رمضان ما بين الأمس واليوم

تحقيق: صبا الأسدي

 

شبكة النبأ: هلَّ هلال الشهر الفضيل, وأصبح الهلال بدراً، وها هي لياليه تنطوي وتحمل معها عطر مبارك لتلك الايام الجميلة.

لقدسية هذا الشهر المعظم كانت هناك الكثير من العادات والتقاليد يزوالها اهلنا منذ القدم, ولكن نتيجة تغير الظروف والاجواء الاجتماعية في العراق على وجه العموم ومدينة كربلاء على وجه الخصوص، اندثرت قسم من تلك العادات وبقي القسم الاخر مُذكرين الأطفال والشباب بأيام لم تعد لها من نكهة خاصة في نفوسهم ومتذكرين كيف كان شهر رمضان في الامس وكيف اصبح اليوم.

تكلّمنا مع الحاجّة خديجة حسن، 71عاما، عن الاستحضارات الرمضانية قديماً، فقالت لـ شبكة النبأ: "كانت هناك استعدادات قبل حلول هذا الشهر الفضيل ويتم من خلالها شراء الكثير من المواد الغذائية كالطحين والتمن والدهن والهيل وكنا نسميها بـ(الكيل)، ويزداد عليها الشراء والطلب في هذا الشهر ولذلك كان اغلب الاهالي يشترون (الكيل ) منذ فترة قبل حلول الشهر ولهذا  يضرب المثل القائل (جدَّ الدهر وأكله بشهر)، اي ما معناه إننا نستهلك الكثير مما اختزناه في شهر رمضان".

وتستمر الحاجّة قائلة: من أكثر العادات التي كانت تزاول في تلك الايام تبادل الزيارات ما بين  الاهالي وتلبية الدعوات على وجبة الإفطار بغية الحصول على الاجر والثواب، وذلك للتقارب ما بين العوائل الكربلائية والتعارف، وتدور خلال الزيارات احاديث وحكايات وقصص وقضايا الساعة والمجتمع، وان محور حديث كل من هذه المجالس كما كان واضح من كلام الحاجة خديجة هو في الدين والتاريخ والادب وفي شؤون الحياة المختلفة مؤكدة على اهمية الصوم وابعادة وفوائده .

وتستطرد الحاجّة، اما الان فنحن لا نلاحظ هذه الزيارات فهي اندثرت او لربما تحولت الى زيارة للعتبات المقدسة ولكن كان لهذه الزيارات اهمية وطابع ايجابي حيث يتعود الصائم على ترك العادات الضارة او السيئة  التي تفكك الاخلاق والمجتمع، و يتودد بها الصائم الى ذوي القربى ويعطف على الفقير مما يرفده من الصدقات عليهم ويساعد المحتاج ويتفقد المرضى والايتام والارامل وغيرها من انواع البر والصدقات مما يرفع معنويات الفقير ويدخل السرور الى قلبه، وان هذه الواجبات فرضها الاسلام على الصائمين وبنفس الوقت تعزز الروابط الاجتماعية بين افراد المجتمع.

الكاتب والباحث التاريخي "سلمان هادي ال طعمة" تحدث لنا عن ايام شهر رمضان منذ أيام ما كان المسحّراتي يطوف ويحمل صفيحة فارغة يدقُّ بها ليوقظ الناس لسحورهم.

يقول طعمة لـ شبكة النبأ:" قبيل وقت السحور بفترة امدها ساعة واحدة او أكثر يطوف (المسحراتي) اي الطبّال ليدق على صفيحة فارغة (تنكة) منبهاً الصائمين وموقظا اياهم، اما الآن فقد تطورت هذه العملية بالضرب على الطبل والنفخ في البوق، وعندما يضرب المسحراتي بطبله المدوي ينادي في سكون الليل (أكعدوا يا صايمين أكعدوا اتسحروا) ومع هذا الوقت نسمع التمجيد من على المآذن وهنا تستعد النسوة لتحضير الاكل ومنهن من أعدّت الطبخ قبل هذا الوقت.

واضاف طعمة، بعدها ينهض افراد العائلة الى مأدبة السحور ومن ثم بعد الاكل يقرؤن دعاء البهاء والأدعية الخاصة بالأسحار، وقبيل أذان الفجر بحوالى عشرين دقيقة نسمع مناجاة المؤذّن وكانت تتألف من أبيات من القريض خصيصا لهذه المناسبة وهي:

اشرب الماء هنيئا يا محب   واجر دمع العين حزنا وانتحب

لحسين السبط في جنب الفرات   مات عطشانا شهيدا محتسب

اشرب  الماء  هنيئا انه ماء مباح   اشرب الماء هنيئا بسلام

واذكر المقتول من جور اللئام   سبط  طه المصطفى خير الانام

قد بقى ثاوٍ على وجه الرغام

وغيرها من الابيات الشعرية يكررها المؤذّن الى ان يعلن عن الامساك وهنا يمتنع الجميع عن تناول الطعام وبعدها يؤذن آذان الصبح وينهض الصائمون لتأدية صلاة الصبح سواء في البيت او في مسجد قريب من البيت وكما يقصد البعض العتبتين المقدستين للحصول على الاجر والثواب.

وآما على مأدبة الافطار والتي تعد من قبيل اذان المغرب بربع ساعة فتُصَفُّ عليها الاكلات الشعبية (شوربة عدس، حلاوة طحين، حلاوة نشا، دولمة، كباب شامي، كباب مشوي، كبّة حلب.. وغيرها من الاكلات) ومن الجدير بالذكر ان اغلب العوائل الكربلائية لا تطهوا التمن والمرق في وقت الفطور وانما في وقت السحور وتعتبرها هي الوجبة الأساسية في شهر رمضان، كما ان السمك والهريسة لا تُطبخ في هذا الشهر وذلك لأنها تعطش الصائم.

وتابع ال طعمة القول لـ شبكة النبأ: كانت تقام اماسي رمضانية تُعقد فيها مجالس الوعظ والارشاد وتفتح ابواب الدواوين ويزداد التزاور فيها بشكل ملحوظ، ومن بين تلك المجالس الكبيرة التي كانت تُعقد في المدينة المجلس المقام في ساحة الامام علي (ساحة البلوش قديما) من قبل سواق السيارات الاجرة ومجلس قبلة باب العباس ومجلس ينعقد في الصحن الحسيني وآخر في الصحن العباسي، وتدور بين روادها الاحاديث الرمضانية الشيّقة وإلقاء الشعر فيها حيث النوادر النثرية والنكات الشعرية يكون مجالها اوسع وشذاها أصوغ.

وعن ذكريات اخرى تخص كربلاء في رمضان تحدثت السيدة شكرية، تتجاوز  65عاما، حيث تقول: تعوّدنا في هذا الشهر الفضيل زيارة العتبات المقدسة في انحاء البلد حيث في كل يوم اربعاء كانت هناك زيارة الى سامراء لمرقدي الإمامين العسكريين، وعند أيام الجرح (جرح الامام علي (ع) وهي ليالي(18،19،21) تخرج مواكب الزيارة الى النجف حيث مرقد أمير المؤمنين (ع) في النجف.

وتتابع السيدة القول، كل ليلة جمعة تكون هناك زيارة واسعة للامام الحسين (ع) وبالأخص آخر خميس والذي يطلق عليه  "اليتيمة"، اما عن ليلة الخامس عشر من رمضان وإسمها "الخوارة" بمعنى ان الاموات يخورون فيما بينهم من اجل الثوابات التي توزع من قبل أهاليهم، وغالبا ما يكون الثواب هو الاكل خصوصا السمك او الدجاج وغيرها.

ومن العادات الرمضانية ما اندثر واختفى فكان الجواب عن سبب ذلك عند الاستاذ سعيد رشيد زميزم، الباحث الاجتماعي، والذي يعزو السبب في اندثار اغلب تلك العادات الرمضانية الى ممارسات النظام البائد القمعية ضد ابناء هذا البلد، اذ جعل كل شيء احتفالي او مناسبة دينية أمراً غير مسموح به اطلاقا، فقد حارب التجمعات الشبابية التي كنا نلاحظها في كل محلّة وتم القضاء على المجالس الحسينية والتجمعات الجماهيرية بكافة اشكالها. ولكن من الامور التي لابد ان تراعى في الوقت الحاضر هي ضرورة عودة  تلك الاواصر الاجتماعية حيث فكر الحزب الواحد قد ولى وبُسِط رداء من الحرية على هذا الشعب بعد ما كان يعاني من الدكتاتورية والظلم لعقود طويلة.

المجالس الحسينية في هذا الشهر الفضيل ايضا كان لها الدور البارز في احياء الشعائر فقد كانت تنتشر في جميع انحاء كربلاء المقدسة مارّة بمراحل كلَّمنا عنها بإختصار الشيخ علي عبد الحسين كمونة، شيخ عشيرة بني اسد، وعميد ديوان ال كمونه، قائلا، ان المجالس الحسينية هي معلم من معالم المحافظة التي تشرفت باحتضان جثمان سبط الرسول محمد (ص)، ولهذا تكثر المجالس الحسينية في هذه المدينة في شهر رمضان المبارك وتكون لها نكهة خاصة حيث ان هذا الشهر هو شهر الطاعة والإيمان والتقرب الى الله سبحانه وتعالى فتكثر الصلوات والدعوات في المجالس وان مدينة كربلاء تزدخر بالشعراء والمثقفين الذين لهم الدور الكبير في نشر الثقافة والادب بحيث لم تكن المجالس الحسينية مقتصرة على ذكر اهل البيت عليهم السلام فقط وانما تكون ثقافية و تربوية ولهذا تعتبر المجالس مدارس، يتعلم فيها الكثير من ابناء المدينة.

واضاف الشيخ علي لـ شبكة النبأ، ان مجلس ال كمونه بدأ منذ منتصف القرن الثالث عشر الميلادي ويكون في شهر رمضان وشهري محرم وصفر وكل يوم خميس من كل أسبوع على مدار السنة، وفي الوفيات، وتواكب عليها الكثير من الخطباء وعلى رأسهم الخطيب المرحوم الشيخ هادي الكربلائي.

أخيراً، قد يكون لهذا الشهر الفضيل عادات وتقاليد ربما اندثر بعضها واستحدث بعض آخر لكن يبقى شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي يميّز المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات ويعطي روحية سامية للمسلمين.

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/أيلول/2008 - 28/رمضان/1429

[email protected]