من شرائط النصر

ناصر حسين الأسدي

قال تعالى:(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) (الصف:4).

لاشك أن رصّ الصفوف من أسرار القوة..  والتقدم..  والنصر..  فالبنيان المادي لا يصمد أمام أضعف الرياح لو لم يكن مرصوصاً، وهكذا البنيان الاجتماعي والجماعي بشرائحه وتشكيلاته المرجعية والسياسية وغيرها فإن استحكام البناء من قوة أواصره وانشداد بعضه البعض..  ومعاضدة بعضه البعض فكذلك المؤسسات العاملة إنما يستحكم بناؤها ويصلب عودها إذا كملت إحداهما الأخرى وساندتها في خططها ومشاريعها..  وهنا بعض النقاط نقترح الالتفات إليها:

1 - إن الأفراد يفتقدون القدرة على المواجهة في الغالب كما يعجزون عن تحقيق الأهداف العليا بمعزل عن الآخرين بينما الجماعات تمشي نحو أهدافها بخطوات وطاقات أكبر وبزمن أقصر أيضاً فكيف بها إذا تعاضدت الجماعات وترابطت المؤسسات فإنها بلا شك ستكون كل واحدة منها ضمنت مستقبلها ونجاحها أولاً ثم مستقبل ونجاح الجميع ثانياً.

2 - رصّ الصفوف وترابط المؤسسات والمشاريع شرط استراتيجي لاحتواء التحدي الحضاري، التحدي الذي تواجهنا مؤسساته المختلفة كجبهة موحدة في الأهداف والنوايا وتحيطنا بالخطط المدروسة المتكاملة.

3 - الترابط الفردي في المؤسسة الواحدة والمؤسسات في الإقليم الواحد أو الجهة الواحدة مقدمة ضرورية لإيجاد التراص والترابط الأكبر مع سائر المؤسسات الأخرى.

4- إيجاد قيم التلاحم والمحبة وزرعها في العلاقات الاجتماعية واجب أخلاقي وإنساني على كل أحد منا وفي نفس الوقت هو شرط أساسي للوصول إلى الخطوات الأكبر؛ فقيل:  تراص الصفوف لابد وأن تتراص القلوب بالمحبة ويتبادل المؤمنون الاحترام الأخوي، ويتكافلون في شؤون الحياة، يتعاضدون بتبادل الخبرات، ويقدم موسرهم يد العون لمعسرهم، وخصوصاً في المهاجر القاسية، قال سيدنا عيسى(ع):«لا تتم الأخوة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر يا أنا» وربما لا يختلف اثنان منا على ضرورة ذلك كما لا يختلفان على أنا ضحايا الرأي الحر، والموقف النبيل والمدرسة التي علمتنا الاستقلال وغذتنا بالمسؤولية والدفاع عن المبادىء فلا زال العديد من إخواننا يرسف في الأغلال في بلاد الظلام والاستبداد، ليس إلاّ لكونه أبي الضيم، حر الفكر رفض الخنوع وأساليب القهر...  واللبيب هو الذي يحول أزماته إلى حلول ومعاناته إلى تجارب وهزيمته إلى نصر..  وبداية الطريق تبدأ من التعاطف والانسجام الاجتماعي الذي من مظاهره المحبة والاحترام المتبادل والتزاور، والإيثار، والإهداء، والاستقامة، والتفقد، والإغاثة، والإكرام، وعشرات أمثالها.

5- النصرة والتناصر بين الأخوة من أهم المبادىء التي تضمن لنا قوة ونجاح أكبر وفي نفس الوقت يجعل الخصوم يحسبون لنا ألف حساب فلا يجرؤ علينا مستبد أو ظالم ليتعدى علينا ويسحق حقوقنا خاصة وأن والمشكلات لا تختص بالبعض دون البعض بل هي متنقلة فاليوم لك وغداً عليك فضلاً عن الحقوق التي جعلها الله سبحانه في رقبة كل مسلم تجاه أخوته الآخرين وما يترتب على أدائها من ثواب عظيم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):«من أغاث أخاه المسلم حتى يخرجه من همّ وكربة وورطة، كتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات، ودفع عنه عشر نقمات، وأعد له يوم القيامة عشر شفاعات». وقال(ص):«من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها، ويفرج كربته، لم يزل في ظل الله الممدود بالرحمة»(1).

(1)  ثواب الأعمال:  للصدوق ص180.