاً بل لنضع للأزمة حساباً وللأفراد حساباً آخراً فنتعامل مع الأولى بتصميم وإرادة وتحدي على الحل ونعامل الأفراد بأريحية واحترام لنضمن دوام الألفة والمحبة ثم التعاون في العمل..

ثانياً: لنركز على المصالح لا المواقف..

ونعني بالمصالح هنا.. الأولويات التي جاءت بنا إلى طاولة المفاوضات..

إن البعض منا قد يؤخذ بحوافز المواقف القديمة ويتقيد بآثارها وهذا أمر في الغالب يعيق من التفاهم ويفصل الطرفين في جبهتين.

في الوقت الذي يتطلب منه المنطق العقلاني التفكير بالأهداف والمصالح التي جاء من أجلها للحوار.. إننا في كثير من الأحيان نتناسى الخلافات أو نصبر على الأذى لمصالح أهم وفي كثير من الأحيان نعمل بسعة صدر ومرونة مع بعضنا من أجل أغراضنا الشخصية ولكن قد ننسى هذه السياسة المنطقية عندما نتعامل مع أطرافنا الأخرى وفي الأمور الكبيرة والأهداف الأكبر، الأمر الذي يزيد من توتر الأجواء ويعكّر صفوها في الوقت الذي ينبغي أن لا ننسى أن تحويل الخصم إلى صديق والصديق إلى حليف متعاون تحتاج إلى الكثير من الأجواء الصافية وتذويب الجليد ورفع الحواجز النفسية بيننا وبينه..

لقد أثبتت التجارب العديدة أن الدخول في المفاوضات مع خلفيات المواقف السابقة يحكّم التوتر والعراك أكثر وفي عاقبة الأمر ربما تخرج الأطراف من جلسات الحوار وهم أكثر عراكاً وعداءً وسوء ظن..

ولو فكر الطرفان دائماً.. بالأهداف.. والمصالح لتحلّى كلاهما أو أحدهما بضبط النفس وسعة الصدر بما يمتص الغضب ويعطي فرصة التفاهم وتوضيح الأمور بما يعود عليهما بالنفع.. أليس أعقل الناس أنظرهم في العواقب وأشدهم مداراة للناس كما قال مولانا أمير المؤمنين)عليه السلام(؟!

لذلك فإن أوليات خطواتنا نحو التفاهم ثم التعاون..

ينبغي أن تبدأ بالسؤال لماذا أريد التفاوض؟

وما هي المصالح التي تستدعي منا الحوار؟؟!.

لماذا يريد طرفنا الآخر الحوار معنا؟ وما هي مصالحه في ذلك؟

فإننا في هذه الأسئلة نوفر لأنفسنا رؤية واضحة وهدفاً واضح الأبعاد والأغراض بما يعيننا على الالتزام بشرائط الإنجاح..

وفي نفس الوقت الذي يوفر لنا فرصة ذهبية للتوصل إلى تفهّم أغراض طرفنا الآخر وبالتالي الإمساك بمفاتيحه التي تفتح لنا أبواب التفاهم والاقتناع وأخيراً التعاون طبعاً، قد لا نتوصل نحن بمفردنا إلى الأهداف والمصالح التي يتطلع إليها طرفنا الآخر وهو أمر معقول إلا أننا إذا كلفنا أنفسنا عناء السؤال والتفكير وربما سألنا طرفنا الآخر عنه سنكون قد وفرنا لأنفسنا فرصة أكبر للحل..

ربما نفكر أن بعض الأطراف يتعاملون مع أطرافهم الأخرى بالانغلاق أو الانفتاح المحدود وهذا أمر يحسه الكثير من المفاوضين، إلا أنه يبقى لأسلوبنا في الحوار وقدرتنا على زرع الثقة والاطمئنان في نفس شريكنا الدور الفاعل في كسبه وإحساسه بالأمان من الانفتاح.

لذلك.. قد نبدأ الحوار معه بتذكيره بالمواقف أو التعريف بها بين آونة وأخرى وزرع الألغام أثناء الحوار والإكثار من العتاب واللوم وغيرها..

وقد نبدأ الحوار بالحديث العادي ثم طرح بعض الأسئلة المباشرة البسيطة والهادئة، ولكل واحد من الأسلوبين نتائجه وآثاره في الفشل والنجاح.

فلو بدأنا الحديث مثلاً هكذا:

* إني أشعر بالراحة كثيراً وسعيد بلقائك وإن كان متأخراً، إلا أنه تبقى الفرص ثمينة وفي أي وقت نغتنمها فهي مكسب ولكن لا أدري بماذا تحس أنت؟

* لقد فكرت ملياً فيما صرحت به يوماً في الموضوع الفلاني –والمفروض أن نكون قد أعددنا لما يرتبط بموضوع الحوار- وقد عثرت على بعض الاحتمالات ولكنك تعلم أن الاحتمال يحتمل الصحة والخطأ. لذلك يبقى لك الكلام الفصل الذي يزيل عنا الغموض ويرفع الاحتمالات برأي واحد والأفضل أن نسمع منك.. ماذا كنت تقصد منه؟

ونحن بهذا البيان نكون قد عاملناه بحسن الظن.. وفي نفس الوقت طلبنا منه التحدث عن أهدافه وطموحاته ومن لا يحب أن يتحدث عن نفسه وطموحاته. ومن الذي لا يحب أن يحقق حاجاته وأغراضه؟

لذلك قد تجده يبدأ بالاسترسال بالكلام، نعم ربما في البدء يكون متحفظاً بعض الشيء، إلا أنك إذا منحته الفرصة الأكبر للحديث وأعطيت لنفسك الصبر على الاستماع وتسجيل بعض نقاطه أو أبديت تفهمها ستجد أنك أوجدت فرصة جيدة للسيطرة على أجواء المحاورة ثم إدارتها بالأسلوب الأفضل.

ولا يخفى علينا أن هذه الطريقة ليست هي الوحيدة إذ تختلف المفاوضات من ظرف لآخر كما إن درجات الثقة وحسن النوايا بين الأفراد له دوره الكبير في الاستجابة الإيجابية أو السلبية..

إلا أن طريق الهدوء والتعقل والاسترسال المنطقي والأخذ والعطاء في الحديث مع احترام الطرف الآخر وتثمين آراءه له كامل الأهمية في فرض التفاهم الذي يوصل الجميع إلى بر الأمان..

لأن ذلك كفيل بتفهم حاجات الطرف الآخر والتعرف على أهدافه بما يجعل المواقف السابقة وحالة التوتر واللارضى بيننا وبينه قليلة الأهمية وإنما تكمن الأهمية في تحديد المشكلة أولاً ثم حلها بما يقنع الطرفين ويلبي حاجاتهما.. إذن لنحدد قبل كل شيء أين تكمن المصالح وأين تكمن الأضرار؟

ثالثاً: لنقدّر حسنات الآخرين.. ولننظر إلى الأمور بإيجابية..

ينبغي أن نتماثل قصة الإناء الذي نصفه مملوء بالماء دائماً إذ كل قضية يمكن أن نراها من زاوية سلبية إذا أردنا أن نتشائم في الأمور ونأخذها بطابع الشك والوسوسة..

وإذا أردنا أن نتفائل وننظر إلى الأمور من زوايا الأمل والشعور بالنجاح فإننا سنراها إيجابية وعندها سنتجاوز النصف الفارغ من الإناء ونركز على النصف المملوء وهي خطوة باتجاه الهدف الذي نريده..

فإن للعاقل في كل كلمة نبل كما في الحديث الشريف، وقد ورد الكثير من الحث الأكيد في القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة الأئمة المعصومين(عليهم السلام) على الأمل والتعامل مع الأشياء بالوسطية والاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه حتى لو كان العدو صاحب الحق.. فلا نبالغ في الإيجابية حتى نؤخذ بشعاراتها ولا نبالغ في السلبية حتى نتصور وكأن الناس أعداءً وخصوماً لنا.

وقد قال سبحانه:)ولا تبخسوا الناس أشياءهم((1) كما ورد في الأحاديث الشريفة الدعوة إلى الإنصاف وخصوصاً إنصاف الناس من أنفسنا..

إن البعض منا قد يفكر أن الاعتراف بما للخصم من فضائل وصفات حسنة يعد هزيمة لنا.. إلا أن في ميزان المنطق والشرع الهزيمة في بخس حقوق الناس والتنكر لما لهم من إيجابيات ومواقف نبيلة.

لعلك تعرضت في كثير من الأحيان إلى أناس غير منصفين إذا أحبوا أحداً فإنهم ينسبون له المزيد من الفضائل وإن لم يتحل بها كما إذا أبغضوا أحداً ينسبون له الكثير من الرذائل وهو بريء منها وعلى أحسن الفروض يسلبون عنه فضائله..

بينما في منطق الحكمة والعقل فضلاً عن الشرع لا هذا صحيح ولا ذاك..

وفي الغالب فإن أسلوب الإفراط والتفريط مكشوف وواضح أمام الآخرين كما أن مردوده السلبي كبير جداً ويكفي أنه يفقد اعتبارنا أمام الآخرين وربما يعدم الثقة بنا.

لا شك أن كل من له فضيلة أو موقف نبيل يستحق المدح والإشادة لأنه نوع كمال والكمال محبوب لذاته وممدوح لدى العقلاء.. كما أن مدحه والإشادة به يشكل دافعاً قوياً للمواظبة عليه والاستمرار في التحلي به.

جرّب مرة إمدح شخصاً بصفة إيجابية فيه فإنك ستجده يتعامل بها معك دائماً.. كما سيهتم ليظهر هذه الفضيلة أمامك لدى تعامله مع الآخرين لأن الإنسان بطبعه ميال إلى الكمال والمدح كما أن كل شخص منا يحب أن يرى نفسه مرآة الكمالات ويحتل مكانة مرموقة في قلوب الآخرين..

بعض الناس يفرضون مكانتهم بين الناس بالإرهاب والقوة وبعضهم الآخر يفرضها بالأموال والمكاسب.. أما الحكيم فإنه يزرعها بالصفات الحسنة والخصال الحميدة..

ومن أهم الخصال الحميدة التي تزرع المحبة والثقة بين الناس الإشادة بفضائلهم وذكرهم بالخير ومدح خصال الخير فيهم..

ولعلّ ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين)عليه السلام( يشير إلى بعض هذا حيث يقول:(الاستصلاح للأعداء بحسن المقال وجميل الأفعال أهون من ملاقاتهم ومغالبتهم بمضيض القتال) و(من استصلح الأضداد بلغ المراد( وكان فيما يوصي به لقمان ابنه:(يا بني ليكن مما تتسلّح به على عدوّك وتصرعه المماسحة وإعلان الرضا عنه ولا تزاوله بالمجانبة فيبدوا له ما في نفسك فيتأهب لك).

إذن.. لنأخذ الأمور دائماً من الزاوية الإيجابية ونشيد بالحسن.. ونغض الطرف عن القبيح.. إلا ما أخرجه الدليل. وإذا جلسنا مع أطرافنا الأخرى لنسع أن نذكر محامدهم ونذكرهم بمواقفهم الإيجابية ونترك السلبيات جانباً..

لقد تمكن العديد من الأطراف من تحييد خصومهم بسبب اسماعهم إنهم يذكرونهم بخير ويغضون الطرف عن سلبياتهم.. وإن لم يجلسوا على طاولة التفاهم.. ولو أردت دليلاً واضحاً لهذا لاحظ نفسك.. إذا سمعت أن خصمك –الذي تعده خصماً- يذكرك بخير ويمدحك أمام الآخرين ويشيد بإيجابياتك ما هو شعورك تجاهه؟

إنك إذا لم تبدأ باتباع الأسلوب ذاته معه ولا تجمّد خلافك معه.. فإنك سوف تمنع من زيادة التوتر معه على أقل الفروض وهذا وحده مكسب في وقت الأزمة ربما سيساعد في المستقبل على الحل.

إذن.. أذكر الإيجابيات في طرفك الآخر وإن كانت ضئيلة.. وأشعر طرفك الآخر أنك تقدِّر له هذه الصفة وتشيد بموقفه النبيل. واسع أن تذكر الإيجابيات الصحيحة المتصف بها بالفعل ولا تضف عليها ولا تزد كما لا تنقص منها لأن الزيادة تشعره بعدم واقعيتك وربما تبذر فيه سوء الظن لأنه يعرف حقيقة صفاته ومواقفه ويعرف أين هو محسن وأين هو مسيء والإنسان على نفسه بصيرة لذا لا ينبغي المبالغة في المدح، كما لا يصح التنقيص لأنه هو الآخر يفقدك الثقة ويجعلك أمامه متنكراً للجميل ومعادياً حقيقياً له..

فالصحيح هو ما قاله الشرع القويم من انتهاج الوسطية والاعتدال ووضع كل شيء في موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه.. قال مولانا أمير المؤمنين)عليه السلام(:)الإنصاف يرفع الخلاف ويوجب الإئتلاف( و)بالنصفة تدوم الوصلة( وعنه)عليه السلام(: )حسب المرء من عقله إنصافه من نفسه.. ومن إنصافه قبوله الحق إذا بان له(.

قد نجد أثناء المفاوضات بعض الخصال الإيجابية التي تستحق الإشادة إلا أن التوتر والعواطف السلبية تدعونا إلى تجاهلها وهذا ما لا ينبغي أن يحصل إذا أردنا الفوز بنتائج مثمرة وإيجابية..

لهذا فإن من المفيد جداً أن نقدر الحسنات ونظهرها ونبدي إرتياحنا وشعورنا بأجلالها أمام الشريك.. فإن نتائجها الإيجابية اول ما ستنعكس علينا في بعدين:

1) إظهار مناقبنا وخصالنا النبيلة أيضاً ومن الواضح أن هذا اللون من التعاطي الإيجابي بين الطرفين من شأنه أن يعود بالأجواء إلى الصفاء والمحبة والتركيز على الإيجابيات والغفلة عن السلبيات وكلنا نعلم كم لهذه الأجواء من الفائدة على إعطاء الحوار قيمة كبيرة في الأحاسيس والنتائج.

2) وإشعار الطرف الآخر بفائدة الجهود المشتركة والسمات الحسنة ويبدأ يرى أن لها معنىً ملموساً حتى في أشد لحظات النزاع صعوبة، وهذا من شأنه أن يدعوه دائماً إلى أن يكون هو الآخر إيجابياً وتشده نحو التفاهم ومعنا والمساعدة على التعاون وبذل الجهود المشتركة مكامن الخير والعطاء في نفسه..

ومن هنا يبدو أنه كلما ازدادت المفاوضات صعوبة وتعقيداً وبعداً عن التوصل إلى التفاهم المشترك، ازدادت في مقابلها ازدياداً طردياً أهمية ذكر فوائد المفاوضة حتى وإن كانت ضئيلة والتركيز على الحسنات والتوغل في النظرة الإيجابية والتطلع إلى النتائج فإنها على أقل الفروض تضمن لنا ولأطرافنا فرصاً أخرى للجلوس في المرات القادمة إلى مائدة المفاوضات برغبة وأمل ونفس مفتوحة على المستقبل لأن وجود الحسنات والنجاحات يوحد الناس ويلاحم قلوبهم ويزرع فيهم الثقة والمحبة ويدفعهم لبذل المزيد من الجهود لأجل الأهداف المنظورة.

رابعاً: ونعود ثانية إلى فكرة التلخيص التي تحدثنا عنها في مقال سابق..

إن فهم ما نحن مختلفون فيه بشكل واضح وصحيح يعيننا كثيراً على سلوك سبل الحل بتوفيق ونجاح..

ومن أهم العوامل التي تساعد على التفهم الصحيح الإحاطة بأجواء الحوار والتركيز على إيجابياته وسلبياته والتلخيص المستمر للإيجابيات التي توصلنا إليها يعطينا دائماً نظرة صائبة إلى الحوار ويشعرنا بالثقة أكثر بأننا لم نكن غير موفقين في الجهود المبذولة.

إن التوتر المستمر والإثارات المتواصلة التي يؤججها الأطراف أو الأطراف الثالثة التي قد تستفيد من النزاع قد يضع أمام أعيننا غشاءً يمنعنا من رؤية الأمور كما هي عليه وبالتالي قد يسوّد الأمور في وجهنا ويجعلنا سلبيين متشائمين أكثر من كوننا إيجابيين متفائلين..

لذا فإن المقترح الذي قد يوفر لنا الفرص الإيجابية أكثر هو تلخيص ما تم إنجازه أو الوصول إليه من أهداف وطموحات ولو كانت قليلة..

أرأيت من يمشي مسيرة طويلة.. إذا وضع أمام ناظريه نقطة المنتهى فإنها وإن بعدت وتنائت إلا أنه لو نظر إلى المسافة المقطوعة سيشعر بتلاشي المسافة البعيدة وإنه أقرب إلى الهدف فيستعيد ثانية قواه وثقته بالنجاح..

وفي أعمالنا ومشاريعنا وليس فقط في المفاوضات وحل النزاعات أيضاً لو نظرنا دائماً إلى الخطوات الإيجابية التي حققناها بلا غرور أو مبالغات، فإنها وإن صغرت إلا أنها تشعرنا بأننا بالنتيجة من الموفقين ولو بعض الشيء وهذا الشعور مهم جداً في تحفيزنا للاستمرار..

إذن لننظر دائماً إلى الإيجابيات ونسلط الأضواء عليها أكثر مما ننظر إلى السلبيات - إلا بمقدار الاعتبار - ولو لخصنا الإيجابيات ووضعناها أمامنا سنكون أقوى على التحدي وأصبر على المقاومة..

ولا ننسى أن المتشاءم ينظر إلى إناء الماء أنه فارغ إلى النصف بينما الإيجابي المتفاءل ينظر إلى نصفه المملوء فإن الأول يستكنه اليأس وإن ما موجود لا يلبي حاجته بينما الثاني يقول مقدّراً قيمة ما موجود ومتفائل به ما زال هناك مجال لإشباع بعض الحاجة التي تخرجنا من الجولة ببعض النجاح فإنه أفضل من الفشل أليس كذلك؟؟!

قواعد وضوابط

خامساً: اتفق مع طرفك الآخر على قواعد خاصة بموضوع المفاوضة لضمان النجاح..

لعلّ البعض يستغرب من هذا القول إلا أن التجارب العديدة أثبتت أن العديد من الناس وإن كانوا يعرفون قواعد الحوار بل وربما ينظّرون له الأجواء الحوار الساخن في الغالب تمنعهم من الالتزام بها.. أو تنسيهم ما آمنوا به إلا القليل..

لذلك فإن الحكمة قد تستدعي منا أن نتفق مع شريكنا على بعض الأصول والقواعد لتطويق المفاوضات بالنافع المثمر من جهة وتطويق التوتر المحتمل نشوءه إذا لم نتوصل إلى تفاهم من جهة ثانية، ولنضمن بقاء باب التفاهم والعودة إلى الحوار مفتوحاً مرة أخرى ثالثة..

لذلك.. لنمهّد للتفاهم قبل الخوض في الحوار بوضع أسس تغلق أبواب الفشل مثلاً يمكن الاتفاق معاً على ما يلي (كنماذج):

- خلال بحثنا لا نعود إلى طرح المشاكل القديمة فلنتناسى الماضي وما فيه وما عليه..

- عندما نتحدث لا ينبغي أن تتصاعد لهجة الحديث ولا نصرخ في وجه بعضنا البعض مهما كان الحديث.

- إذا تحدث أحدنا لا يقاطعه الآخر.. ويسمح بالرد أو الإضافة بعد إتمام كلامه.

- لن نخوض في المفاوضات قبل أن يشرح كل طرف منا وجهة نظرة ويعبّر عن آراءه ويوضّح أهدافه وطموحاته.

- الصداقة اصل لا يمكن تجاوزه أو إلغاؤه فمهما كانت نتائج الحوار فإن الصداقة ينبغي أن تبقى فوق كل شيء.

- الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحل فعلينا أن نبذل قصارى جهدنا من أجل الوصول إلى الهدف.

فبهذه القواعد وأمثالها نكون قد وضعنا للحوار سوراً نبدأ فيه بإيجابية ونحيط بأجوائه بإيجابية..

وهو أمر من شأنه أن يفرض النجاح عليه ويوصلنا إلى الهدف. وفي الغالب فإننا الأفراد في الأجواء الهادئة أقرب منهم إلى الاعتدال والمنطقية في ساعات التوتر وربما العصبية والغضب.

ولذلك قد نستطيع أن نحصل على اتفاقات ومواقف إيجابية من شريكنا تصب في صالح الجميع في أوقات الهدوء والاستقرار، بينما يتعذر علينا في أوقات أخرى.

ولهذا فإن الالتزامات والتعهدات المسبقة قد تمنع من التوتر ولو بعض الشيء كما تلزمنا نحن بشرائطها..

ولا يخفى عليك أن هذه ليست كل القواعد بل هي إثارات وربما تكون قواعد مشهورة وأولية الرجوع إليها بيسر وسهولة إذا أردنا الحل والوصول إلى تفاهم مثمر وندفع الجميع إلى التعاون لحل المشكلات وإبدال النزاع إلى تلاحم.