مع الفجر... سافر البدر

آمنة علي

استيقظ الغدر، ومضى السحر، لا شمس بزغت، و لا ورود تفتحت...

صباح... قد غال ليله القمر، فبكت عليه السماء، و هوى النجم إذ أرهقه الكدر، حتى غفى الشفع والوتر ورحل قرآن الفجر، والليل يسري....... ويسري وكل ذي حجر دمعة يجري ويرتمه منا النداء : أين انت ياهذا الحسيني  إلى أي ثرى ثويت؟

لم تُسمعنا كلمة الوداع.....

خلفت فينا ذهولا وسكونا قد استحالت كلماتنا صمتا وصارت بسماتنا حزنا.

عدت بذاكرتنا إلى أيامك التي خلت حينما شيدت قصرك من عبادتك وطاعتك لربك وتوجت روحك عزا، فربك العزيز الجليل معك.

وكان رجاء أمير المؤمنين (ع): (رب أنت كما أحب فاجعلني كما تحب) هو ما تصبوا اليه.

زادك التقوى و رواءك الدمع الذي تسبحه لصريع العبرة (ع)... غرست في نفوس كل الموالين أشجاراً من الطيبة تؤتي آكالها كل حين، لقد نبَّأتها إن الدنيا كسحابة الصيف سرعان ما تتلاشى ويضمحل طول الأمل بها.

يا من كنت منتظرا مظهر العدل تطل بين الحين و الحين -  من نافذة شوقك متأملاً تلكم الطلعة البهية لمعز الأولياء ومذل الأعداء، لطالما كنت توصينا بـ (دعاء الندبة) ومجالس ذكر مهدي الأمة ومخرجها من الظلمات إلى النور، أوقدت بحكمتك مشاعل الهدى، فالله تعالى قد أتاك خيراً كثيراً (ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا).

وكلما امتشقت قلمك تدفقت ينابيع فكرك لتسقي افئدتنا الظمآنة علما زلالاً، أما سيرتك فهي مرضية لله الواحد الأحد، فقد زينتها بدرر التواضع ورصعتها بالعلم النافع، كيف لا و خصالك خصال المتقين كما وصفهم يعسوب الدين (ع): (المتقون هم أهل الفضائل.. منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع))...

فلونت آفاقنا رحمة ورأفة استلهمتها من الامام الرؤوف الرضا (ع) وكنت كما كان المؤمنون (اشداء على الكفار رحماء بينهم) فلما طعنك خنجر الزمان تلقتك ملائكة الرحمن، اما نحن فغرقنا في لجة الأشجان بعدما ثلمت في الاسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة وأيتمت رواءنا لا شيء يعيد لنا آمالنا سوى يقيننا بظهور قائم آل محمد (عليهم السلام) ورجعتكم فأنت الذي كنت معاهدا ربك أن لا تحول و لا تزول عن بيعتك لمولاك الامام المهدي (عليه السلام) وسائلا إياه - إن حال بينك  وبينه الموت -  أن يخرجك من قبرك ملبيا دعوة الداعي في الحاضر والبادي وأي لحدٍ ستخرج منه...

سوف تنتفض من خير تراب الأرضين  (كربلاء) التي ما فتئت تذكرها تلبي من ضريح جدك الحسين (ع) ذلك النداء العظيم.

يا ذرية الزهراء.... يا من أحنيت ضلعك أسفا لها، فقد عجزت أن تحويك السطور وعمرك بحر من النور.

خمسون عاما..... قصير عددها، غزير عطاؤها، ربما لشدة الاشتياق الى (الرحيم الودود) بارحت روحك جسدك.....

سنون انفقتها للواسع الكريم فمثلها (كحبة انبتت سبع سنبلات في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء) و شربت نفسك ابتغاء مرضاة الرؤوف  بالعباد فهنيئا لك رضوانه وهو القائل (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى  ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي).

وداعا.........

وداعا..........

وداعا....... ايها الرضا

 

* فاز كأفضل نص أدبي في المسابقة التي أعلنتها مجلة بشرى بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لرحيل المقدس الشيرازي (قدس سره) ونشر في الاصدار الخاص بالمناسبة

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آيار/2009 - 30/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م