قبل أيام مرت ذكرى رحيل أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- تلك
الشخصية العظيمة والخالدة، القادرة على سحر العقول وجذب القلوب
والتأثير في كل زمان ومكان، فالإمام علي ابن أبي طالب (ع) هو وحسبما
نرى النموذج الوحيد الخالد على الإطلاق بعد الرسول الأعظم (ص) في عالم
التميز والعطاء والتضحية في سبيل الرسالة الإلهية، فلم تعرف البشرية
أفضل من شخصيته بعد شخصية الرسول (ص)، الذي جمع الفضائل والمناقب
والكرامات والسجايا والسوابق بما لا تحصى، فهو إمام المتقين وأمير
المؤمنين ويعسوب الدين.
وحياة الإمام علي (ع) كلها عطاء وتضحية وإيثار لأجل خدمة الرسالة
والأمة والإنسانية، ضحى بمصالحه الشخصية، ومن يملك عطاء وتضحية وتميز
الإمام علي (ع) فهي شخصية خالدة ويستحيل على الإنسان أن يتحدث عن شخصية
الإمام علي (ع)، الشخصية التي لم يعرفها إلا الله عز وجل، والرسول
الأعظم (ص) كما قال (ص): «يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا».
تربى أمير المؤمنين علي (ع) بين يدي الرسول محمد (ص)، فتخلق بأخلاق
الله ورسول الله، ورضع الرسالة والعلم من المنبع مباشرة إذ قال «لقد
علمني رسول الله ألف باب من العلم، من كل باب يفتح لي منه ألف باب»،
أول الناس إيمانا بالرسالة، دافع وضحى عن الرسالة منذ كان صغيرا، وقمة
العطاء والتضحية والفداء عندما نام على فراش النبي (ص) عندما عزمت قريش
والقبائل الأخرى على التخلص من النبي وهو في فراشه معرضا نفسه للموت،
واستماتته بالدفاع عن النبي في معركة احد عندما فر اغلب الرجال عن
النبي(ص)، عطاؤه وتضحيته وإقدامه في المجال العسكري تشهد له جميع
المعارك بذلك، عطاؤه في المجال العلمي بأنه الأعلم يشهد به الأعداء قبل
الأصدقاء، وكذلك في الجانب السياسي والحكم، وفي العدالة والزهد، وكتاب
نهج البلاغة يشهد بجزء من ذلك، وكذلك في الجانب الإنساني فهو والد
للأيتام والمساكين..، انها شخصية لا مثيل لها في جميع المجالات، ومن
يرد التعرف عن قرب على تلك الشخصية الخارقة الخالدة فليطلع على الكتب
التي تتحدث عن حياة الإمام علي (ع).
اما عطاء الإمام علي (ع) في الجانب الروحي فهو مدرسة فريدة، وما
تركه لنا من روائع الأدعية التي تجعل العبد يذوب في بحار خالقه، مثل
دعاء كميل ودعاء الصباح وغيرها، إلا دليل على ذلك الارتباط الروحي بين
العبد المطيع لخالقه. وقد تجسد هذا الارتباط بان الإمام علي (ع) هو
الأول والوحيد الذي ولد في أقدس بقعة على سطح الأرض في المسجد الحرام،
وختم حياته المليئة بالعطاء والتضحية والفداء في اطهر مكان هو محراب
الصلاة وهو قائم بين يدي خالقه عز وجل. وفي ذلك تأكيد على التميز
والعطاء والمحبة من الله سبحانه وتعالى لوليه وحجته الإمام علي (ع).
ولكن هذه الشخصية الخالدة والمتميزة، تعرضت لعملية إجرامية في أقدس
المواقع محراب الصلاة وفي اشرف الشهور شهر رمضان وفي أفضل الليالي ليلة
القدر، ففي ليلة 21 من شهر رمضان المبارك لسنة 40 من الهجرة، شهدت
مدينة الكوفة عاصمة الخلافة الإسلامية، حدثا رهيبا وزلزالا قويا امتدت
آثاره بين الأرض والسماء من شدة قوته، حيث أعلن عن استشهاد أعظم شخصية
في تاريخ البشرية بعد شخصية الرسول الأعظم محمد(ص)، رئيس أعظم دولة في
العالم في ذلك الوقت (الخلافة الإسلامية) انه أمير المؤمنين الإمام علي
المرتضى (ع)، متأثرا من شدة السم الذي وصل إلى دماغه، بعدما تعرض
لعملية إرهابية إجرامية قبل ثلاثة أيام بقيام إرهابي تكفيري يدعى عدو
الله عبدالرحمن بن ملجم، بضرب الخليفة الإمام علي ابن أبي طالب بسيف
مسموم وهو قائم يصلي (صلاة الفجر) في محرابه، حيث نادى علي (ع) قائلا:
«فزت ورب الكعبة»، وبمجرد الإعلان عن الوفاة سمع صوت جبرائيل بين الأرض
والسماء ينادي: «تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله أعلام التقى
وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى،
قتل علي المرتضى قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء». وضجت
الكوفة وسائر المدن بالبكاء والعويل على افتقاد الأب أب الأمة الرحيم
الحنون الكريم المعطاء العادل.
عاش الإمام أبو الحسن (ع) طوال حياته في دروب العطاء والتضحية
والجهاد والعمل المتواصل في سبيل الرسالة الإلهية وفي خدمة مصالح
الآخرين وإسعادهم، ومن هو في مقام وعلم الإمام علي (ع) يعلم ما معنى أن
تكون خاتمة حياة المؤمن الفوز بالشهادة في سبيل الله مظلوما، ولهذا عاش
وهو ينتظر تلك اللحظة أمنية الفوز بالشهادة في سبيل خالقه ورسالته
والإنسانية، وكان الإمام المرتضى (ع) يعلم بتلك اللحظة الزمان والمكان
وباسم المجرم، حيث اخبره حبيبه المصطفى بذلك.
ففاز الإمام علي (ع) في الدنيا بمرتبة الشهادة في سبيل الله في اطهر
بقعة في محراب الصلاة، وفاز بمحبة البشر على مر العصور، والحصول على
المنزلة الرفيعة في الجنان، «قسيم الجنة والنار، وساقي ماء الكوثر...»،
وهو الفوز الحقيقي.
ويريد الإمام (ع) من خلال ذلك تقديم درس لنا وللإنسانية بأن أفضل
الأعمال للمرء التضحية في سبيل الله والعطاء في خدمة الدين والحق
والعدالة والإنسانية. والعمل بدون ظلم أو اعتداء على حقوق الآخرين مهما
كان معتقدهم الديني أو فكرهم أو عرقهم.
ولهذا من الطبيعي أن تتوجه القلوب المؤمنة، والعقول الواعية،
والضمائر الحية، نحو هذه الشخصية الخالدة المتميزة (شخصية الإمام علي
المرتضى)، والارتواء من بحر عطائها وتضحياتها وإيمانها، والاقتداء بها.
والتزود من نفحات من ولد في الكعبة قبلة المسلمين واستشهد في محراب
الصلاة؟!.
ولنا في حياة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع)، قدوة وأسوة
حسنة، وعلينا استيعاب كلماته الأخيرة ووصاياه التي تصب في مصلحة وعزة
وشرف ورفعة الإنسان. ومن يحب ويتبع الإمام علي (ع) عليه أن يذوب في
كلماته ووصاياه (ع)، وان تكون أعماله وأفعاله وفق توجهات أمير المؤمنين
(ع). ليكون الفوز والفلاح نصيب كل من يسير على ولاية ومنهج أمير
المؤمنين الخالد، فهنيئا لكم يا أحباب علي ابن أبي طالب (ع).
عظم الله أجوركم بقتل الصلاة في محرابها، وقتل القرآن الناطق، وقتل
ولي رب العالمين، وقتل أخ النبي الكريم، وزوج البتول، ووالد السبطين
الحسن والحسين، إمام المتقين، وإمام الحكمة والبلاغة والقول المبين،
أمير المؤمنين الخالد، الإمام علي بن أبي طالب (ع). |