شبكة النبأ: هو الإمام البر التقي
الطاهر الزكي، أبن الإمام البر التقي أخ رسول الله وأبن عمه ووصيه من
بعده أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب (ع)، أبن سيد نساء العالمين، أم
أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام، هو الإمام قائما كان أم قاعدا، خامس
أهل الكساء، وسيد شباب أهل الجنة، أبا محمد الحسن الزكي (ع).
ذاك الصبي الذي بل ريقه سيد الكائنات (ص) وأعطاه لسانه فتحسس لعاب
النبي (ص) ليزقه الرسالة والإمامة والعلم والفصاحة والإيمان والتقوى
والشهادة منذ لحظاته الأولى البكر، وعصمه من سوء الشيطان ونزغه، كما
أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
شهد التنزيل والإمامة وتربى في حضن الوحي والرسالة، حفظ ما أنزل على
جده من وحي الله الأمين جبرائيل، كلمة كلمة، وعاش لحظات التجلي الكبرى
لجده، وجاء بما أمره الله وفعل بما سنه رسول الله (ص). وقيل فيه أنه
أشبه الناس برسول الله (ص) خلقا وخلقا.
فهو الذي لم يسبق أبوه بتسميته جده صلواته الله عليهم، ولم يسبق جده
الوحي، وعهد بأسمه إلى خالقه سبحانه وتعالى، فكانت مشيئة الله جل في
علاه أن يكتمل حديث النبي لعلي (ع)، حديث المنزلة لهارون، والذي طالما
أرق مضاجع الطغاة، والمارقين والمنافقين، حين كان علي من محمد (ص)
بمنزلة هارون من موسى، فأوصاه جل في علاه بأسم أبن هارون شبر، وعربيا
يكون الحسن (ع). كما عهد بأسم الحسين (ع) فيما بعد وهو الأسم الثاني
لأبن هارون شبيرا.
نعم نقول لم يسلط التاريخ أضوائه الكافية عليه (ع)، ولم ينصف شخصية
محورية مهمة في التاريخ الإسلامي كشخصية الإمام الحسن المجتبى (ع)،
فهذا هو حال التاريخ وكتبة التاريخ دائما، أخفقوا مرارا وتكرارا مع
الإمام أو مع سواه من مقربين ومحبين وشيعة، وهذا بحد ذاته ليس جديدا
عليهم، فحين يتعاطى التاريخ كتابيا ونقلا مع شخصيات الرسالة الإسلامية
المهمة، ولاسيما أئمة أهل البيت عليهم السلام والتابعين لهم والمبلغين
أو الشخصيات المهمة في التاريخ الشيعي، نرى غمط الحقوق والتكتم
والتحريف والكذب على الله ورسوله (ص) وضاحا وجليا بين طيات وصفحات هذا
التاريخ.
بيد ان الإمام الحسن (ع) ورغم التحديات والظروف الحرجة التي رافقت
مسيرته بعد إستشهاد أمير المؤمنين (ع) استطاع ومن خلال ذلك قول كلمة
الحق وتبيان الحقيقة للناس وما اختلفوا فيه، وإلقاء الحجة عليهم، كما
كان له (ع) الدور البارز الأثر في التغيرات التي أعقبت استشهاده رضوان
الله عليه.
وربما يمتاز (ع) بدور آخر ومختلف عن باقي الأئمة رضوان الله عليهم.
فتسلمه مهام الإمامة والخلافة بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (ع) في العراق وترأس البيت الهاشمي، كل هذا إضافة إلى علمه المسبق
بدوره كمتصدي جعلت من سيرته الشريف ان تكون مركزا ومحورا للأحداث.
هذه السيرة التي غيرت فيما بعد مجرى أحداث التاريخ الإسلامي على
الصعيدين السياسي المتمثل بالخلافة، والاقتصادي المتمثل بحدود الدولة
الإسلامية، وهو بشكل أو بآخر يعود على الأول، ووضعت بصماته الخاصة
والجديدة، ورسمت الملامح القادمة التي ستخطو فيما بعد طريق الجهاد
والتضحية بالغالي والنفيس الذي رافق أهل البيت عليهم السلام، وصولا إلى
الإمام الحادي عشر الإمام الحسن العسكري(ع)، ليكون مستهلا لهذه الفواجع
والمصائب، هي فاجعة سم الإمام حسن المجتبى (ع) ثم رمي نعشه بالسهام حين
جيء بالجسد الطاهر إلى قبر جده الرسول الأكرم (ص)، ثم مالبثت ان انطلقت
الشرارة الثانية، الشرارة التي ستكون فيما بعد منارا لكل الثائرين
والأحرار، والمتمثلة بالنهضة الحسينية المباركة التي خط أحرفها
الوضاءةألار الإمام الحسين (ع) في كربلاء.
فكربلاء كانت كحركةٍ وواقعةٍ عملية حاضرة في ذات الإمام الحسن (ع)
وفكره وتجليات الموقف أمامه ــ أعني بكربلاء ليست الرقعة الجغرافية بل
الحركة الثورية ــ وقد دل على ذلك سلام الله عليه في أكثر من موقف له،
وأكثر من فعل وقول، خصوصا في فترة عهد الصلح مع معاوية، حين سؤال عن
سبب الصلح فأجاب (ع): والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا،
ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه (1).
وهنا يتضح في خطابه (ع) ان الأمر كامل وتام ومحكوم عليه من قبلهم ـ
الأئمة ـ عليهم السلام، بيد ان مسألة الناصر هي التي تأخر قيام
الموضوع، أذن فالثورة الحسينية المباركة في كربلاء، كانت في أصلها معدة
مسبقا على يد الإمام الحسن (ع). فالقتال كان حاضرا، والموقف غير متبدل
أبدا، موقف مقارعة الظلم والظلمة والطغيان.
وكان منه انه شبه موقف المبايعة لمعاوية كهرب النبي إلى الغار وخوفه
من قريش، فقوله لو وجدت ناصرا ومبايعا لي عليك ـ معاويةـ لما تركت
الأمر. كذلك كان الأمر مع أمير المؤمنين (ع) حين اغتصبت خلافته.
ان الدور المرسوم لكل إمام من أئمة أهل البيت والمناط بهم هو دور
مقرر ومعد من قبل الله سبحانه وتعالى، محدد الأولويات باتجاهات معينة،
لرسم هندسة الطريق نحو الخلاصة التي يهيأ إليها الله منذ بدء الأمر،
لمعرفة شكل الخاتمة التي ستكون على يد آخر أئمة أهل البيت (ع) قائمهم
والآخذ بثأرهم.
حتى يتوحد إذ ذاك الدين بالشكل الذي يريده الله سبحانه وتعالى ونبيه
الكريم وأئمة أهل البيت عليهم السلام، إذن فالدور الذي قام بتأديته
الإمام الحسن عليه السلام ما هو إلا دور مكمل وسلسلي وتواصلي ضمن
الحلقات الرسالية المتصلة ببعضها ولاتتفرق عن البعض الآخر، منذ رسول
الله (ص) وحتى الإمام المهدي المنتظر (عج).
فسلام على أبا محمد الحسن الزكي يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا.
...................................................
1) الاحتجاج: ج1/ص291 |