دور الإمام الرضا(ع) في حياة إيران الاقتصادية المعاصرة

11 ذي القعدة 1423هـ

في يوم11/ ذو القعدة تمر الذكرى السنوية لولادة الإمام علي بن موسى بن جعفر(ع) الملقب بـ(الرضا) والمدفون في محافظة خراسان في إيران.

لقد اعتاد الكثير من الخطباء والصحفيين والكتاب في مثل هذه المناسبة على الحديث والكتابة عن بعض الجوانب التاريخية من حياة الإمام الرضا(ع، ويبدو ان هناك الكثير من الافاق المعاصرة التي تحيط بحياته، فصار من الأجدى الحديث في هذه المناسبة بما يخدم الأمة الإسلامية الحاضرة وأجيالها القادمة ويقربها من تحقيق حلم الوحدة الإسلامية.

بالرغم من مرور ما يقارب الإلف ومائتين وخمسة وسبعين عاماً على هذا اليوم المبارك إلا أن بركة صاحب هذه الذكرى لا زالت تعم المسلمين عامة ومن كان في جواره خاصة.

لقد أشارت أحدى الإحصائيات إلى ان عدد من زار مشهد الإمام الرضا(ع) في عام1418هـ (1998م) حوالي ثلاثة عشر مليون مسلم ومسلمة، حسب ما أشار إلى ذلك الإمام الراحل محمد الحسيني الشيرازي(قدس سره) في صفحة ستة وعشرين من كتابه المعنون(مشهد الإمام الرضا والحضارة الإسلامية).

ان هذا الرقم الكبير وقابليته للزيادة في المستقبل يعنيان من الناحية الاقتصادية مايلي:-

أ‌- زيادة الطلب على خدمات النقل.

ان إقدام هذه الملايين على السفر من منازلها، سواء أكانت في داخل إيران أم خارجها، إلى حيث مرقد هذا الإمام الطاهر يعني توفير فرص عمل مربحة لآلاف الأشخاص العاملين في شركات الطيران المدني والنقل البحري والنقل بالسيارات الصغيرة والكبيرة.

ان هذه الزيادة في الطلب على خدمة النقل لابد وإن يكون لها دور في إبعاد شبح البطالة عن مئات الآلاف من الناس، أي العاملين في مجال النقل ومن يلوذ بهم من ابناء وزوجات وأخوات واباء وامهات واقارب اخرين.

كما ان هذه الزيادة بالطلب تخلق زيادة في طلب عمال النقل على وسائله وأدواتها الاحتياطية والوقود اللازم لتشغيلها، وهذا ما يؤمن لتجار هذه السلع فرصاً جديدة للحصول على مزيد من الأرباح أو على الأقل لتجاوز ما يعانونه من كساد أو ضعف طلب على ما يتعاملون به من بضائع.

كما ان الزيادة في الطلب على خدمات النقل ووسائلها تستوجب زيادة الإنفاق الحكومي في مجال إنشاء وتحسين الطرق والموانيء البحرية والمطارات، وهذا ما سينمي قاعدة الاقتصاد الوطني أو بنيته التحتية ويرفع قيمة التكوين الرأسمالي الوطني(حساب التراكم الرأسمالي) ويزيد كل من قيمة الناتج المحلي الإجمالي وحصة الفرد من هذا الناتج وعدد العاملين في قطاع الإنشاء والتشديد والطلب على مواد البناء ونمو قطاع الصناعات التحويلية.

ب‌- زيادة الطلب على خدمات السكن.

ان زوار المرقد المشرف، القادمين إليه من مناطق خارج مركز محافظة خراسان، يحتاجون إلى أماكن للسكن المؤقت خلال مدة الزيارة، وهذا ما يزيد الطلب على خدمات الفندقة.

ان الزيادة الأخيرة تخلق بدورها طلباً جديداً على عمال ومواد البناء، وهذا ما يعني ايضاً تحقيق نمو في أو تحسن نشاط صناعة مواد البناء- التي هي احد فروع قطاع الصناعات التحويلية- وزيادة في كل من قيمة ناتج الصناعات التحويلية والناتج المحلي الإجمالي ومعدل حصة الفرد من هذا الناتج.    ج- زيادة الطلب على خدمات المطاعم.

 ان قدوم عدد كبير من الأشخاص إلى المدينة المباركة سيزيد الطلب على المأكولات أو بالأحرى المنتجات الزراعية الحيوانية والنباتية، وهذا ما سينشط قطاع الزراعة- الذي هو احد قطاعات الإنتاج السلعي- ويزيد قيمته وبالتالي يرفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي وحصة الفرد منه.

ان هذه الزيادة بالطلب ستحد من خسائر الفلاحين أو تزيد دخولهم وتحثهم على زيادة الإنتاج وتزيد طلبهم على وسائل الإنتاج الزراعي وتدفع الحكومة إلى تطوير البنية التحتية، كالطرق التي تربط الأرياف أو بين الريف والمدينة وكذلك مستودعات السلع الزراعية، وتنشط الاستثمارين العام والخاص في مجال تصنيع المحاصيل والمنتجات الزراعية الخام الأخرى، أي تقوّي نشاط قطاع الصناعات التحويلية، وربما تحد في المستقبل من استيراد بعض السلع، وهذا ما يصب في مصلحة ميزاني التجارة والمدفوعات وقيمة العملة الإيرانية.

د- زيادة الطلب على بعض السلع الاستهلاكية.

 لعل الكثير من زوار هذه المدينة المقدسة يقدمون على شراء بعض السلع الاستهلاكية، كالحلي والملابس، بهدف تقديمها كهدايا لأحبائهم عند عودتهم اليهم أو للاحتفاظ بها كتذكار أو لاستخدامها مباشرة.

ان هذه الزيادة بالطلب تدعم النشاطين التجاري والصناعي في محافظة خراسان خاصة وباقي المحافظات الإيرانية، التي تصدّر إلى الأولى بعض السلع المرغوبة من قبل زوارها الأجانب، عامة. ويمكن القول بان مبيعات تجار مدينة مشهد لزوارها الأجانب هي في مصلحة ميزان مدفوعات إيران وتساعد اقتصادها على تجنب مشكلة التضخم المرضية.

هـ- تحسين ميزان المدفوعات الإيراني.

 من البديهي القول بان زيادة عدد زوار مرقد الإمام الرضا(ع) من قبل غير الإيرانيين سيمكن إيران من الحصول على كمية من العملة الصعبة وبما يدعم موقف ميزان مدفوعاتها.

ولأنه من المعروف بان متحصلات أية دولة من العملات الصعبة تتناسب طردياً مع عدد زوارها الأجانب فأن العمل باتجاه زيادة هذا العدد سيقوي كل من ميزان المدفوعات الإيراني ومركز التومان أمام ضغوط التضخم ويدافع عن الاستقرار الاقتصادي المحلي ويحافظ على أو يحسن مستوى دخل المواطن الإيراني ويجعله أكثر ارتباطاً بأرضه.

و- زيادة الإنفاق الاستثماري.

لقد سبقت الإشارة إلى ان زيادة عدد زوار مرقد الإمام الرضا(ع) تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية. ان زيادة الطلب على السلع الاستثمارية تعني في حقيقة الأمر زيادة الإنفاق الاستثماري، الذي يرفع قيمة حساب التكوين الرأسمالي على مستوى البلاد ويدعم قيمة التومان ويسهم في الحفاظ على أو يحقق الاستقرار الاقتصادي في إيران ويساعدها على مواجهة مشكلة البطالتين الحقيقية والمقنعة.

ولأنه من المعلوم بان إدارة مرقد الإمام الرضا(ع) تحصل على تبرعات نقدية كبيرة من زوار هذا المكان المبارك وان بعض هذه الأموال تنفق في مجالات استثمارية عديدة، كإنشاء بعض المباني وتحسين شبكة المواصلات الإيرانية، فأنه يمكن القول بان لهذا المكان المبارك دوراً في التنمية الاقتصادية الإيرانية.

ان حرص أية حكومة إيرانية على تحقيق هذه المنافع الاقتصادية من خلال السياحة الدينية يوجب عليها، بحسب رأي الإمام الشيرازي الراحل واستناداً إلى ما جاء في كتابه الأنف الذكر، القيام بما يلي:-

1- تسهيل أو تبسيط إجراءات دخول الزوار إلى إيران وتنقلهم فيها، لأن ذلك الأمر هو من أحكام الإسلام- التي ترفض وضع حواجز حدودية وضريبية أمام انتقال المسلم من دولة مسلمين إلى أخرى ومن منطقة إلى ثانية ضمن دولة المسلمين الواحدة.

2- توفير الخدمات اللازمة لزوار المرقد المبارك، سواء أكانت إيواء أو إطعام أو اتصال أو انتقال أو علاج طبي أو حماية أمنية.

3- توسيع وتحديث مدينة مشهد، سواء بإنشاء الفنادق الكبيرة الحديثة أو بعصرنة الطرق ووسائل النقل والحدائق أو غير ذلك من أمور.

4- توسيع وتحديث مبنى المرقد المبارك لكي يستوعب ما يزيد عن المليون زائر.

5- محاولة جعل أسعار السلع والخدمات في حدود امكانات سائر زوار مدينة مشهد، لكي تزداد أعدادهم وبالتالي نفقاتهم و مداخيل سكانها.

6- تطوير خدمة التعليم الديني في مدينة مشهد.

7- إنشاء المزيد من المؤسسات الثقافية والإعلامية، المكلفة بتوعية الأمة الإسلامية، في مدينة مشهد. وتشمل تلك المؤسسات كل من المكتبات والمساجد والحسينيات ومحطات الإذاعة والتلفزيون ودور النشر ومراكز الأبحاث والدراسات.

 هذه باختصار بعض الأفكار التي يمكن ان تسهم في دعم اقتصاد إحدى دول المسلمين، وبالتالي تحصِّن المسلمين عامة في وجه التحديات الداخلية والخارجية.

                                                                           عبد الرزاق الحاتمي

                                                             مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات

                                                                   مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية

الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا