شبكة النبأ: الإنسانية السامية الجميلة لم تبد في مظهرها الإنساني
الواسع الإ لأنها استقت عناصرها عدة مرات من ينابيع الشرق المليئة
حيوية وأسرار.
ولم يكن غوته شاعرا كبيرا فحسب بل كان أيضا حكيما عظيما ومثلا رائعا
لتلك الإنسانية السامية الجميلة، التي أشرقت في ظلمات نفوسها فلسفة
الشرق حتى إنارتها. هذه ناحية غير معروفة تمام المعرفة من نواحي الفكر
والإلهام عند غوته. إن أكثر المؤرخين الذين قاموا بدراسة حياة الشاعر
الألماني العظيم قد أهملوا هذه الناحية، ولم يفكر واحد منهم في أن يصور
لنا غوته مسلما او نهل من منبع الإسلام حتى ارتوى.
إن غوته كان رجلا متسامحا ولا يجهل شيئا مما يتعلق بالإنسان. فقد
اعتكف على الحضارات كلها بنفس الروح العاطفية السمحة و حاول إن يفهمها
جميعا، وإن يقتبس من كل منها ما يستطيع إن يضيفه الي كنز الحكمة الذي
كان يدخره في نفسه.
درس في السماحة
لقد وضعته تربيته الأولى في مدرسة السماحة وأظهرت له إن الناس لا
يفكرون جميعا بنفس الطريقة. أبوه ( لوثري) لكنه غير ميال الى التصوف،
وأمه متدينة وديعة متشبعة بشاعرية إنسانية، ومعلموه يتبعون مذاهب شتى.
وكان غوته في شبابه مع ولعه بالمعرفة واحترامه لوالديه ومعلميه يثق كل
الثقة في أولئك ويعرف لهم الجميل لما قاموا به من جهود في سبيل نهضة
عقله ودفعه في اتجاهات مختلفة.
اشراقة الإسلام
يرجع أول اتصال له بالإسلام الى عهد شبابه حوالي سنة 1773 م عندما
كان مترددا في شان الطريق التي يسلكها و محاولاته المتعددة في الشعر.و
أين يجد صورة للشعر و تعبيرا ابلغ مما يجده في القرآن ؟ فيأخذ في
قراءته و في مطالعة رحلات المسافرين الذين عرفوا الحضارة الاسلامية ثم
يفكر في تأليف قصيدة حماسية عظيمة بطلها النبي محمد (ص ).
لسان حال الإمام علي
محمد بن عبد الله (ص) في نظر غوته نبي حقيقي أوحى الله له من روحه
وألهمه قداسة رسالته وجلالتها الإلهية. فالمأساة التي تدور في نفس
النبي هي عدم امكانه جذب أتباعه في طريق النور التي يدفعه الله فيها.
ومن ثم اضطر إن ينزل الى مستواهم و أن يهبط الى دنيويات الحياة المادية..
وكلما ازداد سلطانه قوة ازدادت نفسه حسرة وظلمة.
لم يتم غوته روايته ولم يبقى من هذه الملحة الرائعة الإ قطعة
واحدة هي ( نشيد في مدح النبي )و يكفي غوته فخرا و اعتزازا ووقارا إن
يضعه على لسان علي بن ابي طالب (ع). ولكن حسبه إن يشعرنا بالأسف الشديد
لعدم استئناف غوته عمله وإتمام موضوعه.
جلال الرواية بأبطالها
تبدأ الرواية بمقدمة ملؤها العظمة والشاعرية. فنرى النبي واقفا
وحده تحت قبة السماء ينظر الى النجوم تتألق الواحدة تلو الاخرى فتبدو
له كل واحدة منها آلهه فيقدم لها نشيد العبادة. فإذا ما ظهر المشتري
ملك الكواكب خصه بصلاته وحده. فيظهر الهلال بدوره فيخصه أيضا بالصلاة
والعبادة. وأخيرا لاح الفجر وأشرق الصبح فأخذت نفس محمد (ص) وقد طابت
وانتعشت تقدم له صلاته الأخيرة. وحينئذ يفطن انه لابد له من إن يغلو في
الارتفاع حتى يبلغ الى الكائن الواحد الأزلي الذي يعزى إليه وجود الشمس
والقمر والنجوم.
ثم كانت الرواية تقص كيف هدى محمد الى الإسلام زوجته وتلميذه عليا
في إشارة لمّاحة الى وصيه وخليفته من بعده. ثم حاول إن ينشر عقيدته في
قومه ثم قام بهجرته وانتصاراته وتطهير الكعبة الإ انه حين أراد إن
يواصل الجهاد بين الناس اضطر الى استخدام الأساليب التي يفهمونها و هي
القوة و الإقناع وأخيرا لم يسترد صفاءه واتصاله بالوحي الإلهي الإ في
الفصل الأخير فيحدد مبادىء الدين لتلاميذه وأتباعه وينظم البلاد ثم
يتوفاه الله الى الملكوت الأعلى.
خذلان الفن
كان غوته يأسف لفقده هذه القصيدة وقد فكر إن يعيدها على شكل انشودة
مغناة. وفي اعتقاده أنها تتناسب والموسيقى الكلاسيكية بسبب تنوع
تعابيرها. فكان يتخيلها على لسان قائد قافلة يتغنى بها بينما كانت
أسرته ورجال قافلته يصحبونه فيرددون عليه الغناء، غناء البادية.
ومن دواعي الدهشة إن أحدا من كبار الموسيقيين الرومانتيكيين الألمان
لم يقدم له معونته فيسمح بتحقق هذا المشروع العظيم لعدم اتصال أواصر
المؤالفة بينه وبين ( بتهوفن).
إنساني النزعة
وهكذا كان غوته الرائد العبقري الفذ الذي كثيرا ما وصفوا عقله بأنه
اوربي إن يتخلص من حدود أوربا ويندفع الى الشرق الإسلامي حيث يشعر بأنه
وطنه. فهو في وئام تام مع جميع الذين يتطلعون من وراء بؤس العالم
الحاضر وآلامه الى الحكمة الإلهية والجمال الأزلي الذي أضاء دواخل
النبي محمد (ص) والإمام علي(ع) لتشرق انوارهما على الإنسانية جمعاء. |