مجلــة النبــأ      العــدد 28       السنـــة الرابعــــة      شهــر رمضــان 1419

الخصوصيات الإسلامية

في مواجهة تحديات العولمة

عبد الله موسى

ثمة تساؤلات تطرح حول مدى تأثير موجة العولمة على ثقافتنا الإسلامية وخصوصيتها، وحول ما إذا كانت إمكانيات هذه الثقافة تمتلك من القدرات ما يجعلها تأخذ موقعها الإيجابي في خضمّ هذا الصراع المتعدّد الجوانب، حيث أخذت تجليّات العولمة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تنشر معالمها وتمسك بزمام المبادرة بعد تهشم نظام الثنائية وسقوط الاتحاد السوفيتي وحلول نظام القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدها لـ(أعداءها الجدد) بعد ظهور التيار الإسلامي المؤهل للنهوض بأعباء قيادة العالم الذي أعيته النظريات الوضعية التي أخذت بالتآكل والانقراض.

أسئلة كثيرة تحتمها طبيعة هذه المرحلة الحرجة في تاريخ البشرية، فمنذ انحسار نفوذ المعسكر الشرقي للكرة الأرضية، تبلورت صيغة نظام العولمة ضمن برنامج متقن وموجّه بشكل رئيسي إلى الشرق أكثر من وجهته نحو الغرب القريب من تطلعاتها، والبلدان الإسلامية هي الهدف الأوّل لهذا المد الجارف خصوصاً إذا ما حصرنا القوى المؤثرة اقتصادياً في شرق الكرة الأرضية كاليابان والصين والمؤهلة لخوض صراع متكافئ مع تحديات العولمة الاقتصادية فإننا نجد أن غالبية البلدان الإسلامية تصنف ضمن أسواق التصريف للسوق الدولية حيث ظلّت أسواقها ولعقود زمنية طويلة تتحمل وطأة الأزمات الاقتصادية العالمية وليس أدل على ذلك ما حدث من التأثير السلبي للازمة الاقتصادية التي عصفت بدول شرق آسيا والتي غطت بظلالها على المنطقة الإسلامية بشكل جعلها المتضرّر الأول منها في الوقت الذي لم تخدش البرج الاقتصادي الأمريكي والأوروبي بمثل الوقع الذي كان على اقتصاديات دول المنطقة الإسلامية، لذا فإن المسلمين بحاجة إلى لعب دور إيجابي خارج نظرات انقسام الرؤية وتمحور بعضها حول الدعوة إلى الانغلاق وعدم طرح الثقافة الإسلامية كندٍّ حضاري لهذه الهجمة القادمة دون هوادة، بل أن الواجب يحتم على المسلمين دخول المنافسة الواسعة الأبواب التي طرحت كشعار سوقي للعولمة، الأمر الذي يدعونا إلى إعادة صياغة المفاهيم الخاطئة في بعض الأوساط الإسلامية وإلغاء فكرة الانغلاق عبر برنامج علمي وبإشراف العلماء والمختصين ومن خلال تحصين الأمة فكرياً بزيادة الوعي وإلغاء الأمية الثقافية واستحداث مراكز دراسات وأقسام مختصّة في الجامعات الإسلامية بغية امتلاك الوسائل والأقنية التي ترتكز عليها موجات العولمة والتركيز على الجانبين الاقتصادي والثقافي كونها المفصلين الأساسيين لهذا النظام العالمي الجديد وتبيان واقعية التخوّف من آثار العولمة على الثقافة والفكر الإسلامي وتقييم مدى التأثير السلبي للثقافات الوافدة على المجتمع الإسلامي خلال الفترة المنصرمة وتحديد الأقاليم الإسلامية الضعيفة الواقعة تحت هذا التأثير وتوجيه أجهزة اتصال وبث مركّز على هذهِ المناطق يعتمد أساساً على فضح نوايا ثقافة العولمة في إلغاء الهوية الإسلامية «في حالة حركة وفي حالة هداية وفي حالة إرشاد وفي حالة تنظيم وفي حالة بناء وفي حالة دفع المفاسد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى نتمكّن من إنقاذ المسلمين»(1).

والجدير بالإشارة هنا إلى أن المسلمين يمتلكون من التجارب الكثيرة مع رائدة هذهِ الثقافة -أي الولايات المتحدة الأمريكية- وعدوانيتها الصريحة للمسلمين والكم الهائل من الوعود الكاذبة التي لم تخدع الأغلبية العظمى من المسلمين كما هو الحال في تجارب فلسطين والعراق وشمال أفريقيا وغيرها من ساحات الصراع الساخنة والتي أخذت فيها الولايات المتحدة دور العدو العلني لأيّ توجه يخدم غير مصالح المسلمين سواء كان ذلك بالدعم الذي تقدمه لأعداء الأمة الإسلامية أو بواسطة نفوذها في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة إضافة إلى عدائها للتيار الإسلامي وبقوى جعلت المسلمين ينظرون جدياً إلى هذا العداء غير المبرر، ففي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة نظماً ترتكز على العنصرية الدينية وبقوّة، فإنها تخصص ملايين الدولارات لصد أي محرك إسلامي في بلاد المسلمين وفي الوقت الذي تدّعي أنها حامية لقوانين الإنسان تدعم أنظمة مستمدة وفتاكة بالإنسان وكرامته كما في العراق بطريق وبآخر…

ومن خلال ما تقدّم يتبين لنا جلياً محدودية تأثير موجات العولمة في بلداننا الإسلامية للرفض المسبق لما يسمى بالحضارة الوافدة، فعلى الرغم من وجود ثقافة الانبهار بين صفوف بعض الشرائح الإسلامية إلا أنها لا تمثل نسبة يُعتد بها قياساً إلى حالة اليقظة ورفض مفردات هذه الحضارة التي لا تنسجم بأي شكل من الأشكال مع التركيبة الثقافية والاجتماعية للمسلمين.

فما الذي يمكن أن تعطيه هذه الحضارة للمسلمين، غير المحذورات والشذوذ والأمراض القاتلة والجرائم، ولو فرضنا أن المسلمين قد خُدعوا في فترات مضت بشعارات الحرية والديمقراطية فهل يعقل أن أمريكا تريد للبلدان الإسلامية أن تعيش حالة الديمقراطية ليسود الإسلام فيها ولو كقيم ومبادئ لا حكومات؟!، وهل نسي المسلمون تجربة الديمقراطية والتي اختاروا فيها النظام الإسلامي في الجزائر ليقوّضها الاستعمار الجديد ويقتل الآلاف والتي لا تزال آثارها ماثلة للعيان.

وقد شخّص علماء المسلمين ذلك ودعوا إلى التنبه إلى الغزو الفكري الذي بدأت بواكيره منذ بدايات القرن العشرين الميلادي وفي هذا الصدد يقول الإمام الشيرازي:«أما الحكومات الرأسمالية فإن عملها مع الشعوب أشبه بالاستعمار الفكري الذي يتبع المُستعمَر المُستعمِر لأنه أصابه غسل المخ فإن تلك الحكومات أقنعت شعوبها بصحة الانتخابات وهي غالباً مزيّفة، حيث أن المال في أيدي القلّة، يجمع حول نفسه الجماعات الضاغطة والأعلام والضمائر المشتراة وبذلك يكون الحكم بيد من يُريده رأس المال لا بيد من يُريده الشعب»(2).

وإذا كنا قد خلصنا إلى نتيجة مؤداها وجوب إحاطة عموم المسلمين بالنوايا غير الحسنة لنظام العولمة الجديدة فإننا لا بد أن نشير إلى ضرورة أن نسجّل حضوراً فاعلاً في تشكيلة هذا العالم الجديد وهذا لا يتأتى وكما -أسلفنا- إلا عبر جهود مكثفة لانتشال المسلمين من براثن الجهل والتخلف أولاً وقيام نهضة علمية وفكرية موازية لما يفد علينا ثانياً.

مضافاً إلى ذلك إيجاد نظم حماية اقتصادية خاصة بالبلدان الإسلامية وطرح النظرية الإسلامية في الاقتصاد والسياسة على المسلمين وعلى غيرهم عن طريق أجهزة الاتصالات العالمية وشبكة الانترنيت التي أصبحت مواقعها تتزاحم بشتى أنواع الثقافات والعلوم والآداب في حين لا تزال الدول الإسلامية تنتظر سنوات لتسمح بإدخال هذهِ الخدمة إلى بلدانها مما يجعل حالة التخلف المركّب تتراكم والتي تعاني بالأساس من تخلف سابق، علاوة على ضرورة تخصيص قنوات بث إسلامية تغطي المنطقة الإسلامية وإغناءها بالبرامج التي يمكنها أن تكون بديلاً عن التغطيات التي تقوم بها محطات عالمية تجارية والمحطات التي تقف وراءها المنظمات الماسونية والتي تنتشر مفاسدها عبر هذه القنوات الحرة.

ويبقى أن استحضار عامل الاعتداد بالشخصية الثقافية الإسلامية عاملاً مهماً في إرساء قواعد المشروع الإسلامي الذي يهيأ الأرضية الصالحة لقيام دولة الحق على ربوع المعمورة.

مقترحات...

وأخيراً فإن مما يحكم به العقلاء أن الشيء الممكن ينبغي فعله إذا تعذر ما ينبغي فإن الميسور لا يسقط بالمسعور حيث أن معايشة العولمة والتعامل معها بمن يضمن لنا فوائدها ويجنبنا أخطارها أمر بحاجة إلى جبهة عريضة من الاتفاقات والبناء وهو أمر تنهض بأعبائه الدول والمؤسسات الكبيرة.. ولعل هذا أمر خارج من أيدينا إلا انه يبقى بعض الدور علينا يمكن أن نقوم به في هذا المجال من باب الميسور ولعل من المناسب أن نشير إلى بعض المقترحات هنا:

1 - لا شك أن شبكة الانترنيت اليوم داخلة في كل بيت ومحفل ويمكن لنا أن نشترك فيها بجملة من البرامج الدينية والفكرية التوجيهية.

ونخاطب أبناء المسلمين بما ينسجم مع روح العصر ويحفظ لهم دينهم وأخلاقهم ومواقفهم وهذا أمر يمكن أن يقوم به كل ذي شأن من العلماء والمفكرين والخطباء والمؤلفين وغيرهم.

2 - يتمكن بعض ذوي المؤسسات الناشطة في العالم العربي والإسلامي من الاشتراك في بعض القنوات الفضائية أو التلفزيونية العامة لبث برامج دينية واجتماعية ونحوها مما يرتبط بتهذيب الإنسان المسلم وغير المسلم ودفعه نحو المثل والأهداف السامية.

3 - يمكن عقد ندوات واجتماعات مركّزة تجمع ذوي الاختصاصات لمناقشة العولمة وآثارها وفوائدها وأضرارها ثم الخروج بحصيلة جيدة من البرامج والمشاريع التي يمكن أن تعطي لذوي الشأن للعمل عليها بالأسلوب الأفضل...

4 - عقد مؤتمرات تضم علماء المسلمين وأهل الخبرة والتخصص لبحث طرق معالجة العولمة بما يضمن لنا الفوائد ويطرد عنا الأضرار ثم طرح الخطط الوقائية على الأسر والعوائل الإسلامية لتكون على وعي وبصيرة من الأمر.

5 - عقد اجتماعات تضم الاقتصاديين والتجار لدراسة الأمر بشكل عميق ثم وضع خطط وبرامج اقتصادية تدعم سوق المسلمين والأسواق المحلية بما يضمن لها التقدم والنجاح..

هذه بعض الالفاتات والأمر بحاجة إلى دراسة اعمق واكبر للوصول إلى مقدمات عملية وممكنة.

(1) السبيل إلى إنهاض المسلمين: ص113.

(2) كتاب السياسة: ص36.