الشعائر الفاطمية ومسئوليتنا إزاءها في فكر المقدس الشيرازي

محمد يوسف العرادي

إن كل جماعة بشرية تجمعها حزمة من المشتركات، حيث لا يخلو مجتمع من المجتمعات من شعائر دينية كانت أو عرقية أو فكرية خاصة به يمارسها ويعظمها لأنها ترمز لشيء مقدس في فكره. والشعائر جمع شعيره والشعيرة هي العلامة الحسية التي تقود الإنسان نحو صاحب الشعيرة، وللموجودات الحسية تأثير كبير على حياة الإنسان لا نراها في الموجودات التجريدية، بمعنى أن الإنسان ينجذب لكل ما هو محسوس، ولهذا السبب كان الأنبياء الإلهيون بشرا ولم يكونوا ملائكة (( ولو جعلنه ملكاً لجعلنه رجلاً))أي في قالب حسي بشري (1).

قال تعالى (( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )) (2) وهذا يعني أن في الإسلام شعائر دينية مقدسة ومن واجبنا تعظيمها لأنها ترتبط بميزان التقوى، فلا يكون الإنسان تقي إلا بإبراز هذه الشعائر. ومن الشعائر الدينية الشعائر الفاطمية المرتبطة بسيدة نساء العالمين (ع)، تلك الشعائر الإيمانية التي لم تفارق فكر المقدس الشيرازي (قدس)، فارتباطه بجدته الزهراء (ع) لا يوصف، حتى ذكرى وفاته كانت مرتبطة بذكرها وكأنه أبى أن يرحل عن هذه الدنيا من غير أن يجدد ارتباطه بها عليها السلام ، وها نحن على أعتاب الأيام الفاطمية، وذكرى وفاته (قدس) في السادس والعشرين من جمادي الأولى ذلك الشهر المرتبط بجدته المظلومة والتي لم يغب ذكرها على لسانه في محاضراته وكتبه القيمة ولذلك كانت له رؤى ومواقف دفاعية عن الشعائر الفاطمية، وذلك لارتباطها بالله وما كان لله ينمو، فهو يرى أن الشعائر ثلاثة أنواع، وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة (وهم الشعائر الدينية بشكل عام والشعائر الإيمانية بشكل خاص والشعائر الفاطمية بشكل أخص) تنضوي تحت جامع مشترك وهو عنوان شعائر الله لأن أي شعيرة لها نوع إضافة إلى الله سبحانه (3).

وللشعائر أدوارا كبيرة أهمها دور الحماية والهداية، فبالشعائر نستطيع أن نحفظ الفرد والأمة ونصونهما من خطر الذوبان والانصهار في الثقافات الأخرى، لذلك نرى الحكومات غير الشرعية قد شحذت ضبية مديتها من أجل محاربة الشعائر الدينية وذلك لإضعافها، فهم ينظرون إليها بأنها سلاح قوي يجب إضعافه من أجل اختراق بنيان الإسلام.

والغرب لا يهدأ ولن يهدأ حتى يوجه سهامه المسمومة للإسلام، هاهو اليوم يهاجم الحجاب من أجل تذويب المرأة المسلمة في المجتمع الغربي، ومن أجل ذلك يرى المقدس الشيرازي أن ديمومة الشعائر الدينية هي ديمومة الدين، وإذا ما استطاع نظام ما أن يقضي عليها فهذا هو بداية الطريق للقضاء على الدين، وقد أفتى الفقهاء بوجوب الهجرة من البلد الذي لا يمكن إقامة شعائر الدين فيه (4).

يرى المقدس الشيرازي وهو بصدد بيان الفرق بين الشعائر الإيمانية والشعائر الفاطمية بأن الإيمان مركب من سلب وإيجاب أي نفي وإثبات، ومن الشعائر الإيمانية ما يحتوي على بعد الإثبات فقط، ومنها ما يحتوي على البعدين معاً، والشعائر الفاطمية من الشعائر الإيمانية التي تعنى بالبعدين ( التبري والتولي ) بكل قوة وبشكل واضح وصريح ومباشر (5).

ولذلك اعتبر المقدس الشيرازي القضية الفاطمية بأنها تمثل إدانة مباشرة لكل الحكومات المنحرفة ابتداءً من حكومة الأوائل وانتهاء بحكومة العثمانيين، ومن ثم فإن إحياء القضية الفاطمية هو إحياء للإيمان كله.

إذاً ما دامت الشعائر الفاطمية بهذه الضخامة الإيمانية والعظمة الدينية فما هو واجبنا ومسؤوليتنا تجاه هذه الشعائر العظيمة؟. إن قضية الزهراء لا يحدها وقت محدود، فهي تعيش في وجدان كل مسلم حر وأبي، ولكن في كل عام وخاصة في شهر جمادى الأولى والآخرة يكون الارتباط أقوى فهو يرى أن هذين الشهرين يتعلقان بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) وتتمثل مسؤوليتنا ضمن ما تتمثل في إحياء قضيتها (ع)، وهذا الإحياء له مفردات كثيرة بينها السيد الشيرازي من خلال عنوانان عامان يجمعان هذه المفردات، فالعنوان الأول هو الإحياء الشعائري مثل لبس السواد في الأيام الفاطمية وتسيير مواكب العزاء والحضور في المجالس التي تقام بالمناسبة، وبالفعل فهناك الكثير من مناطق العالم التي تحيي الشعائر الفاطمية وأصبحت تلك الشعائر من الثوابت ولها الاستمرارية في كل عام.

أما العنوان الثاني فهو الإحياء الثقافي والذي اعتبره المقدس الشيرازي من الأمور المهمة في الإحياء، والإحياء الثقافي هو المساهمة في الكتابة والتأليف ونحو ذلك حول الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع) عسى أن تكون هذه المساهمة وسيلة من وسائل الشفاعة لنا يوم القيامة إن شاء الله تعالى.

فهل توقفنا يوماً مع أنفسنا لنسألها ماذا قدمنا للزهراء (ع) على الأقل من هذه الزاوية الثقافية؟ هل أبرزنا علمنا في هذا الجانب، وهل عرّفنَا العالم أجمع على مظلومية الزهراء (ع)؟ لقد بين المقدس الشيرازي من خلال محاضراته القيمة الحقيقة المؤلمة في ما يتعلق بالكتابة عن الزهراء (ع)، إن ما كُتب حول الصديقة الزهراء قليل جداً بحيث تضاف لمظلومية الزهراء (ع) في هذا الجانب، فقد أحصى أحد المؤلفين في كتاب له كل ما أُلف عن الصديقة الزهراء (ع) خلال ألف وأربعمائة عام فلم يزد المقدار الذي عُثر عليه عن ألفين واثنين وعشرين كتاباً في حين إنا نقرأ أن شاعراً توفي قبل أقل من قرن أُلف عنه حوالي خمسة آلاف كتاب ، يجب أن نعيد الحسابات ونتأمل فيما قدمنا للزهراء عليها السلام في ذكراها بل في كل الأيام وعلينا بالاقتداء بذلك العالم الجليل الذي استحق لقب المقدس الشيرازي ونخطي خطاه فيما قدمه للذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فرحمك الله يا سيدنا.

[email protected]

...........................................

(1) سورة الأنعام 9

(2) سورة الحج 32

(3) ومضات 54

(4) ومضات 55

(5) نفس المصدر 55


| الصفحة الرئيسية |

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام1430هـ  / 2009م