حملت
النهضة الحسينية الكثير من الرؤى
التاريخية المعبرة والموجهة لكل
البشر، وكانت بحق مشعلاً وهّاجاً
أنار طريق السائرين على طريق الحق،
وأوصلهم إلى أهدافهم بأمن وسلام،
فالذي يتمسك بالإمام الحسين (عليه السلام) لا بدّ
وان يستلهم منه كل معاني الفخر والعز
والتضحية والفضيلة والخلق السامي،
لأن الحسين (عليه السلام) مدرسة رائدة في جميع
الاختصاصات، فكل من دخلها حصل على
مبتغاه ولو بعد حين، لأجل ذلك دافع
عنها الكثير والتزم بها الأكثر،
ولأجل ذلك أيضاً ما برح طغاة الأرض
وجبابرتها يكيدون الشرور لإطفاء
شعلة هذه النهضة وإسكات الأفواه
الناطقة بها والسائرة على نهجها.
فكانت الصراعات وما زالت تدور بين خط
رجال يسيرون على ثوابت راسخة وإيمان
عظيم، وأخر متزلزل يحسب كل صيحة عليه
لا يقوم إلا على قوائم هشّة معرّضة
للانهيار بين لحظة وأخرى، وهذا
الفارق الكبير بين الخطين جعل الأخير
يعتمد على أساليب غير شريفة في عملية
المواجهة والصراع مع الخط الأصيل،
فالظلمة ملّة واحدة مهما تعدّدت
أشكالهم وتنوعت صورهم، بينما الإمام
الحسين (عليه السلام) يبقى هو الرائد والرمز وإن
اختلفت الأزمان وتشكلت الألوان،
لأنه عليه السلام بنى نهضته على
ثوابت حقيقية راسخة لا تتغير مع
عوامل الزمان ولا المكان.
فالحق
يبقى حقاً وإن حمل رايته البعداء،
يضل مهوى القلوب وسحر التوجهات،
والباطل يبقى باطلاً وان تمسك به
القرباء لأنه مفسدة للكل وضياع
للجميع، الإمام الحسين (عليه السلام) بنهضته وضع
الأطر لحدود الصراع بين الحق والباطل
وأوجد فلسفة جديدة للصراع ومن جملتها:
1-
الاستقامة على الحق: مهما زادت
الضغوط والمطارق فالتنازل عن الحق
تنازل عن الوجود الهادف، والتخلّي عن
الإيمان بالله، والتخلّي النسبي
والمرحلي هو اعتراف بالباطل وانحدار
تدريجي نحو الإيمان به، فليس هناك
أسلوب ومنهج افضل من الصمود من أجل
الحق، فالصمود يعبر عن إرادة الإنسان
التي تتصارع مع إرادة الآخرين،
الإرادة التي ترفض الخضوع لتبعية
الغير وتطلب الاستقلالية وبناء
الذات من الذات، فالذي يختار الصمود
يختار النجاح وينال الحياة الدنيا
والآخرة. إن الاستقامة على الحق
والثبات على الفكر والمبدأ وتحدي
المصاعب وتجاوز الضغوط ليس هيناً،
انه ابتعاد كامل عن اللذات الفانية
والأهداف الرخيصة.
2-
ثبات الفكرة: فإذا كان البعض يعتقد
بالتغافل عن الفكرة مؤقتاً لتحقيق
أهداف مرحلية أو تحالفات آنية
لمواجهة الضغوط والإرهاب والكبت
فإنه يخطئ في ذلك إذ لا يمكن حسب
القانون الاستراتيجي الذي يطرحه
المفكرون في علم الاستراتيجية أن يتم
التضحية بالفكرة المبدئية لصالح بعض
الغايات الجزئية، والتخلي عن الفكرة
يعني التخلي عن الفلسفة التي قامت
عليها الحركة مبدئياً، فالحرية
مثلاً التخلي عنها هو القبول
بالعبودية والذل وتخلي عن أفكار
القرآن الكريم الثابتة، ولأجل ذلك
ركّز الإمام الحسين (عليه السلام) خاطبه لأهل
الكوفة قائلاً لهم: ويحكم يا شيعة آل
أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا
تخافون المعاد فكونوا أحراراً في
دنياكم، فالتنازل عن المبدأ والفكرة
يرفضه الإمام الحسين حتى لأعدائه.
3-
نكران المصالح الشخصية: فالتعارض
الذي قد يحصل بين المصلحة الشخصية
والمبدأ لا بد وان يحلل ويدرس في
مستوى الوعي والفكر جيداً بعيداً عن
الأهواء النفسية والضغوطات
الجانبية، فالإمام الحسين (عليه السلام) تخلى عن
كل شيء للهدف الذي نادى به ودافع عنه،
فإن لم يكن متقدماً في هذا الشيء حيث
سبقه في ذلك جده (صلى الله عليه وآله) وأبوه (عليه
السلام) إلا انه كان
متميزاً في نكران الذات وخدمة الهدف
والشهادة في سبيله.
إن
الكون قائم على حقائق ثابتة ومنها إن
الذي يستقيم على أفكاره ومبادئه
ويصمد بوجه الضغوط والمصاعب لا بد
وان يصل إلى غاياته ولو آجلاً، والذي
يعيش في وحل التزلزل والتغير
والتلوّن المصلحي لا يصل حتى إلى
أهدافه المادية في الأكثر، فهو يفقد
حريته الإنسانية ويعيش عبداً
لأهوائه ونزواته، وان الولوغ في
المصالح الشخصية والمنافع المادية
لا يضع الشخص على مفترق طرق وإنما
يحزه إلى الباطل، كما حز من قبل عمر
بن سعد حتى اصبح رأسه كرة تتقاذفها
الأرجل في أزقة الكوفة.
إن
المنتصر في الغد هو الذي يثبت على
طريق الحق مهما كانت الظروف،
والتاريخ ليس آخر الشهود فالحاضر
يكشف عن ذلك وبصور شتى.
وقبل
ذلك كله ورد عن أهل البيت(عليهم السلام): للحق دولة
وللباطل جولة... والله الهادي إلى
الصواب.
|