شهر رمضان المبارك فرصة الانسان للهداية وتزكية النفس

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: كثيرة هي الفرص التي يمنحها الله سبحانه وتعالى للانسان على مدى حياته لكي يعود الى فطرته ويتمسك بوشائج الايمان ويزكي نفسه الخطاءة من الذنوب والخطايا، ولعل أفضلها وأنسبها هي هذه الفرصة التي نعيشها الآن ونحن في رحاب هذا الشهر المبارك، شهر رمضان الذي قيل كان ولا يزال وسيبقة ساحة مفتوحة لتوبة الانسان واستحصاله المغفرة من لدن الله سبحانه وتعالى.

ولعل فوائد الصوم تكمن في زيادة تقوى الانسان وزيادة تقربه الى الله تعالى ولجوئه الى تشذيب النفس من مزايا الدنيا ومتطلباتها المادية التي غالبا ما تضع الانسان على حافة الذنوب واحيانا تقوده الى مستنقع الذنوب فيسقط فيه داريا او غافلا، ولذلك فإن هذا الشهر ينقّي نفس الانسان وسريرته ويزيد من ايمانه وتقواه شريطة ان يكون صومه حقيقيا، بمعنى ان تنطبق عليه شروط الصيام المطلوبة، ولا يكون صوما شكليا، فالصيام جوهر يقود الى الايمان الحقيقي وما عداه يكون فعلا شكليا لا يرقى الى ما يهدف اليه الصيام ابدا، وفي هذا المجال يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الثمين (العلم النافع):

(لا يخفى أنّ للصوم مراتب، والصائم الذي يبلغ التقوى هو الذي يكون صائماً حقيقة، لا الذي يصفه الإمام عليّ سلام الله عليه بقوله: «كم من صائم ليس له من صومه إلاّ الظمأ والجوع»-1-، بل الذي يصوم وتصوم جوارحه أيضاً. فصوم كهذا لا شك سيكون سبباً لأن يصير إنساناً متّقياً، كما في الحديث عن الإمام الصادق سلام الله عليه: «اذا صمتَ فليصُمْ سمعك وبصرك وشعرك وجلدك»-2-.

وكذلك للتقوى مراتب، ومفتاح ذلك كلّه بأيدينا، فإنّ الله تعالى قد خلق فينا القابلية لأن نستفيد من الصوم أكثر، وذلك بأن يكون صومنا في اليوم الثاني من الشهر أفضل من صومنا في اليوم الأوّل، وهكذا).

إن تجربة الصوم كما هو معروف تتوزع على الجانبين المادي والروحي في آن واحد، فالانسان يمتنع عن تناول الطعام والشراب لمدة محددة من ساعات النهار، وبهذا فإنه يحرم جسده ماديا من الامدادات الغذائية التي يحتاجها وبذلك فإنه يعاني من عواقب النقص المادي في هذا المجال، غير ان هذا مرتبط بجانب آخر هو الجانب الروحي، فحين تمنع نفسك عن الاكل والشرب فإنك تربيها وتتحكم بها وتعارض رغائبها، وهذا بحد ذاته درس للسيطرة على النفس لاسيما الامارة بالسوء، ومن جانب آخر فإنك تمنع جوارحك واحاسيسك من العمل خلافا لما يتطلبه الصوم، فإنك تعطل غرائزك وفقا للشريعة الاسلامية وبهذا يُضاف إليك قدرات اخرى للتحكم بالنفس والسيطرة على رغباتها ايضا، وبهذه الطريقة تكون الفائدة من الصوم مزدوجة مادية وروحية وبهذا فالصوم درس انساني بليغ لم يهدف من الناس الى الرقي البشري في توجيه النفس الى ما هو صالح ومفيد للانسان سواء على المستوى الذاتي او العام، وفي هذا الصدد جاء في كتاب سماحة المرجع الشيرازي (العلم النافع): (كان النبيّ صلى الله عليه وآله يستقبل شهر رمضان من كلّ عام بخطبة يوجّه فيها المؤمنين إلى أهميّة هذا الشهر وضرورة الاستفادة منه؛ ولذلك فخُطَب النبي صلى الله عليه وآله وكذلك خُطَب الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في استقبال شهر رمضان كثيرة، ومنها الخطبة المشهورة التي رواها الإمام أمير المؤمنين عن النبيّ صلى الله عليه وآله، والتي يسأل فيها الإمام عن أفضل الأعمال في هذا الشهر، فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وآله بأنّه «الورع عن محارم الله تعالى». فحريّ بنا أن نقرأها ونتدبّر معانيها ونعمل بها ما وسعنا، والله سبحانه وتعالى يعيننا على ذلك).

نعم فالسيطرة على النفس والتحكم برغباتها ليس بالامر السهل، ولعل الصيام الحقيقي هو الاسلوب الامثل والاقصر لتحقيق هذا الهدف خاصة انه مطلب إلهي يريده الله تعالى لكل العباد تقربا إليه تعالى وتعلقا به سبحانه.

ومن فضائل هذا الشهر الكريم ان الدعاء فيه اكثر واقرب قبولا من لدن الله تعالى، ولهذا يحث الخطباء والمصلحون على اهمية ان يدعو المؤمن لأخيه المؤمن في هذا الشهر الكريم، بل الدعاء مطلوب حتى للأعداء لكي يساعدهم الله على نفوسهم ويعودون عن غيهم  الى جادة الصواب، وهذا ما نجده في سلوك أئمتنا الاطهار عليهم السلام حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد كان الأئمّة سلام الله عليهم يدعون حتى لأعدائهم؛ فقد روي في المقاتل أنّ الإمام الحسين سلام الله عليه وبعد أن نزلت به كلّ تلك المصائب واستشهد أصحابه وأهل بيته وذُبح طفله الرضيع... إلى ما غير ما مرّ به من المصائب، شوهد يبكي ـ ومن المعروف أنّ المُقاتِل لا يبكي في ساحة الحرب؛ لأنّ ذلك يعدّ علامة على الضعف والانكسار ـ فلماذا بكى الإمام الحسين سلام الله عليه؟ الجواب: (لأنّه كان يرى أنّ هؤلاء الأعداء كلّهم سيكون مصيرهم إلى النار؛ فبكى لحالهم ومصيرهم الأسود).!

وبهذه المبدئ السمحاء يمكن للانسان أيا كان انتماؤه او موطنه بأن يرتقي الى مراتب أعلى من خلال اكتسابه لصفات التسامح والمحبة وحب الخير للاخرين والدعاء لهم بالصلاح والايمان.

ولعل شهر رمضان هو الفرصة الأهم والاكبر التي تتيح للانسان ان يزكي ويهدي نفسه وغيره الى سبل الخير والمحبة والايمان وسيكون الله سبحانه وتعالى ظهيرا للمؤمن وسندا له في نواياه وافعاله الصحيحة التي تقوده الى زكاة النفس وهدايتها بإذنه تعالى.

هامش:

(1)- وسائل الشيعة: ج 1 ص72 باب 12، بطلان العبادة المقصود بها الرياء، ح161.

(2)- فروع الكافي: ج4 ص87، باب أدب الصائم، ح1.

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/آب/2009 - 8/رمضان/1430

[email protected]