مجلـــة النبــــأ      العـــدد 34      ربيــع الأول       السنــة الخـامســـة    1420 هـ

 محــاذير البـث الإعــلامي الفضـــائي

جبار محمود

تضاد الإعلام الفضائي للأخلاق

أهمية.. ولا أهمية المبثوث الإعلامي

إحداثيات الإعلام الفضائي

مكيدة الإعلام الفضائي

إن ظاهرة.. البرامج والمسلسلات والمواد الإعلامية، المُبثة بواسطة قنوات الأقمار الصناعية الغربية والتابعة بدأت تتدفق بفعالية مؤثرة دون أي عائق يُذكر... وهي ظاهرة تستهدف في جانب منها سلب مقومات الروح وعراقة التقاليد من عالمينا العربي والإسلامي.

أهمية.. ولا أهمية المبثوث الإعلامي

لقد كان.. غزو واكتشاف الفضاء الخارجي هاجساً متواصلاً عند الإنسان منذ الأزمنة القديمة، وحين تحقق له ذلك إثر بذله لجهود علمية مُضنية وطويلة الأمد لم يخطر بباله حتى عقود سنين قريبة خلت بأن التطورات العلمية الفضائية، ستدفع بوظيفة النشاط الإعلامي.. وتجعلهُ سلاحاً مؤثراً بحدّيه الإيجابي والسلبي.. على حياة قاطبة المجتمعات دون استثناء.. وإلى درجة أمست فيها غالبية الدول، تبذل عناية فائقة لاعتماد النظم المنسّقة مع الأقمار الصناعية الغربية ومحطاتها وتوابعها، ولكن دون الالتفات الجاد لما سيجلبهُ الإعلام الفضائي المبثوث، من ويلات تحط من القيم والأعراف والتقاليد الاجتماعية الراقية، وبالذات تلك السائدة عند المجتمعات ذات الجذور الحضارية، وفي مقدمتها المجتمعات العربية والإسلامية.

وأمام ما اعتاد عليه.. قادة الإعلام الغربي، من امتلاك ميزة النفوذ السياسي المباشر أو اللامباشر لدى الحكومات التابعة القائمة في أغلب بلدان العالم النامي، فقد تشجّع الغربيين في توظيف الرساميل الإعلامية الفضائية، المبثة بالصورة أو الصوت أو بكليهما إلى كافة المجتمعات البشرية تقريباً. وهذا ما أكسب الغرب مدارات إعلامية أوسع في الانتشار، وبالتالي التأثير على تكوينه الرأي العام هنا وهناك، بفعل بث [66] فريقاً إعلاميا فضائياً عاملاً ينتشرون اليوم عبر الأقمار الصناعية في الفضاء المُطل على أُفق الكرة الأرضية. كما أُتيحت لمصادر الإعلام الغربي فرصة استحصال مثل هذا الامتياز الإعلامي الكبير، الذي أفرز بدوره انطباعاً ضمنياً بوجاهة الإعلام الغربي، من دون باقي الفرق الإعلامية المماثلة في البلدان الأخرى. مع الشعور الطاغي لدى الإنسانية بالتيقن التام أن الإعلام الغربي على أهمية فوائده في جانب، ولا أهمية أضراره في آخر، تُحركه مصالح غير مشروعة، تحاول فرض سطوة الثقافة ونمط حياة الغرب على بقية المجتمعات، وإدامة جعل بلدانها سوق استهلاكية غانمة ورائجة، لتداول البضائع والأجهزة والأدوات الإلكترونية - الإعلامية المتجددة التقنيات دون توقف.

تضاد الإعلام الفضائي للأخلاق

وإذ يرافق.. البث الإعلامي الفضائي الغربي، تقبل اجتماعي مرير في البلدان العربية والإسلامية أكثر من غيرها، فإن غياب مُنافس إعلامي آخر، كفوء.. بإمكاناته، واستعداداته، وتصدياته، وموضوعياته... في مواجهة الأطروحات السلبية للإعلاميات الغربية أول بأول، قد جعل كارتل الإعلام الغربي ومؤسساته ذات الإمكانات المالية والكادرية الضخمتين، أن يستسهل تمرير الخطط الإعلامية المناوئة لفطرة البشر، التي يقف وراءها المفكرون البرجوازيون، بصفتهم المشرّعين المعتمدين لتبرير أي من أطروحات النظام الرأسمالي - وكيفما اتفق -.

وبعيداً.. عن طموحات وتطلّعات المجتمعات المعاصرة، فلا يبدو من يوميات الإعلاميات الفضائية الغربية، أن تبث نتاجاتها بهدف خالص نقي (لوجه الله). ومن المؤكد فإن التجارب المستحصلة من الإعلام الغربي توضح بجلاء أن شرائح الطبقات الواعية لدى المجتمعات العربية والإسلامية، ما تزال تنوء في تقبّل العديد من البرامج والمسلسلات والمقابلات والمواد المبثّة من قنوات الإعلام الغربي وتوابعه.. وخصوصاً تلك الحاملة معها البضاعة الإعلامية الفاسدة.. وهنا يكفي الاستدلال أن هناك قنوات إعلام متخصصة، تقوم بأداء دور (السمسار الجنسي) المُتاجر بأجساد النساء، إذ تبثّ تلك القنوات المصدّرة للفاحشة أفلاماً غير متحفّظة على شيء، وتخدش الحياء، حيث تعرض صوراً وأوضاعاً لفتيات ونساء، بغية التعريف الأحمق بمفاتنهنّ، مع تدوين أرقام تلفوناتهن بهدف ترتيب وإتمام اللقاء المُستنكر معهن. وهذا ما يبرز تأكيداً متعاظماً عند الناس الأسوياء، أن لا شيء يُرتجى من هذه الإعلاميات الفضائية الغربية وتوابعها. ويجدر الحكم الموضوعي بحق هذه النوعية من الإعلانات الفضائية، المخرّبة للنفوس والمضادة للأخلاق، أن يتم التحصّن منها. وبالذات في مقاطعتها على المستويات الشخصية والعائلية والاجتماعية. كما وتتحمل الحكومات المعنيّة ببناء سوية الإنسان المسؤولية الأمضى لإيقاف استشراء هذه المفسدة الإعلامية وردها إلى حدود أصحابها لما تحمله مضامينها من غاية جر بقية المجتمعات، لممارسة الفسق والعهر والفجور. وبهذا.. فإن الغرب، قد وقع في خطأ تعريف هويته بنفسه.

مكيدة الإعلام الفضائي

لا بأس.. من الإقرار أولاً بأن عمل جهات الإعلام في أغلب البلدان العربية والإسلامية، يُعاني من إخفاق حقيقي يحول دون كسب ثقة الجمهور المحلي به، وذلك لجملة أسباب يقع في مقدمتها عدم تحمل موضوعية الرأي الآخر... وفي أحيان غير قليلة تصل النتيجة إلى إلغاء رأي الآخرين، بتفويه لفظي أو جرّة قلم.. مع التناسي أن كل رأي عند الغير، سواء كان رأياً مماثلاً، أو رأياً مخالفاً، أو رأياً إكمالياً، فهو يعتبر بحد ذاته رأياً آخراً، وهذا ما يتطلب عدم التحسس من الرأي الآخر.

لذا.. فلا غرابة أن المجتمعات العربية والإسلامية، ما تزال تدفع الثمن المكرر، سواء فيما يتعلّق بتضبيب وعيها، أو هدر وقتها، جراء ما يبثهُ إعلامها المحلي في أحايين من مواد إعلامية غير مصداقة، وبهذا الصدد يمكن التصريح - بلا شماتة - أن المكر والخُبث الغربيين، استطاعا من تفعيل السياسة الإعلامية في أغلب البلدان العربية والإسلامية.. لتكون سياسة إعلام حليف أو مُقلد لأطروحات الفكر البرجوازي الغربي في مجال الإعلام، وتتجلى هذه المحنة الإعلامية بوتائر سلبية مؤثرة، بفضل تغليب منطق القوة والتفوق والهيمنة الغربية، ومعلوم أن الغرب بدون هذا السلوك الإعلامي، لن يكون مؤهلاً لقيادة نشاط الإعلام في البلدان التابعة. ولعلّ حصول الغرب على كل هذا النجاح الكمي لا النوعي، حثّ بعض إعلاميات بلدان مراكز الحضارة العربية والإسلامية.. للاستسلام لأحكام وفروض ومكائد السياسة الإعلامية الغربية، وهذا ما يمكن تفسيرهُ.. بأن الأقمار الصناعية الغربية قد أتت لتساهم من إحدى طُرق بثها الفضائي.. بوضع العصي في عجلات الجهات الإعلامية عند الآخرين.

إحداثيات الإعلام الفضائي

حتى الآن.. ليس هناك في مدرسة السياسة الإعلامية الغربية، ما يبيّن وجود نوايا طبيعية اتجاه المجتمعات الأخرى. ومن النباهة استخلاص العبر من إحداثيات الظاهرة الإعلامية المعاصرة بشكل عام، والغربية منها على وجه التشخيص، إذ جرى العرف اللاواعي في أغلب أجهزة الإعلام العربية والإسلامية على فتح باب الاستقبال للعديد من الأطروحات الغربية، دون بذل تمحيص دقيق لمعرفة الوجهات الاستهدافية المبطّنة لتلك الأطروحات، بحيث أصبحت الوقائع الإعلامية المتوالية باستمرار تبدو وكأن هناك أوامر رسمية صادرة سلفاً بتنفيذ مبدأ -غض النظر- عن مكنونات التخريب.. الآتية بها البرامج والمسلسلات الإعلامية.. المعنية المبثّة من الغرب. فأية مسؤولية إعلامية هذه التي تجيز فرض الأمر الإعلامي الواقع؟

فإذا كان.. الغرب هو المصدِّر الفضائي الأول لبث الشرور وألغام المواد والبرامج والمسلسلات الإعلامية، فتلك حقيقة ينبغي عدم الاستهانة بها، مع ضرورة أخذ المحاذير من أبعادها، وانعكاساتها السلبية على الجماليات الروحية في حياة كل مجتمع عربي وإسلامي.. ولعلّ بدون فهم أعمق وأشمل لما تعنيه عبارة (مصالح الاستغلال الفضائي الإعلامي الغربي).. ومعرفة كيفية منع تغلغله أكثر إلى الإعلاميات العربية والإسلامية، فسوف لن يكون هناك وقوفاً سليماً وفاعلاً ضد إشكاليات البث الفضائي الإعلامي الدولي المغاير. إن المُصدِّر الفضائي الإعلامي الغربي وتوابعه ينتهجون طريق المخاطرة بالاعتماد على مخاطبة الغرائز أكثر من التوجه إلى العقول، وسواء تم ذلك في البث المسجل أو الحي وتحت أي ادعاء أو تبرير، فيستوجب إعلان المواجهة الموضوعية ضدها.

والظرف الإعلامي العام.. يُحتّم التحدّي والسعي لإيجاد مخرج سريع من هذه المشكلة الإعلامية المفروضة والمصدّرة من الغرب. وتلك مهمة كل فرد، وعائلة، ومجتمع. والدوائر الإعلامية ذات الاختصاص في البلدان العربية والإسلامية..  أجدى على إنجاز مثل هذا الأمل الحضاري.. الضامن لعلاقات أفضل بين الإعلاميات الفضائية الدولية.

إتصل بنا

أعداد سابقة

العدد 34

الصفحة الرئيسية