مجلــة النبــأ      العــدد 28       السنـــة الرابعــــة      شهــر رمضــان 1419

دعوة إلى التجديد

مرتضى معاش

من المفارقات العجيبة التي يعيشها عالمنا الإسلامي بالمقارنة مع العالم الغربي هو حالة التغيير المستمر التي تسير فيها المجتمعات الغربية، وحالة السبات والجمود التي تعيشها مجتمعاتنا، ولاشك أن هذه المفارقة هي تعبير عن حالة من العجز الحضاري الذي نعيشه، ولا يدلّ ذلك ضرورة على التكامل الحضاري للغرب بقدر ما يدل على حال الركود الذي سلبنا قدراتنا الحركية.

قد يكون أحد الأسباب الرئيسية للركود هو الخوف من التغيير، فهناك معتقد يسري في أعماق العقل الباطن لأفكارنا وقيمنا وتقاليدنا يقول: إن ما مضى كان الأجود وما هو حاضر جيد أما المستقبل فهو سيء لذلك لنبق بعيدين عنه ولا نفكر به أبداً لأنه يثير المخاوف، لذلك نتمسك بالحاضر ونرفض التغيير نحو المستقبل لتبقى إشعاعات التغيير القادمة من الغرب تنفض غبارها علينا وتبيعنا ما هو قديم ومعطوب.

فكل جديد لدينا مرفوض وكل قديم نملكه هو مقدس، ويوم حاربنا وسائل الإعلام الحديثة باعتبارها قادم جديد أرعبنا فحاربناه حتى استقى أبناءنا الثقافة الغربية من هذه الوسائل الشيطانية، ويوم أحسسنا بقيمة الإعلام وأهميته في المواجهة إيجاباً وسلباً بدأنا معها من الصفر وكأننا في الصف الأول الابتدائي نعيش أمية إعلامية مدقعة.

ويوم حاربنا الديمقراطية وتعدد الأحزاب باعتبارها مستوردات غربية تسلّطت علينا الدكتاتورية وذقنا منها كل ما يتصوّره الفكر، بدأنا نحس قليلاً بما قد أنعمه علينا الإسلام عندما استطعنا أن نفهم بعض مفاهيمه من الشورى والحرية والتعددية.

وعندما تقرأ في وسائل الإعلام عن سقوط حكومات غربية قدمت لشعوبها الكثير من الخدمات مثل حكومة مستشار ألمانيا كول الذي أخذ يبكي عندما ودع الحكم يتراءى لك العجب عن نكران جميل هذه الشعوب لقادتها الكبار الذين بنوا أمجادها الحضارية ووفروا النعيم الاقتصادي والحرية السياسية لشعوبهم... ولكن يأتيك الجواب مقنعاً أن هذه الشعوب تحب التغيير هو الذي يحركها نحو الأمام لاستباق الأمم الأخرى ويزرع في البلاد روحاً متجدّدة وطاقات وأفكاراً ورؤى جديدة.

إن التغيير المدروس الهادف يعبر عن حالة التجدد والإبداع والابتكار والنمو لذلك، فهو حالة حضارية يقاس بها الفرد أو الجماعة أو المؤسسة أو الحزب الذي يستطيع أن يقرأ بوعي حركة الأحداث في العالم ويغير نفسه أو حركته نحو الجديد والتجديد لاستيعاب هذه الأحداث لهو قادر أن يبقى في الصدارة.