مجلـــة النبــــأ       العددين (23 ـ 24 )       السنــــة الرابعــــة       ربيع الثاني ـ جماد الأول  1419 هـ

سوء الظن في المجتمعات القرآنية

السيد مرتضى الشيرازي    

سوء الظن والتشكيك ذكاء أم متاهة؟ حكمة أم سفاهة؟ حرام أم مكروه..؟

عندما ندرس ظاهرة (سوء الظن) من الناحيتين السيكولوجية والسايسيولوجية - بمجمل تأثيراتها على الفرد والمجتمع - نكتشف أنها هي ذلك (المرض) الخطير وذلك (الفيروس) الذي يحطم جهاز المناعة لدى المجتمعات والأفراد ليحوّل رياضها النضرة وجنانها الغنّاء إلى صحارى قاحلة تحرقها أشعة الشمس اللافحة والى خرائب تنعق فيها الغربان.

وسوء الظن أيضاً هو ذلك (التيزاب) وتلك المادة الكيماوية الرهيبة التي تصب على (إيمان المؤمن) فتذيبه في لحظات وتحرقه في ثوانٍ بل كأسرع من لمح البصر ولذلك - وعلى عكس ما يتصوره أكثر الناس - كان (سوء الظن) محرّماً، يقول الإمام علي (ع): «اطرحوا سوء الظن من بينكم، فإنّ الله عزّ وجل نهى عن ذلك»، يقول الشهيد الثاني (قدّس سره): «واعلم أنه كما يحرم على الإنسان سوء القول في المؤمن، وإن يحدث غيره بلسانه بمساوئ الغير، كذلك يحرم عليه سوء الظن وأن يحدث نفسه بذلك. والمراد من سوء الظن المحرم، عقد القلب، وحكمه عليه بالسوء من غير يقين به وأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه، كما أن الشك أيضاً معفو عنه، قال تعالى (اجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم) فليس لك أن تعتقد في غيرك سوء إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل».

ولكي لا نفتح لأنفسنا باب سوء الظن على مصراعيه متعللين بهذا المقطع من كلام الشهيد إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل، أضاف الشهيد ههنا قائلاً: «ومن هنا جاء في الشرع إن مَن علمت في فيه رائحة الخمر، لا يجوز أن يحكم عليه بشربها، ولا تحده عليه لإمكان أن يكون تمضمض به ومجّه، أو حُمل عليه قهراً، وذلك أمر ممكن، فلا يجوز إساءة الظن بالمسلم، وذلك رغم أن هذين الاحتمالين ضعيفان جداً في أكثر الأحيان ومع ذلك لا يجوز الحمل عليها».

وقال المولى النراقي في جامع السعادات تحت عنوان (سوء الظن بالخالق والمخلوق): «فلا يجوز تصديق - الشيطان - اللعين في نبأه وإن حفّ بقرائن الفساد ما احتمل التأويل والخلاف..ولو أخبرك عدل واحد بسوء من مسلم، وجب عليك أن تتوثق أخباره من غير تصديق ولا تكذيب»، وعلله بتزاحم (سوي الظن) وأضاف «مع احتمال كون العدل المخبر ساهياً أو التباس الأمر عليه بحيث لا يكون في إخباره خلاف الواقع آثماً وفاسقاً».

قال رسول الله (ص): «إن الله حرّم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء فلا يستباح ظن السوء إلا بما استباح به الدم والمال وهو تيقّن مشاهدة أو بينة عادلة» وعن أبي عبد الله (ع): «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء». وعن أمـــير المؤمنين (ع): «آفـــــة الدين سوء الظن» و«إياك أن تسيء الظن فإن سوء الظن يفسد العبادة ويعظم الوزر».

ويقول الإمام الشيرازي (دام ظله): «أما ظن السوء بهم (بالمؤمنين) فهو محرّم إذا كان كثيراً… لا يقال كيف يمكن حرمة سوء الظن  مع انه غالباً ليس بيد الإنسان؟ فإنه يقال: إنها مثل سائر المحرمات الخبيثة التي بيد الإنسان التقليل منها وعدم الاستمرار فيها إذا طرأت عليه» - موسوعة الفقه، المجلد 93، كتاب المحرمات -.

والذي يبدو أن سوء الظن بالمؤمنين محرّم في حالتين أولاهما: ما إذا كان متعلقة من المحرمات (كما لو ظن بأخيه شرباً للخمر أو سرقة أو تعمّد غيبة وتهمة..) والثانية: ما إذا كان كثيراً وإنْ لم يتعلق بالمحرمات (كما لو ظن بأخيه: كثرة النوم أو الكسل أو ما أشبه ذلك) بحيث كانت حالات سوء الظن هذه عنده كثيرة وإليه يشير تصريح السيد الشيرازي السابق الذكر وكما أن المحرم عقد القلب عليه كما مر في تصريح الشهيد (قده) كذلك يحرّم حديث النفس به وتردده في الخاطر إذا كان كثيراً وإنْ لم يعقد قلبه عليه كما يستظهر من تصريح السيد الشيرازي دام ظله بـ(إذا كان كثيراً) وبـ(لا يقال كيف).

في البدء لا بدّ أن نعرف أن من أصيب منا (بداء) سوء الظن (لا يدرك) - في كثير من الأحيان - أنه مريض و(إن أدرك) فإنه سيختلق لنفسه الأعذار والمبرّرات وسيصر على موقفه تماماً كالمصاب بمرض (انفصام الشخصية) أو(التشاؤم والنظرة القاتمة للكون والحقائق والبشرية والأصدقاء والأحداث) أو (الوسوسة في الطهارة والنجاسة).

إن (الوسواس) يرى حالته هي الطبيعية بل هي الضرورية وغيره على خطأ! و(المتشائم) يحسب غيره بسيطاً سطحياً لا يلبث أن يرتطم بصخور الحقيقة المرّة! و(سيء الظن) بالعاملين والأصدقاء والعلماء وشركائه في العمل يحسب أنه (الذكي الألمعي) وأنه (الكيس الفطن) وان غيره المغفل والساذج والبسيط والمغرر به؟

فعندما يشهد عالماً يقارع الطاغوت يقول لا ريب أن له مآرب دنيوية ولا شك أن دافعه (حب الرئاسة)!! ولا نقاش في أن هنالك أيدي خفية تحرّكه!! وعندما يشهد خطيباً ناجحاً أو أستاذاً مرموقاً يسعى لبث أحاديثه عبر الأقمار الصناعية يحدّث نفسه: لابدّ أن حافزه حب الشهرة!! وعندما يرى أخاه المؤمن يؤسس مؤسسة دينية أو إنسانية لا ريب في انه يصنع بذلك (شبكة) يصطاد بها أموال الناس والكادحين!!

إن (سيء الظن) يرصد كل تحرك وكل همسة وكل نظرة ويحسب لها ألف حساب ثم تراه لا يحملها إلا على أسوأ المحامل. فيا ترى ما هو السبب الذي دعا (زيداً) لكي يؤسس مدرسة بالقرب من مدرستي! أو مسجداً أو مكتبة أو متجراً أو غير ذلك؟ إنّ هدفه واضح وضوح الشمس؛ لقد أراد أن ينافسني ويحطم مدرستي! ولماذا ـ يا ترى ـ لم يقم (عمرو) لي، عندما دخلت المجلس؟ إن من الواضح أنه رآني وتعمّد أن لا يقوم لي استخفافاً بي وهدراً لكرامتي أمام الناس! وأرأيت كيف نظر (بكر) إليّ؟ وكيف تغامز مع (خالد)؟ ثم كيف عاملني صديقهما (احمد) ببرود؟.

وزوجتي الأخرى ما الذي دهاها؟ أراها (تتثاقل) أحياناً في تلبية طلباتي ولا تتلقاني بابتسامتها المشرقة كالسابق وتشكو وتتذمر، لا بدّ أن هنالك سرّاً خطيراً وراء الأمر، لا وألف كلا ليس المرض هو السبب ولا مشاكل الحياة ومشاق تربية الأولاد ولا (الضغط العصبي) الكبير ولا طريقة تعاملي معها وجفائي وتكبّري واستعلائي وتعاملي معها كـ(خادمة) أو (أمَة) طوال السنين الماضية، كلا ثم كلا، لقد (طغت) و(تكبّرت) و(تجبرت)، ولابدّ أن تعاملني غير الفض معها شجعها على احتقاري والاستهانة بي، أو لا ريب أن (أمها) قد شحنتها ضدي.. وألف خيال وخيال، وهكذا (تتواصل) حلقات سوء الظن وتتوالى وتتتابع ليجد المرء نفسه أسير شبكة عنكبوتية سوداء قاتمة تعتصر فؤاده وتفسد عليه أخلاقه وتبعد عنه أحبائه وخلانه وإخوانه، ثم ليتحول إلى (إذاعة متحركة) تسب وتتهم، والى قنابل متفجرة تنسف وتحطم، وهكذا يكون (سوء الظن) هو البداية و(سوء العاقبة) هي النهاية.

من أسباب سوء الظن

1/ تسويل الشيطان وكيد إبليس:

قال تعالى: (إنما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الذين آمنوا) ذلك أن (سوء الظن)  أفضل أحبولة للشيطان يوقع بها بين المؤمنين وهي الجسر الطبيعي نحو الفتن والحروب وهي (المقدمة الموصلة) لرواج سوق الغيبة والتهمة والتدابر والاختلاف ولذلك ورد في الحديث «احمل فعل أخيك على أحسن محمل» و«وعلى سبعين محمل»، لماذا؟ لأنك بذلك تسد الطريق على الشيطان وتقطع حبائله وانشوطته بسلاح (حسن الظن بالمؤمنين) وغير خفي أن (سبعين) في الرواية لا يراد به العدد والرقم المحدّد بل المراد به التكنية عن الكثرة. ولذلك قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) وكم من حوادث طلاق أدّت إلى تدمير عوائل كاملة كان منشؤها سوء الظن؟ وكم من صراع دموي بين أخوين أو أسرتين أو قبيلتين كان قد قدّم شرارتها (شيطان سوء الظن)؟ وكم من مؤسّسات وتنظيمات وتجمعات (انهارت) نتيجة (سوء الظن)؟ فهذا يظن أن ذاك (أخفى) عنه سرّاً وذاك يظن أن هذا قد (تجاوزه) وتخطى حدوده والثالث يظن أن صاحبه قد (وشى) به عند أصدقائه أو مسؤوله وانتقص منه، فقابله بالمثل وردّ عليه الكيل كيلين وهكذا وهلمّ جراً.

2/ يقول في جامع السعادات (سوء الظن بالخالق والمخلوق) وهو من نتائج الجبن وضعف النفــــس، إذ كل جبان ضعيف النفس تذعن نفسه لكل فكر فاسد يدخل في وهمه ويتبعه، وهكذا نجد أن ضعف النفس وضعف الأعصاب أيضاً هو من أسباب سوء الظن بالمؤمنين -ج1، ص280-.

3/ (العجب) وهو استعظام النفس، و(الكبر) من أهم أسباب سوء الظن بالآخرين ولذلك ورد في الحديث الشريف: «ويلكم عبيد السوء ترون القذى في أعين غيركم ولا ترون الجذع في أعينكم»، إنّ من يستعظم نفسه وعمله ويرى في ذاته ومناهجه الكمال (وهذا هو العجب)، ويرى نفسه (فوق الآخرين) وأعلى مرتبة منهم (وهذا هو الكبر)، يستفزّه أن (لا يقوم صاحبه له في المجلس) أو (أن يسبقه أخوه إلى عمل خير) أو (أن يسمع الناس يمتدحون منافسه) فيثير فيه كوامن سوء الظن فيفسّر كل ظاهرة من تلكم الظواهر تفسيراً سلبياً كي تسقط نفسه عن عليائها وبرجها العالي الذي تخيله لنفسه: (إنه لم يقم لي حسداً)، وقد (سبقني إلى عمل الخير) ليسقطني عن أعين الناس و(الناس يمتدحون أخلاقه ويشيدون بفضائل أخلاقه) لأنه ماكر يحسن التصنّع..، هكذا وهلمّ جراً.

4/ خبث الباطن: فإنّ من تعوّد على الحيلة والمكر والخديعة (يتصوّر) الآخرين كذلك و(يترجم) تحركه لهم بتلك اللغة وبنفس النغمة، ومن كانت كلماته سلسلة من الأكاذيب لا يستطيع أن يرى غير الكذب ثم الكذب ثم الكذب في كلمات الآخرين.

ومن لم يؤلّف، ولم يدرس، ولم يؤسّس و… إلا رياء وسمعة وحباً للشهرة يزن الآخرين بنفس الميزان ويقيسهم بنفس المقياس، وهكذا يحسب (ذاته) مرآة للآخرين يرى فيهم ما هو متأصل فيه ويكتشف فيهم وما كان عليه أن يكتشفه من نفسه.

5/ القياس والتعميم: فقد يصطدم المرء بحقيقة مرّة يكتشفها فجأة في صديق، أو عالم، أو عامل فيفقد ثقته بكل الأصدقاء والعلماء والعاملين، إن (قياس) سائر الإفراد وسائر الحالات على هذا الفرد والمصداق، وان (تعميم) حالة معيّنة وعينة خارجية لكل الحالات والمصاديق يعد من أكبر أخطاء الإنسان ومن أكبر عوامل سوء الظن (فالجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً) و(الاستقراء الناقص) ليس بحجّة و(الاستقراء المعلّل) منه ليس بمتحقّق في المقام بشهادة الروايات والعقل وبناء العقلاء. إن (التوازن) ورؤية القضايا بعيداً عن أية (صدمة) عاطفية هو المطلوب وهو ما تقتضيه الحكمة وهو مؤشر النضج والكمال.

الحلول

1/ أسئ الظن بنفسك واحسن الظن بالمؤمنين، واستكشف مواطن الخلل والنقص في ذاتك فـ«طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس» وتذكّر حديث موسى (ع) مع الرب في قضية ذلك الكلب. ولذلك يقول الإمام السجاد (ع): «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها».

2/  تعامل مع سوء الظن تعاملاً عكسياً ولا تتبع العثرات، يقول المولى النراقي (قدّس سره): «ثم طريق المعالجة في إزالة سوء الظن: أنه إذا خطر لك خاطر سوء على مسلم، لا تتبعه ولا تغير قلبك عمّا كان عليه بالنسبة إليه من المراعاة والتفقّد والإكرام والاعتماد بسببه، بل ينبغي لك أن تزيد في مراعاته وإعظامه له بالخير فإن ذلك يقنط الشيطان ويدفعه عنك، فلا يلقي إليك خاطر السوء خوفاً من اشتغالك بالدعاء وزيادة الإكرام،ومهما عرفت عثرة من مسلم فانصحه في السِّر ولا تبادر إلى اغتيابه وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على عيبه لتنظر إليه بعين الحقارة مع أنه ينظر إليك بعين التعظيم بل ينبغي أن يكون قصدك استخلاصه من الإثم وتكون محزوناً كما تحزن على نفسك إذا دخل عليك نقصان..».

3/ حاسب نفسك يومياً، وقف لها بالمرصاد، كن أنت الحاكم على الوساوس لا المحكوم قال الإمام علي (ع): «مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار» وفي رواية «محبة الأشرار..»، فإن (مجالسة الأشرار) عامل و(محبتهم) عامل آخر.

4/ ابتعد عن عوامل الإثارة والتشويش: ابتعد عن الصديق النمّام وقد ورد «لا يدخل الجنة قتات» أي نمّام. اقطع على نفسك حبال التفكير السلبي، ولا تسترسل في التفكير باستنباط بغيض نابع من سوء الظن.

5/ أصلح سريرتك وطهّرها من رذائل الأخلاق فلربما كان وراء (سوء الظن) الحسد أو الحقد والغضب. أو الكبر والعجب وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (ع): «واعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة يجمعها سوء الظن» وقال النبي موسى (ع) للشيطان: «فاخبرني الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال الشيطان: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه». وفي الموثق عن الإمام الباقر (ع): «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل الرجل على الدين فيحصي عليه زلاّته يعيره بها يوماً».

6/ ضع أمثال هذه الرواية نصب عينيك دائماً، فعن الإمام الصادق (ع): «لا تدع اليقين بالشك والمكشوف بالخفي، ولا تحكم ما لم تره، بما تروي عنه، قد عظم الله أمر الغيبة وسوء الظن بإخوانك من المؤمنين».

7/ تذكر أن (المحبة) و(الألفة) من أكبر نعم الله التي امتنّ بها على عباده، فلا تضيعها بـ(سوء الظن) قال تعالى: (لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألّفتَ بين قلوبهم ولكنّ الله ألّفَ بينهم) (فأصبحتُم بنعمتِه إخواناً)، وفي الحديث «لا يغلب عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين صديقك صفحاً».

8/ تذكر أن (سوء الظن) يحوّل حياتك إلى جحيم، ويفقدك أحباءك وأصدقاءك ويجعلك تتآكل من الداخل لتفقد صحتك وعافيتك وأعصابك فقد قال أمير المؤمنين (ع): «سوء الظن يفسد الأمور ويبعث على الشرور» و«سوء الظن يردي صاحبه وينجي مجانبه» و«من كذب سوء الظن بأخيه، كان ذا عقل صحيح وقلب منشرح».

9/ تذكر أن لكلّ فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه من الاتجاه فـ(كما تدين تدان) وانك لا تحصد من سوء الظن إلا سوء الظن فـ(القلوب سواقي) و(القلب يهدي إلى القلب) و(ما اضمر امرؤ شيئاً إلا وظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه). فإذا أردت أن يسيء الناس بك الظن فأسئ بهم الظن حتماً! وهل يجني الجاني من الشوك العسل؟.

10/ أعرف: إن سوء الظن مفتاح الشرور وبوّابة الآثام فإنه يجرُّ الإنسان جرّاً نحو الغيبة والتهمة والنميمة ويدفعه دفعاً نحو التجسّس على الآخرين وتتبع عوراتهم ففي الصحيح عن الإمام الباقر (ع) عن رسول الله (ص): «يا معشر من أسلم بلسان ولم يسلم بقلبه، لا تتبعوا عثرات المسلمين فمن تتبّع عثرات المسلمين تتبّع الله عثراته ومن تتبّع اللهُ عثراته يفضحه» - الأخلاق للسيد شبر، الباب السادس-

11/ وأخيراً علينا أن نعلم أن الشريعة الإسلامية أرست قواعدها على (حسن الظن بالمؤمنين) في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

فـ(أصالة الصحة) و(قاعدة اليد) و(سوق المسلمين) و(غيبة المسلم) و(هنّ مصدقات) و.. و.. وغيرها من القواعد الجارية في الاقتصاد والاجتماع والأسرة، كلها تكشف عن أن الأصل والقاعدة بنيت على التفسير بالأحسن. فلك أن تشتري أية بضاعة من سوق المسلمين، رغم احتمال كونها مسروقة وعليك أن تعتبر إمارة الملك فتشتري منه، وتشهد له في المحاكم، رغم احتمال كونها عارية أو مغصوبة. ولك أن تتزوج – دائماً أو متعة - بالمرأة لا بمجرّد دعواها أنها غير متزوجة أو أن عدتها قد انتهت فقط، بل لمجرّد أنها قد وافقت على أن تتزوج بك حتى دون أن تصرّح لك بأنها خلية أو لا عدّة لها أو ما أشبه ذلك. وغيبة المسلم من المطهرات رغم الاحتمال بل الظن بأنه لم يطهر ملابسه أثناء غيبته.

مباحث عديدة

أ / فهل مذمومية سوء الظن خاصة بالقياس إلى المؤمنين؟ أم أنها شاملة لغيرهم أيضاً؟ وكيف نتعامل مع الأعداء -حربيين وغيرهم - بحسن ظن أم بسوء ظن؟

ب / ثم هل معادلة حسن الظن وسوء الظن داخلة في دائرة (المجتمع الصالح) أم أنها جارية حتى في المجتمعات الإسلامية المنحرفة وماذا نصنع بروايات من قبيل «إذا فسد الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر».

ج / هل مقتضى القاعدة سوء الظن بالحكومات الجائرة والطواغيت أم حسن الظن بهم؟.

د / وكذلك الحال بالنسبة إلى أهل البدع والضلالات.

هـ / ثم هل (الفحص) يتنافى مع الروايات الرادعة عن سوء الظن أم ماذا؟ وهل هو على تقدير عدم التنافي مطلوب؟ في أية حالة؟.

و / وأخيراً يبقى الحديث عن سوء الظن بالخالق جلّ وعلا وتلك البحوث بين ما سنتطرق إليه في المستقبل إن شاء الله.