مجلــة النبــأ      العــدد 28       السنـــة الرابعــــة      شهــر رمضــان 1419

كيف نتعامل مع النزاع؟

المواقف .. والحلول


فاضل الصفار

قبل التفاصيل نذكّر ببعض الأمور:

نشوب النزاع

الكل منا يتعرّض إلى أزمات ومشاكل تستدعي الحل... سواء في البيت أم في العمل أم في دائرة المجتمع، فإن الصراع وتزاحم المصالح واختلاف الآراء والمشارب من سنن الحياة ولا يمكن لأحد منا أن يتخلّص من الصراع تماماً.. إذ لا قدرة للإنسان على التخلف عن قوانين الحياة أو التمرّد على سنن الأشياء.. إلاّ انه يقدر على تجنب أضرارها ومساوئها إذا وجد طرقاً صحيحة ومتوازنة للتعامل معها... ومن السهل على الإنسان أن يساير الـــقوانين والـــسنن ويتعامل معها حسب مقتضياتها وأسبابها إلاّ انه يستحيل عليه تجاوزها أو التغافل عنها...

ولعلّ من أوضح الأمثلة على ذلك… الخلافات التي نتعرّض لها جميعاً في البيت أو محل العمل أو في المجتمع فانه لا مخلّص لكل واحد منا منها وقد تحصل حتى مع أقرب الناس إلينا فضلاً عن الخصوم...

ولاشك أن الأسباب والدوافع إليها عديدة ومتنوعة إلا أن القدر المسلم فيها إنها تحصل دائماً ونبتلى بها جميعاً بين آونة وأخرى، فكيف ينبغي أن نتصرّف لا لنرفع الخلاف أو كما يسميه البعض الصراع بل لنخفف أضراره أو ننقله من المناطق الحارة المحتدمة بالغضب والنار وإشعال الحرائق في اكثر من بعد إلى المناطق الباردة التي يحكمها العقل والمنطق واحترام الخلاف والتعامل معه على انه سنة لابدّ منها فينبغي مسايرتها ثم تسييرها إلى الاستفادة الأفضل والمصلحة الأكمل... فليست الخلافات سبباً تاماً للحروب بين الدول والناس في الغالب وإنما الطرق التي نواجه فيه الخلافات هي التي تعود إلى اندلاع الحروب وتصعيدها في الأكثر...

الوسائط الحكيمة

إن تزاحم المصالح أحياناً وتعارضها أحياناً أخرى يواجهه الجميع في مسيرته الشخصية والجماعية... ومن الحكمة أن ننظر إلى القضية من منظور واقعي ومنصف فان الكثير ممن يبحثون قضايا الصراعات ويعملون من أجل حلها مخلصين يقعون في مطبات خطيرة فينشغلون بتأجيج الصراع بدلاً من حلّه وربما توسعة دائرته بدلاً من تحجيمها.. أحياناً عن تعمد وإصرار وأحياناً كثيرة من دون قصد أو تعمّد وإنما لأنهم لم يدخلوا البيوت من أبوابها ولم يتمتعوا بنظرة منصفة ومتعادلة تحفظ للجميع حقه وترعى للكل مصالحه...

فإن العديد من أطراف الخلاف أو الوسطاء فيه يقعون في فخ التطرّف فتنقسم مواقفهم في الغالب إلى قطبين متنافرين لا مجال فيها للحلول الوسط والتفاهم المشترك، فبعضهم يحث الأطراف على الصلابة والشدّة وعدم التنازل ولو بمقدار خطوة أو خطوات وخاصة عندما يؤمن بأنه الحق المطلق وغيره الباطل المحض وبالتالي فهو صاحب الحق دائماً والآخرون هم المخطئون الذين يجب عليهم التنازل والاعتذار، ومن الواضح أن هذا الشعور والإيمان يقود إلـــى تقطيع خيوط الوصل وتمزيق لحمة التفاهم وهذا من شأنه أن يسكب الزيت على النار ويزيد في العقد بدلاً من حلها..

والبعض الآخر قد يرى العكس تماماً فيرى أن المهادنة والتسامح والاحترام المطلق من طرف واحد هو الطريق الأمثل لتجنب الإنسان أخطار الحروب وتنزيهه من لوثها.. فانه إذا كان خصمك عنيداً وعدوانياً فكن أنت متسامحاً ليناً لتقضي على عدوانيته وهذا مما لا ننكر فوائده الجمّة في العديد من الأحيان بل وضرورته أحياناً ولكنه ليس دائماً.. لأن هذا الأسلوب المسالم ينفع مع الطرف الذي يحترم العقل ويجد ضرورة للتفاهم والخلاص من المشكلة بالطرق المعتدلة التي ترعى للجميع حقوقه ويؤمن بأن للجميع حق العيش بسلام أو يرجى منه ذلك ولو على المدى البعيد.. وأما الطرف الذي لا يجد لك أي قيمة أو اعتبار سوى أن تتحطم في قباله وتفقد كل وجودك من اجل وجوده وتتنازل عن كل مبادئك وأهدافك من اجل طموحاته ومصالحه فهذا أمر يبدو غير معقول بل قد يستغل الآخرون هذا التراجع المتواصل منك ويحسبونه ضعفاً فيمعنوا في السيطرة عليك ويهزموك في اكثر من موقع ومجال.. ولهذا فان هذا الأسلوب سيكون كالأسلوب الأول ينتهي بالنتيجة ولو البعيدة إلى الحروب والعراك الساخن عندما يشعر أحد الطرفين انه خسر كل شيء... بل ينبغي الالتفات إلى أن لكل مرحلة خططها ولكل طرف من الأطراف أسلوبه وطريقته في التعامل معه ومعالجة الاختلاف... وسنوضح فيما بعد بعض الطرق التي نراها معقولة لحل الصراعات...

تحويل الشعار إلى عمل

الكثير من المؤسسات الاجتماعية بل والدول والحكومات والأحزاب السياسية سواء كانوا في المعارضة أم في الحكم... بل وحتى الأشخاص والشخصيات... يدعون إلى التسامح والحوار ونبذ العنف والتجاوز على حقوق الآخرين إلا أن القليل منهم تمكن من تجسيد هذا الشعار الرفيع إلى سلوك ومنهج عمل محسوس... والدراسة الميدانية للواقع المعاش تدلنا على النتائج التي كسبناها من جراء العنف وعدم احترام الآخرين وحفظ حق الخلاف وحرية الرأي اكثر من تلك التي حظينا فيها بسبب السلم والحوار والتفاهم…

وربما لا يكون البعض متعمّداً في تجاوز شعاره أو هدفه الذي نادى به وقد لا يكون البعض مزيفاً ومخادعاً في شعاره وإنما يعود السبب في هذا التجاوز إلى الجهل بطرق تنفيذ الشعار السامي وتحويله إلى سلوك عملي يتجلى في تصرفات الكل... والحقيقة التي ينبغي أن نؤمن بها هي أن النتيجة السلبية للعنف وعدم احترام الصراع واحدة سواء كانت مواقفنا عن تعمّد وإصرار على العنف أم غلفة واشتباه ...

لذا ينبغي أن نفكر ملياً في إيجاد الطرق العملية لتطبيق الأفكار وتحويل النظريات إلى إدارة والإدارة إلى سياسة ثابتة ومتوازنة قبل أن نتهم أطرافنا بسوء النية أو الخداع..

إيجابية النظرة

إن الحكمة والتعقل يدعوننا لان نكون إيجابيين اكثر في الصراع وننظر إلى الأمور بعين باصرة وروح متفائلة إلى إمكانية الحل والوصول إلى صيغة تجمع الكل وتحفظ ما نتطلع إليه وهذا أمر يستدعي أن لا يفكر أحد فينا أن هناك طرفاً مهزوم وآخر منتصر... بل إذا جلسنا على طاولة المباحثات وتحاورنا بهدوء ورويّة وتوصلنا إلى ما يرضي الجميع فالكل منتصر.

وإذا غفلنا عن الإنصاف وتعاملنا على أساس أن يكون أحدناً منتصراً والآخر مهزوماً فالكل منهزم على المدى البعيد أو القريب.. هذه هي الواقعية التي ينبغي لأطراف الخلاف أن يتوجهوا إليها ويدخلوا في المفاوضات بهذه النظرة والبصيرة... وبهذه الطريقة أيضاً يضمن كل منا ما يريد... فان من أوليات النجاح أن نوفر في أنفسنا مؤهلاته وشروطه ومن أهم شروطه مجانبة الفردية والأنانية واحتكار المصالح...

فقبل أن نحكم على الآخرين بالفشل أو الاستبداد وإفساح المجال للحقد والضغينة لكي تؤثر أثرها علينا أن نفكر هل أني عملت على ضمان حقي وحق غيري... وهل شعر الآخرون كما احب أن اشعر بالاحترام وإمكانية تحقيق الأهداف من خلال الحوار، أم لا.

ماذا يعني التفاوض؟

إن الحوار والتفاوض لا يعني بالضرورة الاستسلام والتنازل عن المبادئ والحقوق، كما لا تعني التعنت دائماً والحرب أو جرجرت الطرف الآخر إلى الحوار رغماً عنه كما قد ينظر إليها البعض فيرفضها كأسلوب من أساليب التقدم والتنافس والمسالمة مع الأطراف... ربما تكون المفاوضات نهاية من نهايات الفشل أو الهزيمة في بعض الأحيان... إلا أنها ليست دائماً كذلك.. فان التفاوض إذا كان من موقع القوة والثقة بالنفس والقناعة المقرونة بالحكمة والعقل يكون إيجابي الأساليب والنتائج، وبالعكس. فليس الطرف الضعيف هو الذي يدعو إلى التفاوض أو يقبل به كحل عن قناعة ومبدأية ورؤية حكيمة ولا الطرف القوي المتعنت يقبل بها لان الأول مجبور عليه والثاني لا يجد في نفسه الحاجة إليه كأسلوب لاحترام الآخرين واحتوائهم.. كلا، لا هذا صحيح ولا ذاك.. بل التفاوض والحوار إذا انطلق من موقع المبدأ وان الحوار والتفاهم والتنسيق أصل في العمل وعنصر من عناصر النجاح فانه سيكون عامل بناء ترفعه الأطراف القوية والفاعلة الحكيمة من اجل ضمان مستقبل افضل وتقدم اكبر، والطرف الذي يرفض الحوار سينتهي في يوم من الأيام إلى الخسائر الكبيرة التي افتقدها نتيجة تفرّده وتعصبه، إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش وحده ولا أن يمشي في الطريق وحده... فعليه أن يفكر في اكبر قدر ممكن في التفاهم والتنسيق والأعمال تنمو وتكبر مع أشخاصها ومدرائها فلا يبقى شيء يراوح في مكانه بل الجميع يمشي ويتطوّر وعندها لا يجد نفسه إلاّ مضطراً للتنازل والتفاوض بعد أن فات الأوان.

فإن البقاء للأفضل كما قال سبحانه:] كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال[ (الرعد:17)، والذي سيحظى باحترام الناس وتأييدهم.. ذلك الطرف الذي راعى الحقوق وأنصف التعامل وعرف نفسه وغيره ...

الحوار المثمر

من الفطنة أن ندرّب أنفسنا على تجنب الاستفزاز والإثارة... كما أن من الكياسة أن نملك أنفسنا أمام الغضب والحقد والحسد ونحوها من اغراءات الشيطان فإن الشيطان يتربص بنا الدوائر من أجل أن يجرّنا إلى المهاوي السحيقة والفتن والمشاجرات، فينبغي أن نتمرّس ونروّض أنفسنا على تجنب المزالق التي تؤدي بنا إلى الصراعات غير المثمرة أو الانشغال بالأمور الهامشية التي تبعدنا شيئاً فشيئاً عن الجذور فإن الحكيم لا يضيع وقته وجهده من أجل التنازع على بيت أو سيارة أو موقع عمل أو دور ونحوها من الأمور ويترك أهدافه العليا جانباً...

والحازم اللبيب هو الذي يفكر في النتائج ولا يخطو خطوة إلا ويتأمل في عواقبها وينظر في مضارها وفوائدها.. ويوازن بين هذه وتلك ثم يتخذ قراره بالإقدام أو الإحجام.... وعليه أن يكتسب من القدرات والمؤهلات النفسية والفكرية العالية ما يمكنه من الحوار المثمر والتفاوض البنّاء.. من أجل بناء علاقة تفاهم وتعاون وتنسيق متفاعل مع الآخرين فالحوار والتفاوض أصل لا بدّ منه في كل عمل...، سواء أردنا التفاهم والاتفاق أم أردنا الانفصال... لأنه أقرب الطرق إلى الحل المرضي في كلا الحالتين أما في صورة الاتفاق فواضح وأما إذا لم نتفق وتوصلنا إلى أن الانفصال هو الأفضل والأنفع لنا جميعاً فإن الحوار أيضاً سيكون الطريق الأقل إيلاماً ووجعاً وخسائر لكلا الطرفين...

الموقف من النزاع

عند نشوب الخلاف نكون أمام خيارات ثلاثة:

إما أن نؤجّجه ونخوض فيه حتى يتصاعد وينتهي إلى الحرب وما يترتب عليها من أضرار... أو ننسحب منه في الوهلة الأولى ونعطي ما يريده الطرف الآخر من تنازلات قد تتنافى مع مبادئنا وأسسنا، أو نوجه الخلاف ونقوده إلى طريق التفاوض والحوار المتكافئ وعندها نكون قد تجنّبنا الحرب وويلاتها... وفي نـــفس الوقت حفظنا أسسنا ومبادئنا الأهم ولم نتراجع عنها... ولعلّنا إذا وفرنا في أنفسنا المؤهلات الأكثر سنكون أقدر على استثمار الخلاف وصبّه في الاتجاه الإيجابي الذي يصنع من الخلاف تفاهماً ومن الانقسام تلاحماً وبتعبيرٍ آخر... إذا امتلكنا القدرة على إدارة الصراع نكون قد حوّلنا الهزيمة فيه إلى نصر والخسائر إلى أرباح.. وهناك العديد من الخطوات الميدانية التي توفر فينا القدرة على إدارة الصراع بالطريقة الأمثل ولعل منها:

1 - العمل على إقامة الاتصال والارتباط مع الطرف الآخر والحفاظ على قدر مدروس من التواصل فليس من المعقول أن نتوقع حلولاً مرضية من دون أن نمتلك فرصة المواجهة واللقاء والتواصل مع الطرف الآخر وهذا أمر يتطلب المزيد من الدراسة والحكمة وانتخاب الفرد الأنسب والطريقة الأفضل للاتصال ...

2 - تشخيص أهم المصالح المشتركة من جهة ومن جهة أخرى تشخيص الأخطار المشتركة والتركيز عليهما بشكل جدي ودقيق لنحفّز في الجانبين ضرورة التفاهم وضرورة تجنب الأخطار...

3 - العمل على تحييد الطرف الآخر وتهدئته ومما يساعد على ذلك مثلاً ضبط الكلمات والحوارات والتحدث مع الغير بشكل بناء وإيجابي بلا ألفاظ جارحة أو نابية ولا تصريحات قد تستفز الطرف الآخر وتثير فيه دوافع الخلاف ... فإن الحرص على التفاوض بشكل يرضي الطرفين خير من الكلام المرتجل الذي يضر ولا ينفع ...

4 - قد نجد من الحكمة جعل الوسطاء من اجل إدامة الاتصال والحوار فإن انتخاب الوسيط الكفوء من أهم الخيارات التي توفر لنا النجاح أو الفشل فرب وسيط يساعد على تأجيج الصراع أكثر مما يضفي فيه من التشنج ورب وسيط مهزوم يقود سفينة الحوار إلى التنازل والانسحاب أمام الآخرين ...

فعلينا دائماً أن نعرف ماذا نريد من الحوار ومن هو الأصح لإدامة الحوار وإدارته... ولعلّ من المناسب أن أذكر هنا أن كل خطوة من هذه الخطوات تحتاج إلى المزيد من العناية والدراسة والتخطيط حتى لا نقع في ارتكاب الأخطاء أو نخالف الأولويات التي نعدها أصولاً وكانت من أسباب الخلاف أولاً، فإن لكل مقام مقال ولكل حادث حديث فتشخيص الخطوة اللازمة من غيرها بالفرد المناسب من غيره أمر ينبغي أن يرجع إلى ذوي الشان وأهل الحل والعقد والمشاورات الكافية لكي نضمن قدرة أكبر على المواجهة مع سلامة في العواقب..

مظاهر العنف والقوة

5 - هناك مؤشرات ومظاهر تدلنا على نقاط الضعف في الحوار ونقاط القوة وبالتالي الالتفات إليها يعرّفنا على النتائج وأن الحوار الذي نخوض فيه سينتهي إلى الفشل أم إلى النجاح لنكون على استعداد وترقّب دائماً فنزيد من مقومات النجاح ونقضي على بوادر الفشل ولعلّ من أهم هذه المؤشرات ما يلي:

أ- الإصغاء التام والاستماع الكامل لما يتحدّث به الطرف المقابل فليس من المنطقية أن نتوقع نتائج مرضية في الحوار وكل طرف من الأطراف يجب أن يقول كلمته فقط ويملي ما يفكر به على الغير فإن هذه ليست مؤشر نجاح بل مؤشر الفشل لأنه قد يكشف عن الأنانية في الأطراف واهتمامهم من أجل استثمار الاجتماع من أجل منافعهم فقط.. ولعلّ التوصيات التي خرجت بها العديد من التجارب الميدانية لعمليات التفاوض والحوار في المؤتمرات والاجتماعات المهمّة كانت ضرورة التركيز على مسألة الإصغاء والاستماع إلى ما يقوله الطرف والسعي التام لتفهم ما يقوله ودرك ما يشعر به من أخطار ويطمح إليه من طموحات... وبالتالي فإن الإصغاء الكافي يوفر لك فرصة سانحة لفهم خطابه أولاً وثانياً التركيز على مواقع قوته وضعفه وثالثاً القدرة على مناقشته بطريقة منطقية ناضجة، والحاصل فإن الحوار الذي يسوده الإصغاء أكثر من الكلام يقودنا إلى التنبؤ بنتائج ناجحة ويكلفنا القليل من الوقت والجهد ويعطينا الكثير من الأرباح...

ب- تجرّد الأطراف من الخلفيات السابقة والأحكام القبلية على الأطراف فإن تفريغ الذهن والقلب من الأحكام والأحاسيس السابقة يوفر لنا فرصة جيدة على فهم الطرف الآخر كما يسمح للطرف الآخر بالسعي لتفهمنا وبالتالي فإن الكثير من سوء الظن والتهم والآراء المرتجلة تزول وتذوب عوارضها بمجرد الالتقاء بالطرف صاحب العلاقة، لأنّ المواجهة المباشرة في الحوار قد تكشف لنا ما لم نلتفت إليه سابقاً وتزيل عنا الكثير من الشكوك ومن هنا فإننا إذا وجدنا أنفسنا دخلنا الحوار بتجرّد تام ووجدنا الطرف الآخر أيضاً يتعامل معنا بنفس الطريقة سنكون أقدر على فهم النتيجة من الحوار والحدس بعواقبه وهذا أمر من شأنه أن يوفر لنا قدرة أفضل على إدارته في الاستمرار أو الختام...

ج- الحوار المنتج ذلك الذي يسوده الهدوء والاستقرار الذهني الذي تتحكّم به المنطقة الباردة من الذهن لا المنطقة الحارة من القلب أو النفس...

فالعديد من الأطراف يخضعون لانفعالاتهم وتوتراتهم العصبية والنفسية وهم يخوضون في الحديث... وهذا أمر قد ينتهي إلى العراك وتصاعد العنف والصياح والانجرار وراء أمور هي هامشية وبسيطة قد لا ترتبط بصلب الموضوع ولا تنتهي إلى نتيجة إذ ربما يفقد الطرف المتوتّر صوابه ويبدأ بالسعي لفرض رأيه على الآخرين وعندما تتجلّى الأحاسيس والعواطف الحارة في كلامه بدلاً من المنطقية والبراهين يسعى لإقناع الطرف الآخر بالعنف وارتفاع الصوت والصخب ونحوها، ومن الواضح أن الصياح لا يثبت حقاً ولا يدفع باطلاً... فإن العنف يمكن أن يقابل بالعنف والصراخ بالصراخ وبالتالي محاولات الفرض القسرية يمكن أن تقابل بالرد القسري وهذه أمور تمنع من إدامة الحوار بشكل منطقي حر وتقوده إلى التعصب والأنانية والجدل وسعي كل طرف لإثبات وجوده وفرض هيمنته على الطرف الآخر وبالتالي هزيمته. وبعد هذا لا نحتاج إلى مزيد من البيان في مدى الفشل الذي سيلوح من هذا الحوار.

ومعلوم أن لكل ظاهرة من هذه الظواهر هناك طرق وأساليب لمعالجتها والقضاء عليها ضماناً للسلامة وحصداً للنتائج الجيدة وسنتعرض إلى بعضها في مجالات أخرى إنشاء الله تعالى...