شبكة النبأ: في جميع بقاع العالم
الاسلامي يحتفل المسلمون بقدوم شهر رمضان المبارك، وتكون هناك جملة من
الاستعدادات منذ فترة قبل مجيئة. ويمتاز هذا الشهر الفضيل بالصيام اي
الإمساك عن الطعام والشراب من اذان الفجر وحتى اذان المغرب وهنا طبعا
تختلف مواقيت الافطار من بلد لآخر.
في رمضان العراق هناك الكثير من الفقراء والمساكين الذي ينامون على
رغيف من الخبز وجرعةٍ من الماء مطبّقين قول الرسول الاعظم محمد(ص): "رحم
الله المتسحرين ولو بجرعة من ماء"؛ ولكن هذا السحور وليس الافطار!. كنا
نحن العراقيين نفرح بحلول هذا الشهر لأنه شهر البركة وبمجيئه ياتي كل
الخير حيث يتم توزيع الحصة التموينية وفيها الكثير من المواد الغذائية
مثل الفاصوليا، والعدس، والتمن العنبر العراقي، والطحين الصفر، لعمل
المعجنات ويشهدها زيادة في هذه الكميات وتوزع قبل حلول الشهر المبارك
حتى لا تشتكي اي عائلة عراقية من قلّة الزاد.
والان لاتوجد تلك المواد الغذائية، وان وجدت فهي فقط نصف كيلو عدس
للفرد العراقي خلال هذا الشهر المبارك! و"ماكو داعي للبقية لان فيها
أثم كبير" هذا ما تصرح به الدولة وما تستطيع ان تقدمه الى ابناءها
العراقيين!؟
من ناحية اخرى الكهرباء المفقودة. في هذا البلد ولايهل هلالها في اي
شهر من الاشهر، وبالنسبة لمحافظة كربلاء المقدسة فلا يشهد الناس
الكهرباء فيها إلا في المناسبات والزيارات الرئيسية للأضرحة المقدسة..
والعنصر الثالث المفقود هو الماء، فهو الاخر يكون صائما في هذا
الشهر الفضيل ولا يتواجد إلا ما بعد السحور، لتغسل أم علي صحونها،
وتملأ خزانات الماء من اجل يوم غد.
وتواصل ام علي القول وهي متذمرة جدا من حالها في البيت، لعدم توفر
الكهرباء، والماء، والاسعار الغالية جدا للسلع والمواد الغذائية، لا
استطيع ان أشتري اي شيئ لأولادي من اجل اسعادهم وأنا اعتمد اعتمادا
كليا على الحصة التموينية المخصصة من الدولة.
وأضافت القول: لذلك فأنا أُقنع اولادي بقلة ما يوجد لدي، لأنني
أرملة ولا امتلك ما يعينني، ولا يوجد لدي معيل سوى الله واهل الرحمة..
وتذكر ايامها التي كان زوجها معها وعلى وجنتيها تسيل الدموع.. كنت بعز
ومكرمة وكان اطفالنا لا يحتاجون الى شيئ وخاصة في شهر رمضان الكريم
ولكن الان ليس لدي لا رمضان ولا حتى عيد من بعد رحيل زوجي ابو علي...
بمأساة عراقية وقلب دامي تكلمت ام علي ورمضان الان في بيتها ولا تعرف
ما ستقدم الى اطفالها اليوم او غدا.
هيفاء، موظفة في احدى دوائر الدولة ولديها اربعة اطفال تقول ان شهر
رمضان الكريم من الاشهر التي تمتاز بإجتماع العائلة، وخاصة في وقت
الفطور. ولكن في هذه السنة بالذات نحن لا نلتمس بركات هذا الشهر الفضيل
لا من حيث الافطار ولامن حيث اللمة العائلية؛ فحرارة الجو جعلت من كبار
السن والاطفال لا يستطيعون الصيام، وانقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع
المواد الغذائية، فبعد عودتي من العمل اعود وأنا منهمكة من التعب وعلي
ايضا ان احضر الإفطار ويجب ان يحتوي على الكثير من الأصناف وليس صنف
واحد من اجل اقناع الزوج والاطفال.. حيث نتداول فيما بيننا قبل يوم من
أجل ان أحضّر مايريدون او يشتهون..
وبينما كنت أتحدث مع هيفاء، وإذا بي ألاحظ شاب بعمر 25 سنة وهو يشرب
شربت الزبيب، فدنوت منه سائلة ومستفسرة ان كان هذا الشاب قد يشكو من
مرض معين يمنعه من الصيام؟ فأجاب، انا لست بمريض ولكن الحر الشديد..
جعلني لا اتحمل الصيام.. ولهذا فأنا فاطر، ولا استطيع الصوم.
بينما عرفت من إحدى زميلاتي ان ابنتها الصغيرة سجى، بعمر سبع سنوات
فقط، قد عقدت العزم على الصيام في هذا الهجير، من اجل رضى الله ونوال
ثوابه. تقول سجى: استيقظ في الساعة التاسعة صباحا من اجل ان أقرأ
القرآن مع اهلي، وبعدها اصلي صلاة الظهر، واغسل وانام ولكن الحر يزعجني
كثيرا، ولهذا فأنا لا اساعد والدتي في اعمال المنزل لأن الحر شديد ولا
توجد كهرباء حتى اقضي بقية وقتي.. وعند الإفطار فأنا لا اكثر سوى من
السوائل لسد النقص الحاصل لدي منها بسبب الحر الشديد خلال اليوم.
اما من الناحية الدينية وحُكم الجهر بالإفطار، فكان لنا حديث مع أحد
رجال الدين ، مبيناً لنا بعض أسباب الافطار وأحكامه: ان من تنطبق عليهم
شروط عدم الصوم في رمضان هم، من كان لا يقدر على الصوم للمرض مثل
الحامل المُتعَبة من حملها، كأن تخاف على جنينها، والمرضع إذا كان
الصيام يقلل من حليبها، واذا لم تتمكن من قضائه في نفس السنة لنفس
السبب، لايجب عليها الصوم ولا قضاؤه، لكن يجب ان تعطي للفقير عن كل يوم
مدّين من الطعام، مداً بعد مضي شهر رمضان ومداً في آخر السنة اي قبل
رمضان الثاني.
كذلك الشيخ الطاعن في السن والعطاش، وهو من يعطش كثيرا ولا يمكنه
تحمل العطش، او كان يشق عليه الصوم، ويلزم ان يعطي بدل كل يوم مداً من
الطعام للفقير، ويلزم عليه قضاء ما فاته من الصيام في نفس السنة..
والمسافر أيضا، اي اذا سافر المسلم من قبل اذان الظهر يبطل صيامه
وعليه قضاء ما فطره من الايام التي سافر بها.. ولكن الله تعالى ينبهنا
الى ان الصوم فيه فوائد جمّة جسمية ونفسية واخلاقية.. مهما كانت المشاق
التي نتحملها فيه..
ابو محمد رجل كبير بالسن ولديه خمس اطفال اثنان منهم متزوجون
والآخرين طلاب، ابو محمد يذكر رمضان ووجهه مبتسم كثيرا ويقول، انا
فرحان لأن شهر الله الكريم قد حل علينا، والامسيات الرمضانية نتداولها
ما بيننا، ويضيف ابو محمد ان هذا الشهر هو شهر خير ولكن في زمن الخير،
وليس في هذا الزمن اذ ان الخير ذهب مع اهله، وبقي لدينا فقط نصف كيلو
من العدس وهذا هو الخير الذي ننتظره من حكومتنا الموقرة، فانا في كل
يوم اصرف بحدود كيلو من العدس لعمل (الشوربة) التي عادة ما نبتدأ
إفطارنا بها، فأين اضع النصف كيلو يا ترى؟
وهذا السؤال وإمتداده الى مختلف انواع السلع والخضار والمواد
الغذائية، مطروح على جميع اصحاب القرار، وكان لـ (شبكة النبا
المعلوماتية) وقفة مع غرفة تجارة كربلاء للإستفسار عن أسباب زيادة
الأسعار غير الطبيعية في شهر رمضان، فألتقينا بمحمد رشدي (عضو اداري في
الغرفة) موضحا السبب بالقول: ان ارتفاع الاسعار يشهده العالم بأسره
وليس العراق فحسب، ومرتبط ارتباطا كليا مع ارتفاع النفط الخام. وعلى
جميع المواد وليس فقط في المواد الغذائية وأن أسب ب الارتفاع في
العراق تعود الى الحكومة التي لا توفر المواد الغذائية، فلو وزعت الحصة
التموينية قبل حلول شهر رمضان الكريم ما كان هناك الكثير من المشاكل
عند العوائل.
وأضاف رشدي، السبب الثاني هو التاجر نفسه حيث يحصل على المواد
الغذائية ويكدسها لمصلحته ويبيعها بالسعر الذي يراه مناسبا له في الوقت
الذي يكون فيه الطلب كبيرا، ولن تستقر الأسعار ما لم يكن هناك رقيب من
قبل الحكومة، وسيطرة على المواد المستوردة الى الداخل. ويجب ايضا على
الحكومة ان تفعل العمل في مختبرات القياس والسيطرة النوعية على كثير من
المواد الغذائية التي تدخل العراق بدون ان تخضع للسيطرة النوعية، وخاصة
المواد التي تأتي على شكل مساعدات..
وعلى الرغم من كثرة المعاناة التي نشهدها في هذه السنة في شهر رمضان،
إلا ان انه يبقى من أجمل شهور الله تعالى وهو شهر العبادة وختم القرآن
والمغفرة والرضوان، وكذلك هو شهر الإجتماعات العائلية ولمّة الاصدقاء
والاقارب.. |